كنتُ في لَيْلِ كانُونَ
والريحُ تُعْوِلُ
في رفْقَةِ الشاعرِ الأَمَرِيكِيِّ بُو
هائِمًا معهُ
مُمْعِنًا في قصيدتِهِ: “الغُرابْ”
عِنْدَما رَجَفَ البابُ رَجْفًا خفيفًا
وخِلْتُ كَأَنَّ جَناحًا أَلَمَّ
وَحَوَّمَ بالقُرْبِ مِنْ شُرْفَتِي
وَتَناهَى نَعِيبٌ إلى مَسْمَعِي
واضطِرابْ.
وَتَساءَلْتُ مَنْ زائري في الدُّجَى
وَهَمَمْتُ بِبَابِيَ أَفْتَحُهُ
غَيْرَ أَنّي اسْتَعَدْتُ هُدُوئيَ
لَمّا الهدوءُ اسْتَتَبَّ
فَعُدْتُ إِلى مَجْلِسي والكِتابْ.
حَيْثُ يَسْأَلُ راوِي الحكايَةِ في كَمَدٍ
عَنْ مَآلِ الملاكِ الذي
كان بَيْنَ الوَرَى والملائِكِ
يُسْمَى بِ”لِينُورَ”
والآنَ باتَ سَمِيَّ الغِيابْ.
أَيُّ رِيحٍ تَهُبُّ بِلاَ رَحْمَةٍ
لِتَجُذَّ أَحِبَّتَنَا
وَتُخَلّفَنا كاليتامَى وحيدينَ
نَبْكِي القُدُودَ الخُدُودَ النّهودَ التي
تَتَفَسَّخُ بارِدَةً في التُّرابْ.
لَيْسَ فِي كلِّ جَلْعَادَ مِنْ بَلْسَمٍ لِلْفُؤادِ
ولاَ ثَمَّ آسٍ
يُضَمِّدُ جُرْحي وَأَجْراحَ شَعْبِي
وداخلنِي الشكّ في عَالَمٍ
عاجَلَتْهُ فُؤوسُ الخَرابْ.
كُنْتُ نَهْبَ هَواجِسَ لا تَنْتَهي
طَوَّحَتْنِيَ أَبْعَدَ مِنْ شِعْرِ بُو
وَخَيالِ الفَقيدَةِ لِينُورَ
حتّى انقضَى سَمَري
وإذا البابُ والطارقُ المُسْتَرابْ..
– مَنْ تُرَى جَاءَ فِي آخِرِ الليْلِ
مُقْتَحِمًا عُزْلَتِي؟
وَدَنَوتُ مِنَ المَقْبِضِ المُتَبَلّدِ
مُنْقَبِضَ النَّفْسِ:”مَنْ”؟
وَتَوَجَّسْتُ مُدّلِجًا لا يَرُدُّ الجوابْ.
إنّها الريحُ، غَمْغَمْتُ
لاَ بُدّ مِنْ أنّها الريحُ
ما زِلْتُ مُذْ هَبَطَ الليْلُ أَسْمَعُها
وَهْيَ تَعْوِي فَيَرْتَجُّ بابٌ وَيَهْتَزُّ سِتْرٌ
وَيَرْتَدُّ مِنْ رَجْعِها كَالنُّعابْ.
لَمْ يَكُنْ خارجَ البيتِ غَيرُ الظلامِ
وَرَفْرَفَةٍ في انتظاري،
– قَضَى طائرٌ وَطَرًا ومضَى، قُلْتُ
لكنَّ صوتًا تردَّدَ في داخلي ناعِبًا:
“لاَتَ حِينَ ذَهابْ”.
في منامي رَأَيْتُ كَأنّي بِجَلْعادَ
أَبْحَثُ عنْ بَلْسَمٍ لِفُؤادي
وَعَنْ بَلْسَمٍ لِبِلادي
وكانَ يَحُومُ عَلَيَّ
وَيَأْكُلُ مِنْ طَبَقٍ فوْقَ رَأْسي الغُرابْ.
تعليق واحد
أستاذي واشعاره أروع من الروعة دمت متالقا على الدوام