في عام 2005 صدرت للشاعر محمد إبراهيم لافي مجموعة شعرية بعنوان « لم يعد درج العمر أخضر» وقد نشرتها وزارة الثقافة في ما نشرته من الكتب التي حظيت بجائزة التفرغ في ذلك العام. وكنتُ قد تناولت المجموعة في دراسة مطولة استوفيت فيها النظر في شعره كله، بدءا بديوانه «مواويل على دروب الغربة» 1973 مرورا بديوان «الانحدار من كهف الرقيم» 1975 و»نقوش الولد الضال» 1990 و»مقفى بالرماة» 1993 و»أفتح بابا للغزالة» 1996 وأخيرا «لم يعد درج العمر أخضر» 2005. وقد أشرت في هذا الجزء من الدراسة – أي الجزء الخاص بلم يعد درج العمر أخضر ـ لشيوع ظاهرة التكرار في القصائد في مسعى من الشاعر للإلحاح على دلالات معينة يريد تثبيتها في وعي القارئ، علاوة على ما يبثه التكرار من بناء موسيقي لافت للنظر، ويمثل خيارا أسلوبيا لا تنقصه السخرية في بعض الأحايين:
شرفة لاحتراق القوافي على الشفتين
شرفة للمدينة تقتل عاشقها لتضيء
شرفة للزمان الرديء
شرفة للسكوت
شرفة للشوارع يحتلها الرهبوت
شرفة للفضاء الوسيع المدى
لأموت..
وقد ورد هذا الشاهد في صفحة 39 من «أفكار الأردنية» عدد 207 كانون الثاني/يناير 2006 وأحالنا الاقتباس إلى صفحة 61 من الديوان «لم يعد درج العمر أخضر». وفي الدراسة التي لم تنصبّ على هذا الديوان وحده، وإنما عرضت له عرضا سريعا في سياق الحديث عن تجارب الشاعر من 1973- 2005 إشارة أخْرى لظاهرة التكرار تعبيرا عن ضياع الجيل، فلا هوية ولا تاريخ:
نحن جيل الفراغ
وجيل الجموع الغفيرة واللاأحد
نحن جيل الخريف
نحن جيل الشوارع مسبية للرغيف
نحن جيل اليتامى
وجيل الذين يخونون في كل يوم
عناوينهم في الرصيف
نحن جيل الوظائف، جيل العرف
نحن جيل الرجال الخزف
وهذا الاقتباس يحيل القارئ إلى صفحة 66 من الديوان المذكور، بيد أن أحدهم، وهو باحث يتصف بالأكاديمي(؟) اطلع، أو لم يطلع، سيان، على الدراسة بعد ما يقرب من عشر سنوات فكتب (بحثا) نشره في مجلة «دراسات الجامعية المحكمة» (مجلد 42 عدد 1 2015) عن ظاهرة التكرار في شعر لافي، متخذا من ديوانه «لم يعد درج العمر أخضر» أنموذجا، وأتيح لي في الأيام القليلة الماضية، الاطلاع على ما يعده بحثا، وهو في الحقيقة لا يستحق هذا الوصف، ولا يتعدى المقال، كونه يقوم على فكرة مقتبسة دون عَزْو، وسبق الحديث عنها، وتناوُلها، في ما جرى تناوله من شعر هذا الشاعر. فأضاف هذا الذي يُعد باحثا ما شاء له ضميره أن يضيف من زياداتٍ هيأت له أنَّ ما كتبه مبتكر، وفيه إضافة جديدة، لكن الكاتب الألمعي ترك في المقال، عن غير قصد، ولا وعي منه، دليلا ساطعا يبدد أمله في ما ظنه ابتكارا وجِدَّة، مؤكدا أن فضله في هذا البحث لا يعدو فضل الاقتباس من غير عزو، والأخذ الذي يرقى إلى رتبة التدليس. فقد أورد الشواهد التي كنا قد أوردناها في مقالنا المذكور، ومنها القصيدة الموسومة بالعنوان «شرفة» منتهيا بقول الشاعر لافي:
شرفة لاحتراق القوافي على الشفتين
شرفة للمدينة تقتل عاشقها لتضيء
شرفة للزمان الرديء
شرفة للسكوت
شرفة للشوارع يحتلها الرهبوت
شرفة لفضاءٍ وسيع المدى
لأموت..
وأحالنا الباحثُ الأكاديمي إلى صفحة 124 من الأعمال الشعرية الكاملة التي أصدرها بيت الشعر في رام الله عام 2011. ومما يُذكر في هذا السياق أن الكاتب، على الرغم من ادعائه النظر في غير قليل من المصنفات القديمة منها والحديثة، إلا أنه لم يقتبس من تلك الكتب شيئا عن الشاعر أو شعره، وكتاب سامح الرواشدة «الشعر وذاكرة الطفولة» الذي ذكره في الهوامش نشكّ في أن يكون نظر فيه، أو رآه، لأنه لم يذكر اسم الناشر، ولا الطبعة، ولا مكان النشر، والكتاب المذكور صدر في إربد في عام 2010 .(انظر مقالنا عنه في «القدس العربي» بتاريخ 3 مايو/أيار 2011) وأغلب الظنّ أنَّ الاقتباس أُخذ عن كتاب آخر للربيحات الذي لم يعرفنا به، وهل هو صبري ربيحات؟ أم عمر ربيحات؟ أم من؟ نعني الكتاب الموسوم بعنوان «الشاعر وذاكرة الطفل في الشعر العربي الحديث». وهذا الكتاب اتضح لنا أنه في الأساس أطروحة دكتوراه، قدمت في جامعة مؤتة (2010) وقد نشرت في كتاب بالعنوان ذاته (2011) وأن المؤلف هو عمر ربيحات الذي ضن عليه الكاتب باسمه اقتصادا في الحاشية، وشحا بالكلمات، مع أن المقال على قصره لا يعوزه الفضول. فلم يذكر منه إلا العشيرة. كأنك ما إن تنطق هذا الاسم (ربيحات) أو تقرؤه، حتى يعرف السامع، أو القارئ، أنه عمر ربيحات.
ولدينا ما يُشجع على الشك في أن يكون عاد إليه أيضا، لأنه لم يذكر الناشر، ولا مكان النشر، ولا تاريخه مثلما هو متَّبع. والكتابان لم يذكرا في ثبَتِ المصادر والمراجع، لكننا نجد في الصفحة ذات الرقم 30 جردا بمصنفات، وكتب، رجع إليها الباحث، لا علاقة لها بشعر لافي على الإطلاق، وهذا عيبٌ من عيوب البحث يكفي وحده، دون العيوب الأخرى، كالاقتباس دون عَزْو، للاعتذار عن نشره في مجلة موقَّرة كدراسات. فهو يذكر «الحيوان» للجاحظ، و»الصناعتين» للعسكري، و»العمدة» لابن رشيق، و»النقد الثقافي» للغذامي، و»منهاج البلغاء» للقرطاجني، وديوان المتنبي، وكتبا أخرى أتحدى من يجد في أيٍّ منها سطرا واحدا، أو جملة واحدة، أو كلمة أو نصف كلمة عن الشاعر، هذا مع أنه غفل غفلة أهل الكهف عما كتبه عن شعره كل من: إحسان عباس، ويوسف عبد العزيز، وعمر شبانه، وزهير أبو شايب، ورشاد أبو شاور، و خالد الجبر، ومحمد جميعان، ومراد السوداني، ومحمد عبيد الله، وصاحب هذه الكلمات في غير مجلة، وكتاب. وقد نلتمس له العذر في الإضراب عن ذكر دراستنا، والعزوف عن الإحالة إليها، تمويها واحتراسا وتحرّزا من أن تكتشف صلة مقاله بها، لكننا لا نجد له عذرا في الغفلة عن باقي المقالات، والدراسات، التي ينبغي للباحث المدقق، المحقّق، الممحّص، أن ينبش مختلفَ المصادر، والمظان، بحثا عنها، ورجوعا إليها، لا أن يكتفي بمواعظ إبليس، ومداخلِهِ لفنّ التدليس.