يوم الشعراء العرب.. مناسبة لاستحضار دور الشعر في عالم اليوم وفي الأمة العربية تحديدا.. وفرصة لطرح أسئلة حول إسهامه في بناء الإنسان العربي.. وهل هو أداة أساسية في المشهد أم عنصر ثانوي وحشو قابل للاستغناء عنه في أي زمان ومكان؟ وكيف يحقق الشاعر كينونته الشعرية، هل بالانغلاق على ذاته والإقامة في برج عاجي أم بمخالطة البسطاء ومعايشة الواقع واستثمار الأدوات الفنية لإيقاظ الإنسان من سباته وإنارة الطريق أمامه؟
أسئلة كثيرة ووجيهة تتبادر إلى الذهن في هذه المناسبة التي تتزامن مع فترة عصيبة تمر بها الأمة العربية، حيث تستباح بلاد العرب ويسترخص الدم العربي، في ظل صمت العرب وعجزهم المبين أمام جبروت الغرب ودميته المسماة “إسرائيل” التي تعيث فسادا ودمارا في فلسطين ولبنان بمباركة وتزكية رعاتها.
فأين يوجد الشعراء العرب في خريطة اليوم؟ وهل شاركوا إيجابا أم سلبا في التعاطي مع المأساة العربية، أو بالأحرى الكوميديا السوداء.. ما هي وظيفتهم والغبار يتصاعد والبنى تتهدم والخراب ينتشر على مد البصر والدماء تتدفق كالأنهار؟
في الواقع يبدو الموضوع شائكا يحتاج لإعادة توضيح المفاهيم وخلخلة التعاريف الجاهزة حول دور الشاعر العربي، الذي كان وما يزال يقتصر على البكاء على الاطلال وصناعة زخارف لغوية يحجب بها عن عينيه مؤقتا ما يتراءى له من قبح في الوجود، فهل سيبقى الشعر العربي أداة ترفيهية او لعبة للهو والعبث والنسيان؟ أم سينخرط في قضايا الأمة ويصبح رسالة مهمتها التوعية وكشف الحقائق، وشحذ الهمم من أجل خلق واقع أفضل للإنسان العربي؟
إن الواقع المتردي للأمة العربية الذي مازالت ملامح النكبة تطغى عليه مع ضياع فلسطين، وصعوبة استرجاعها إلا بتضحيات لا نهائية، تستدعي من الشعراء العرب أن يتخلوا عن ذاتيهم وانغلاقهم، ويعملوا على جعل الإبداع الشعري هادفا وملتزما يتوخى التغيير والتحول، وغرس روح الانطلاق ومعانقة أحلام الأمة وآلامها، كفى من قنوع الشعراء بدور مهرجين في مسرح الحياة العربية، يكتفون بصناعة الفرجة وإبعاد الناس عن القضايا الجوهرية..
إن للكلمة قدسيتها وينبغي توجيهها فيما ينفع الأمة العربية.وينتشلها من وهدة الضياع والتوهان بين الأمم.. ينبغي ابتكار وسائل جديدة لإحياء التراث ووضعه أمام عيون الناشئة لكي يستلهموا منه إمكانيات النهوض من هذه العثرة الدامية.. الشعراء العرب أمام مفترق طرق غير قابل للف والدوران، ويجب أن يوجهوا البوصلة الوجهة الصحيحة، ويسهموا في تمهيد الطرق لجيل جديد يعيد للأمة مجدها وسؤددها.