بدر شاكر السّياب أديب ومترجم عراقي وأحد رواد الشعر الحر في العالم العربي، من مواليد عام 1921، ناضل بشعره من أجل تحرير العراق، وحمل همّ القضية الفلسطينية، فعاش في أتون الآلام، والبحث عن تحقيق الأحلام. يصنّف واحدا من الشعراء الذين تعمقوا في الأدب الغربي ونقلوا معانيه للشعر العربي، عمل في مناصب مختلفة وتنقل بين عدة بلدان، وله إسهامات أدبية وشعرية كثيرة، توفي بسبب المرض عام 1964.
وُلد بدر شاكر عبد الجبّار السياب يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 1926 في بلدة جيكور بمحافظة البصرة جنوبي العراق، على مقربة من شط العرب عند التقاء نهري دجلة والفرات.
نشأ وتربى في عائلة من القبائل المنتشرة بكثرة في القرية، التي كان يعاني معظمها شظف العيش وضيق الرزق، وكان أبوه تمّارا ومزارعا.
رُزق والداه (شاكر وكريمة السياب) 3 أبناء: بدر ومصطفى وعبد الله، وسرعان ما فقد حنان أمه، إذ توفيت وهو في السادسة من عمره، فتولّت جدته الإشراف على رعايته وحضانته.
تزوّج والده بعد وفاة أمه وعاش منقطعا عن تربيته ورعايته، فزاد ذلك من مأساته ومعاناته.
تأثر كثيرا بفقد والدته، فذاق مرارة اليتم طوال حياته، وفي مرحلة طفولته عانى عقدة المرض وضعف الجسم.
وعندما كبر تزوّج من إقبال طه عبد الجليل وأنجب منها 3 أولاد، هم غيداء وغيلان وآلاء.
الدراسة والتكوين
بدأ مساره الدراسي في مدرسة باب سليمان الابتدائية، وفي المدرسة المحمودية في أبي الخصيب، ثم التحق بثانوية البصرة وأكمل فيها الثانوية العامة عام 1943، وكان ذكيا ومتميّزا على أقرانه.
وعام 1944 انتقل إلى كلية التربية (دار المعلمين العليا) في بغداد طالبا في قسم اللغة العربية، لكنّه بعد سنة غيّر تخصصه إلى اللغة الإنجليزية وحصل على الإجازة سنة 1946.
وخلال دراسته الجامعية تعمّق في اللغة الإنجليزية واشتغل بقراءة المنتج الثقافي لشعرائها، لا سيما شكسبير.
وفي عام 1962، سافر إلى لندن للعلاج وانتسب إلى جامعة أكسفورد للحصول على شهادة الدكتوراه في الآداب.
في دروب النضال
عايش بدر أواخر الانتداب البريطاني في العراق ومراحل ميلاد الاستقلال عام 1932، ونشأ على أفكار التحرر والثورة ومقاومة الطغيان والاستبداد.
وفي المرحلة الجامعية انتسب إلى الحزب الشيوعي، الذي استطاع في تلك الحقبة الزمنية جذب كثير من المثقفين والطبقات المظلومة الناقمة على الحكم، التي كانت تشعر بالتهميش وتعاني الفقر.
ولما كان الشعر له وقع خاص في قلوب الجماهير، انتخب بدر رئيسا لاتحاد الطلبة في دار المعلّمين وبزغ نجمه شاعرا ومناضلا جسورا في أروقة الجامعات.
وبسبب مواقفه في الجامعة، حُرم السياب من امتحانات الفصل الثاني عام 1946 بتهمة تحريض الطلّاب على العصيان والإضراب.
وفي عام 1949، سُجن بسبب مواقفه السياسية المعارضة للحكومة ومُنع من التدريس 10 سنوات.
وعام 1952 زادت الحكومة من حملة الاعتقالات وأغلقت العديد من الصحف، ففر بدر نحو الكويت بجواز سفر إيراني.
وكان لنكبة فلسطين وما تبعها من أحداث أثر عظيم في نفس الشاعر، فقرر التخلي عن الشيوعية، وانضم للقوميين العرب، وأصبح واحدا من الشعراء الذين يحملون هم الأمة العربية في ضميره.
التجربة الشعرية
في مرحلة مبكرة من طفولته، اقتحم السيّاب عقبة الأدب، وخاض بحور الشعر وحاول مع القصيدة وهو طفل يقرأ في الابتدائية ويساعد جده في رعي الغنم، إذ ألهمته فتاة من القرية تخرج للرعي في أطراف الحي قول القريض ومحاكاة الشعراء، وهو ما عبّر عنه لاحقا في قصيدة “ذكريات الريف”:
تذكّرت سرب الراعيات على الرّبى وبين المراعي في الرياض الزواهر
أقود قطيعي خلفهنّ محاذرا وأنظر عن بعد فيحسر ناظري.
وفي بداية المرحلة الجامعية عام 1944، بلغ شعره مرحلة النضج، وتعرّفت الساحة الأدبية منتجه الذي بدأ يخرج في الصحف، ويلقى في الندوات والأمسيات الثقافية.
وعبر مشاركته في الأمسيات والمهرجانات الشعرية لفت أنظار المجتمع الثقافي من حوله، وأصبح شعره في صفحات الجرائد المهتمة من داخل العراق وخارجه مثل مجلتي “الآداب” و”حوار”.
وقد أتاحت له شهرته السياسية والثقافية التعرف إلى عدد من الشخصيات الثقافية المهمة في المجتمع البغدادي.
وعندما سافر إلى الكويت عام 1952 نسج علاقات فكرية مع الأديب علي السبتي وغيره من الأوجه الثقافية.
وفي عام 1960 زار بيروت لينشر مجموعة من شعره، فتم الاحتفاء به من طرف النخبة الثقافية، ومنحته مجلة “شعر” جائزة عن مجموعته الشعرية “أنشودة مطر”.
وعام 1960 سافر إلى روما بدعوة من المنظمة العالمية لحرية الثقافة للمشاركة في مؤتمر الأدب المعاصر، وألقى عددا من قصائده.
رائد الشعر الحر
مارس السياب قول الشعر العمودي منذ طفولته، لكنه عندما قرأ اللغة الإنجليزية وتعرّف أدبها، تأثر كثيرا بالشعر الغربي، ولاحظ فيه النواحي الشكلية المغايرة للشعر العربي.
وفي عام 1946 كتب قصيدته “هل كان حبا”، التي قامت على التحرر من عدد التفاعيل بين شطر وآخر، والحرية في التنويع بين القوافي من دون نظام معين.
وقد انتشر هذا اللون الشعري بين الشعراء الشباب في العراق، ومن ثم إلى بلدان أخرى في العالم العربي وعرف بـ”الشعر الحر”.
الوظائف والمسؤوليات
عاش بدر السيّاب حياته كادحا، فقد عمل راعيا وتمّارا في مرحلة طفولته، وبعد تخرجه في الجامعة امتهن بعض الوظائف المرتبطة بالتعليم والثقافة أهمها:
أستاذ اللغة الإنجليزية في ثانوية الرمادي عام 1948.
كاتب في مديرية الأموال المستوردة في بغداد.
عمل في شركة التمور العراقية في البصرة عام 1949.
كاتب في شركة نفط البصرة.
موظف إداري في شركة كهرباء الكويت عام 1953.
مترجم في مؤسسة فرانكلين وترجم لها كتابين أميركيين سنة 1961.
مراسل لمجلة “حوار” في بيروت إذ كُلّف بإعداد التقارير عن الحركة الأدبية في العراق.
المؤلفات
كتب السياب مجموعة من القصائد والأعمال الشعرية التي تميزت بالتمرد على الشعر القديم، كما ترجم عددا من القصائد من اللغة الإنجليزية، ومن أهم ما كتب:
أزهار وأساطير، وهو أول ديوان له.
أنشودة المطر، نشر في بيروت وتم الاحتفاء به في الساحة الثقافية في لبنان.
منزل الأقنان، وهو وصية شاعر محتضر ينتظره الموت، ليس بيده إلا الوقوف على أطلال الذكريات.
المعبد الغريق.
المومس العمياء.
قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث، وهو ترجمة لمجموعة من الأعمال الشعرية والأدبية.
كنت شيوعيا، وهو مجموعة من الاعترافات نشرها في جريدة الحرية في بغداد.
الوفاة
توفي يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 1964 في المستشفى الأميري في الكويت، وذلك بعد مرض عضال قاده إلى العلاج في لندن وباريس.
ودفن في مقبرة الحسن البصري على بعد 25 كيلومترا غربي محافظة البصرة في العراق.