
عن دار عرب للنشر والتوزيع في لندن، صدر حديثا كتاب البقاء للأدب: بيولوجيا الحكايات للكاتب والباحث العراقي سعد صبّار السامرائي، في مغامرة فكرية جريئة تضع الأدب في قلب النقاش العلمي الحديث، وتعيد قراءته بعيون البيولوجيا التطورية. الكتاب يمثل محاولة رائدة في ساحة النقد العربي، إذ يدمج بين عالمين طالما ظُنّ أنهما منفصلان: الأدب والعلوم الطبيعية، ليكشف أن الحكاية ليست ترفا ثقافيا ولا مجرد انعكاس جمالي، بل ضرورة إنسانية متجذّرة في أعماق الوعي، تؤدي وظيفة أساسية في بقاء الإنسان وتكيفه مع بيئته.
ينطلق الكاتب من فرضية جوهرية مفادها أن الأدب أداة بيولوجية شبيهة باللغة والفن والدين؛ إذ أسهمت الحكايات، منذ أقدم الأزمنة، في تعزيز التماسك الاجتماعي ونقل القيم الأخلاقية عبر الأجيال. ومن هذا المنطلق، يقرأ المؤلف السرديات الكبرى في الأدب العالمي والعربي، من شكسبير وفولتير إلى نجيب محفوظ والطيب صالح ومحمد شكري، باحثًا عن القوانين الخفية التي تجعل النصوص الخالدة تعبيرا عن طبيعة بشرية تتجاوز حدود الزمان والمكان. فالشخصيات الأدبية، كما يؤكد، ليست كيانات متخيّلة فحسب، بل انعكاسات عميقة لنزعات بيولوجية تطورت عبر آلاف السنين.
يستعرض الكتاب موضوعات شتى تتقاطع فيها الأسئلة الأدبية والفلسفية مع الرؤى العلمية: مثل، الغيرة الجنسية في الأدب: لماذا تتكرر مأساة عطيل في صور متجددة في ثقافات متعددة؟ وكيف يفسرها التنافس البيولوجي بين الذكور؟
الاختيار الأنثوي: من رواية جين أوستن كبرياء وهوى إلى مدام بوفاري، كيف تعكس الشخصيات النسائية القوانين التطورية للاختيار الطبيعي؟ بيولوجيا الجمال والأخلاق: كيف تفسر البيولوجيا تفضيلات الأبطال بين الفضيلة والرذيلة، والجاذبية بين الخير والشر؟ تشريح الخيانة والعاطفة: لماذا تُطرح الخيانة بوصفها موضوعًا متكررًا في السرديات الكبرى؟ وما علاقتها باستراتيجيات البقاء والإنجاب؟
تسعى هذه التساؤلات إلى كشف الرابط الخفي بين الأدب والحياة، بين الحكاية وغريزة البقاء. ومن خلالها، يبرهن المؤلف أن الأدب يظل مرآة عاكسة لأعمق طبقات الطبيعة البشرية، وأن النصوص الخالدة لم تكتب لتُمتع القارئ فقط، وإنما لتعيد صياغة وعيه الجمعي وتؤكد إنسانيته.