
قال أبو الطيب المتنبي:
مَغاني الشَعبِ طيباً في المَغاني
بِمَنزِلَةِ الرَبيعِ مِنَ الزَمانِ
وَلَكِنَّ الفَتى العَرَبِيَّ فيها
غَريبُ الوَجهِ وَاليَدِ وَاللِسانِ
مَلاعِبُ جِنَّةٍ لَو سارَ فيها
سُلَيمانٌ لَسارَ بِتَرجُمانِ
طَبَت فُرسانَنا وَالخَيلَ حَتّى
خَشيتُ وَإِن كَرُمنَ مِنَ الحِرانِ
غَدَونا تَنفُضُ الأَغصانُ فيها
عَلى أَعرافِها مِثلَ الجُمانِ
فَسِرتُ وَقَد حَجَبنَ الشَمسَ عَنّي
وَجَبنَ مِنَ الضِياءِ بِما كَفاني
وَأَلقى الشَرقُ مِنها في ثِيابي
دَنانيراً تَفِرُّ مِنَ البَنانِ
لَها ثَمَرٌ تُشيرُ إِلَيكَ مِنهُ
بِأَشرِبَةٍ وَقَفنَ بِلا أَواني
وَأَمواهٌ تَصِلُّ بِها حَصاها
صَليلَ الحَليِ في أَيدي الغَواني
وقلت في مجاراته:
ألا يا نسمة الأسحار أهلا
حملت لنا رياحين المغاني
هناك أحبة وهناك دوح
نلوذ به على مر الزمان
ذكرت أحبتي وذكرت صحبي
فسالت فوق خدي دمعتان
لمن أشكو أساي وما تبقى
لقلبي غير أعقاب الأماني
فلا خل يواسيني ويحنو
على قلبي ، يخفف ما أعاني
مسافات مؤلفة وبين
وأشواق تجيء بلا توان
وصدر فيه هاج الشوق نهرا
يفيض على الجوانح كل آن !
أحن الي النوارس في بلادي
تحوم على بحار كالجمان
إلى النخل المرابط في الفيافي
إلى الأشذاء تهطل في المكان
إلى طير على الأفنان غنى
فذاب القلب من شجن الأغاني!
إلي الاحباب حاموا حول دوحي
إلى شدو الحمائم كم سباني
لمجلسنا وقد دارت كؤوس
على نخب المحبة والتفاني
كؤوس ملؤها شهد مصفي
من الحب المعتق في الجنان !
ألا يا أيها الزمن آنتظرني
ولا تعصف بنا قبل الأوان
ففي القلب المجنح الف شوق
وألحان تنز من الكمان
وحب جارف مازال غضا
واجنحة تفيض من الحنان
فأَمهلني قليلا كي أغني
فقد ذقت الصبابة ما كفاني !