العاشقُ لا مَن يُنجدهُ
العاشقُ لا مَن يُنجدهُ
من بطش حنين يجلدهُ
من بدء الخلق يطارده
طيف المعشوق ويُجهده
سكنتْ حممٌ ورست سفن
فإلام يدوم تشرُّده؟
وإلام يلوذ بزفرته
جزَعا من ليل يرصده؟
يا نادل أسعف مغتربا
فلعلّ الكأس تهدهده
بل ليت الخمرة تخدعه
فيحلَّ نديما سيّده
سيظلّ طوال الليل هنا
في حضرة وجه يعبده
كلّ الندمان سينكرهم
وسيؤذي البعضَ تهجّده
ما شأن الناس بمعتكف
في قلب الضجّة مسجده
لو حلّ بهم ما حاق به
لفنوا ممّا يتكبّده
لا غير محيّا صائده
يدري ما كان وما غده
أغوى واصطاد فحقّ له
أن يُصدر حكما يسعده
قد يُبقي الصبّ على ظمأ
فيذيع السرّ تنهّده
أو يسقي الظامئ ضحكته
وبنار الوصل يعمّده
وجهٌ لفداحة نظرته
ذكرى في القلب تمجّده
عذبٌ والفتنة جدوله
سهلٌ والوصف يعقّده
آهٍ من خال يلثمه
جهرا واللحظ يؤيّده
وجهٌ تجثو الكلمات له
لا غير الوهم يجسّده
يا نادل إنّ الصبّ فتى
مهجُ العشاق توحّده
لم يشف بديع من يده
وكم اجتاحت مدنا يده
آهٍ من قنصِ الحبّ لمن
هو ربّ الحبّ وموفِده
صيّادُ الصيّادين غدا
يستجدي الرفق ويَنشده
يا نادل عجّل واسق فتى
شتّى الأحزان تسهّده
كم يبغضه الأشباه على
وجعٍ في المعنى يغمده
نشبت أسباب عداوته
فيهم مذْ ساد تفرّده
أيُذمّ قليلُ الزاد إذا
أغوى الكلمات تزهّدُه
فجميل الصبر مؤونته
ورهيف الشعر وجيّده
يسطون على دنيا قلِقٍ
يلهو بدُمًى تتصيّده
جثث السفهاء تنوء به
ويدير اللغو تشدُّده
لا ظهرَ له والصدر له
يا ويح عناد يسنده
هُوج الأيام تخرّ له
ويجرّ الأرض تمرّده
لا أغبى من جروٍ نزق
قد نطّ اليوم يصفّده
لا يوقف هذا النهر سوى
بحرٍ من حسن يقصده
يا أنتِ تجلّي الآن فقد
خذل المشتاقَ تجلّده
أحتاجكِ فالخمسونَ لها
شجن ماضٍ تتقلّده
لو أنّ محيطا يفصلنا
لحثثت خطاي أعَبّده
كي أشكو منك إليك ومن
أرقٍ، ذكراكِ تجنّده
ولأحسم أمري في عجبٍ
رسم في البال يؤكّده
عجبي من وجهك يحرسه
حزمٌ والرقّة تعضده
لمَ لا تسرين إليّ به
كي أدعو شكّي يَشهده
ولأسأل لحظك في أدبٍ
هل يخشى اللهَ مسدّده
والموت أينسى موعده
قد حان وحسنِك موعده
ها مأتم ذاتي منتصب
ورؤى سودٌ تتعهّده
الموت أقرّ به جسدي
وعناد النبض يفنّده
لو أنّك جئت مُعزّية
لهَمستُ لموتي أحمده
ولبستُ بياضي مبتهجا
وقصدت الغيب أعيّدُه
من يحضر وجهُك مأتمه
يبكي من غيظ حسّده
هل جفوة قلبك تفصلنا
أم أنّ فتى يتوسّده؟
أم حيطة أهلك ساهرة
درءا لنداء اُنشدُه؟
أم أدرك غصنك غفوته
وأتاه النومُ يجرّده؟
لو كنتُ النومَ لَمِلتُ إلى
خصرٍ قلق أتفقّده
كمْ جاز له ما يُمنع عن
صبٍّ كجهنّم مرقده
للعالم ربّ يرقبه
وبحكمته يتغمّده
ولروحي أمرٌ يشغلها
وسؤال لا تتعمّده
” أيبوح الماء بحرقته
لقوامك وهو يمسّده؟”
يا ديدن نفسي معذرةً
فلكَمْ أهواك وأحسده
العطرُ كذلك أحسده
والخدرُ وما لا أسرده
حسدي لو أرفع عنه يدي
لمضى في العالم يجرده
يا كيف يحقّ لطفلك أن
يستعبد نهدا أعبده؟
عفوا، قد ورّطني شغفٌ
عبثا حاولت أحيّده
تبّتْ يدُ من يقصي أملا
عن حضنك أو من ينقده
مَن غيرك يعذر مغتربا
الشوق الجارف مُرشده
يضنيه هواك ويحدجه
زمنٌ وقحٌ ويهدّده
زمنٌ أشكوه إليك فكم
يتحاشى العقل ويجحده
انتاب سليمانُ الموتى
وتولّى الثورة هُدْهدُه
جثم الكهّان على بلدي
وعسى من صاغك ينجده
بلدي أفقٌ لا حدّ له
كادت غيمات توصده
مثل الفينيق يثور على
جبروت الموت ويُطرده
بلدي الحريّة ديدنُه
أعمى من قام يقيّده
بلدي ملِكٌ فطنٌ طربٌ
لا عاش دعيٌّ ينكده
للعلم يزفّ حرائره
ويغيض قُرى تتوعّده
الشمس به حبلت ولذا
في كلّ شروق مولده
ملِك لا أخصب من يده
ومصير الموتى موقده
الشعب أراد ولا أحد
يرقى البركان ويخمده
***
القلب أرادك يا حلما
مِن ألفِ أسى أتزوّده
وحرام حين تجسّد لي
والله حرام أفقده