في الحروبِ الطويلةِ
لا يُقتَلُ الناسُ أو يُهدمُ البيت
أو يذهب العُمْر، دومًا، سُدى.
أو يكونُ الكلامُ الذي قيلَ،
دومًا، صدى.
أو تمرُّ الحياةُ كما في الحكاياتِ
مثلَ الشّريطِ الطويلِ
هنا مشهدًا مشهدا.
ثمّ شيءٌ كثيرٌ أنيسٌ وعذبٌ
هنا في النّدى.
وهنا في المدى.
ليس هذا وحسبْ..
في الحروبِ السّريعةِ أيضًا..
وفي كلِّ حربْ
لا يرى الناسُ أشباحَهم
دائمًا في الطريقِ
فثمةَ أطيافُ أحبابهم
تتجوّلُ باحثةً عن حديثٍ أليفٍ
ونايٍ يعودُ إلى أصْلِهِ طائرًا أو قَصَبْ.
وقـــــد يهرعُ الناسُ للبحر
كالنّهر والهذيانِ
وهم يهتفونَ أيا أيها البرُّ
خُذْنا لنغرقَ.. أينَ المصَبْ
ليس هذا وحسبْ
في الحروبِ الطويلةِ،
مثل الحروبِ السّريعةِ،
لا يكتبونَ على كلِّ بابٍ
ونافذةٍ ههنا يرقدُ الميتون
فلا يحلمون ولا يذكرونَ
من الأمسِ شيئًا جميلًا
ولا يأبهونَ بما سوف يأتي
ولا يأبهونَ بنخلٍ على بابهم ينتصِبْ
ستُدهِشُهم دائمًا معجزاتُ السنابل
والغيم وهو يصيرُ بحارًا
وكمْ من عناقيدَ لم نرَها
في الشتاءِ الطويلِ لكْرمِ العِنبْ
ليس هذا وحسبْ
في الحروبِ الطويلةِ
مثل الحروبِ السّريعةِ يبتسمونَ
ويُلقونَ بعضَ النّكات البذيئةِ
يسترجِعونَ حكاياتِ حُبْ
وهم يحسدونَ فتًى قد أحبْ..
لاجئةً من شمال البلادِ
فلم ينتبهْ إن أغارتْ على الحيّ طائرةٌ
أو هنالكَ قد عضَّهُ،
قربَ بيتِ الحبيبةِ، كلبْ
أو أطلقَ النارَ صوبَ ابتسامتِهِ ابنُ كلبْ
ليس هذا وحسبْ
ستُذهِلُهُم زهرةٌ فتَّحتْ
مثلما كان دومًا
وتُذهِلُهم نجمةٌ منذُ أولِ يوم
من الحربِ لمّا تزلْ عاليةْ
ويُفكر أصغرهُم باستعادةِ ألعابهِ
من صديقٍ على بُعْدِ دبّابتين من الحيِّ
أعني الصديقَ الأَحَبْ
وتَفتِنُهم جدّة ٌعبرتْ ألفَ معركة
بجبينٍ مضاءٍ ولم تنحني لرياحٍ
عَتَتْ أو رياح تَهُبْ
ليس هذا وحسبْ
في الحروبِ الطويلةِ
مثل الحروبِ السّريعةِ دومًا
تُفكّر سيدةٌ بحبالِ الغسيلِ
وتَكرهُ طيّ الملابسِ والطّبخِ والكيِّ
تشتاقُ داليةً، ربما أورقتْ
بعد أن هُجِّروا،
واختلاءً سريعًا بزوج مُحِبْ
ويفكِّرُ كهْلٌ بأجمل ما فيه؛
عشرينَ قصةَ حبٍّ،
ويحلَمُ لو مرةً بعدَها أن يُحِبَّ.. يُحَبْ.
وسترقصُ أمٌّ وجاراتُها
بثيابِ فِلسطينَ في عرس
آخرِ أولادِها للصباحِ
وثمةَ نارٌ تهبّ من الشَّرقِ،
مِن جبهةٍ في جَنوبِ الحُدودِ،
ومِن كلِّ ما قد تبقّى لها في الشَّمالِ،
ومِن كلِّ هذا السّقوط
لمعنى الضميرِ ومعنى السّماءِ
ومعنى الحضارةِ في كلِّ شرقٍ وفي كلِّ غربْ
وتواصلُ هذا الغناءَ الذي
ليسَ يسمَعُهُ، كالبكاءِ، الأعادي،
ولا ما تبقّى هنا من عرَبْ
ليس هذا وحسبْ
في الحروبِ الطويلةِ مثل الحروب السريعةِ
تكتبُ شاعرةٌ اسمَها فوق نجمتِها
وهي تمحو الغيومَ
وتحلَمُ أن تترك القدمين على
شاطئ البحر طفلينِ.. تحلَم بالغدِ..
تقرأُ بعضَ قصائدها في مكان بعيدٍ
وتضحكُ وهي تعيدُ حكاياتِها
كيفَ ماتتْ
وعاشتْ وعاشتْ وعاشتْ
وكيف تَشُقُّ القصائدُ للروحِ،
في زمن الموتِ، أُفْقًا،
وتفتَحُ للناسِ دربْ.
وتؤمنُ أكثرَ مِن أيِّ قلبٍ كأمِّي
وأُمُّكِ بالحلم والقلبْ.
هكذا يصعدونَ ويقتربونَ
ويبتعدونَ وينتشرون
وحينًا يكونونَ هذا النسيمَ
وحينًا يكونونَ هذا الّلهبْ
ليس هذا وحسبْ
سوف نفرحُ، أعني هنا، نحنُ
أكثرَ من أيٍّ شيء، بحُبِّ الفتى،
والقصيدةِ، والعرسِ،
حبلِ الغسيلِ، ومعنى الصباحِ
وطفلٍ يُحاول نقْشَ الرّياح على اسمِهِ
وفتاةٍ ترى كلّ شيءٍ..
تقولُ لهذا الخَواءِ المُحصَّنِ، سُحقًا،
لمَن قد تبقّى هنا من رجالٍ
من القشّ، سُحقًا،
وسُحقًا لما قد تبقى هنالكَ
من دُولٍ هشَّةٍ كالُّلعَبْ.
وسُحقًا لهذا الهلامِ المنمّقِ،
سحُقًا لمن يكرهون الأغاني،
ويستغربونَ وجودَ القصائد
في الكونِ، لا يُتقنونَ عناقًا
ولا يَعشقُونَ الهدوءَ
ولا يعشقُونَ الصَّخبْ.
ويقتلُهم أيُّ طفل يرى
أن أحلى دروسِ الحياةِ الَّلعبْ.
وسُحقًا.. لمن لا يُطيقونَ
أن يبدؤوا يومَهم بفتاةٍ بعُمْرِ صغيراتهم
تتمايلُ مفتونةً بجدائِلها
لا بما في المدارسِ أو في الكُتبْ.
ليس هذا وحسبْ
في الحروبِ الطويلةِ
مثل الحروبِ السّريعة دومًا
هنالك مَن يُولدون ومَن يُقتَلونَ
ومَن يَهجُرونَ ومَن يُهجَرونَ
ومَن يثقونَ بلون الترابِ
ولا يأمنونَ رعودَ السُّحبْ.
وهنالكَ مَن يضحكونَ
ومَن ينزفونَ وينتصرونَ
ومن ينْقُشونَ الرّياحَ على
بحرِ أسمائهم ويُقيمونَ فينا شموسًا
وإنْ مرَّ أكثرُهم في سمانا سريعًا..
مرورَ الشُّهبْ.
لم أقلْ كلَّ شيءٍ،
فهذا الذي ملءَ هذا وذاكْ
ليسَ هذا وحسبْ
كفتاةٍ ترى كل شيء يموتُ
ولكنها لم تقُل للحياةِ
بأنّ الرّجوعَ من الموتِ صَعبْ.