اكتشاف ملحمة جلجامش
عندما تم اكتشافها في القرن التاسع عشر، صُنّفت قصة جلجامش على أنها ملحمة يونانية، وهو نوع أدبي معروف في أوروبا؛ على الرغم من أنها سبقت الثقافة اليونانية التي نشأت منها الملاحم على وجه التحديد عندما أشار هيرودوت إلى أعمال هوميروس على هذا النحو. فعندما ترجم ألفريد جيريمياس النص، أصر على العلاقة مع سفر التكوين بإعطاء العنوان «إيزدوبار-نمرود» («Izdubar-Nimrod») وبالتعرف إلى هذا النوع من الشعر البطولي اليوناني. على الرغم من إسقاط المساواة مع نمرود، إلا أنه تم الإبقاء على رأي «الملحمة اليونانية».
في عام 1966، أدرك مارتن ويست في مقدمة نسخته من كتاب «هسيود:ثيوغونيا» قرب الإغريق من مركز التقارب في الشرق الأوسط، «الأدب اليوناني هو أدب الشرق الأدنى». يتمثل أحد الاختلافات بين القصائد الملحمية اليونانية وجلجامش في حقيقة أن الأبطال اليونانيين تصرفوا في سياق الحرب، بينما تصرف جلجامش في عزلة (باستثناء الوجود الموجز لإنكيدو) – ويمكن مساواته بهرقل.
يعتبر التفكير في كيفية عرض النص من وجهة نظر عصره أمرًا صعبًا، حيث يقر جورج سميث بأنه لا توجد «كلمة سومرية أو أكدية للأسطورة أو السرد البطولي، تمامًا كما لا يوجد اعتراف قديم بالسرد الشعري كنوع أدبي». يدرك الباحث جاسينثو لينس برانداو (2019) أن مقدمة «من رأى الهاوية» تذكر بإلهام الملهمات الإغريقي، على الرغم من عدم وجود مساعدة من إله هنا. كما تم توضيح أن جلجامش ارتقى إلى رتبة «رجل حكيم قديم» (ما قبل الطوفان). يتابع الباحث جاسينثو لينس برانداو مشيرًا إلى أن القصيدة كانت «توضع على شاهدة» («narû»)، وأن كلمة «narû» في البداية يمكن اعتبارها نوع القصيدة، مع الأخذ في الاعتبار أن على القارئ (أو الناسخ) تمرير النص دون حذف أو إضافة أي شيء. تشير المقدمة أيضًا إلى أن جلجامش روى قصته لناسخ، وبالتالي فهي نوع من السيرة الذاتية في صيغة الغائب».
محتوى الألواح الطينية في النسخة البابلية المعيارية
يستند هذا الملخص إلى ترجمة أندرو جورج وإلى ترجمة طه باقر.
تدور الملحمة حول الملك «جلجامش» ملك مدينة الوركاء السومرية الذي يُتخَيّل أن الإله أحسن خلقه، فكان ثلثاه إلهًا وثلثه بشرًا، لذلك فقد كان جسمه وقوته لا مثيل لهما، لكنه كان ظالمًا لرعيته، وبالغ في ظلمه – رغم أنه كان يرعى المدينة ويحميها- فشكوا إلى مجمع الآلهة يطلبون منهم العون لرده إلى صوابه، فقرر الآلهة خلق ندٍ لجلجامش، ليدخل معه في تنافس يلهيه عن ظلم رعيته، وعهدوا للآلهة الخالقة «أرورو» بالأمر، فقامت بخلق «إنكيدو» من قبضة طين رمتها في البرية.
وعاش إنكيدو في الغابات حتى رآه أحد الصيادين، فذهب إلى جلجامش وحكى له عن قوته وبأسه، فدبر حيلة لجلبه إلى الوركاء، ولما رآه الناس داخلًا المدينة، ووجدوه مماثلًا لجلجامش في قوته، تجمعوا حوله، وظنوا أنه سيدخل في تنافس دائم معه، وبالفعل يتحدى إنكيدو جلجامش، ودخلا في صراع عنيف – اهتزت معه جدران المعبد المقدس- حسمه جلجامش الذي طرح خصمه أرضًا وشلَّ حركته.
ولما هدأ غضب جلجامش، واستمع إلى كلمات المدح من إنكيدو، ومع إعجابه بقوته، أصبحا صديقين، وبهذه الصداقة تغير جلجامش، وأرخى قبضته عن رعيته، وبدأ يفكر في أثر عظيم يتركه بعد موته، فقرر الذهاب إلى غابة «الأرز» في أقصى الغرب، وقتل حارسها «خومبايا» الذي كلفه الإله «إنليل» بحمايتها، وكان بمثابة الشر في الأرض، وكانت ألسنة اللهب تندفع من فمه، وتجلب أنفاسه الموت، ورغم خوف «إنكيدو» الذي كان قد رآه وهو يعيش في الغابة، فقد ذهب الاثنان وتمكنا من قتله، بعد رحلة مليئة بالمغامرات والمخاطر، وذلك بمساعدة الإلهة شمش إلهة الشمس والعدل. وبعد العودة إلى الوركاء تقع الآلهة «عشتار» في حب جلجامش، وتطلب منه الزواج، لكنه يرفض ويواجهها بخيانتها لعشاقها، فتذهب غاضبة إلى «أنو» كبير الآلهة وتشكو له إهانة جلجامش لها، وطلبت منه أن يسلمها قيادة ثور السماء، لتهلك به جلجامش والوركاء، وهددت بأنه إذا لم يفعل فسوف تحطم باب العالم السفلي وتفتحه على مصراعيه لكى يخرج الموتى ويأكلوا مع الأحياء، فتحدث مجاعة عظيمة، فوافق «أنو»، وأنزلت عشتار الثور السماوي إلى الوركاء، لينشر الموت والرعب والفزع، حتى تمكن إنكيدو من صد هجومه، وساعده صديقه جلجامش الذي طعن الثور وقتله.
لكن الآلهة قررت الانتقام منهما لقتلهما الثور السماوي وخومبابا، واختاروا أن يموت إنكيدو، الذي أصيب بالحمى بسبب لعنة الآلهة، ومات بين يدي جلجامش بعد عدة أيام، فحزن عليه بشدة، حتى إنه رفض دفنه على أمل أن يسمع بكاءه فيعود للحياة، لكن بعد عدة أيام سقطت دودة من أنف الجثة، فاستسلم جلجامش وقرر دفن جثمان صديقه. وأصبح جلجامش يفكر في فلسفة الموت، وقرر أن يبحث عن سر الخلود، وبدأ رحلة البحث عن الحكيم «أوتونابشتيم»، وهو المخلوق الوحيد الذي أنعمت عليه الآلهة بالخلود، وأسكنته – مع زوجته – في جزيرة نائية، تفصلها عن العالم مخاطر رهيبة، وبحر تسبب مياهه الموت لمن يمسها، وبعد مغامرات عديدة، ينجح جلجامش في الوصول للحكيم عن طريق أحد تابعيه وهو الملاح «أورشنابى»، وهو الوحيد الذي يستطيع عبور مياه الموت بقاربه. ويقص جلجامش ما حدث للحكيم، ويطلب منه أن يمنحه سر خلوده في الحياة، فيكشف له أن الآلهة قرروا إرسال طوفان لإفناء كل أشكال الحياة على الأرض، لكن الإله «أيا» نزل إلى الأرض، وأخبر الحكيم بالأمر، وطلب منه أن يبنى سفينة هائلة «عرضها مثل طولها»، ويحمل فيها أهله، ومجموعة من أصحاب الحرف، وأزواجا من الحيوانات والطيور ووحوش البرية، وبالفعل تمكن الحكيم «أوتونابشتيم» من إنقاذ بذرة الحياة على الأرض، فشعرت الآلهة بالندم على قرارها بعدما رأت ما فعله، وقررت منحه وزوجته الخلود.
ويفاجئ الحكيم جلجامش بأنه لا يمكنه منحه الخلود، ويجرى له اختبارًا لإثبات ذلك، فيطلب منه قهر النوم – الموت الأصغر- لمدة ستة أيام وسبع ليال، ولكنه لا يتمكن من ذلك فيغرق في سبات عميق طوال ستة أيام، ويصاب باليأس بعد فشله في الاختبار، وبينما يستعد لمغادرة الجزيرة، إذا بالحكيم يخبره عن وجود نبات مثل الشوك ينبت في المياه العميقة، ويجدد الشباب لمن أصيب بالشيخوخة، لكنه لا يمنع الموت، فيخوض جلجامش المغامرة، ويربط نفسه بحجر، ويغوص في المياه العميقة، فيجتز النبتة، ويعود ليشكر الحكيم، ويقرر العودة إلى الوركاء لإطعام كل شيوخها من النبتة فيعود لهم شبابهم، ويترك لنفسه ما يأكله عندما يصل لمرحلة الشيخوخة.
ولكن في طريق العودة يتوقف جلجامش عند بحيرة باردة الماء، وبينما يغتسل من مائها، تتسلل حية وتأكل النبتة، فينهار ويبكى بعد أن ضاعت آماله، فيعود إلى الوركاء مع الملاح «أورشنابى»، وتنتهى الملحمة بوقوفهما أمام أسوار المدينة، ووصف جلجامش لها.
اللوح الطيني الأول
تقدم القصة جلجامش ملك الوركاء. يضطهد جلجامش -وهو في صورة ثلثي إله وثلث رجل- شعبه الذين يستغيثون بالآلهة. بالنسبة لشابات الوركاء، يتخذ هذا الاضطهاد شكل حق السيد للنوم مع العرائس في ليلة زفافهن. بالنسبة للشباب (اللوح الطيني متضرر في هذه المرحلة)، يُعتقد أن جلجامش يرهقهم من خلال الألعاب، واختبارات القوة أو ربما التسخير في مشاريع البناء. تستجيب الآلهة لنداءات الشعب من خلال خلق شخصية مساوية لجلجامش تكون قادرًا على وقف اضطهاده: وهو الرجل البدائي إنكيدو الذي يكسوه الشعر ويعيش في البرية مع الحيوانات. تم رصده من قبل صياد دُمِرت مصادر رزقه بسبب قيام إنكيدو باقتلاع شراكه. يخبر الصياد إله الشمس شمش عن إلرجل البدائي إنكيدو، والذي من المقرر أن تغريه شمحات عاهرة المعبد كخطوة الأولى نحو ترويضه. بعد ستة أيام وسبع ليالٍ (أو أسبوعين، وفقًا لدراسة حديثة) من ممارسة الجنس وتعليم إنكيدو طرق الحضارة، اصطحبت شمحات إنكيدو إلى مخيم الرعاة ليتعلم كيف يكون متحضرا. في غضون ذلك، كان جلجامش يحلم في نومه بالوصول الوشيك لرفيق جديد محبوب وطلب من والدته نينسون المساعدة في تفسير هذه الأحلام.
اللوح الطيني الثاني
اللوح الطيني الثاني من ملحمة جلجامش، متحف السليمانية، العراق
جلبت سمحات إنكيدو إلى مخيم الرعاة، حيث تعرف على حِمْية بشرية وأصبح الحارس الليلي. وتعلم إنكيدو من شخص غريب عابر عن معاملة جلجامش للعرائس الجدد، فسافر إلى الوركاء للتدخل في حفل زفاف. عندما يحاول جلجامش زيارة غرفة الزفاف يقف إنكيدو في طريقه ويتقاتلان. وبعد معركة شرسة، يعترف إنكيدو بقوة جلجامش المتفوقة ويصبحان أصدقاء. يقترح جلجامش رحلة إلى غابة الأرز لقتل نصف الإله خومبابا الوحشي من أجل الحصول على السمعة والشهرة. وعلى الرغم من تحذيرات إنكيدو ومجلس الشيوخ، لا يتمكن أحد من تغيير رأي جلجامش.
اللوح الطيني الثالث
يعطي الشيوخ لجلجامش نصيحة حول رحلته. يزور جلجامش والدته الإلهة نينسون، والتي تدعو إله الشمس شمش لدعم وحماية جلجامش وإنكيدو في مغامراتهما. وتتبنى نينسون إنكيدو كابن لها، ويترك جلجامش تعليمات لحكم الوركاء في غيابه.
اللوح الطيني الرابع
الحلم الثاني لجلجامش في الرحلة إلى غابة الأرز. لوح من ملحمة جلجامش من خاتوشا، تركيا. القرن الثالث عشر قبل الميلاد. متحف برلين الجديد، ألمانيا
رحلة جلجامش وإنكيدو إلى غابة الأرز. ويخيمان كُلّ بضعة أيام على جبل، ويُؤدّيان طقوس أحلام. يحلم جلجامش في منامه بخمسة أحلام مرعبة حول السقوط في الجبال وحول العواصف الرعدية وحول الثيران البرية وحول طير الرعد الذي يتنفس النار. على الرغم من أوجه التشابه بين شخصيات أحلامه والأوصاف السابقة لخومبابا، فإن إنكيدو يفسر هذه الأحلام على أنها نذير جيد، وينكر أن الصور المخيفة تمثل حارس الغابة. يسمع الصديقان خومبابا يحارب عندما اقتربا من جبل الأرز، وقاما بتشجيع بعضهم البعض على عدم الخوف.
اللوح الطيني الخامس
الجانب العكسي من اللوح الطيني الخامس المكتشف حديثاً من ملحمة جلجامش. يعود تاريخه إلى الفترة البابلية القديمة، 2003-1595 قبل الميلاد، ويوجد حاليا في متحف السليمانية، العراق
يدخل البطلان غابة الأرز. يقوم خومبابا حارس غابة الأرز بإهانتهما وتهديدهما. ويتهم إنكيدو بالخيانة، ويتعهد بنزع أحشاء جلجامش وإطعام لحمه للطيور. يخاف جلجامش ولكن تبدأ المعركة مع بعض الكلمات المشجعة من إنكيدو. تتزلزل الجبال مع الاضطراب وتتحول السماء إلى اللون الأسود. يرسل الإله شمش 13 ريحا لربط خومبابا، ويتم القبض عليه. يتوسل خومبابا كي لا يقتلاه ويرأف جلجامش لحاله. ويعرض خومبابا أن يجعل جلجامش ملكاً للغابة، وأن يقطع الأشجار لأجله وأن يكون عبدا له. إلا أن إنكيدو يزعم أنه لابد لجلجامش أن يقتل خومبابا لإثبات سمعته إلى الأبد. يلعنهما خومبابا ويقوم جلجامش بقتله بضربة في عنقه، فضلا عن قتل أبنائه السبعة. قام البطلان بقطع العديد من أشجار الأرز، بما في ذلك شجرة عملاقة يخطط إنكيدو لتزيينها في بوابة لمعبد إنليل. وبنيا طوفاً عادا به إلى ديارهما على طول نهر الفرات مع الشجرة العملاقة و (لربما) مع رأس خومبابا.
اللوح الطيني السادس
يرفض جلجامش تقدم الإلهة عشتار لاقامة علاقة جنسية معه بسبب سوء معاملتها وخيانتها لعشاقها السابقين مثل الإله دموزي. تطلب عشتار من والدها أنو أن يرسل الثور السماوي لينتقم لكرامتها. وعندما يرفض الإله أنو شكواها، تهدد عشتار بإعادة إحياء الموتى الذين س«يفوقون عدد الأحياء» و الذين سقومون «بالاتهام الأحياء». يقول أنو أنه إذا أعطاها ثور السماء، ستواجه مدينة الوركاء 7 سنوات من المجاعة. فتزوده عشتار بمؤن لمدة 7 سنوات مقابل الثور. وتقود الثور السماوي إلى الوركاء، مايسبب دمارا واسعا. انخفض مستوى نهر الفرات وجفت المستنقعات وافتتحت حفر ضخمة ابتلعت 300 رجل. هاجم إنكيدو وجلجامش الثور السماوي وقتلاه بدون أي مساعدة إلاهية وقدما قلبه إلى الإله شمش. عندما تبكي عشتار يقوم إنكيدو بإلقاء إحدى الأجزاء الخلفية للثور «قد يكون الذيل أو العضو التناسلي» عليها. تحتفل مدينة الوركاء، ولكن يحلم إنكيدو في منامه بحلم مشؤوم حول فشله في المستقبل.
اللوح الطيني السابع
في حلم إنكيدو، تقرر الآلهة أن أحد البطلين يجب أن يموت لأنهم قتلا خومبابا وغوغالانا (الذي يعتقد أنه نفسه الثور السماوي) واهانا عشتار بشدة. على الرغم من احتجاجات الإله شمش فإن إنكيدو يُوَسم بالموت. يلعن إنكيدو الباب العظيم الذي وضعه لمعبد إنليل. ولعن أيضا الصياد وشمحات لإخراجه من البرية. يُذكّر الإله شمش إنكيدو كيف قامة شمحات بتغذيته وكسوته، وتعريفه بجلجامش. ويخبره الإله شمش أن جلجامش سيمنحه شرفًا كبيرًا في جنازته، وسيتجول في البرية بكل حزن. يأسف إنكيدو عن لعناته ويبارك شمحات بدلاً من ذلك. ولكن يحلم إنكيدو في حلم ثاني بأنه أسير إلى العالم السفلي من قبل ملاك الموت المرعب. يعتبر العالم السفلي «بيتا من الغبار» وظلاما يأكل سكانه الطين ويلبسون ريش الطيور ويشرف عليهم كائنات مرعبة. ولمدة 12 يوما، تزداد حالة إنكيدو سوءا. يموت إنكيدو بعد امتعاضه وتألمه من عدم إمكانية موته بشكل بطولي في المعركة. وفي سطر مشهور من الملحمة، يتشبث جلجامش بجثة إنكيدو وينكر موته إلى أن تسقط دودة من أنف جثة إنكيدو.
اللوح الطيني الثامن
يلقي جلجامش رثاء على ذكرى إنكيدو، حيث يدعو الجبال والغابات والحقول والأنهار والحيوانات البرية وجميع الوركاء للحزن على صديقه. يستذكر جلجامش مغامراتهما معاً، يحلق شعره ويمزق ملابسه حزنا عليه. ويفوض تمثالا جنائزيا له ويقدم هدايا جسيمة من خزانته لضمان حصول إنكيدو على استقبال إيجابي في عالم الموتى. تقام مأدبة عظيمة حيث تقدم الكنوز إلى آلهة العالم السفلي. قبل انقطاع النص، هناك اقتراح بأنه تم بناء سد على النهر مما يشير إلى دفن في قاع النهر، كما يوجد في القصيدة السومرية المقابلة، «موت جلجامش».
اللوح الطيني التاسع
يفتتح اللوح التاسع مع جلجامش وهو يجوب البرية مرتديا جلود الحيوانات حزنا على إنكيدو. فبعد أن أصبح الآن خائفاً من موته، قرر أن يبحث عن «أوتنابيشتيم» وزوجته («البعيدان جدا») ليتعلم سر الحياة الأبدية. كونهما من بين الناجين القلائل من الفيضان العظيم، يعتبر أوتنابيشتيم وزوجته البشر الوحيدين الذين مُنِحوا الخلود من قبل الآلهة. يعبر جلجامش ممرا جبليا في الليل ويواجه مجموعة من الأسود. قبل النوم، يصلي جلجامش إلى إله القمر سين من أجل الحماية.ثم يقتل الأسود ويستخدم جلودهم كملابس بعد استيقاظه من حلم مشجع في منامه. وبعد رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر، يصل جلجامش إلى القمتين التوأمين لجبل ماشو في نهاية الأرض. ويصل إلى نفق لم يدخله أي رجل من قبل. يحرس النفق شخصان اثنان من العقرب، يشتبه في أنهما زوجان. ويحاول الزوج أن يثني جلجامش عن المرور، ولكن الزوجة تتدخل وتعرب عن تعاطفها مع جلجامش وتسمح بمروره (ووفقا لأحد مراجعي الملحمة بنجامين فوستر). يمر جلجامش تحت الجبال على طول طريق الشمس، وفي ظلام دامس، يتابع الطريق لمدة 12 «ساعة مزدوجة» ويتمكن من إكمال الرحلة قبل أن تلحق به الشمس. يصل إلى حديقة الآلهة، وهي جنة مليئة بالأشجار الحاملة للجواهر.
اللوح الطيني العاشر
يقابل جلجامش سيدوري صانعة المزر التي تظن أنه قاتل أو سارق بسبب مظهره المخزي. يخبرها جلجامش عن الغرض من رحلته. تحاول أن تثنيه عن مسعاه، لكنها ترسله إلى رجل السفينة أورشنابي الذي سيساعده على عبور البحر إلى أوتنابيشتيم. يدمر جلجامش بسيب الغضب التلقائي الحجر السحري الذي يبقيه أورشانابي معه. ويخبره جلجامش بقصته ولكن عندما يطلب مساعدته يخبره أورشانابي أنه قد دمر الأشياء التي يمكن أن تساعدهم على عبور مياه الموت التي تقتل عبر لمسها. يوعز أورشنابي إلى جلجامش بقطع 120 شجرة وجعلها أعمدة. ولما وصلا إلى الجزيرة حيث يعيش أوتنابيشتيم، يسرد جلجامش قصته ويطلب منه المساعدة. ويقوم أوتنابيشتيم بتوبيخه معلناً أن محاربة المصير المشترك للبشر أمر عقيم ويقلل من متعة الحياة.
اللوح الطيني الحادي عشر
يلاحظ جلجامش أن أوتنابيشتيم لا يختلف عنه ويسأله كيف تحصل على خلوده. يوضّح أوتنابيشتيم أنّ الآلهة قررت إرسال طوفان عظيم. لإنقاذ أوتنابيشتيم طلب منه الإله إنكي بناء قارب بعد أن أعطاه أبعادا قياسية دقيقة وأغلقه بالزفت والأسفلت. وركبت عائلته كلها على متن القارب جنبا إلى جنب مع الحرفيين و «جميع الحيوانات في الحقل». ثم نشأت عاصفة عنيفة تسببت في تراجع الآلهة مرتعبة إلى السماء. أبدت عشتار أسفها لتدمير البشرية بالكامل، وبكت الآلهة الأخرى بجانبها. استمرت العاصفة ستة أيام وليالي، وبعد ذلك «تحول جميع البشر إلى طين». بكى أوتنابيشتيم عندما رأى الدمار. رسى مركبه على جبل وأطلق حمامة وسنونو وغرابا. فتح السفينة وأخرج الناس منها بعد عدم عودة الغراب. يقدم أوتنابيشتيم قربانا للآلهة الذين يشمون رائحته الحلوة ويتجمعون حولها. عاهدت عشتار نفسها على أنها ستتذكر هذا الوقت كمعاهدتها نفسها على أنها لن تنسى أبدا القلادة الرائعة حول رقبتها. تصل الإلهة إنليل غاضبة من وجود ناجين وتُدين أوتنابيشتيم لتحريضه على الفيضان. ويستأصله الإله إينكي أيضاً لإرساله عقوبة غير متناسبة. قامت الإلهة إنليل بمباركة أوتنابيشتيم وزوجته ومكافئتهم بالحياة الأبدية. تطابق هذه الرواية إلى حد كبير قصة الطوفان التي تختتم «أترا-هاسيس ».
ويبدو أن النقطة الرئيسية هي أنه منح إنليل الحياة الأبدية لأوتنابيشتيم كانت هدية فريدة من نوعها. ولإثبات ذلك، تحدى أوتنابيشتيم جلجامش للبقاء مستيقظا لمدة ستة أيام وسبع ليال، ولكن جلجامش نام. يوعز أوتنابيشتيم لزوجته بأن تخبز رغيف خبز في كل يوم من الأيام التي ينام فيها جلجامش حتى لا يستطيع إنكار فشله في البقاء مستيقظاً. لا يمكن لجلجامش الذي يسعى للتغلب على الموت أن يقهر النوم. ويغادران إلى الوركاء بعد أن أمر أوتنابيشتيم أورشنابي رجل السفينة بغسل جلجامش وكسوته في ثياب ملكية. وأثناء مغادرتهم، تطلب زوجة أوتنابيشتيم من زوجها أن يقدم لها هدية فراق. يخبر أوتنابيشتيم جلجامش أنه في قاع البحر يعيش نبات يشبه اللساس سيجعله شابا مرة أخرى. يتمكن جلجامش من الحصول على النبتة عن طريق ربط الأحجار إلى قدميه حتى يتمكن من المشي على القاع. ويقترح جلجامش التحقيق في حالة امتلاك النبتة للقدرة الافتراضية على تجديد شبابه باختباره على رجل عجوز بمجرد عودته إلى الوركاء. ولكن تقوم أفعى بسرقة النبتة عندما توقف جلجامش للاستحمام، ويبكي بسبب ذهاب جهوده سدى، لأنه فقد كل فرص الخلود. يعود إلى الوركاء، حيث يدفعه منظر جدرانها الضخمة إلى الثناء على هذا العمل الدائم إلى أورشنابي.
اللوح الطيني الثاني عشر
يعتبر هذا اللوح في الأساس ترجمة أكدية لقصيدة سومرية سابقة ، «جلجامش والعالم السفلي» (المعروفة أيضا باسم «جلجامش، إنكيدو، والعالم السفلي» ومتغيراتها)، على الرغم من أنه قد اقترح أنها مستمدة من نسخة غير معروفة من هذه القصة. تعتبر محتويات هذا اللوح الطيني الأخير غير متسقة مع محتويات سابقة: إنكيدو لا يزال على قيد الحياة، على الرغم من أن مات في وقت سابق من الملحمة. وبسبب ذلك، وعدم اندماجها مع الالواح الطينية الأخرى وكونها تقريبا نسخة من نسخة سابقة، أشير إليها على أنها «تذييل غير عضوي» للملحمة. بدلا من ذلك، تم اقتراح أن «الغرض منه، وعلى الرغم من التعانل معه بشكل فظ، هة أن يشرح لجلجامش (للقارئ) مختلف مصائر الموتى في ما بعد الموت» وفي «محاولة حرجة لتحقيق الخاتمة». يربط كلاهما جلجامش الملحمة مع جلجامش ملك العالم السفلي. وهي «تتويج درامي حيث تنتهي الملحمة المكونة من اثني عشر لوحا على نفس الموضوع، وهو موضوع «الرؤية = الفهم والاكتشاف وما إلى ذلك» وهو الموضوع الذي بدأت به الملحمة».
يشكو جلجامش إلى إنكيدو من أن مختلف ممتلكاته سقطت في العالم السفلي (لا يوضح اللوح الكيني بالضبط ماهية الممتلكات ــ وشملت الترجمات المختلفة طبلاً وكرة). يعرض إنكيدو المساعدة لإعادتهم. ويخبر جلجامش إنكيدو بسرور بما يجب عليه فعله وما لا يجب عليه فعله في العالم السفلي إذا كان يريد العودة. ويفعل إنكيدو كل ما طلب منه عدم فعله. وبسبب ذلك يبقيه العالم السفلي. يصلي جلجامش للآلهة لإعادته صديقه. لا يرد إنليل و سوين، ولكن يقرر إنكي وشمش المساعدة. يصنع شمش صدعا في الأرض فيقفز منه شبح إنكيدو. وينتهي اللوح بسؤال جلجامش لإنكيدو حول ما رآه في العالم السفلي.
النسخ البابلية القديمة
هذه النسخة من الملحمة، التي تسمى في بعض البقايا الأثرية «تَجَأوُزُ جميع الملوك الآخرين»، تتكون من ألواح طينية وبقايا أثرية من أصول وحالات حفظ مختلفة. لا تزال غير مكتملة في أغلبيتها، مع فقدان العديد من الألواح الطينية والثغرات الكبيرة في تلك التي وجدت. ويطلق عليهم اسم حسب الموقع الحالي أو المكان الذي وجدت فيه.
لوح بنسلفانيا
يرتبط «تَجَأوُزُ جميع الملوك الآخرين» اللوح الثاني إلى حد كبير مع اللوحات 1-2 من النسخة البابلية المعيارية. يخبر جلجامش والدته نينسون عن حلمين حلما بهما في المنام. تشرح والدته أنهما يعنيان أن رفيقا جديدا سيصل قريبا إلى الوركاء. في هذه الأثناء يمارس إنكيدو البري والكاهنة الجنس (والتي تسمى هنا شامكاتوم). وهي تغازله بصحبة الرعاة بعرض الخبز والبيرة عليه. يساعد إنكيدو الرعاة بحراسة الأغنام. ويسافرون إلى الوركاء لمواجهة جلجامش ووقف تعسفاته. يتقاتل إنكيدو وجلجامش لكن جلجامش يوقف القتال. ويمدح إنكيدو جلجامش.
لوح ييل
يتطابق «تَجَأوُزُ جميع الملوك الأخرى» اللوح الثالث جزئياً اللوحين الثاني والثالث من النسخة البابلية المعيارية. ولأسباب غير معروفة (كُسِر اللوح بشكل جزئي) فإن إنكيدو في مزاج حزين. من أجل ابهاجه يقترح جلجامش الذهاب إلى غابة الصنوبر لقطع الأشجار وقتل خومبابا (المعروف هنا باسم هواوا). يحتج إنكيدو على ذلك لأنه يعرف هوواوا ويدرك قوته. يتحدث جلجامش إلى إنكيدو ببعض الكلمات المشجعة، ولكن إنكيدو يظل متردداً. يَستعدّونَ، ويَدْعونَ الشيوخ. كما احتج الشيوخ، ولكنهم وافقوا على السماح له بالذهاب بعد أن تحدث جلجامش معهم. ويغادران بمباركة الشيوخ ونصائحهم بعد أن طلب جلجامش من إلهه (شمش) الحماية، وأن جهز هو وإنكيدو نفسيهما.
بقايا فيلادلفيا
لربما تكون هذه البقايا نسخة أخرى من محتويات لوحة ييل، وهي عمليا غير قابلة للاسترداد.
لوحة مدرسة نيبور
في الرحلة إلى غابة الأرز وهواوا، يفسر إنكيدو أحد أحلام جلجامش.
ألواح تل هرمال
أجزاء من نسختين/ لوحين طينيين مختلفين تتحدث عن تفسير إنكيدو لأحد أحلام جلجامش في الطريق إلى غابة الأرز، وتقص محادثتهم عند دخول الغابة.
لوح إيشكالي
بعد هزيمة هواوا يمتنع جلجامش عن قتله، ويحث إنكيدو على اصطياد «الهالات السبع» التي ينتمي إليها هواوا. ويقنع إنكيدو جلجامش بأن يقتل عدوهم. بعد قتل هواوا والهالات، يقطع البطلان جزء من الغابة ويكتشفون مسكن الآلهة السري. ولكن بقية اللوح الطيني مكسور. لا يُشَار إلى هواوا في النسخة البابلية المعيارية، ولكن في واحدة من القصائد السومرية.
بقايا أثرية جزئية في بغداد
تداخل جزئي لقطع الأشجار من لوح إيشكالي.
لوح سيبار
يوجد فيه تداخل جزئي في ألواح النسخة البابلية المعيارية التاسعة والعاشرة. يحزن جلجامش على موت إنكيدو وهو يتجول في سعيه للخلود. يجادل جلجامش مع الإله شمش حول عدم جدوى مسعاه. وبعد ثغرة في النص، يتحدث جلجامش إلى سيدوري عن مسعاه ورحلته للقاء أوتنابيشتيم (الذي يسمى هنا أوتا-نابيشتي). وتحاول سيدوري أن تثني جلجامش عن سعيه إلى الخلود وتحثه على الاكتفاء بملذات الحياة البسيطة. وبعد ثغرة أخرى في النص، يحطم جلجامش «الأشياء الحجرية» ويتحدث إلى رجل السفينة أورشنابي (الذي يسمى هنا سور-سونابو). وبعد مناقشة قصيرة، يطلب منه سور-سونابو أن يقطع 300 من المجاذيف حتى يتمكن من عبور مياه الموت دون الحاجة إلى «الاشياء الحجرية». بقية اللوح مفقود.
ٱستخدم النص على بقايا ميسنر البابلية القديمة (وهي البقايا الأثرية الأكبر الباقية من لوح سيبر) لإعادة بناء الأشكال السابقة الممكنة لملحمة جلجامش، وقد أشير إلى أن «الشكل السابق للقصة – أسبق حتى من ذلك المحفوظ على البقايا الأثرية البابلية القديمة – ربما يكون قد انتهى بإرسال سيدوري لجلجامش مرة أخرى إلى الأورك» و أن «أوتنابيشتيم لم يكن جزءا من الحكاية في الأصل».
ويكيبديا ومصادر أخرى