لا شك بأن تجربة الشاعر والروائي العراقي أسعد الجبوري تعد تجربة رائدة وجديدة، تقفز بنا بالزانة في مشهد غرائبي فنتازي يستحق النظر بكثير من الإعجاب، أيا كان المُخرَج الفني أو الثقافي لهذا المنتج الذكي، لرجل قدير ظل يبحث عن عوالم لم تطرق من قبل حتى اهتدى إلى هذا الفتح المثير والفاتح لشهية القراءة، فهو بالضرورة يحمل أبعادا ثقافية واجتماعية وفنية جديدة، حري بمن يشتغل بالفن أن يقرأها ويسعى للإلمام بها باهتمام وحماسة..
في العام 2019، صدر ثلاثة أجزاء من الحوارات مع شعراء فارقوا الحياة، ويقول الجبوري إنه يحاول عبر مؤلفاته تحريك عضلات الشعر، وجعله تمرينا نابضا بحياة ما بعد الموت، ويسعى كذلك لخلق طقوس معاصرة لشعراء الزمن الغابر، مع خلق علاقات ما بين شعراء العرب وشعراء الغرب؛ من خلال وجودهم المشترك في السماوات، أو تحت الأرض في المدافن الكبرى.
ويضيف الجبوري أنه يسعى لمكافحة النسيان الذي يتعرض له شعراء عرب وأجانب، خاصة بالنسبة للأجيال المعاصرة التي سرقتها وسائل التواصل الاجتماعي من المكتبات، فجعلت منها دمى إلكترونية وروبوتات للقراءة السريعة على شاشات الهاتف وحواسيب الجيب الشخصية.
وهكذا حدث التصادم ما بين البرق واللغة في مكان جديد ثالث، مرفقا برياح زمنية آمنة ترفع عن القبور الشواهد، وتسمح بتخزين كل الأرواح في صناديق “بريد السماء الافتراضي” لمحاورتها وكشف كل الغيوم القديمة التي أحاطت بأجسادها وكتابتها الشعرية.
كان محمد الماغوط “أول أولئك الشعراء الموتى ممن تمت إعادتهم إلى الأرض، على الرغم من صعوبة إقناعه بتلك العودة”. وعلى الرغم من أنه “لم تكن للماغوط رغبة حتى بملامسة التراب القديم، لكننا أقنعناه بعد مطاردة طويلة”، يقول ذلك الجبوري وهو يتحدث عن صندوق بريد السموات الذي يعيد شعراء الكون إلى الأرض بطريقة افتراضية ما.
وقد شملت الحوارات مع الشعراء: دانتي ألتغييري، وآنا أخماتوفا، وبسام حجّار، وإيميلي ديكنسون، وناديا تويني، وحامد بدر خان، وماتسوو باشو، وجان دمو، وتوماس ترانسترومر، وبدوي الجبل، وأحمد شاملو، وبيرسي بايسش شيلي، وأحمد المجاطي، ويانيس ريتسوس، ومحمد الثبيتي، وسان جون بيرس، وخوان خيلمان، وجلال الدين الرومي، وإديث سيتول، وعبد الأمير الحصيري، وتريستان تزارا، وأنطونيو ماشادو، ووالت ويتمان، وعمر الخيام، ومارينا تسفيتاييفا. نيلغون مرمرة، وقسطنطين كفافيس، وبدر شاكر السياب، وروبندونات طاغور، وروبرتو خواروث، ومحمود السيد، وناظم حكمت، وعماد جنيدي، وأليخاندرا بيثارنيك، وجوزيبي أونغاريتي، ولويس أراغون، ومالك علولة، وراينر ماريا ريلكه، وجان كوكتو، والنّفري، وخورخي لويس بورخيس، وجورج غوردن بايرون، ورينيه شار، وبوريس باسترناك.
يتذكر الجبوري حواره مع الشاعرة الأميركية المنتحرة بالغاز سيلفيا بلاث: “كان حوارا محزنا أبكى الكثير من القراء، وخاصة عندما تحدثت لي (سيلفيا) عن قصة موتها التي تمت بواسطة غاز الطبخ”.
وقالت سيلفيا بلاث للجبوري ضمن إجابة عن سؤال حول الموت، إنها اختبرت الموت من خلال بعض الرؤى التي كانت تلاحقها أثناء النوم، وأضافت “طالما ذهبت إلى هناك، لأتحرر من الحياة الضيقة وحروفها الشبيهة بالأغصان اليابسة التي سرعان ما تتكسر بين أصابعي في أثناء الكتابة”.
وتابعت موضحة “قبل أن تتم ولادتي على الأرض، كنت أكتب الشعر هنا، لقد رافقني كبش الشعر الضخم منذ بداياتي الأولى للطيران في أوقات العواصف”