أين اللقا؟
وتمرّ قاطرة السنينْ
وعلى الدروب توزّعتْ خُطْوات كلّ العاشقينْ
لا رحلة في الصيف قد كانت ولا جاد الشتاءْ
وتجُوزُنا كلُّ الفصولِ
سوى بقايا من خريفْ
فيه استفاقت كلّ مورقةٍ وقدْ أضحت عراءْ
ونظلّ نحلمُ باللقاءْ
نقتات من أحلامنا كسراً ونمسي جائعينْ
والأرض ضاقت حولنا وازّاحمت بالمتخمينْ
وعلى مشارف جرحنا هم يرقصونَ
ونخبُهمْ دمعٌ تحدّر من عيونِ المُبْعَدينْ
بِنَّا
وهمْ قد عاقروا شتى المهازل في الضّفاف وفي الحقولْ
وأتوا على ما كان خبّأهُ أبو الغلمان في ظلِّ الجدارْ
وعلى شظايا قد تبقّتْ من حُطامِ العجلِ
إذْ عادَ الكليمْ
وتراهنوا منْ سوفَ يسبقُ
كي يعلّقَ سيفَهُ في ذاتِ أنواطٍ وينعمَ بالمقيلْ
ويَعُبَّ من كَدَرِ الهزيمةِ والتخاذلِ ما يشاءْ
حِنّاءُ كلّ الراقصات – من الجواري عندهُ –
وخضابهنّ مزيجُ دمِّ الأبرياءْ
**
أشواقُنا الجوعى تبيتُ على الطوى – زُهْداً –
وتفترشُ الطّلُولْ
وتصومُ – في رأي المُجِيزِينَ – الوِصالْ
فإذا استباحَ “الكافرُ الفتّاكُ” كلّ عروقِها
وحمائلَ السيف المروّعِ شدّها
متوعداً ومهدداً
أنْ سوفَ يقطعُ يابساتِ عذوقها
قامتْ لتدفعَهُ بفتوى الاضطرارْ
فتلفُّنا
وتدُقّنا
وتسفُّنا سفّاً
وتذرونا هباءْ
ونظلّ نحلمُ باللقاءْ
ونسيرُ يلفحنا سَمُومُ البُعدِ في بِيدِ الشّقاءْ
وعلى أحرّ من الحروفِ
الثائراتِ..
المغضباتِ..
المغرقاتِ بكلّ ألوانِ الجراحْ
وعلى مسافةِ همهماتٍ
كنّ في حضن الربيعِ مُكَتّماتْ
لكنْ – وقسراً – قد كَبِرْنَ معَ الجوى
أضحينَ هنّ السيّداتُ وصُغنَ دستورَ النّوى
وكتبنَ للبينِ الوثيقةَ
واقتتلنَ على مدائن من نُواحْ
***
أين اللقا
ومتى؟
وكيف؟
وأين أين ؟
فعلى ضفاف الوجد بِتْنَا ناظرينْ
ومراكبُ الأملِ المجدّفِ نهرَ وصلكِ بالحنينْ
تاهتْ، وغُمَّ النجمُ، واحتدم البِعادْ
وتزاحَمَ النُسّاكُ في بابِ القصيدةِ هاتفينْ:
أنْ: حيَّ.. حيَّ على اصطبارْ
قوموا بمحرابِ المشاعر ثمّ صلوا خاشعينْ
وادعوا بأنْ تضع الغمامةُ طفلَها الموعود في الزمنِ الجديبْ
آهٍ فَكَمْ حَمَلَتْهُ في أحشائها
وغَذَتهُ مِنْ إعيائها
آهٍ وكمْ ضَنّت بمقدمهِ وقد عاثت بنا السبعُ العجافْ
فلعلّنا..
ولعلّنا..
ولعلّنا..
لو خلسةً – في غمرة الفرح الكبيرْ
وبجوف تلك الأربعينَ الضامراتُ بها البطونْ –
نرنو بطرفٍ مرهقٍ نحو السماءْ
فنرى بها النجمَ الدليلَ
الـ كانَ غيّبهُ عناءُ الحَمْلِ والوهَنُ الشّديدْ
وتكاثُفُ الآلامِ غَذّتها الصواعقُ
ثُمْ أتى هذا المَخَاضْ
هُوَ مؤلمٌ حدّ اشتهاءِ الموتِ لكنّ الحياةَ بطيّهِ
وهناك خارطةُ المسيرْ
****
أين اللقاءُ؟
وقد مَهَرْنا عُمرَنا المسكون بالسرّ الخطيرْ
صنّاهُ عن كل الوساوسِ والهواجسِ
إذ أتتْ من وحيِ مفتونٍ رجيمْ
طولُ المفاوز،ِ والمفارزُ كلُّها لا شيءَ
إنْ أفضتْ إلى لقياكِ واقتربَ المزارْ
والشمس ما زالت بكاملِ وهْجِها
وتعادلت فيها كِفافُ الوقت وانتصف النهارْ
وهناكَ حيثُ عرفْتِنا لمّا نزَلْ رهنَ انتظارْ
متوضئين بطاهرٍ من دمعِ يعقوبَ الـ يُغَذِّيهِ اليقينْ
مستدفئين بجذوةِ من شوق أمٍّ لمْ تنمْ
ووليدُها في حضن تابوتٍ بيمْ
ترنو – وقد فرغ الفؤادُ
ولمْ تزُغْ عينا ترقّبِها – إلى الوعدِ الأكيدْ
ها نحنُ والولهُ المعتّقُ والقصيدْ
بعناكِ ما أرجتْهُ أقدار الإلهِ
من التي ما حانَ موعدُ ردّها
أوْ لمْ تزَلْ في مهدِها
أوْ لمْ يسجّلْ خازنُ الأرض اليبابِ بسفرِهِ ميلادَها
فإذا تلاقينا وجَدَّ بنا العناقْ
فلسوفَ يُحْرَقُ كلّ طِرسٍ للهوى والعشقِ
سطّره الزمانْ
ولسوف يُنسى كلُّ راقٍ كان طبّبَ عاشقَيْنْ
وتكون قصّةُ عشقنا
ووفائنا.. وولائنا..
– في العالمين – هي المثالْ
وتُلَمْلمُ الخطواتُ في درب التناجي بالغرامْ
لنكونَ فاتحة الروايةِ والختامْ
وإذا قضينا قبل ذا؛
فلتسأليهمْ بعضَ بعضٍ منْ ضلوعْ
تلقَينَ نقشاً للوصية شاهداً
يحكي خلاصة حبنّا المخبوءِ من قبلِ الشتاتْ
وإذا مررتِ بذات دهرٍ قادمٍ
فقفي قليلاً
ثمّ طُوفِي تـِ المراقدَ كلّها
سترين قبراً بينها متصدراً
تكسوه أردانُ المهابة والوقارْ
وهناك حيثُ وقفتِ أنتِ
توقّف التاريخُ مذهولاً
وأجهش بالبكاءْ
وهناكَ أملى ما يشاءْ
ولتقرئي ما عنه خطّ الأوفياءْ :
“ها القبرُ معجونٌ بنفسٍ حُرَّةٍ
وترابُه خصبٌ نقيٌّ طاهرُ
فتيّمموا؛ بردُ الفجيعة قارسٌ
ولتبذروا فهنا سينبُتُ ثائرُ”
تعليق واحد
نص جميل ولغة أصيلة وأداء مميز