أفاضَ عليكِ اللهُ يا أُمَّ مِعْبَدِ
بِضُوءٍ تَجلَّى من شُموسِ مُحَمَّدِ
هو العاقِبُ المحفودُ والحاشِرُ الذي
سيبقى أجلَّ الناسِ في كلِّ مَرْصَدِ
تغنَّوا بأطلالٍ، فما لي وخولةٍ
إذا ما رأوها في منازلِ ثَهْمَدِ؟!
وهاموا بأظعانٍ فما لي وبَيْنِها
إذا يمَّمتْ ركبانُها صوبَ ضَرْغَدِ؟!
أحاولُ قولاً يُظْهِرُ الحُسْنَ كلَّه
ونوراً لِمَنْ ضَلَّ السبيلَ، ليهتدي
وأجمعُ ما قال المديحُ لِسَيِّدٍ
هو المُفْرَدُ الوَضَّاءُ إنْ قِيلَ سيِّدي
هو الوَضَحُ المَنشورُ في طالعِ السَما
وساطعُ بَرْقٍ في خَطِيرٍ مُسَوَّدِ
فأرْجِعُ محسورَ الجفونِ مُسهَّداً،
ومَنْ يطلبِ الأفلاكَ يوماً يُسَهَّدِ
أحاولُ، لكنَّ الكبائرَ في دَمي
تقولُ لِيَ ارجِعْ، أنتَ مَنْ كانَ مُفْسِدي
أتمدَحُ خيرَ الخَلْقِ؟ ذنبُكَ لم يزل
يُصَوِّحُ إسْرافاً، وخَطْوُكَ يعتدي..
إذا شئتَ قُرْباً فاسْلُكِ الدَرْبَ تائِباً
ومَنْ يَلتَمِسْ هَديَ المُحِبِّينَ يَرْشُدِ
يَدُقُّ شبابيكَ الهُداةِ ويرتجي
قَبولاً، ويمشي للسَّحابِ، ويفتدي
ويجأرُ؛ إنّي عُدْتُ يا رَبِّ مُسْلِماً
لوَجْهِكَ.. فاشْبُكْ حَبْلَ عَرْشِكَ في يدي
أُحِبُّ رسولي، فافتحِ البابَ واسعاً
كما وَسَعَت كفَّاكَ دَمْعَ تَوَدُّدي
وَهَبْني حُروفاً كي أُتمِّمَ جُمْلةً
تليقُ بِمَنْ يُعطي النَشيدَ لِمُنشِدِ..
محمدُ صوتُ النورِ مُذْ أُنْطِقَ الورى
وصيحةُ نارِ الحقِّ في كلِّ مَوقِدِ
هو القُطْبُ، والغَوْثُ الجوادُ، ورَحْمةٌ
من اللهِ مُهْداةٌ إلى كلِّ مَعْهَدِ
يُشاطِرُ في جُوعِ المساءاتِ خُبْزَه
لِيغفوَ ذو جَفْنٍ حَرُورٍ مُخَدَّدِ
ويشربُ من ينبوعِهِ الثَّرِ ظامئٌ..
لتُمرِعَ أعذاقُ النَخيلِ الزُمُرُّدِ
وأدَّبَهُ ربُّ البريِّةِ حافِظاً..
فأخلاقُهُ القرآنُ في كلِّ مَقْصِدِ
وقد حَضَرَ الرُّوحُ الأَمينُ مُبيِّناً
وأملى عليه الذِّكْرَ غيرَ مُفَنَّدِ
كتابُ حياةٍ قَيِّمٌ وَمُنَزَّلٌ
لكلِّ قبيلٍ في الزمانِ المُؤَبَّدِ
يُضيءُ سبيلَ السَالكينَ وليلَهم
ويشرحُ صدرَ السائلِ المُتَردِّدِ
ربيعُ قلوبِ العارفينَ بِهَدْيهِ
وحافظُ باسمِ اللهِ كلَّ مُحَسَّدِ
تخلّلَ دهراً أرضَ بَكَّةَ داعياً
ليلقى سفاهاتِ العَتِيِّ المُنَدِّدِ
وأسرعتِ الأحلافُ ترصُدُ حتفَه
بليلٍ أثيمٍ أمسخِ الوجهِ مُزْبِدِ
ولكنّه في عينِ ربٍّ مُهيمنٍ
إذا قال كنْ للشيءِ كانَ بموعدِ
فأَلْحَفَ في بَعْثِ البلاغِ لأهلهِ
ليفترشوا صدرَ النجوم بسؤدَدِ
وسار به زوجٌ وشيخٌ ويافعٌ
لنبلغَ إيوانَ العَليِّ المُمَرَّدِ
ودانت له الأرضُ العصيَّةُ بالرِّضا
وأبْدَلَ صَفْحاً سُمَّ ثأرٍ مُعَقَّدِ
وأشرقتِ الأيامُ طولاً بِعَرْضِها
كأنْ لم تكن فيها مَزاعِمُ أَرْبَدِ
وأضحى غَريبُ الفُرْسِ من أهلِ بيتِهِ،
وعبدٌ مُبَاعٌ.. كالنِّجادِ المُقَلَّدِ
وجادَلَ بالحُسنى وأَمَّن ذِمَّةً
وأبقى على أطيافِ قوسٍ مُعَدَّدِ
وما كان إلَّا الحِصنَ إنْ حَمِيَ الوغى
وظِلَّاً ظليلاً في حَرورٍ وَصَيْهَدِ
أحالَ ظُبا الأسيافِ مِنْجلَ حاصدٍ
به شادَ حُكْماً تاجُه فوقَ فَرْقَدِ
تواضعَ حتى امتازَ جُلُّ صِحابِهِ
فكانَ عظيماً في كِساءِ مُجَنَّدِ
ونادى بتشريعِ النوافذِ كُلَّما
يَهُبُّ جديدٌ في الأصيلِ المُجَدِّدِ
بشيرٌ ومَصْدوقٌ، أمينٌ مُطَهَّرٌ،
وعبدٌ لغيرِ اللهِ لم يَتعَبَّدِ
مقاصدُهُ البيضاءُ سُورُ مَناعَةٍ
لِنّفْسٍ وعَقْلٍ راجِحٍ لم يُبَدِّدِ
لقد جاءَ والدُنيا عَـثارٌ وفتنةٌ
فأضحتْ أَموناً ذاتَ سقفٍ مُعَمَّدِ
وقد وَأَدوا في عَوْسَجِ الرَملِ دُّرَّةً
فعادت حليباً في قَشيبٍ مُمَهَّدِ
وهل سمعوا إلا الصليلَ جهالةً
فصار هَديلاً في فضاءٍ مُغَرِّدِ
وأضحت لربَّاتِ الحِجالِ عُروشُها
على طُهْرِ مولودٍ وأرحَمِ والِدِ
هو الوقدةُ العذراءُ في صدرِ شاعرٍ
وشهقةُ ليلِ الناسكِ المُتَعبِّدِ
هو السُكَّرُ المنثورُ في بَهجةِ الضُّحى
وأُنشودةُ الطفلِ البريء المُقَنَّدِ
هو الفَرحُ الآتي وراءَ سحابةٍ
تُظلِّلُ شيخاً ظَهرُه لم يُسَنَّدِ
هو الرحمةُ المُزجاةُ من فَمِ جَدَّةٍ
تُهدْهِدُها عَشراً بكلِّ تَودُّدِ
بعيداً عن الألوانِ والشكلِ والهوى
وأبعَد عَمَّن شاكَ زَهراً بِغَرْقَدِ
هو الوَهَجُ الفيَّاضُ من فوقِ غاربٍ
به تُشْرِقُ الآمادُ في كلِّ سَرمدِ
لهُ رِفْعةٌ حتى تخطَّى.. وقد رأى..
وقيلَ تراءى للضياءِ المُغَمَّدِ
يسيرُ بلا ظلٍّ وفيهِ مآذنٌ
لشكوى بعيرٍ في العذاباتِ مُجهَدِ
حبيبي الذي أشتاقُ؛ قِبْلةُ روحِنا
وقنديلُ بيتِ العارفِ المُتَجَرِّدِ
رسولي الذي أعطى الجناحَ فضاءَه
أزاحَ قيودَ الوَهْمِ عن أُمِّ أَسوَدِ
وقد أخذَ الدُنيا بِلُطْفِ فِعالِه
وما حازها يوماً بحدِّ المُهنَّدِ
ولكنَّ مَنْ يظلِمْ يُقابَلْ بنارِه
فبُعداً لقومٍ عيشُهم في التّهَدُّدِ
رسالتُه؛ أَحْبِبْ، ولا فَرقَ، أعطِ ما
لديكَ من الدَّرِّ المُرَنَّقِ.. لِلصَّدِي
ومالي بأيامٍ تجيءُ وتنقضي
إذا لم يكن ذِكْرُ المُطَهَّرِ في الغَدِ
وأطمعُ في رَكْبِ النبيِّ بِمَطْرَحٍ
لأُدْرِكَـهُ يومَ السِباقِ بِأَجْوَدِ
نبوءةُ موسى حين كَلَّمَ ربَّه
وترنيمةُ الأوَّابِ والطيرُ تَغْتَدي
ودعوةُ إبراهيمَ مَنْ صدَّقَ الرُّؤى
وسبحانَ مَن في النارِ لم يترَمَّدِ
بشارةُ عيسى والبشائرُ تُرتَجى
وأصحابُهُ في كلِّ فَجٍّ مُلَبَّدِ
ونادى عليهم باسمهِم في كتابِه
وأنتَ المُنادى بالنبيِّ المؤيَّدِ
إذا دَفَّ حَرفٌ من شِفاهِكَ لم يزلْ
يقودُ خُطى النجماتِ للمُتَأًوِّدِ
تقولُ “خذوا عنّي..” ولكنَّ زُمرةً
أدارت له ظَهْرَ المِجَنِّ المُسَرَّدِ
وقلتَ “اعملوا..” ماذا عملنا، فأُمَّتي
تُساقُ قطيعاً من لِجامٍ لمِذوَدِ
وما مِن حدودٍ فالمحارِمُ جُرِّدَت
وما مِن كِرامٍ فالمَذَلَّةُ مَقعَدي
وبيَّنتَ للناسِ السبيلَ وليتَنا
نسيرُ بِحَقٍّ للأَمامِ المُعَبَّدِ
ولو أنَّ فينا راشداً ومُطَهَّراً
وحَقّكَ لَم أحفلْ متى قامَ عُوَّدي
كأنّكَ قلبٌ والخلائقُ جِرْمُه
فَشَرْعُكَ نبضُ العالَمِ المُتَجَسِّدِ
وأعطاكَ ما لم يُعطِ قَبْلَكَ مُرسَلاً
وخَصَّكَ بالحَوْضِ النَّميرِ المُخَلَّدِ
لأَنْتَ تمامُ الآيتين وبَدْرُها
ودفءُ غِطائي في العراءِ ومسْنَدي
يرى حُسْنَك الفوّاحَ مَن مَرَّ في الدُّجى
ولو كان ذا طَرْفٍ عَمِيٍّ مُرَمَّدِ
وصَمْتُكَ أعلى من غِناءِ مُجَوِّدٍ
ورعدةِ غاباتٍ وصرخَةِ مَولِدِ
وحزنُكَ ما قالَ الحريرُ لجَمْرَةٍ
ودمعةُ رُمَّانٍ على خَدِّ أَمْرَدِ
وصوتُكَ نايٌ في البُرُوقِ مُسافرٌ
ولم يحتجِبْ صوتُ السماءِ.. ليبتَدي
وكفُّكَ نَهرٌ سالَ في كلِّ مَسْرَبٍ
وما طابَ في بَطنِ المُحيطِ المُجَعَّدِ
سيبقى فؤادي نابضاً باسمِ أحمدٍ
وإنْ حاصروه بالحديدِ المُصَفَّدِ
وتبقى تسابيحُ الأنامِ إلى المدى
تفيضُ بأنوارِ السلامِ المُرَدَّدِ
وسيمٌ قسيمٌ أبلجُ الوجهِ أحوَرٌ
وقورٌ بهيٌّ أكحلٌ دون مِرْوَدِ
أَحبُّ إلينا من هواءِ نفوسِنا
وأغلى لدينا من عَقيقٍ وعَسْجَدِ
يُسارِقُ منهُ العِطرُ نَشْرَ شَميمِهِ
وتغبطُ كُحلَ العينِ أحجارُ إثْمدِ
وقد بشَّروا كلَّ القرونِ بِوَصْفِهِ
فَجاؤوا على نَهجِ النّبيِّ المُسَدَّدِ
أنارَ جَبينَ المُرْسَلينَ بِسِرِّهِ
وأعلى بليغَ القَوْلِ في كلِّ مِرْبَدِ
تعطّرَ ثوبُ القدسِ طُرّاً بِمِسْكِهِ..
وريحانةُ المعراجِ من خَطْوِهِ النَّدِي
فيا نورَ مَنْ أَمَّ النبيِّينَ خلفَه
بدا عابداً يعلو به أيُّ مَعبَدِ
شقيقُ حنينِ الجذعِ، والوصلُ حادثٌ..
فكيفَ إذا اشتاقَ الحَنينُ لمَوعِدِ!
يُظلِّلُه الرحمنُ من فَيْحِ شارِقٍ
ويَحْرسُهُ من كلِّ نابٍ مُعَرْبِدِ
وكان هو الأسماءَ يومَ تنزَّلت
وآدمُ في طَوْرِ البلوغِ المُصَعَّدِ
هو النورُ يسري في الدُهورِ، ودِينُه
لإسعادِ هذا الكونِ في كلِّ مَشهدِ
ومَن يصطَحِبْ هديَ النبيِّ وآلهِ
فليس، وإنْ أمسى وحيداً، بأوحَدِ
وتنجو به القَصواءُ وهو مهاجرٌ
وتَرْقُبُه ورقاءُ غَارٍ مُقَرْمَدِ
وعادَ بفتحٍ أعظمٍ يومَ صَوْمِهِ
ليَعلو بلالٌ بالنِّداءِ المُجَوَّدِ
لطيبةَ حظٌّ عَزَّ في كلِّ رَوضةٍ
فَمِحْرابُ عَبَّادٍ وجَنَّةُ مَرْقَدِ
ومكةُ مَهدُ الوَحيِ والأهلِ والصِّبا
وحُقَّ لها من بيتٍ نورٍ مُشَيَّدِ
وقد طابَ لو عادَ الزمانُ، فربَّما
أراني بِداري أو أُكلِّمُ هُدْهُدي
يُطَيِّرُ مِنّي للرسولِ تحيةً
ويحملني نحوَ السَّقيفِ المُسَنَّدِ
لألثمَ طِيبَاً لا شبيهَ لِضَوْعِهِ
وألمَسَ سُّكَّ الزَعفرانِ المُنَضَّدِ
وأحسبَ أنَّ الرُوحَ رُدَّ لِسانُه
فَأَسْمَعُ تسليمَ الشَفيعِ المُمَدَّدِ..
ولمّا يَقُلْ؛ تاهَ المَسِيرُ بأهلهِ
ولكنَّ هذا الشوقَ أهلٌ لِمَسْجِدي
وثمةَ مَنْ نادى.. وضاعَ سُؤالهُ؛
أتدرونَ ما المَسْرى ومعراجُ أَحمدِ؟