لم يكن ماركيز مبدعا عاديا، بل كان مختلفا ويبحث دائما عن الاختلاف، وقد استطاع أن يفرض نفسه بقوة على الساحة الأدبية العالمية، وحق له أن يحظى بكل هذا الاهتمام..
هو أديب كولومبي بدأ حياته صحفيا ونال شهرة واسعة في عالم الرواية، إذ حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1982. تعد روايته “مئة عام من العزلة” من أشهر ما ألف، وكذلك “الحب في زمن الكوليرا”. توفي “ماركيز” عام 2014 عن 87 عاما.
المولد والنشأة
ولد غابرييل غارسيا ماركيز يوم 6 مارس/آذار 1927، في قرية أراكاتاكا في كولومبيا.
التجربة الروائية
“الصحافة أحلى مهنة في العالم”، تلك هي العبارة التي نقلها مدير صحيفة الإسبكتادور الكولومبية فيديل كانو، عن زميله الذي اشتغل في الصحيفة نفسها عام 1954 الراحل “غابو”، وهو الاسم الذي يشتهر به غابرييل غارسيا ماركيز في كولومبيا.
فما لا يعلمه كثير من عشاق ماركيز أنه بدأ حياته صحفيا، قبل أن تحمله الرواية إلى العالمية.
عمل الروائي الراحل ماركيز مراسلا صحفيا منذ خمسينيات القرن الماضي في الصحف المحلية الصادرة في مسقط رأسه كولومبيا، قبل أن ينتقل إلى صحيفة الإسبكتادور الصادرة في العاصمة بوغوتا.
وبحسب الصحفي الأميركي جون أندرسون، فإن “أهم شيء يكتسبه الصحفي من غابو هو طريقته في ملاحظة التفاصيل عندما لا يكون هناك شيء يحدث”، كما أنه اشتهر بطريقته الفريدة والخاصة في مقاربة الأحداث مع حس فكاهي يضاف إلى ملاحظاته الدقيقة.
ولوقت طويل تذكر العاملون في الإسبكتادور إنتاجه، ومن بينهم فيديل كانو الذي تحدث عن مقال صحفي حرره ماركيز وأصبح فيما بعد مادة أولية لرواية “أجمل غريق في العالم”.
وأوضح كانو أن قصة الناجي من الغرق كانت قد نُشرت بأدق التفاصيل في كل الصحف، غير أن غابو استقبل ذلك الناجي وجلس معه وبدأ يبحث عن تفاصيل أخرى، فاكتشف فضيحة كبرى مرتبطة بالتهريب كانت وراء حادثة الغرق.
وبعد الإسبكتادور تولى ماركيز إدارة مجلة غرافيكا الصادرة في فنزويلا، ومع انطلاق الثورة الكوبية التي كان من المعجبين بها، التحق بوكالة برنسا لاتينا في هافانا، وبعدها انتقل إلى المكسيك حيث خاض تجارب إعلامية قبل أن ينكبَّ على كتابة روايته الأشهر “مئة عام من العزلة”.
وكانت آخر مساهماته الصحفية عام 1999 خلال مفاوضات السلام التي جمعت الحكومة الكولومبية ومتمردي فارك الشيوعيين جنوبي البلاد.
وبموازاة مع عمله الطويل في مجال الصحافة، تألق الراحل وأبدع في الروايات التي ملأت الدنيا وشغلت الناس منذ بدأ بنشرها قبل عقود.
وباتت رواياته من أشهر ما كُتب في مجال الرواية خلال القرن الماضي، وبينها “مئة عام من العزلة” التي صدرت عام 1967، والتي ترجمت إلى 35 لغة وبيع منها أكثر من ثلاثين مليون نسخة.
ومن بين الروايات الشهيرة كذلك “ليس للكولونيل من يراسله” التي صدرت عام 1961، و”قصة موت معلن” عام 1981، و”الحب في زمن الكوليرا” عام 1985.
وصدرت آخر رواياته عام 2004 بعنوان “مذكرات غانياتي الحزينات”.
عاش غارسيا ماركيز في المكسيك منذ عام 1961 مع إقامات متقطعة في كارتاخينا بكولومبيا وفي برشلونة بإسبانيا وفي هافانا الكوبية، ورغم عمله الصحفي لم يكن يدلي بأي تصريح للإعلام.
وآخر إطلالة علنية لماركيز تعود للسادس من مارس/آذار 2014 عندما قصد منزله الواقع في جنوب مكسيكو حيث يعيش منذ أكثر من ثلاثين عاما، لاستقبال صحفيين أتوا لزيارته بمناسبة عيد ميلاده.
وبسبب ثقل العمر والمرض، بات أداء ماركيز بطيئا، وقد استغرق منه تأليف “مذكرات غانياتي الحزينات” نحو عشرة أعوام ليصدر عام 2004. ثم أعلن عام 2006 عدم قدرته على كتابة الروايات.
الجوائز والأوسمة
نال ماركيز جائزة نوبل للآداب سنة 1982، وقد أشادت الأكاديمية بأسلوب كتابته الذي “يمتزج فيه الخيال والواقع في إطار شعري يعكس نزاعات قارة والحياة اليومية فيها”.
وأقر الكونغرس الكولومبي (البرلمان) في ديسمبر/كانون الأول 2014 مشروع قانون يقضي بإصدار البنك المركزي أوراقا نقدية لتكريم غابرييل غارسيا ماركيز.
وجاءت الموافقة على مشروع القانون بطبع صورة ماركيز على أوراق نقدية يصدرها البنك المركزي، كما نص القانون أيضا على تخصيص مواقع معينة في مسقط رأسه للسياحة.
الوفاة
توفي غابرييل غارسيا ماركيز يوم 17 أبريل/نيسان 2014، ورثاه مشاهير العالم مباشرة بعد الإعلان عن وفاته، فاعتبر الرئيس الأميركي باراك أوباما أن “العالم فقد أحد كبار الكتاب المتبصرين، وأحد كتابي المفضلين في شبابي”.
كما أشاد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون بموهبة ماركيز الذي ربطته به صداقة لأكثر من عشرين عاما، وقال إنها موهبة “فريدة من نوعها في الخيال ووضوح الأفكار والنزاهة العاطفية”.
ونوّه الكاتب البرازيلي باولو كويلو بالروائي الذي “كسر الجدار بين الحقيقة والخيال، ممهدا الطريق لجيل برمته من الكتاب الأميركيين اللاتينيين”.
وقدم الرئيس المكسيكي إنريكيه بينيا نييتو التعازي باسم بلاده، مشيرا -على حسابه في “تويتر”- إلى أن الكاتب “المولود في كولومبيا استقر في مكسيكو منذ بضعة عقود، مثريا بالتالي حياتنا الوطنية”.
وكما كانت حياته غير عادية أراد ماركيز لوفاته أن تكون مختلفة، حيث أوضحت العائلة -في بيان بعد ساعات من إعلان نبأ الوفاة- أن الجثة ستحرق وفق “مراسم خاصة”، من دون تقديم مزيد من المعلومات عن موعد حرقها وموقعه.
وكانت شقيقة الكاتب عايدة غارسيا ماركيز طالبت سابقا بإعادة الجثة إلى مسقط رأسه فـ”غابيتو من كولومبيا”، لكنها أضافت أن القرار النهائي يعود لأرملته وولديه.