يرى الشاعر الأردني أمجد ناصر أن معظم ما يكتب الآن تحت عنوان قصيدة النثر في العالم العربي، لا يشبه قصيدة النثر الحقيقية، ولعل في هذا تفسيرا لميله الشخصي إلى كتابة السرد أو النثر. وصدرت عن وزارة الثقافة الأردنية الشهر الماضي الأعمال الشعرية لناصر وتقع في 500 صفحة متوسطة القطع وتضم دواوينه الشعرية الثمانية التي نشرها ابتداء من ديوانه الأول، مديح لمقهى آخر، الصادر في بيروت عام 1979.
وتمثل هذه الدواوين انتقالات مرت بها مسيرة ناصر من حيث الأسلوب والموضوعات.. من قصيدة التفعيلة في عمله الأول إلى قصيدة النثر في أعماله التالية وصولا إلى كتابة قصيدة تختفي فيها على نحو مرواغ الحدود بين النثر والشعر بالاستفادة من آليات السرد القصصي.
وقال ناصر، بمناسبة صدور أعماله الشعرية، إنه لم يعد قادرا على الكتابة بالطريقة السابقة على كتابه “حياة كسرد متقطع”، مرجحا أن يكون ذلك بسبب، أن رؤيتي ومفهومي للشعر تغيرا؛ فقصائدي الأخيرة تميل إلى الكتلة النثرية.. إلى السطر الطويل والجملة التي تشبه جملة النثر، بل إن هناك ميلا متصاعدا للنثر نفسه، ويرى أنه يمكن الوصول إلى الشعر من طرق غير تلك التي تبدو عليها قصيدة النثر العربية اليوم، إذ يميل منذ سنين إلى السرد سواء النثري الخالص والشعري والحكائي. ويقول: لدي الآن أكثر من كتاب ليس بينها كتاب واحد في الشعر بالمعنى المألوف للكلمة. لا أعرف إلى متى سيستمر هذا الميل وإن كنت أظن أنه وجد نتيجة تطور لكتابتي نفسها ولم يسقط علي من الفضاء… ربما لا أعود إلى كتابة شعر يشبه دواوين سابقة مثل (رعاة العزلة) أو (وصول الغرباء) أو حتى (مرتقى الأنفاس). كأن ذلك النوع من الشعر لم يعد قادرا على مواصلة أشكاله ولغته بعد أن وصلت إلى ،حياة كسرد متقطع..
ما أكتبه الآن من سرديات فيها كل توتر الشعر لكنها ليست شعرا بالمعنى المألوف،أما قصيدة النثر العربية الشائعة اليوم فهي في رأيه تشبه الشعر الحر بمفهومه الغربي أكثر مما تشبه قصيدة النثر الحقيقية. قصيدة النثر الحقيقية هي نثر يتخلله توتر الحالة الشعرية. إنها محاولة امتحان قدرة النثر على الوصول إلى الشعر، وربما كان هذا الاختيار لشكل الكتابة والانتقالات الناعمة في طريقة السرد هو ما لاحظه نقاد وشعراء منهم الناقد السوري صبحي حديدي في مقدمته لكتاب ناصر الأخير، حياة كسرد متقطع، والشاعر اللبناني عباس بيضون الذي سجل في مقدمة الأعمال الشعرية لناصر أنه ،وجد قصيدته تقريبا منذ ديوانه الأول واختار طريقا شعريا في وقت كان فيه الاختيار بسبب تعدد الأصوات وعلو النبرة صعبا.. (ناصر) كان يريد أن يصل إلى الشعر من خلال النثر فقد فعل ذلك في ديوانه (حياة كسرد متقطع)، الذي صدر في بيروت عام 2004.
أما الشاعر والناقد العراقي فاروق يوسف فوصف أعمال ناصر قائلا: “إن الشاعر هنا، يقود قصيدته وفق خطوات ثابتة وبطيئة. كل خطوة تمهد إلى غيرها. حرصه هذا يشبع رغبة في استدراج القارئ إلى ذلك الموقع الذي تكون فيه العودة مستحيلة فيشتبك خيال الصورة بخيال المعنى فيشكلان الجملة الشعرية التي تهب كل ما سبق سحر النبوءة.
وحمل الغلاف الأخير لمجلد أعمال ناصر كلمة للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش قال فيها، أمجد ناصر أحد ابرز الشعراء العرب الذين أسسوا شرعية جمالية لقصيدة النثر العربية. في شعره رعوية حديثة وحسية عالية تحمي الشعر من التجريد وهو من أكثر الشعراء العرب وفاء لراهنه الشعري.
وشارك ناصر هذا الشهر في لقاء شعري دولي في جامعة الرباط بالمغرب تكريما لدرويش ويقول إن هذا اللقاء كشف عن البعد الانساني لشعر درويش من خلال قراءات لشعراء أوروبيين شاركوا في تكريمه. لكن ناصر لا يرى أن الشعر الفلسطيني سيشهد تراجعا بعد رحيل درويش؛ إذ إنّ هناك أجيالا من الشعراء الجدد، الذين يدفعون القصيدة الفلسطينية في فضاء مخلتف عما هو معهود في شعر درويش الذي كان عليه؛ سواء شاء أم أبى أن يكون شاعر السردية الفلسطينية في مواجهة السردية الاسرائيلية.
وتابع ،هذا يعني أن درويش كان يواجه سردية عالمية باعتبار أن السردية الإسرائيلية غير مختلف عليها في الأوساط الغربية. الشعراء الفلسطينون الجدد لن يكون عليهم حمل عبء هذا البعد السياسي والوطني والأخلاقي الصعب. ويقول إن درويش، الشاعر العربي الحداثي شبه الوحيد القادر على رفع سقف تلقي الشعر وعلى جمع أعداد كبيرة من المتلقين. وكان يتدرج في شعره الجديد للوصول إلى أشكال شعرية لم يجربها من قبل وكان يقترب من قصيدة النثر والشعر اليومي أكثر مما فعل من قبل.
إن عمله (أثر الفراشة) أكبر اقتراب حققه درويش من شكل قصيدة الكتلة رغم أن درويش لم يسم عمله هذا شعرا بل يوميات.،ويرى أن رد الفعل الكبير على رحيل درويش من مخلتف الأجيال الشعرية العربية دليل على أنه لم يكن شاعرا سياسيا ووطنيا كما أراد أن يصوره البعض بل هو شاعر حاول بالشعر أن يعبر عن قضايا إنسانية متعددة ،وغلب البعد الشعري دائما على البعد السياسي، مضيفا أن غيابه خسارة للشعر العربي ولقضية فلسطين بوصفها قضية إنسانية.