اعزفي يا رياحُ
فتلك نوافذُ آمالنا لم تزلْ
في فضاء الخرافاتِ مشرَعةً
منذ أن دسَّ فيها عزيفُك
أمنيةً من هباءْ
وارفعي يا رياحُ حناجرَنا
في رماحِ الأناشيدِ
حتى يجفَّ بها اللحنُ
والنسغُ
والأغنياتُ
وتنهشَها لغةٌ من صقيعِ الصحاري
تُلملمُ أشتاتَها
لترمِّمَ وجه اللغة
أيُّ معنىً سيكفي لترميمِ وجهِ اللغةْ؟!
والزمانُ المصفَّدُ رملٌ على راحةِ الريحِ
تنثرهُ
فوقَ أزمنةٍ أسِنَت في كثيبِ الأبدْ
وحدَها الريحُ مَن حفِظَتْ للبدايةِ
كلَّ ملامحها
قبل أن تتخضَّب بالفتنةِ المستعارةِ
والدمِ
والقارِ
والنارِ
واللغةِ الكهنوتِ العقيمةِ
كالوهمِ
تخلعُ طُهرَ السذاجةِ عن عُريِها
ولتكن للقداسةِ أزياؤها الفاخرة
افتحي للعناقِ الجهاتِ التي
شطَرتها الفلاةُ
للجنوبِ…
الرياحُ الهَبُوبُ التي لا تثُوبُ
لتحضنَ طُهرَ المواقيتِ
وهي ترشُّ على روحها
من أريجِ الشمالْ
وتنداحُ كالشمسِ
توقظُ في الشرقِ أجفانَ داناتِه
المُتعَباتِ
تُرصِّعُ للغربِ وجهاً تغرَّبَ عن ذاتِهِ
وانطوى..
واستراحتْ عليه الظلالْ
هنا زمنٌ ساهدٌ لا ينامْ
كلما الحُلمُ أغفى على قلبهِ
فزَّعتهُ الكوابيسُ
واتسعتْ حدَقاتُ الفجيعةِ فيه
ترى..
أفُقاً غائماً
عائماً في عماءِ الأحاجي
سحاباً يسحُّ رماداً
على بلدٍ / خيمةٍ
خضَبت رأسها بالرمالِ
وخلْخَلتِ الريحُ أعجازَ أوتادِها
وانتضَتْ للوغى والزمانِ المخاتِلِ
زيفاً وسيفا
يرقِّعُ كل هزائمها بالهراءِ..
الأكاذيبِ
سِحرِ الحُواةِ الرواةِ لتاريخها
الزئبقيِّ المبدِّدِ
في زمنٍ لا يجيء
إنَّ هذا الظلامَ المُسرنَمَ يا صاحبي
سيضيئ
لا أراكَ.. ولستَ تراني
ولكنَّ هذا الظلامَ الجميلَ يرانا
ويهمِسُ في رُوعِنا
أنْ أعيدا لخطوِكما
ذكرياتِ المسافاتِ
وابتكرا لغةً لا تهادِنها الريحُ
أو تتفصَّدُ فيها عُروقُ المعاني
التي خرِسَتْ
واصطفتها الرموزُ العقيمةُ.
يا صاحبي..
سوف أمضي..
وتمضي
إلى نخلةٍ أثقلَتها عذوقُ الحقيقةِ
لكنها لم تزلْ في صحاري الأساطيرِ
ثابتةً شامخة
كيف آوي إليها؟
و”نصرُ بن سيّارَ” يكمنُ لي في الطريقِ
ويتبعني أينما سرتُ
يرجمني بوميضِ الجمارِ المخبّأِ
تحتَ الرمادِ
يغني..
وتقفو صداه الصحاري الحيارى:
“لماذا استطالَ المُقامُ بكم يا نيامُ
ألن يُخمدَ الآنَ هذا الحريقَ أحد؟!”
أتلفَّتُ حولي
أرى شبحاً جاثياً في الظلامِ
يربِّتُ وحشَته بالقصائدِ
يحشو نبوءَته برقاعِ التواريخِ
وهي تمرُّ خِفافاً ثِقالاً
مرصَّعةً بالدماءِ
وطافيةً كالزبّد
وحدها الريحُ
تمضي وتمحو نقوشَ البدايةِ
ترفو شقوقَ النهايةِ بالمعجزاتِ
ليأخذَ هذا الزمانُ استدارتَه
من جديدٍ
ويمضي إلى ذاتِه
ويجدّد في هذه الأرضِ نبضَ الأبدْ.