(1)
دلّلوا الصخر
بمكرٍ
فما بالك بالأنثى
وهي تضرم النار
في شق المياه.
(2)
ذابوا
لم تلحظهم عينٌ
حين انسحبوا
لم يبق منهم غير المنحوت.
ذابوا
في السيق تماما
لا رواية لا قصيدة لا وصية
لا خبث ساسة
بياقات منشأة ولامعة
لا حرب
ولا غزاة.
حتما لو كان هناك غزاة لافتخروا.
الصخور وحدها، ما تزال ثابتة وتنتظر، ربما لنشج بها رأس التاريخ
الغامض، وننثر فداحة السر بإفشائه علنا، لعلنا نطل على محنة شعب كامل
غسل عن اليدين، عن القدمين، وكأنه رجس تحلل في المياه وانتهى.
(3)
كأن سماءً
انفرجت فجأة
ثم
أخذتهم ضيوف نحت إلى جهة من جهاتها.
(4)
بترا
بترا
جسد الوردة
على استحياء، تكشف نفسها.
قطعة، قطعة يسقط معنى الحرير عن الجسد: رأس، عنق، صدر،
بطن ظبي يختبئ بين أصابع الخجل.
فإذا باستدارة كاملة، وإذا بالناظر، ينقلب إليها ويجوز عليها،
مستغربا كيف تفتحت، بين يديه في غياب أهلها متسائلا
كيف تبقّى هذا الجمال بلا وريث؟ وكيف تلوى كل هذا السحر
بلا ساحر في ضربات هذا الإزميل ذي المجسات الرائقة؟.
(5)
الغوامض
تزداد مع الوقت.
جهة ما أرقها التجسيد
فغارت على صغارها.
جهة ما ضربت على يد الحضارة، من باب الاحتياط
فانكفأ المشهد، واستغور النبطي، في مرآة الأشباح بلا صفة.
ها هو المشهد الحجري، غير متحاش ولا معتكر
ملمس قطني كملابس الداخل. ندب تشبه حب الشباب.
نقار نشوة، يصوّر ويعاين تلكآت الجسد بمفتاحه اللحمي.
حدب على أشكال تشبه الوركين، لذات مرت في احتلام فائر، فانهمر الماء
والعسل.
ها هي تحفة التجسيد ما بعد السيق تتراءى: الشق بعرفه المحمر، وأعشابه
القليلة.
الدائرة وهي تشبه القبلة. النهد وهو نافر باكتناز. الخصر بهلهلة الرقصات، يرتج
ويهتز وينبئ عن شعب البنائين وفنهم بصخور الجان بمدفن الحية، وبالخزنة
والدير والمسلات والأسود المجنحة والمحاطة بحمامات رذاذ تزهق الكبت ولا
يدور ماؤها لرفع الجنابة والخمول فقط.
ها هي
المقابر فارغة
أين ذهبوا؟
أين المراثي؟
أين ملامح الشعب المتوفى؟
ها هي تحفة التجسيد تتبدّى، فيما النبطي هو الملتبس، إذا ما صح ظن، وإذا ما
مرضت حقيقة بيننا، فالحقيقة بلا عربات، تجرها الخيول، وبلا أقدام مهيأة
للمشي، ما دام المطلوب يتخفى، في زجاجة السماء، وليس لنا أدراج، لكي نصعد،
وليس من ثعلب، في السؤال لكي نسأل أو ننكأ برية هذا الجرح المفتوح منذ ألفي
سنة.
وليس لهم أيضا من شيء سوى أنهم ضيوف مخيلة
تعرض ما تبقّى، وتستدرج ما تخفّى، وإذا ناديت فلا تمد نداءك
فالأذن هاوية في البعيد والصوت بلا صدى
والطلاسم غامقة.
(6)
تُرى
أين ذهبوا
بلا مقاومة
وكيف أخذوا على حين غرة
بذكاء سيظل يدوخ الرأس بكل جهاته ويمرغ اللغة
بسيولتها التي تستيقظ في السرير ثم تغور في الشقوق الهائلة.
***
ندري، ثمة لذة ومنّي سلالات يصر الذاهبون منه وإليه على الخلف لكي تقال قصة
السلف
.. ولكن كيف يمكن أن نصدق أنك أيها النبطي قد متَّ دفعة واحدة.
هل ثمة امرأة تهيئ مائدة لمتعة الفراغ؟ هل ثمة صانع ماهر يعد فيض فنونه
للهباء؟
حتما
بلعتك المرآة
والأرجح أنك
آنية من خزف تكسرت وتناثرت في ممرات الوجود، أو ربما سراب أو بخار امرأة
استحمت بشهوانية فتبدد تماما في ممرات الثقوب.
***
ندري ثمة أوطان تتلى في زمن المحفوظات.
وندري أن التاريخ يعد بنسخة واحدة.
وندري أن الستائر حاضرة وأن الأرشيف يحمل في تلافيفه من الحشرات أكثر من
القصص وأن الهواء يختنق بنفسه وأن الغبي يتهجى لغة ليست له، وأن أهم
الرعاة هو الكلب وأن الخمرة لا تذهب العقل وأن الشعوب تتعرض للإبادة، ولكن
ما من شعب إلا ويظل له بعض النجاة أو الرواة الحاذقين على الأقل.
ما من شعب إلا وله عدة أرواح ومعجزة.
***
ندري
ندري
ولكن أين تصدعت أيها النبطي
وأين اختفت شراهتك في النكاح وفي الطهي،
وفي الرقص وفي العلم وفي تخمير الأنبذة.
***
أدر لنا وجه التاريخ
لنعرف يا شخص البنائين عن سرك الذي لم يدهمه الضجر.
من حق الذكاء أن يعرف كيف انفردت تلك القبضة المحكمة، وكيف لوحت وأين توقف سعيها.
أدر لنا وجه التاريخ بشكل مفاجئ. أدر لنا وجه الموت المؤذي في طفولته وفي
شبابه أيضا لكي نسأل بما أنه رأى الدنيا كاملة، وشارك في رسم البدايات
والنهايات، وله أكثر من أثر في المحزن، وله من قال وأكد أن النسيان لم ينم في
أرضه المدورة.
أدر
أدر
كأن الوجه غائم
كأنه خال
كأننا في المبتدئ
نتكئ على الجهل
والمتماوج أصلا
في علاقة الصخر مع الجسد
في علاقة
الموت مع الموت بلا طائل.
أدر.. أدر
ثمة أسباب لكل شيء، في حين يقف الموت بلا سبب في مناحة شعب ليس
موجودا وله أن يشعر بالحرج تماما حتى يتعرق، وله أن يترك الكرسي ويجلس في
ميزان مائل من كثرة الأذى،
وله أن يستدعي كل مساعديه ويسأل عما فعلوه أثناء نعاسه المتواطئ، وله أن
يجترح موتا آخر
ليقوم بدوره، وله أن يفتح بالرمل ويلتفت إلى الغائب، وله أن يقتفي الأثر ثم يعود
إلينا بالنبأ كي
ننفض الغبار عن حضارة تاهت وتاهت أكثر حين حاول الكتبة نسب غبطتها
الوردية لهم وبكل البلاهات الممكنة.
(7)
عالم غفل
يتلطى
فاحتفظ
أيها النص بيديك، بعينك.
واحتفظ أيها النص بوعيك.
وانتبه أيها النص إن رأيت من يأتون من جهة السماء خلسة
لكي ينهبون كفاءة الأرض بأيد باردة
ويتركون صورة المعنى قليلة اللون منوّمة وشاحبة.
انتبه أيها النص
ولا تسأل
جهة ما شعت بالنقص
فلا عجب إن سرقت من احترفوا فن التجسيد
لكي تستعيد جمالها.