لقّبوه بـ”شاعر الرصيف” و”شاعر الصعاليك” و”بائع الصحف” و”الغجري” و”عروة بن الورد الفلسطيني” و”ماياكوفسكي فلسطين” و”الشاعر الشهيد”..
هو الشاعر الذي شاب باكراً..
هو الشاعر الذي غاب باكراً..
هو الشاعر الذي كان ثورة وحدَه ومؤسسة بنفسه، كان يكتب ويطبع ويوزع مجلة الرصيف أو “رصيف 81” التي أسسها مع زميله الشاعر رسمي أبو علي، وكان ينشرها ويوزعها باليد بنفسه.. حتى قيل إنه أصابته الشظايا قبل استشهاده على شاطئ بحر بيروت، حيث كان يوزع المجلة على المقاتلين التي أصبحت يومية في أثناء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982.
لقّبوه بـ”شاعر الرصيف” و”شاعر الصعاليك” و”بائع الصحف” و”الغجري” و”عروة بن الورد الفلسطيني” و”ماياكوفسكي فلسطين” و”الشاعر الشهيد”.. كلها ألقاب تدل على شخصيته الثورية المقاوِمة الواضحة كاسم ديوانه الأول “فلسطيني كحد السيف”.
من هو شاعرنا؟
ولد الشاعر علي يوسف أحمد فودة في قرية قِنِّير في قضاء حيفا عام 1946، ووسط النكبة هاجر أهله وعمره عامان إلى الضفة الغربية، وتحديداً إلى مخيم جنزور قرب جنين، ثم جرى نقل أهالي مخيم جنزور إلى مخيم نور شمس في طولكرم.
بدأت ثقافته أمام بيتهم في المخيم، حين كان يأتي حامل “صندوق العجب وتفرّج يا سلام”، فيدفع الأطفال قرشاً، أو نصف قرش، لمشاهدة أفلام عنتر وعبلة والزير سالم وغيرها.. وبعد تلك الثقافة، قرأ لبابلو نيرودا وغارسيا لوركا وطوقان وغسان كنفاني وكمال ناصر وغيرهم..
عرف اليُتم وهو في سن السابعة حين توفيت أمه.. وتزوج والده امرأة أخرى، فاعتزل علي حياته العائلية، حصل على شهادة الثانوية العامة عام 1964. غادر إلى عمان ليكمل تعليمه في معهد المعلمين وتخرج عام 1966. عمل مدرساً في مدرسة ناعور شمال عمان منذ عام 1966 وحتى عام 1970، ثم انتقل بعدها إلى التدريس في جبل النظيف، وفي الأشرفية والتاج والقلعة.. وهناك شهد أحداث أيلول الأسود عام 1970.
بعد مدة، كان الصعود القومي في الكويت يستقدم المثقفين الفلسطينيين، بدءاً من غسان كنفاني مروراً بناجي العلي وصولاً إلى شاعرنا، الذي انتقل إلى الكويت عام 1975، ليكون مع رفاقه هناك، لكنه لم يجد فرصته ولم يتأقلم مع المجتمع الثقافي هناك، فاختار الانتقال إلى بغداد، وأقام في العراق عامي 1976 و1977، حتى تصاعدت المقاومة في جنوب لبنان، وصارت تصلُه أخبارها من بيروت، من المجتمع الثقافي الثوري الفلسطيني هناك.. فاختار مرة أخرى منفى جديداً هو بيروت (بعد النكبة، ومخيمات جنزور ونور شمس وجنين، ثم إربد وعمان والكويت وبغداد)، حيث جاءها عام 1977، واستقرّ فيها وعمل في مجاله الثقافي، وفي مجلة “فلسطين الثورة”، فكان مثقفاً فاعلاً في الميدان.. لم يرغب أن يكون في المكاتب.. لقد كان شاعراً ملتزماً بهموم شعبه، ملتحماً بقواه الشعبية الداعية للثورة والمقاومة والتحرير.
برز في بيروت كواحد من شعراء الجيل الثاني للمقاومة، أسس مع أصدقائه صحيفة “رصيف 81” لتمثل ثقافة الهامش والاختلاف بعيداً عن المؤسسة الرسمية. وكان يوزّعها بنفسه كما يتذكر أحد أصدقائه حين زاره في محور رأس النبع في بيروت، وكان يحمل بيده اليمنى رشاش المقاتلين، وفي اليد الأخرى مجلة “الرصيف” يوزّعها على المقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين.
في صيف عام 1977، التقاه الفنان مارسيل خليفة واستأذنه بغناء مقطع من قصيدة “الغضب، الفهد” في ديوانه “عواء الذئب”. واتفقا على اختيار مقطع:
إني اخترتك يا وطني.. حباً وطواعية
إني اخترتك يا وطني.. سراً وعلانية
ظن الجميع أن الأغنية هي من قصيدة لمحمود درويش حتى غناها مارسيل خليفة في جامعة بيروت العربية، وعندما علا تصفيق الحاضرين، نزل خليفة عن المسرح، واصطحب معه علي فودة ليعلن أنه صاحب هذا النص، فبرزت شهرة علي فودة أكثر مما سبق.
استشهاده
في منتصف آب (أغسطس) 1982، وفي ذروة اشتداد القصف الإسرائيلي لبيروت من الجو والبر والبحر، كان علي فودة يوزّع على المقاتلين في منطقة عين المريسة على شاطئ ببيروت، جريدته فسقطت قذيفة عليه فأصيب بجروح خطيرة، ليستشهد بعدها بأيام، ويكون من القلائل الذين قرأوا ما كتب فيهم من رثاء قبل موتهم، حيث أعلن استشهاده وهو حي. وكانت صحيفة “المعركة” التي أصدرها اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين –كما يروي رئيس تحريرها عز الدين المناصرة- قد نشرت تلك المراثي التي كتبها الأدباء والشعراء في مجلس تحريرها والاتحاد، ووصلته الصحيفة في اليوم التالي.. (يُذكر أن ثلاث صحف فلسطينية كانت تصدر أثناء حصار بيروت هي: المعركة والرصيف والمِتراس التي كانت تُكتب بخط اليد وتوزع على المحاور).
وقد ذكر ذلك الكاتب اللبناني إلياس خوري في روايته “باب الشمس”: “أذكر أنه جاء جريحاً إلى المستشفى.. الصحف التي صدرت في بيروت أثناء الحصار، نشرت عنه المراثي الطويلة، وعندما استيقظ الشاعر من موته، وقرأ المراثي شعر بسعادة لا توصف. كان وضعه الصحي ميؤوساً منه، فقد أصيب في عموده الفقري وتمزقت رئته اليسرى، لكنه عاش يومين، وهو ما كان كافياً ليقرأ كل ما كتب عنه، قال إنه سعيد، ولم يعد يهمه الموت، فلقد عرف اليوم معنى الحياة، من خلال الحب المصنوع من الكلمات..”.
مؤلفاته
ـ فلسطيني كحد السيف، شعر، 1969.
ـ قصائد من عيون امرأة، شعر، 1973.
ـ عواء الذئب، شعر، 1977.
ـ الغجري، شعر، 1981.
ـ منشورات سرية للعشب، شعر، 1982.
ـ الفلسطيني الطيب، رواية، 1979.
ـ أعواد المشانق، رواية، 1983.