الدورة الخامسة عشرة للملتقى العربي لأدب الطفل تناولت بمشاركة عدد من الأدباء والنقاد العرب من داخل تونس وخارجها دراسات حول الناشئة وتطلعاتها.
أُسدل الستار مؤخرا على الدورة الخامسة عشرة للملتقى العربي لأدب الطفل (الجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل برعاية البنك العربي التونسي)، وذلك في مدينة العلوم بالعاصمة التونسية والتي انطلقت صباح الخميس الثلاثين من مايو/أيار الماضي برئاسة الناقد والمترجم التونسي د. محمد آيت ميهوب، تحت عنوان “أدب الطفل ومنظومة القيم وقضايا البيئة”، وشارك فيها عدد من الأدباء والنقاد العرب من داخل تونس وخارجها.
وأُعلنت أسماء الأدباء الفائزين في مسابقة تلك الدورة، والمخصصة لرواية اليافعين، حيث فاز الأديب المصري أحمد قرني محمد شحاتة بالجائزة الأولى عن روايته “في صدري عصفور”، وفاز بالجائزة الثانية الأديب العراقي علي عبدالنبي الزيدي عن روايته “ما كتبته شهرزاد”، وفاز بالجائزة الثالثة الأديب التونسي وسيم عباسي عن روايته “الأجنحة الورقية”، بينما فاز بجائزة سعاد عفَّاس التشجيعية الأطفال: سوسن قندوزي عن قصتها “مغامرات الدب الصغير”، وهمس الزيادي عن قصتها “نوانا”، وإيمان ماهر تقلس (دانماركية من أصول سورية) عن قصتها “الكوخ”. وقد طبعت هذه الأعمال في كتب ووزعت على الحاضرين.
بدأت أعمال الملتقى باطلاع الحاضرين على معرض الكتب الخاص بالدورات السابقة، أعقبها افتتاح أعمال الملتقى وكلمة منتدى أدب الأطفال، ثم كلمة آمال بلحاج موسى وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، فكلمة الأستاذ سعيد حمدان الطنيجي المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية.
ثم بدأت الجلسات العلمية للملتقى بجلسة رأسها الكاتب التونسي شفيق الجندوبي، وتحدثت فيها د. جليلة طريطر عن الرهانات القيمية في أدب الطفل/ الناشئة، وقالت: نروم تسليط الأضواء على أحد أهم المواضيع التي تثير حيزًا كبيرًا من الجدل فيما يتعلق بأدب الطفل والناشئة، وهو ما يتعلق برهانات القيم بمختلف أنواعها التي يمكن أن يكون هذا الأدب معنيا بتمثيلها قصصيا وصياغتها فكريا من أجل تأثيث عوالم القراءة المتجهة إلى هذه النوعية الحساسة جدا من القراء، لذلك نطمح إلى تناول هذا الرهان بالنقد والتحليل في مستوياته المختلفة، وأبعاده المثيرة للجدل لدى قراء هذه الفئة العمرية في الثقافة العربية الحديثة لأن مثل هذه القضايا لا يمكن طرحها في المطلق، ذلك أنها في علاقة متينة ببيئة الناشئة وتاريخ ثقافتهم، وتحديات عصرهم التي لا تستقر على حال، وتطرح في هذه الفترة تحديات لا يمكن أن تكون مطابقة لتحديات القرن العشرين مثلا.
وقد عرضت الباحثة طريطر – في بحثها – لمفهوم أدب الطفل / الناشئة، والرهانات القيمية الموجهة لأدب الطفل والناشئة، وتحدثت عن المحور العرفاني، والمحور الأخلاقي، والمحور الاجتماعي النفسي، والمحور الثقافي، والمحور الفني أو الجمالي، وخلصت إلى أن الناشئة ما زال يحتاج إلى مراجعات نقدية تعتني بتفصيل قضاياه في ظل التغيرات العالمية والسياسية المتسارعة، وتنامي وسائل التواصل الاجتماعية التي أصبحت تحتل مساحات زمنية كبيرة من اهتمامات الناشئة، بما يجعل أفقهم الذهني والنفسي غير قابل لقولبة مراقبة ومفيدة في كل الحالات.
أما الباحث أحمد فضل شبلول من مصر، فقد قدم بحثا عن “منظومة القيم في قصص كامل الكيلاني”، قائلا إن أعمال رائد أدب الأطفال كامل كيلاني تتنوع ما بين القصص التي جاءت على لسان الطير والحيوان والزواحف والحشرات والجان والسحرة (مثل حكاية ياقوت الساحر الواردة في قصة “مدينة الزجاج”) والملائكة والشياطين .. الخ، وما جاء على لسان الإنسان (ومنها جحا المهرج أو الحكيم والملوك والأمراء والوزراء والبشر العاديين من فقراء وأغنياء، ورجال وأطفال ونساء). ومنها ما جاء في صورة قصص علمية، وأخرى خيالية، وثالثة اجتماعية، ورابعة تاريخية أو تراثية (من مصر القديمة على سبيل المثال، أو من الصين والهند)، ومنها ما هو قصص جغرافية أو أدب رحلات، وقصص للحكمة والوعظ والإرشاد والتعليم، فضلا عن الأساطير والخرافات والغرائب والفانتازيا، وغير ذلك من أنواع القص والسرد الذي كان منتشرًا وموجودًا في العصر الأدبي الذي عاش فيه الأديب المصري كامل كيلاني (1897 – 1959).
وأوضح شبلول أن إنتاج كامل كيلاني القصصي للأطفال يحمل قيمًا كثيرة؛ تربوية وتعليمية ومعرفية وترفيهية وفنية ووطنية وعاطفية، مثل قيمة الصداقة، وقيمة الصدق والوفاء، والقيمة العلمية أو المعرفية، أو كما نسميها الآن المعلوماتية، وقيمة التسامح، والتعاون، والعطاء، والوفاء، والعمل، والعدالة، وحب الخير، وحب الطبيعة، وحب الوطن، والحرية .. الخ، وهو ما يمكن تسميته “منظومة القيم في قصص كامل كيلاني” أو – على الأقل – نماذج منها، وليس بالضرورة أن تكون كل القيم إيجابية، فهناك قيم سلبية تأتي للتنبيه والتحذير والابتعاد عنها ونبذها، مثل الغرور، والكذب والخداع والخيانة والانتقام والعدوان والفضول، وغيرها.
أما بحث د. عبدالعزيز آيت بها من المغرب، فجاء تحت عنوان “القيم الاجتماعية في عينة من روايات اليافعين الفائزة بالجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل: دراسة إحصائية معجمية”، وقد أراد لهذه الدراسة أن تكون مساهمة في مجال دراسات منظومة القيم الاجتماعية في قصص اليافعين، وهو يرجو أن تسهم في إثراء النقاش حول أهمية روايات اليافعين في تعزيز القيم الاجتماعية لديهم، ولا بد من التأكيد على ضرورة النظر إلى ما تمخض عنها من أفكار ونتائج على أنها مؤشرات خاصة، مبنية على دراسة محددة، ولا تدعي أنها بلغت مستوى الإحاطة والشمول، وحسبها أن تساعد الدارسين والمهتمين على رسم معالم الحضور والغياب وأنماط التمثيل المعجمي لهذه المنظومة وعلى فهم أفضل للقيم الاجتماعية المُتضمنة في قصص اليافعين واستشراف أنجع السبل الكفيلة بالرقي بها في مؤلفات أدب الطفل بشكل عام.
ومن التوصيات التي خرج بها بحث د. عبدالعزيز آيت بها أن هناك حاجة إلى تنويع محتوى قصص اليافعين وتحسينه ليلبي احتياجاتهم، ويُسهم في غرس القيم الاجتماعية الإيجابية في نفوسهم، وضرورة توعية الوالدين والتربويين بأهمية القيم الاجتماعية في قصص الأطفال، وضرورة اختيار قصص تحبب القيم الإيجابية إلى نفوس أطفالهم، مع الدعوة إلى تشجيع الكتَّاب والمبدعين على التركيز على قيمة الإيثار في النصوص الأدبية الموجهة لليافعين، وتنويع التمثيل المعجمي لمنظومة القيم واستخدام وحدات معجمية مناسبة لغويا ومعرفيا لمستوى الفئة العمرية المستهدفة.
أما الباحث التونسي د. أصيل الشابّي، فقد تحدث عن جمالية الحلم والقيم الإنسانية في أدب الطفل عند محمد الغزّي، وتوقف عن الحلم والطفل والأدب، وجمالية الحلم في قصص الغزّي، وانبناء صورة البطل على المفارقة، موضحًا معجم الطفل في مرحلة الطفولة المتأخرة، والأسلوب، والقيم ومنها: القيم الفنية، والقيم الاجتماعية، والقيم البيئية
الباحث التونسي د. رضا الأبيض تحدث عن السرد الأيكولوجي الموجّه إلى الأطفال والشباب، مشيرًا إلى الحاجة إلى وعي بيئي مُقاوم، ومنوهًا بتقرير التقييم العالمي الصادر عن المنبر الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئية والذي يضم خمسة عوامل تعمق الأزمة البيئية، وهي: التغير في استغلال الأرض والبحر، والتغير المناخي، والتلوث، والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، والأنواع الغازية، موضحًا أنه بالقصص نفهم ونغيّر.
وعن النقد الأدبي البيئي: ممارسة تطبيقية في عينة منتقاة من قصص الأطفال تحدثت الباحثة العُمانية د. وفاء بنت سالم الشامسي، وتوقفت عند النقد الأدبي البيئي، والتربية البيئية، والقصة البيئية، وخصائص الأدب البيئي، ثم قدمتْ قراءة تحليلية في قصص الأطفال عينة البحث، موضحة القيم البيئية المضمنة في تلك القصص، ومدى مناسبة المعالجات القصصية مع الخصائص النمائية للطفل القارئ، واقترحت في نهاية بحثها نُصح الكاتب بإدراج ملحق علمي يوفر معلومات ذات صلة بالموضوع البيئي، حيث يعمل هذا الملحق على تعزيز محتوى القصة، ويمكن أن يتضمن أيضا أسئلة مثيرة للتفكير حول البيئة في الأعمال الخيالية.
وعن المناهج الدراسية في تونس ومدى تأصيلها للتربية البيئية، اتخذت الباحثة التونسية دلال الغربي المرحلة الإعدادية أنموذجا، موضحةً مفهوم التربية البيئية، مشيرةً إلى أن الكتاب المدرسي وسيلة تعليم وتوعية، متوقفةً عند واقع التربية البيئية في البرامج الرسمية في المرحلة الإعدادية، وقد بينت أن المشاكل البيئية اليوم لا يمكن حصر أسبابها في الثورات الصناعية والتكنولوجية فحسب، ولكنها مرتبطة بالسلوك اللامسئوول للإنسان في تعامله مع بيئته وجشعه في استنزاف مواردها الطبيعية.
وعودة إلى العالم الأدبي للشاعر التونسي الراحل محمد الغزّي حيث يدرس الكاتب التونسي حافظ محفوظ قصة “رحلة إلى الأرض” متوقفا عند الموضوع العلمي، والموضوع البيئي، والموضوع الاجتماعي، والموضوع الجمالي في قصة الغزي.
وعن أدب الخيال العلمي لليافعين واستشراف الكارثة والرهان تحدث الباحث التونسي د. رياض المريحيل، مشيرًا في نهاية بحثه إلى أن الكتابة لليافع تتطلب من الكتّاب الإلمام بما يستجد علميًّا من دراسات حول هذه الشريحة العمرية لمواكبة تطلعاتها.