يخاطبني هذا الرذاذ خطابا
يداعبُ وجهي جيئةً وذهابا
كأنِّي به لو أدركَ الصَّخْر سرَّه
وأبصر ما أبصرتُ منه لذابا
رذاذٌ خفيفٌ ، أحسبُ الغيمَ صاغَهُ
حديثَ مُحِبٍّ مُدْنفٍ فأصابا
رذاذٌ كأنفاسِ الأزاهيرِ حينما
تمُدُّ إلى نورِ الصَّباحِ رقابا
كإيقاعِ أوراقِ الزُّهور يهُزُّها
نسيمٌ تهادى حَوْلَها وتصابى
كضحكةِ طفلٍ ضمَّهُ صدْرُ أُمِّهِ
لها نغمٌ عذبٌ يزيلُ عذابا
كراحةِ أُمٍّ لامَستْ رأسَ طفلِها
وأسقتْهُ من نبعْ الحنانِ رضابا
رذاذٌ كأنِّي بالسَّحابِ يزفٌّهُ
حنيناً إلى أرضٍ تُحِبُّ سحابا
يُلامِسُ وجْهيْ ناعماً متلطِّفاً
ويرفع عن وجهِ الصَّفاءِ حجابا
ويُغْلِقٌ بابَ الهَمِّ دونَ مشاعِري
ويفتحُ لي نحو السعادةِ بابا
رذاذٌ حَبَا وجهَ الرِّياضِ نضارةً
وزادَ شبابَ الباسِقاتِ شبابا
كأنِّي بمعنى الحُسنِ جُمِّعَ كُلُّهُ
ليصبِحَ في هذا الرذاذِ مُذابا
لقد طارَ بي هذا الجمالُ فلم أعُدْ
أرى الأرضَ أرْضاً والرِّحاب رحابا
فقدتُ صوابي ؟؟ ربَّما كانَ فقدُهُ
هنا ، عندَ إيقاعِ الرَّذاذِ ، صوابا
إلى أينَ يا هذا الجمالُ تسُوقني
تُراني سألْقى للسؤالِ جوابا ؟!
ألا يارذاذَ السُّحبِ أرجوكَ مُهْلةً
ليرجعَ عقلٌ ، مُذْ رأيتُكَ غابا
أعدْني إلى ميزانِ رأيي وحكمتي
ووعيي ولا تأْخُذْ هوَايَ غِلابا
تعالى الذي أعطاكَ حسْناً ورونقاً
فأصْبَحتْ للحسنِ العجيبِ كتابا
رأيتُ جلال الله في كُلِّ قطْرةٍ
فلولاهُ ما أحيا الرَّذاذُ تُرابا
ولولاهُ ما ألْقى السَّحابُ شُجونَهُ
رذاذاً ، وأرْخى راحَتيهِ وطَابا
ولولاهُ ما كُنَّا نُحِسُّ بما نرى
سماءً وأرْضاً ، ظُلْمةً وشِهابا
فسُبحانَكَ اللهُمَّ في كُلِّ لحظةٍ
أؤَمِّلُ فيها أنْ أنالَ ثوابا