عرفت متأخرا أن طه حسين وتوفيق الحكيم اشتركا بكتابة رواية هي «القصر المسحور» التي صدرت في 1936. كان في ظني أن رواية «عالم بلا خرائط» هي التجربة الأولى في ذلك، حيث اشترك في كتابتها عبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا.
أذكر أن النقاش حول تلك الرواية كاد يقتصر، إثر ظهورها في 1982، حول كيف يمكن لكاتبين أن يشتركا في إنجاز عمل واحد. قرأت الرواية آنذاك، في سنة صدورها، وأكثر ما كنت أسعى إلى متابعته هو تبيُّن كيف يمكن لمخيّلتين ولأسلوبين أدبيين، أن يؤلّفا رواية واحدة.
لم أعد أذكر الكثير، حتى في ما خصّ ذلك. الأرجح أنني انشغلت بالتساؤل عن أي نصّ من عملهما كتبه أحدهما وأي نص كتبه الآخر. أذكر أن جبرا أجاب مرة عن سؤال حول ذلك فقال، إنهما كان يتراسلان بما كتبا، فيتابع أحدهما ما كان كتبه الآخر. لكن أين أنت في الرواية وأين هو، كان يسأل من أقبلوا مثلي على القراءة.
في تجربة أخرى، لاحقة، اشترك أدوار الخراط ومي التلمساني بكتابة حلقات من رواية صغيرة كان عنوانها، باقتراح من الخراط، حسبما كتبت التلمساني «غرام وانتقام». ربما كان ذاك يعود، كما تذكر التلمساني أيضا، إلى تعلّق شريكها «بأفلام السينما المصرية وذاك واحد من عناوينها الشهيرة» أو يعود إلى كون النوفيلا تدور حول صيغة محدّثة لموضوع العشق الجامع لذينك الشعورين النقيضين والمتصارعين. نشرت حلقات النوفيلا الست في مجلة «سيدتي» اللندنية خلال السنتين 2002 و2003، ثم أعيد نشرها، بعد جهد وبحث متصل من التلمساني للعثور على المخطوطات التي ضاعت، أعيد نشرها مؤخّرا (2024) في كتيّب جرى تبديل عنوانه إلى «صدى يوم أخير»صدر عن دار الشروق.
في مقدّمتها تلك أعفت الكاتبة قراءها من البحث عن إرجاع الفصول، أو النصوص، إلى كل من كاتبيْها. قالت، بالتفصيل، إن الفصل الأول كتبه إدوار وهي استأنفت حكاية إدريس وليلى، ومن معهما من شخصيات، قليلة على أي حال، في الفصل الثاني، ثم أرسلته إلى المجلة ليقوم أدوار بكتابة الفصل الذي يليه.. وهكذا.
بدلا من السعي إلى معرفة من هو الكاتب هنا ومن هو الكاتب هناك، كما في «عالم بلا خرائط» سينشغل القارئ هذه المرة بمقارنة كل من الأسلوبين بالآخر، وبماذا يتميز كل منهما، ثم هل أمكن إجراء التعاقب السردي متسلسلا ومنطقيا، وهل ذهبت المخيّلتان في تطرّفهما الكتابي إلى ما يهدّد الاتفاق بينهما؟ وإلى ذلك هناك الإحساس الملازم لقارئ الأعمال الروائية بأن بطل الرواية موصول، بمعنى معقّد للتلازم يصعب تفسيره في هذه السطور القليلة، مع كاتبه.
تلك الصلة بين الشخص (البطل هنا) وخالقه يخال لقارئها كأنها انبثاق من ذات إلى ذات أخرى. ليس لمرة واحدة فقط، بل عند بداية كل من الفصول سيقول القارئ لنفسه، إنني سأبدأ بقراءة ميْ الآن بعد أن كنت قرأت إدوار في الفصل الذي سبق. وهنا تبدأ حاسّة الاستشعار الأكثر فضولية، ومن دون إذن من صاحبها (القارئ) في البحث المدقّق عما سيختلف.
هذا جزء من القراءة لا بد، بل وجهة إضافية من وجهاتها ربما تصرف الانتباه عن الانسياق في القراءة، الذي هو ميزة في قراءة العمل الروائي. في أحيان، وذلك قد يخطر لذاك القارئ، بدءا من فصل إدوار الأول، أن الكاتب يمعن في وصف النحت والعاملين فيه، كما في وصف البطل إدريس، الذي قرّبه من أن يكون شخصية شبه أسطورية. أقصد أن الأدب حضر هنا بأكثر مما ينبغي له.
وأرى أن الثيمة (الغرام والانتقام) غلبت حكاية إحدى قصصها، أو إحدى تجاربها. فكان ما يوصف من أحداثها واقعا تحت سطوتها كموضوع للعشق خالد وأبدي. في كل حال، ربما كانت هذه التساؤلات حول الاشتراك في الكتابة مستدعاة من تفكير سابق ارتبط بقراءتي لرواية «عالم بلا خرائط» وها إني الآن أجد نفسي عالقا في المخاوف ذاتها.
النوفيلا «صدى يوم أخير» كتب فصولها الستّة، بالاشتراك والتناوب، كل من الكاتب الراحل إدوار الخراط والكاتبة مي التلمساني، وصدرت مؤخرا، في 2024 عن دار الشروق القاهرية.