وأدرنا وجوهنا: كانت الشمسُ
غباراً على السنابكِ، والأُفقُ
شراعاً محطّماً. كان تموزُ
جراحاً على العيون وعيسى
سورةً في الكتاب.
واها ًلدنيا
من بخورٍ من خمرةٍ، من رخامٍ
تختفي، تختفي على وَهْجِ دنيا
من نخيلٍ بروقُها وهجيرٍ
وحروفٍ محفورةٍ في السماءِ.
ليت ذاك النهارَ لم يكُ، انظرْ
كيف غارتْ جباهُنا، كيف جفّتْ
في شراييننا الدماءُ، وكيف
انبحَّ فينا صوتُ الألوهةِ، انظرْ
هوذا الدربُ موحشٌ، ورحابُ
الدار قفرٌ، والشطُّ مضّجَعُ رملٍ
هجرتهُ الأمواجُ،
يا نفسُ بوحي
بالذي صار، مزّقي الحُجُبَ السودَ،
أطلّي على الجديد وثوري
يفتحِ الشاطئُ الخلاصُ ذراعيهِ
وتعلو على مداه السفينُ.
أيها البحرُ، أيها الأملُ البحرُ
ترفَّقْ بنا، ترفَّقْ، ترفَّقْ!
ما أدرنا وجوهنا عنك إلا
بعدما مزَّقَ السياطُ ضحايانا
ولم ترحمِ العبيدُ الجراحا،
وهي حُبلى.
كلُّ الجراحات يا بحرُ
حَبالى، ونحن مهدٌ عريقٌ
للولادات..
ما رأى النورَ بيننا، ما تربّى
كيف يحيا، يشقى، يموت.
ونحنُ
الشيءُ يا بحرُ، من زمانٍ قديمٍ
وبنونا حجارةٌ للزمانِ،
والقبابُ التي تسيّجُ واديكَ
حضورٌ لديكَ: في كل حَوْزٍ
من حماها حكايةٌ. يا عجوزَ
الدهر قُصّي، قصّي حكاياتِ أمسٍ
ما طوتها كفُّ الرمال الضريره:
ألفُ جيلٍ يردُّ في ألف جيلٍ
ردّةَ الموج في المياه الأسيرهْ.
أيها البحرُ، يا ذراعاً مددناها
إلى الله، رُدَّنا لك، دعنا
نستردّ الحياة من نور عينيك
ودعنا نعود، نرخي مع الريح
شراعاتنا، نروح ونغدو
حاملين السماءَ للأرض دمعاً
ودماءً جديدةً.
هذه الأرضُ
مواتاً أمست، وأمست عروقاً
من حديدٍ: أنّى تلفتَّ منها
غربةٌ بابلٌ، وتلك السبايا
رضيتْ أن تظلَّ تركع للعجلِ
وتحني رقابها للخطايا،
آهِ تحني رقابها للخطايا،
والصدى ما يزالُ يرجعُ، يمتدُّ
“اصلبوه، اصلبوه!”
ما للضحايا
منذ هابيلَ، منذ سقراطَ يا بحرُ
رغيفٌ وخمرةٌ للبرايا.
ليت ذاكَ النهارَ لم يكُ، ليت
العينَ ما أغمضت عليه – سوادُ
الموتِ أبهى – ليت الوجوهَ الأدرناها
استحالت ملحاً.
ألا من ينجّي،
من يعيد الرجاءَ غيرُك يا بحرُ،
دعوناكَ فاستجبْ لدعانا.