” بوسريف” يدافع عن قصيدة النثر التي يعتبرها حجازي “قصيدة خرساء”
الباحث يرى أن الوزن لم يحدث حوله إجماع عند النقاد العرب القدماء
نطاق الشعر اتسع ليصير أكثر عمقًا مما كانت عليه القصيدة
هل كان محمود درويش هو الشاعر المنتظر منذ المتنبي؟
تأثير واضح للسياب في كثير من التجارب الشعرية التي عاصرته أو جاءت بعده
-
من يقرأ كتابات درويش الأولى سيكتشف تأثير نزار قباني فيها
-
شوقي لم يعبأ بما كان يحدث من انقلابات في شكل الشعر ومفهوماته في أوروبا
-
بونفوا: مكان الشعر طبيعي في اللغة العربية
-
لم يكن لإليوت حضور في الشعر العربي خلال القرن العشرين
صلاح بوسريف باحث وشاعر مغربي، وكتابه الصادر حديثًا عن ثلاث دور نشر في الدار البيضاء والجزائر وبيروت هو في جوهره دفاع عما يمكن تسميته “بالشعر الحديث” أو “بالشعر الجديد”، وكذلك بالقصيدة النثرية، كما هو مناقشة لآراء بعض الأدباء والشعراء العرب مثل أحمد عبدالمعطي حجازي، وإطلالة على الآداب الغربية. وهناك فصل فيه عنوانه “هل ما زال إليوت ممكناً”. وإليوت هو الشاعر والناقد الإنجليزي الشهير الذي تأثر به بعض شعراء الحداثة العرب في القرن العشرين.
يناقش الباحث ما ورد في كتاب حجازي الذي صدر قبل بضع سنوات: “القصيدة الخرساء”، أي قصيدة النثر وهي القصيدة التي لا يعترف بها حجازي ويدافع الباحث المغربي بوسريف عنها. يرى الباحث المغربي أن إطلاق معنى القصيدة الخرساء هو اقتصار على الوزن فقط، لأنها خالية من أوزان محددة، أو من انتظام في توالي الأصوات، بمعنى أن الكلام في نظر حجازي لا يجئ ولا يحدث إلا في القصيدة “الموزونة”، والوزن هنا هو الصوت. “وإذا أردت أن أعود بحجازي إلى تاريخ الممارسة النقدية عند العرب القدماء، نجد أن الوزن، كحد للشعر، لم يحدث حوله إجماع، بل كانت تظهر بين الفينة والأخرى، كتابات وآراء تعتبر الشعر أوسع من هذا الحدّ، وتذهب في تصورها إلى بناء الشعر وفق داليَّن كبيرين هما الإيقاع والخيال. ولعل في موقف الفلاسفة العرب، نظرا لانفتاحهم على ثقافة الآخر، وعلى النظريات القادمة من أفق مغاير، ما جعل تصوراتهم للشعر تهجس بمفهوم للإيقاع كان أوسع من مفهوم حجازي. لم تبق دوال الشعر عندهم محصورة في الوزن كدالّ يتيم، بل عملوا على وضع الشعر في مواجهة دوال أخرى ظلت في التصور النقدي البياني، أو لدى الأصولية النقدية العربية، غير واردة في وعيهم، أو ما اعتبروه حدا للشعر دون غيره”.
وفي الشعرية المعاصرة نحن بصدد الكتابة أو الشعر الذي يعي الكتابة كشرط حضاري. لم يعد الشفاهي، والصوت من ضمنه، سوى مكون من بين مكونات أخرى هي ما يحدد في تضافرها شعرية النص، في وعيه مكتوبًا وليس مسموعًا فقط. فالصوت سيتراجع في مقابل الكتابة، أي وضع الصفحة التي لا يحدث وعيها بالصوت فقط، بل بعمق الصفحة، ببياضاتها، وبما يرتسم فيها من توزيعات خطية هي دال مادي ملموس وليس مجرد صدى مثلما يحدث في الصوت!
وهكذا فالنص اليوم غير وتيرة اشتغاله، إذ أصبحت الكتابة شرطًا من شروط وعيه، أو وعي شعريته. لم تعد الشعرية أصواتًا تتكرر وفق معايير محددة. اتسع نطاق الشعر ليصير أكثر عمقًا مما كانت عليه القصيدة. حتى ذلك الفصل العجيب بين لغة للنثر ولغة للشعر لم يعد قائمًا بهذه البساطة..
وتحت عنوان “عربية الشعر” يورد الباحث كلمة للشاعر الفرنسي إيف بونفوا تقول: “شعوري عميق أن العربية لغة مكان الشعر فيها طبيعي، في حين أنه في الفرنسية يجب أن نصارع باستمرار لنتذكر ذلك”، ويرى أن عربية الشعر هي عربية اللغة، فهي عربية فيها تزاول اللغة انفتاحها. تخرج من المشترك والمتداول إلى الخاص والاستثنائي. حتى عندما ننظر إلى المفردات معزولة عن إيحاءاتها المشتركة، فهي توحي بتوجساتها. كل مفردة هي ذرة قابلة للتفتت إلى أكثر من جسم، وهي انشراح لا نهائي، العادة ليست قيدًا لها. فهي تجئ من عشب يحيا بما يبثه في التراب من نوى.
ليس الشعر في العربية كما يشيد بونفوا هو أن نكتفي باستدعاء الكلام دون وعي شعريته. فشعرية اللغة وهي خام لا تحمل في ذاتها أي معنى شعري ولا يمكن أن تكون شعرًا فهي لغة تحتاج إلى اشتغال وإلى توظيف يخرج بها من ذاتها إلى ذات من يكتبها، أو يقودها، ويصبو بها إلى أفق من الانشراح الشعري.
ويعرض الباحث لبعض الشعراء المعاصرين، فللسياب، كما لغيره من الشعراء عبر مختلف الأزمنة، تأثيره الواضح في كثير من التجارب الشعرية التي عاصرته أو التي جاءت بعده، لكنه ظل تأثيرًا في بعض مظاهر (صناعته)، ولم يكن تعويضًا لمكان تجربة هي تجربة السياب وليست ملكًا مشتركًا مع غيره، أو تركة لمن ينتسبون لأراضي الوجود الشعري.
ويأخذ على بعض الكتابات النقدية إطلاق أحكام متسرعة على محمود درويش: “في ما قرأته من كتابات عن رحيل الشاعر الفلسطيني محمود درويش، كنت أستهجن كل ما قيل ليس في حق الشاعر الراحل الذي هو من الشعراء المعاصرين الأساسيين، بل ما طال غيره من مجايليه وحتى المعاصرين له من نفي، واعتبار درويش الشاعر المنتظر بعد المتنبي، وأن اللغة العربية لم تعرف شاعرًا منذ المتنبي أتاح لها كل هذا الألق سوى درويش”!
وهو يرى في هذا الكلام كثيرًا من الاستخفاف والتمحل، ثمة فرق بين أن نكتب في رثاء الراحل، وفي الحديث عنه كأحد المبدعين الذين كانت تجربتهم الشعرية نوعية ولها تأثيرها الواضح في كثير من تجارب الشعراء اللاحقين، وبين أن نتحدث عن تجربته كآخر ما أمكن ابتداعه في الشعرية العربية قاطبة”.
وعنده أن من يقرأ كتابات درويش الأولى، سيعثر على التأثير الواضح الذي تركه نزار قباني في شعر درويش نفسه، وهو نفس التأثير الذي كان للسياب على درويش. كما يقول درويش نفسه في شهادة له عن السياب.
يقول درويش: “تعرفت على شعر بدر شاكر السياب دفعة واحدة ومن خلال عمله الكبير “أنشودة المطر” عثرت على ضالة المثال الشعري دفعة واحدة. اخترقني النهر ولم أعد بعد القراءة من كنته قبل القراءة. كانت الفتنة والجرح يصعدان بي إلى نقاط التقاطع الغامضة التي يتحقق فيها الشعر، ثم يتكتم على سره ليبقى مطلبًا، ولتبقى غاية الشعر الخاصة هي الشعر”. وهذا ما سيجعل درويش، في تقديره العميق لتجربة السياب، يعتبره “مؤسسًا أكبر”. كما سينوه كذلك بتجربة سعدي يوسف الذي سيعتبره “أحد شعرائنا الكبار الذين قادهم الشعر أو قادوه إلى التمرد على تعالي اللغة الشعرية”، واعتبره “مؤسس بلاغة جديدة”.
ويعرض الباحث المغربي للشاعر الفرنسي رامبو انطلاقًا من إصدار إحدى دور النشر الفرنسية عام 2009 طبعة جديدة من أعمال رامبو. ومن الأعمال المهمة التي صدرت في العام نفسه كتاب للشاعر الفرنسي إيف بونفوا عن رامبو عنوانه “حاجتنا لرامبو”، ويقول: “حين اختار بونفوا الاكتفاء بمقاربة “المركب السكران” و”فصل في الجحيم” (وهما ديوانا شعر لرامبو)، فقد وضع يده على عاملين أساسيين في تجربة رامبو. ذلك أن بونفوا على معرفة جيدة بما يختزنه العملان من طاقات شعرية كبيرة، وبما يحفلان به من اختراقات أو تجديد في الوسائل أو في الإمكانات. إن العودة لرامبو ليست رهينة نسيان حدث في حق شاعر أو كاتب طاله النسيان، أو نوعا من إعادة الاعتبار كما يحدث عادة عندما ننشغل عن تجربة ما بغيرها. فرامبو ظل حاضرًا في الوعي الشعري العالمي، ولم يغب عن وعي الشعراء، ولا عن القراءات التي كان الشعر موضوعها، وفي هذه العودة إشارة واضحة لطبيعة تجربة رامبو باعتبارها إحدى التجارب الشعرية الكبرى التي لا تفتأ تساعدنا على تعلم الشعر وعلى الاقتراب عن مضايقه لأن ليس ثمة مسالك في الشعر.
إن هذا الحضور الأبدي لرامبو رغم أن ما تركه من نصوص كان قليلًا قياسًا بما تركه عدد من شعراء زمنه، هو تعبير عن استثنائية هذا الشاعر، وعن البعد الاستشرافي الذي طبع رسالته كما طبع نصه العميق “فصل في الجحيم”. إننا في ضيافة الشاعر الرائي، الشاعر الذي نحتاج إليه دائما لاستشارته، كما نحتاج لصداقته التي هي صداقة شعرية، أو ما سماه رامبو نفسه بالأخوة الشعرية!
لا ينتمي الباحث، وهو شاعر أيضا، إلى جيل السياب وعبدالصبور، وليس أيضا من الجيل الذي أتى بعدهما. هؤلاء جميعا من الشعراء الذين خاضوا تجربة ما سمي بالشعر الحر. كان الزمن آنذاك حافلا بالكثير من التوترات ليس على صعيد الفكر وحده، بل في كل أصعدة الحياة. كان الشعر أداة للمواجهة رغم ما كان يشوبه من انتماء للشكل القديم، وما كان للماضي فيه من حضور لم تطله حتى تلك التحولات التي حدثت في بعض مكونات هذا البناء، أو في زاوية الرؤية، بما عُرف بالشعر الفرنسي. السياب وغيره من جيل الرواد، كانوا من المزاولين لهذا المقترح الشعري. لا أحد من هؤلاء نقل النص من قديمه رأسًا إلى تلك الحرية التي بها اتسمت تجربة هذا الشعر الذي راهنت الشعرية العربية على اختراقاته.
وهو يأخذ على أمير الشعراء شوقي، باعتباره مثالًا لهذه المرحلة، أنه لم يعبأ بما كان يحدث حوله من انقلابات في شكل الشعر وفي مفهوماته التي حدثت في أوروبا، رغم أن شوقي كان على مرمى حجر من أوروبا، وكان على معرفة بالفرنسية، فهو اكتفى بماضي الشعر العربي، وحتى عندما غير وجهة الشكل، أو سعى لتوسيع هذا الشكل من خلال تبنيه للمسرح الشعري، فقد حفه بلباس الشكل القديم.
وفي فصل في الكتاب خصصه للحديث عن إليوت يرى أن إليوت لم يكن مكتفيًا بما هو موجود ومتاح. لم يكتف بالشعر الإنجليزي وحده. فهو استفاد من معرفته بلغات أخرى استمد منها انشراحه الشعري و النظري أيضا، وبشكل خاص الفرنسية التي عرفته ببودلير ورامبو ولهما حضورهما في تجربة إليوت خصوصا في عمله “الأرض الخراب” مرجعيات أخرى، من ثقافات أخرى، كان لها حضورها في البرنامج الشعري لإليوت: “الإلياذة” لفرجيل و”الكوميديا الإلهية” لدانتي، و”رباعيات الخيام” التي قرأها مترجمة.. إنه انتقال بين الثقافات. شعريات مختلفة تتقاطع فيما بينها، تجاور بعضها دون أدنى إحساس بفقدان الذات أو تمجيدها. “النزوع إلى التنوع بدل النزوع إلى الكمال” والتعبير لإليوت. هذا ما ميز تجربة إليوت عن شعرية الاستفادة التي بقي الشعر العربي إبان “زمن النهضة” مكتفيًا برجاحتها!
يذهب إليوت إلى أبعد من هذا حين يقرر وهو الشاعر والناقد، في سياق حديثه عن الأشكال الشعرية إلى أن هناك أشكالًا تناسب بعض اللغات ولا تناسب لغات أخرى، وجميع الأشكال أكثر مناسبة في عصور منها عن عصور أخرى.
ولم يكن لإليوت حضور، أو أي نوع من التأثير في الشعر العربي خلال العقود الستة الأولى من القرن العشرين، ما يعني أن “النهضة” وما تلاها من مقترحات شعرية لم يصل إليها تأثير إليوت، بما في ذلك الشعراء الذين كانت الإنجليزية اللغة التي يقرأون بها، أو كانت مرجع معرفتهم الشعرية، في العلاقة بالثقافة الأوروبية.
“الأرض الخراب” نشرت سنة 1922 في هذه الفترة بالذات، كانت هذه الأرض الشعرية، بصيغة أو بأخرى، تعيش “زمن النهضة” وتسعى لابتداع زمن شعري يقبل (بالآخر) بمعرفته، وبمنجزه الشعري والنظري. رغم اختلاف استراتيجيات كل طرف، فجميع الأطراف كانت تؤسس لمشروعات، كل طرف كان يرى في مشروعه، الأرض التي تصلح لنهضة جديدة.
إذا عدنا إلى “جماعة الديوان”، أي إلى عباس محمود العقاد والمازني وشكري يتبدى لنا بوضوح أن القلق والتردد واليأس الذي كان أساس رؤية إليوت في “الأرض الخراب” هو نفسه، رغم اختلاف السياق، الذي كان يشغل أفراد هذه الجماعة. ولم يكن الأمر كما في تقديم العقاد لديوان المازني يقتصر على التردد بين الماضي والمستقبل، بل إن القلق والتردد طالا كل مناحي الحياة. وما دفع العقاد ليقرر أن العصر “طبيعته القلق والتردد بين ماضٍ عتيق ومستقبل مريب. وقد بعدت المسافة بين اعتقاد الناس فيما يجب أن يكون وبين ما هو كائن”. وهو نفس ما عبر عنه شكري بصدد “الشباب المصري” الذي أصبح يعيش في يأس عظيم، رغم ما كان يستشعره من ألم.
أليس هذا حافز لقاء بين شعريتين كلتاهما استشعرت نفس الهشاشة وربما ارتجاج الأرض من تحتهما، بما تعنيه كلمة أرض من إيحاءات، بما فيها ما تفضي إليه “الأرض الخراب”؟
نشرت ترجمة لويس عوض “للأرض الخراب” في خريف 1968 في مجلة شعر. ولم تكن التجربة الشعرية المعاصرة واعية بطبيعة البرنامج الشعري لإليوت، أو لم تكن منشغلة به بقدر انشغالها بالبعد المأساوي لرؤيته. سيتم استثمار إليوت كفكرة أو كنوع من عزاء الذات لنفسهما. صحيح أن هناك كتابات ذهبت إلى بعض أسس النظرية الشعرية لإليوت، وصحيح أن السياب في بعض أعماله، وعلى رأسها “أنشودة المطر، عمل على استثمار هذه التجربة بشكل رائد، لكن إليوت كان آنذاك عبارة عن موجة أو هبة ربما جاءت في غير أوانها.
ولكن كيف تتبدى ملامح المشروع الشعري لإليوت؟ الواقع أن هذا المشروع الشعري عبارة عن عمارة واحدة وبناء لا يمكن فصل طوابقه عن بعضها، أو الاكتفاء ببعض الغرف دون سواها. إنه مشروع شعري يشير إلى ممكنات العمل الشعري. فكما عمل على اختراق مبدأ صفاء الوزن الشعري، عمل على اختراق مبدأ صفاء اللغة الشعرية. وقد جعل الشعر كامنا في كل الأشياء لا في اتجاه الشعر كمفهوم كلاسيكي مغلق، بل الشعر كإمكان وكطريق!
والسؤال هو: وفق أي تصور عملت الشعرية العربية على استحضار تجربة إليوت في سياقها العربي، وما الذي استثمرته في هذه التجربة؟
وإليوت في فهم الباحث وتصوره له هو “هذا البناء الكلي وليس فقط توليف بخور أو إيقاعات. ليس إليوت هو لغة الشعب أو المعادل الموضوعي أو أصوات الشعر الثلاثة. أنه برنامج شامل مفتوح على المستقبل، تصيره، وحركة دائبة لا تعرف الهدنة. بهذا المعنى أفهم قول غاردنير إن الشعراء خرجوا منذ زمن عن طريقة إليوت أي عن اختياراته الفردية. وإذا كان إليوت في المشرق العربي لم يحضر بالمعنى الذي ابتنى أفق مشروعه، أو شعريته، وظل مجرد تقنيات أو بعض آليات بناء النص، والمشرق هو من كان على صلة مباشرة بإليوت، من خلال المعرفة بلغته كلغة أولى أو ثانية، فالمغرب جاء لقاؤه بالحداثة من الشرق، ولم يعد لاستدراك الحداثة أو الاقتراب منها مباشرة إلا من خلال الشرق ذاته. فالمغرب ذهب إلى الغرب عبر الشرق دورة كاملة للعودة إلى الأصل القريب الذي لم يذهب إليه إلا من كتبوا بالفرنسية مباشرة في أول الأمر”.
هذه نماذج من معالجات الباحث والشاعر المغربي صلاح بوسريف لقضايا الشعر، وما أكثرها وبخاصة لرؤيته للحداثة في الشعر، أو للشعر الحديث. يطغى على الكتاب دفاع حار عن شعر لا يعتمد أوزان الخليل ولا يلتفت إليه. ومثل هذا الدفاع ألفناه في المشرق العربي من شعراء ما يسمى بقصيدة النثر الذين يعتبرون أن بالإمكان توليد الشعر من النثر أو باعتبار النثر منجمًا قابلاً لتوليد شعر ومن المعروف أن وراء هذا التنظير قلة دراية بأوزان الخليل وعدم قدرة على امتطاء بحوره. ومن طريف ما ورد في كتاب بوسريف الإشارة إلى موقف “برزخ” العروضي، أو موقف أحد النقاد العرب القدماء واسمه برزخ، من العروض. كان برزخ ضد قانون الخليل بن أحمد الشعري. في حين أن النقد العربي القديم لم يعرف في الواقع سوى معترفين بهذا القانون الذي كان “الأوتوستراد” الذي سلكه الشعراء العرب جميعا، ووافق النقاد القدماء جميعا ما عدا “برزخ” الذي يشير إليه الباحث المغربي. وقد ألح الباحث إلحاحًا شديدًا على النثر والنثرية كسبيل لحداثة شعرية، فأفقد كتابه حيادية ونزاهة وتجردًا كان الكتاب يستحقها لأن مؤلفه مطلع اطلاعًا جيدًا على حركة الشعر والأدب العربي الحديث ولكن قاتل الله الأغراض التي كثيرا ما تسئ إلى الأبحاث.