بداية نرحب بالأستاذة القديرة أحلام الزغمولي، في صحيفة نوارس/ شعراء بلا حدود، ونتمنى لها مزيدا من التألق والإبداع؛ فقد حظيت كتبات أحلام للأطفال باهتمام الجميع كبارا وصغارا، ووجدت التشجيع والإعجاب من كل من تابع ما تكتب؛ فهي مجتهدة، مبادرة، صاحبة رؤية، حكيمة، قادرة على تطويع قلمها لتصعد به إلى مستوى الأطفال، تعرف كيف تصطاد العبارات والجمل والكلمات؛ لتؤسس للغة عربية فصيحة مغايرة، بعيدا عن الركاكة والهشاشة، وقريبا جدا من سقف اللغة الخاصة بالأطفال.
أهلا بك أستاذة أحلام معنا في صحيفة نوارس
ابتداءً.. أرجو أن تقدمي لنا نفسك.. من هي أحلام الزغمولي؟
أنا أحلام الزعمولي، من مواليد تونس العاصمة. كاتبة ولا أود أن يتم تصنيفي على أنني كاتبة للأطفال فقط؛ فأنا أكتب لكل الأعمار، وإن كان يستهويني أكثر عالم الطفل، لكن سبق ونشرت قصصا للكبار آخرها قصة “محظية” بالجزائر، نشرت في عمل جماعي تحت عنوان “كتابات نسوية”، شاركت فيه ثلة من الكاتبات المغربيات والجزائريات والتونسيات، وكان ريع هذا الكتاب لفائدة أطفال سوريا.
أنا أستاذة أولى مميزة اختصاص لغة عربية.
رسالتي في الماجستير كانت تحت عنوان “الوصف في شعر بشر بن أبي خازم الأسدي”، وعنوان أطروحة الدكتوراه “شعرية الخوف لدى الشاعر الجاهلي”.
ما الذي دفعك للاهتمام بالكتابة للطفل؟ ومتى بدأت هذه الفكرة؟
ما دفعني للاهتمام بالكتابة للطفل هو حبي الكبير للأطفال وحبي لعالمهم ورغبتي الشديدة في أن أكون جزءا من حياتهم أينما كانوا.
لا أستطيع أن أحدد زمنا لفكرة الكتابة للأطفال، لأني كنت أفعل ذلك منذ طفولتي وكنت ألازم كراسي ليلا نهارا، وكانت أمي صاحبة الفضل كله، فقد كانت قارئة جيّدة وأذكر كيف كانت تقرأ ألف ليلة وليلة فأصر على معرفة القصة مما يضطرها لروايتها لي، وحين رأت مدى شغفي بالقصص صارت تأخذني معها إلى مقر عملها حيث توجد على مقربة منه مكتبة عمومية هناك كنت أقضي أوقاتي أطالع وأعمل خيالي وأتخيّل الشخصيات وأغير النهايات وكثيرا ما كنت أجعل من نفسي بطلة القصة فمرة أكون الأميرة النائمة وأخرى أكون بياض الثلج، إلخ…
لذلك تاريخ الكتابة يعود إلى زمن الطفولة وإن لم تتسم التجربة بعد بالنضج، وما أستطيع أن أحدّده هو زمن النشر، منذ ثلاثة عشر سنة حين قرأت قصة أو قصتين خالفتا كل توقعاتي وتركتا أثرا سلبيا في حياتي، ولعل القصة التي تحمل عنوان “جلد الحمار” كانت صادمة لي وتركتني أتساءل كيف لملك أن يفكر بعد وفاة زوجته في الزواج من ابنته، لا لشيء إلا لأنها الفتاة الأجمل، الأمر لا يستوعبه العقل، ومهما كان جنس الطفل وديانته وموطنه، يجب ألا يقرأ مثل هذه القصة؛ فهي تشوه العلاقة الأسمى بين البشر، وهي العلاقة الأبوية،
بعدها قرأت قصة لا أستحضر عنوانها تتحدث عن انتحار مجموعة من الأرانب بعد عجزها عن إيجاد حل للمأزق الذي وقعت فيه. فأي إحباط سيشعر به الطفل وهو يرى استسلام الأرانب؟ وأي رسالة أراد الكاتب أن يوجهها للأطفال؟ وكيف نجعل الأطفال يرون في الانتحار حلا يضع حدا لمعاناتهم؟
حينها قررت أن أكتب أن أصافح الطفل أن أنشر له قصصا مسلية سليمة في لغتها هادفة في مضامينها.
ونشرت في تونس على نفقتي الخاصة ثم بدأت مراسلة دور النشر في العالم العربي فوجدت القبول والاستحسان ونشرت في العراق ومصر والامارات والبحرين.
وحين لاحظت تأخر دور النشر في الإصدار توجهت إلى المجلات لأصل سريعا إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال فهي تصدر شهريا ومن خلالها صافحت الطفل المصري والعراقي والجزائري والسعودي والكويتي والسوري إذ نشرت في أغلب المجلات بالبلدان العربية ومن بين هذه المجلات: مجلة نور الصادرة عن الأزهر الشريف، ومجلة فارس التابعة لجريدة أخبار اليوم بمصر، وبراعم الإيمان بالكويت، والحسيني الصغير بالعراق، هذه المجلات لا أستطيع أن أنكر فضلها أبدا فقد ساعدتني على الانتشار.
وأنا شاكرة طبعا لكل من أتاح لي فرصة النشر وفرصة مشاركة الأطفال عوالمهم النورانية.
حين أطلع على ما تكتبينه للأطفال والفتيان، أحس بالإعجاب، وألمس رغبتك الشديدة في تطوير تقنياتك بشكل دائم، فكل مرة أحس بمزيد من الإتقان، فما سر تفوقك على نفسك بين نشر ونشر؟
أنا قارئة جيّدة قبل أن أكون كاتبة، وأحاول جاهدة أن أتعلم أكثر فأكثر ولا يتحقق ذلك إلا حين يكون هدفنا الأسمى تجويد كتاباتنا.
ثم إنّني أضع نفسي موضع الطفل في كل مرّة أمسك فيها قلمي حتّى أعرف ما الذي يستهويه من مواضيع وأساليب كتابة.
كما أنني أطلع على ما ينشر للطفل في مختلف بلداننا العربيّة حتى بتّ أعرف ما يروق لهذا الطفل أو ذاك، فذائقة الطفل العراقي على سبيل المثال تختلف عن ذائقة الطفل التونسي أو المصري، فحتى ألامس قلبه، يجب أن أطوع قلمي وفق ما يروق له دون الاعتداء السافر على اللغة وتقنيات الكتابة.
أما السبب الأخير لتفوقي على نفسي قد يكون تحصيلي العلمي وعملي كأستاذة لسنوات طويلة، واحتكاكي الدائم بالأطفال جعلني أعرف ما يروق لهم وما يشغل فكرهم وهذا أكسبني مقدرة على التجدد والتغيير فالطفل تعاف نفسه السكون والتكرار.
إلى أين وصلت فيما تكتبين؟ وما هي تطلعاتك للمستقبل؟
إلى أين وصلت فيما أكتبه؟ سؤال جعلني أقف للحظات متأملة. أنا ما زلت في بداياتي وإن كنت قد نشرت عددا لا بأس به من القصص بلغ عددها تسعة عشر قصة، لكن طالما لا أجد حظي في تونس مع دور النشر لشروطها المجحفة، وعدم تقديرها لجهود الكاتب واقبالها على نشر قصص من التراث العربي أو العالمي حتى لا تضطر لمنح الكاتب حقوقه فأنا لم أحقق شيئا بعد.
أما تطلعاتي إلى المستقبل فكبيرة كبر أحلام الأطفال، أود أن أخلد اسمي من خلال ما أكتبه، وأن يحفر هذا الاسم الصغير “أحلام الزغمولي” في ذاكرة كل الأطفال أينما كانوا، ولهذا أسعى جاهدة لمزيد الانتشار عربيا، وعالميا، وأحلم بأن تترجم قصصي لكل لغات العالم، فأنا لا أرسل للطفل من خلال قصصي إلا رسائل حب وسلام.
هل أنت سعيدة بما تقدمينه؟ وهل تصلك ردود أفعال من قرائك من الأطفال؟
أجل أنا سعيدة بما أقدمه للأطفال، أولا لأن بداخلي طفلة تأبى أبدا أن تكبر وتسعدها القصص، وثانيا لأني من خلال ما أكتبه أرسم للطفل عالما جميلا ساحرا قد يبعده ولو للحظات عما يراه من قبح في واقعنا الحالي.
وثالثا لأني في الأخير أمارس دوري كأم من خلال ما أكتبه، فأقوّم بعض السلوكات لدى الطفل وأعزز الإيجابيات لديه، وأوجهه وأنصح له، وأزوده بما يعينه على التمثّل بالقيم السامية.
أجل تصلني ردود أفعال الأطفال حين ألتقيهم في الورشات، وحين أسافر، وأحيانا تصلني فيديوهات من قبلهم؛ فأسعد كثيرا بإعجابهم بما أكتب، وأسعد أكثر بكلمة “ماما أحلام”، فكما تعلم ليس لي أبناء، لكن كل أطفال العالم أبنائي، وربما تلك الكلمة السحرية هي السرّ في استمراري وسعيي الدؤوب إلى مزيد التميز.
ما رأيك فيما يكتب للأطفال بشكل عام؟ هل ترين أنه كاف؟ أم أن هناك تقصيرا من الأدباء والجهات الثقافية في الوطن العربي؟
في الأغلب الأعم لست راضية عما يكتب، فأطفالنا تفوقوا علينا ذكاء، وأصبحت وسائل الاتصال الحديثة تستهويهم أكثر من الكتاب، وبات لزاماً علينا -نحن الكتاب- أن نطور من أنفسنا وأن نبتدع أساليب جديدة ومواضيع تلامس الطفل وتستهويه.
وللأسف بعض الكتاب تنقصهم تلك المهارات؛ فمنهم من لا يجيد اختيار المواضيع ومنهم من يقع في التقليد الأعمى، ومنهم من لا يحسن اللغة، فيلتجئ إلى العامية، فيصيب اللغة العربية في مقتل، بل يصيب نفسه أولا؛ لأن ذلك سيحول دون انتشاره عربيا، وستتسم كتابته بالمحلية، ويظل ما قلته مجرد رأي قابل للنقاش.
كما أرى أن الكتابة للطفل أصبحت هواية من لا هواية له، فالكل يتطاول على عالم الطفل، ويكتب له دون أن يكون عارفا بقواعد اللغة، مجيدا لها، مطلعا على أساليب الكتابة وتقنياتها، ومتقنا لها، بالإضافة إلى الجهل بنفسية الطفل. وتجاهل بعضهم لأثر الكلمة الذي لا يزول أبدا.. ونحن بوصفنا كتاباً نرسم صورة لرجل الغد، بل نحن ننحت هذا الرجل فعلينا الحذر كل الحذر.
وكلامي هذا لا يعني أن العالم العربي خال من الكتاب العظماء أصحاب الأقلام الراقية، لكن أمام هذا العدد الهائل من الكتاب، لا يشع الكاتب الجيد كما يجب له أن يشع، خصوصا أن القائمين على دور النشر -في أغلبهم- يبحثون عن الربح المادي ولا يعنيهم مضمون القصة حتى إن بعضهم يرى أن الدور الوحيد للقصة هو التسلية، ولا هدف لها سوى التسلية، وهذا أمر أرفضه، فقد أسهمت المكتبة الخضراء -بما تحمله من أهداف تربوية وتعليمية وتثقيفية- في تنشئتي أنا وأبناء جيلي، وتوجيهنا التوجيه السليم وجعلنا نميز بين الخير والشر.. بين الجمال والقبح.
أما الجهات الثقافية التي سألتني عنها فحدث ولا حرج وخاصة في بلدي أيعقل أن يعرفني مثلا الطفل المغربي والعراقي والبحريني، وأسافر وأقدم ورشات عمل، ولا أستطيع مصافحة الطفل التونسي. حتى في معارض الكتاب يتم دعوة الجميع، ويتم تجاهل الكاتب التونسي، للأسف بات الأمر محزنا، فالعلاقات والولاءات تحكم المشهد الثقافي في تونس، كما في غيره من الدول وهذا أمر مرفوض بالنسبة لي.
هل وجدت أي دعم أو مساندة من جهة ما، لاستكمال مشروعك؟
لا لم أجد أي دعم أو مساندة، ولكني موقنة أن الأمر سيتغير، ولست في عجلة من أمري؛ فالثمر يحتاج وقتا لينضج، وأنا على يقين أن كل ما أحلم به سيتحقق قريبا.
أيهما اصعب في رأيك، الكتابة للأطفال؟ أم للكبار؟
سواء كنا نكتب للطفل أو للكبار، فلا ننسى دورنا المؤثر في المتلقي، ولا تخلو الكتابة لهذا أو لذاك من صعوبات، ولأني كتبت للاثنين أقول أني أجد فيهما مشقة وصعوبة، لكن أكون أكثر حرصا وأنا أكتب للأطفال؛ لأن الكبار لهم من الوعي ما يمكنهم من حسن الاختيار ويستطيعون النقد والتمييز بين الكتاب الجدير بالقراءة والآخر الرديء، لكن الطفل لم يكتسب بعد تلك المهارة، بالإضافة إلى سرعة تأثره بالموضوعات المطروحة وشخصيات القصة؛ لذلك يجب أن أكون مدركة لذلك، فلا أضع بين يديه إلا ما يحافظ على توازنه النفسي، ويمكنه من اكتساب المعرفة والمهارات بالإضافة إلى تحقيق المتعة والتسلية التي يبحث عنها.
ماذا تقولين لأطفالك الذين يتابعون ما تكتبين؟
أقول للأطفال الذين يتابعونني، لا تهملوا الكتاب فخير جليس في الزمان كتاب، فهو ينمي خيالكم ويزودكم بالمعارف، ويعدكم لتكونوا متفوقين مميزين بين أقرانكم.
وأقول لكل طفل، أنت موهوب حين تقرأ، وحين تكتب، وحين ترسم، وحين تعزف؛ فاستمر دوما في تنمية مواهبك، واجعل الحياة من حولنا جميلة، واعلم يا صغيري أن الجمال هو أنت، وأن الحياة من دونك لا معنى لها..