ستعود الطيور التي أمعنت في الرحيل
وأنت الذي مثل يوم مضى لا تعودْ
مذ تلاشيت في ردهات الثرى
أخلف الصبح ميعاده،
وتوارى الوجودْ
ضيّعتْ ضوءَها الشمسُ
كي لا ترى منجل الوقت
يحصد زهر الدجى في الطريقْ
والسنابل نازفة في الحقولْ
تنحني لعصافير حيرى
تحلّق خلف الظلال
لعلّ المدى يفتح الباب
دون انكسارْ
فتعود الطيور التي أمعنت في الرحيل
وأنت الذي مثل شهر مضى، لا تعودْ
بهدوء التماثيل ترقد
فيما أكفّ الزمان تلمّ المكان البعيدْ
عند مرمى قصيد يضيء الرمال
وحيث العراء يغطّي الوجودْ
يحتويك الرصيف بلا أثر
في دمي كلّ آثارك وخز
عميق الندوب
لجرح الطفولة في مهدها
تنحني نظرات السماء
وحزن كظيم الصّدى
خانه الوقت قبل الغروب
تلظّى وحيدًا وقد خذلته الوعودْ
تلكم العبرات التي لم تبارح أنايْ
دفنت ماءها في أراض خرابْ
كيف يمكنني مسحها
من غيابات قلب يمزّقه الاغترابْ؟
هل ثمّة جسر يحاذي العبور الأخير؟
لئلاّ تظلّ العيون الشريدة حيرى،
تناجي الخيال، وذكرى أب صاعدٍ
من بهاء التجلّي
إلى ما يصيّره اللّحد
جرحًا يهاب الغيابْ.
هل تراني أصدّق أن مقلتيه فراغ
وأن المدى بعده ضيّق
كلّما ازداد شوقي اتساعًا
ولم يبق في الدرب نور
يلوذ به من تطوّقه سنوات عجاف
ولم يبق في الحقل غير
بقايا زهور تسافر
مع الرّيح دون قرار
وآثار خطو محاها الزمان
ولم يبق غير طيور مكابرة
شامخ صوتها في النهار
وليلا مشتتة كالسرابْ
تحوم بعيدًا وتلقي السلام
على وحشة في الديار
تمدّ أناملها الزرق
تنثر فوق الضلوع الغبار
وأكوام حزن تصيح اشتعالاً
ترى من يخاتل تلك الحرائق
ممتدّة في الترابْ
والجذور التي تتضوّر جوعًا
إلى النور، من يا ترى
يستطيع اللحاق بها؟
وهْي تنأى عميقًا
وفي الساح حوض يبابْ
هل تراك تعود لتطفئ جمرًا
يزيد الجراح التهابًا
تشيّد صرحًا من الأمنيات تهاوى
تنير الرّحاب؟
يعود الربيع، يعود الخريف
تعود الفصول
وأنت الذي مثل دهر مضى
لا تعودْ..