ما يَحْدُثُ لَيْسَ فِراراً مِنْ قَدَرٍ،
أَوْ مِنْ بَشَرٍ،
أَوْ جُبْنَ حِصانٍ وهْوَ يَنِطُّ على المِتْراسِ،
ولَيْسَ نُكوصاً في جَمْعِ الحَطَبِ الشَّتْوِيِّ،
لِتَدْفِئَةِ الأَيّامِ،
وحَبّاتِ البَرَدِ المَرْكونَةِ في التَّفْكيرِ،
ولَكِنْ رَأْيُ العَقْلِ؛
مُجَرَّدُ رَأْيٍ خامَرَني؛
أَنْتُمْ كابوسي،
فَزّاعاتي،
حَمّالو نَعْشي،
فلِماذا يُطْلَبُ مِنّي تَوْقيعُ الصُّلْحِ المَشْبوهِ،
مَعَ الغيلانِ وأَبْناءِ الشَّيْطانِ؟
سَأَهْجُرُكُمْ،
وأَحُطُّ رِحالي في أَرْضٍ أَسْتَوْطِنُها وَحْدي،
مِنْ غَيْرِ مُؤامَرَةٍ أَوْ تَخْوينٍ أَوْ تَهْديدٍ..
ما يَحْدُثُ لِلْغَزّاوِيّينَ:
تَحَطُّمُ تِمْثالِ البِلَّوْرِ بِإِزْميلِ التَّلْمودِيّينَ،
وتَهْجيرٌ لِحَمامِ اللهِ إِلى المَنْفى العاري،
مِنْ أَجْلِ بِناءِ عُروشٍ،
واسْتِهْدافِ نُعوشٍ،
في مُسْتَوْطَنَةٍ تَتَناسَلُ يَوْمِيّاً،
لإِقامَةِ أَبْناءِ الشَّيْطانِ بِها..
ما يَحْدُثُ لِلْغَزّاوِيّينَ:
خُروجُ النَّيْزَكِ عَنْ مَجْراهُ،
مُؤامَرَةٌ ضِدَّ الكَنْعانِيّينَ؛
رُعاةِ الضَّوْءِ بِأَرْضِ الشّامِ،
ومَنْ غَرَسوا الزَّيْتونَةَ يَسْقيها دَمُهُمْ..
ما يَحْدُثُ لَيْسَ فِراراً مِنْ قَدَرٍ،
أَوْ مِنْ بَشَرٍ،
بَلْ رَأْيٌ خامَرَني؛
أَنْ أَرْكَبَ راحِلَتي وأَطوفَ على عَجَلٍ بِدِيارٍ أُخْرى،
أَنْ أَتَبَنّى فِكْرَ البُلْبُلِ والشُّحْرورِ ونَقّارِ الخَشَبِ الغِرّيدِ،
ولا يَعْنيني فِقْهُ الشّيعَةِ في مَسْحِ القَدَمَيْنِ،
ولا شَطَحاتُ الصّوفِيّينَ على الأَعْتابِ،
ولا تَأْويلُ أَشاعِرَةٍ لِصِفاتِ اللهِ،
ولَكِنّي أَتَبَنّى رَأْيَ التّينَةِ في أَمْطارِ دُجَنْبِرَ،
رَأْيَ الأَغْصانِ المَكْسورَةِ في فَأْسِ الحَطّابِ،
ورَأْيَ الصَّقْرِ الجائِرِ في أَحْزانِ الأَرْنَبِ،
أَمّا ما سَيَقولُ مُسَيْلِمَةُ العَصْرِيُّ،
وما سَتَقولُ وَصايا الكاهِنِ،
أَوْ تَشْريعاتٌ يَتَداوَلُها الاثْنا عَشَرِيُّ ولا تَأْويلُ المُعْتَزِلِيِّ،
سَأُنْصِتُ للأَنْهارِ فَقَطْ،
وصَهيلِ الأَشْجارِ المَحْكوكَةِ بِالرّيحِ اللَّيْلِيَّةِ،
دونَ رِماحٍ أَغْرِسُها،
أَوْ سَبْيٍ أَنْكِحُها،
أَوْ بَيْتٍ أَهْدِمُهُ،
أَوْ رَأْيٍ أُعْلِنُهُ..
ما يَحْدُثُ لَيْسَ فِراراً مِنْ قَدَرٍ،
أَوْ مِنْ بَشَرٍ،
أَوْ رَهْبانِيَّةَ نَصْرانِيٍّ في ديرٍ،
أَوْ مَوْقِفَ مُكْتَئِبٍ أَعْمَتْهُ العَتْمَةُ،
لَكِنّي ذو تَخْطيطٍ؛
أَنْ أَنْسِفَ إِحْساسَ الآلَةِ،
مِنْ تَفْكيرِ الكائِنِ،
أَنْ أَتَفَقَّدَ أَيْتامَ الحيتانِ،
وزَرْعَ المَوْجِ الرّومانْسِيِّ بِزُرْقَتِها،
أَنْ أَكْتُبَ أَشْعاراً،
في مَدْحِ التّينِ وأَعْماقِ الزَّيْتونِ،
وأَنْ أَتَوَسَّطَ،
في عَمَلِيَّةِ صُلْحٍ،
بَيْنَ بَنادِقَ في يَدِ قَنّاصٍ في السَّفْحِ،
وبَيْنَ الرّيشِ الأَبْيَضِ في جِسْمِ العُصْفورِ،
وأَنْ أَتَخَلَّصَ مِنْ عاداتي؛
لَنْ أَتَحايَلَ،
لَنْ أَتَكاسَلَ،
لَنْ أَتَقاتَلَ،
بَلْ أَنْمو كالطُّحْلُبِ بَيْنَ صُخورِ الشَّطِّ،
بِلا خَوْفٍ مِنْ مَدٍّ أَوْ جَزْرٍ،
أَنْمو وأَصيرُ صَديقَ مَحارٍ،
والأَمْواجُ تَصيرُ رَفيقاتي..
ما يَحْدُثُ لَيْسَ فِراراً مِنْ قَدَرٍ،
أَوْ مِنْ بَشَرٍ،
بَلْ يَحْدُثُ تَصْحيحٌ فَوْرِيٌّ للتَّخْييلِ الكْلاسيكِيِّ؛
أَنا بَطَلُ التْراجيدْيا أَسْقُطُ في وَسَطِ المَيْدانِ،
فَتُلْقي بِنْتٌ في العِشْرينَ على جَسَدي أَزْهاراً،
كَلاّ!
هذا عَرْضٌ تَقْليدِيٌّ،
سَوْفَ أُصَحِّحُ هذا التَّخْييلَ المَشْروخَ،
لأُصْبِحَ ذاكَ الطُّحْلُبَ في التَّيّارِ،
وحينَ أَموتُ تُقَبِّلُني المَوْجاتُ،
فأُبْعَثُ حَيّاً قُرْبَ مَحارٍ،
تَحْتي اليَمُّ وفَوْقي اليَمُّ،
وبَيْنَهُما أَرْتاحُ أَنا!
ما يَحْدُثُ لَيْسَ فِراراً مِنْ قَدَرٍ،
أَوْ مِنْ بَشَرٍ،
بَلْ فَرْحَةُ حَسّونٍ بِسُقوطِ الزَّخّاتِ اللَّيْلِيَّةِ،
هادِئَةً كَمُرورِ نَسيمٍ بَيْنَ جُذوعِ السَّرْوِ..
لَكَمْ عانَيْتُ،
وكَمْ قاسَيْتُ،
أَخيراً صارَ بِإِمْكاني تَرْكُ البَشَرِيّينَ الأَعْرابِ،
وبَدْءُ حَياةٍ ثانِيَةٍ مَعَ عُصْفورٍ،
أَوْ قُرْبَ مَحارٍ،
دونَ فِرارٍ مِنْ بَشَرِيٍّ،
بَلْ هُوَ رَأْيي أُعْلُنُهُ:
لا يَعْتَقِدَنَّ المَرْءُ بِغَيْرِ عَقيدَتِهِ:
لَنْ أَتْبَعَ ما دَرَجَ التَّيّارُ عَلَيْهِ،
فَجيناتي لا تُشْبِهُ جيناتِ الآلافِ،
ولي جَسَدٌ لا يَسْكُنُهُ غَيْري،
وإِذا ما مِتُّ فلي كَفَنٌ لا يَلْبِسُهُ غَيْري،
سَأَكونُ أَنا،
مِنْ غَيْرِ مُطابَقَةٍ أَوْ تَشْبيهٍ،
سَأُوَجِّهُ بَوْصَلَتي نَحْوَ الميناءِ،
وأَرْحَلُ في سُفُنِ البَحّارَةِ،
صَوْبَ فَراغٍ لَيْسَ بِهِ جُزُرٌ،
أَوْ وَحْشٌ أَوْ بَشَرٌ،
سَأَكونُ وَحيداً مِثْلَ أَبينا آدَمَ،
تَحْتي أَرْضُ فَراغٍ،
فَوْقي سَقْفُ فَراغٍ،
والأَبْعادُ هُنا لا شَكْلَ لَها،
فَكَأَنَّ فَراغَ الأَمْكِنَةِ ابْتَلَعَها!
ما يَحْدُثُ لَيْسَ فِراراً مِنْ قَدَرٍ،
أَوْ مِنْ بَشَرٍ،
بَلْ تَرْكُ العالَمِ مُمْتَلِئاً بِعَناصِرِهِ،
ودُخولُ فَراغٍ لا يَفْنى!