هذه القصيدة “سيدة قرطاج”، وصفها الوهايبي بأنها محاولة في قراءة فسيفسائيّة LA dame de Carthage التي عثر عليها عام 1953..
فسيفسائيّة “الدوناتي” الأخير: سيّدة قرطاج..
“السماءُ منفطرٌ به” قرآن
هل كنتُ أولدُ أم هل كنتُ أُحْتَضَرُ؟
في حِجْرها؟ أم سماءُ البيتِ مُنفطرُ
أم صوتُ سيّدتي الخضراءِ من وجعٍ
يَبْيضُّ؟ أم دمُها؟أم وجهُها النضِرُ؟
عينٌ مفتّحةٌ كراحتها تمسّحني، يدٌ منها على جرسٍ تباركنِي..
أبي يتناولُ القرْبانَ في عيدِ القيامةِ..
كنتُ عند مسَلّةِ العرّافِ في قرطاجَ.. خادمَ سرّهِ.. ورأيتُ تمثالَ المسيح.. وكان
ينزفُ مثلها.
***
والآنَ في مقصورةٍ في المسرحِ الجوّالِ حيث توافدُوا:
أهْلونَ منْ حجرٍ ومن مَدَرٍ..
أساقفةٌ أمازيغٌ هراطقةٌ “دُناتيّون”، في أزيائهمْ صفرًا(سَواءٌ نحن عمّدَنا هنا
سمْعانُ، أو حتّى يهوذا، فالفداءُ فداؤهُ أبدا).. خَروفُ الفِصْحِ والأضحَى يلاعبُ
نصْلَ سكّينٍ.. دمي هذا وجرحي؟ أم ترى دمُهُ؟ الإلهُ وجرحهُ؟
دَيْدونُ بين تُحوتِها ووعولِها.. بحّارةٌ منْ صُورَ.. في ميناءِ أوتيكا..
دهاقينُ القُرى ودفوفُهمْ تعوِي.. لماذا؟ تلكَ.. من جلْدِ الذئابِ.. ذئابِ إفريقيّةٍ..
بَبْرٌ يسوقُ حمارَهُ الوحشيَّ، في شمسِ الصباحِ البرتقالةِ.. حيث كانُ ديُونُسُوسُ
الطفلُ يركبُ فَهْدَهُ.. كُورالهُ في أحسنِ التقويمِ.. هذي كائناتُ البحرِ في أجسامها
برّيّةً.. بحريّةَ.. وعيونها الأعنابُ طافيةً..
نساءٌ في سراويلِ الحرير مخرّمًا.. يَضْرِبْنَ بالصَّنْجَيْن.. لي؟ (صَنْجٍ يفرّقنا على
إيقاعه.. صَنْجٍ يجمّعنا على إيقاعهنّ، إذا ترجّعَ فيه هجْسُ أنينِنا وأنينهِنّ على
السريرِ.. الصنجُ يسمعنا)..
وسيّدةٌ على أطرافها تمشي..
أمازيغيّةً مازلتُ.. فينيقيّةً مازلتُ.. رومانيّةً.. ما زلتُ..
إفريقيّة أبدا.. زماني دائريٌّ حيث كنت أجُوبُنِي، وأطوفُ بي.. في رقصةِ الزيتونِ، قبلَ
قطافِهِ.. أو بعْدَهُ..
أوراقُهُ أبدا لهذا الضوءِ.. وهْيَ تدورُ.. أعني زيتَهُ.. هِيَ لي ولكْ
فادخلْ إليَّ.. من الجهاتِ الستِّ.. مِنْ خلفٍ.. وقُدّامٍ.. ومِنْ تحْتٍ.. ومن فوْقٍ.. إليَّ..
مِنَ اليمينِ.. مِنَ الشمالِ.. ادْخُلْ إليّ..
فَراشيَ الليليُّ طاووسيّةٌ .. ظلُّ التمام مثلّثي الضوئيُّ حيث أراك أنت.. ولا تراني..
حيث تولدُ، كنتُ أولدُ.. ذاك جرحي الأرجوانيُّ المضرّجُ.. ما يوشّي حرْفَه أو طرْفَه، هو
لي ولكْ
ادخلْ إليَّ..
فسيفساءُ طيورِنا برّيّةً.. بحريّةً.. أسماكِنا شطّيّةً.. لُجّيّةً.. هِيَ لي ولكْ
ادْخلْ إليَّ..
مكعّباتُ بنفسجي ومربّعاتُ الضوء أرضُ ذكورتي.. الأقواسُ ماءُ أنوثتي.. هي
لي ولكْ
هذا الحصى النهريُّ حيث النهرُ مُطّردٌ.. لنا.. هذا الحصى البحريُّ حيث البحرُ يَيْبَسُ
ماؤهُ.. في الأزرقِ المبيضِّ.. أو في الأبيضِ المزرقِّ.. لي أبدا ولكْ
***
وأنا طيوريٌّ ولا أقفاصَ.. لا مقلاعَ.. بِي في الريحِ.. بِي في الشمسِ.. ما بي من
دَفيفِ الطير.. سمّاكٌ.. وملاّحٌ..ولا أبراجَ لي..لا فُلْكَ.. لي قمرٌ على عَتَبِ المنازل،
كان ينزلُ بي..
وتحت كواكب الأنواء، يتركني
وحيدًا
عندَ مُنْحَسَرِ الشواطئِ.. عند منحدَرِ الجبالِ.. كما أنا
في الماءِ.. أخطو خطوتي الأولى.. على إيقاعهِ
إمّا تعاطتْ غيرَ موضعها، انكفأتُ..
على سماءٍ تستديرُ على الضفافِ.. ثمارَ أشجارٍ.. من القثّاءِ والرمّانِ.. والأعنابِ
أو هيَ تستطيلُ على الشعابِ.. زبرجدَ الزيتونِ.. لونَ التمر.. لونَ النار.. هذا
اليشْبُ.. هذا الأخضرُ المزْرَقُّ.. هذا الأزرقُ المخضرُّ..
هذا الأبيضُ الذهبيُّ.. هذا الداكنُ المصفرّ..بعضُكِ أنت أم بعضي أنا؟
ولعلّهُ صدأُ النحاسِ.. صَداهُ؟ أمْ؟
(لاشيءَ يطفئنِي سوى حبْري)
***
ـ يتامى مثلُ آدمَ نحنُ .. بلْ لُقطاءُ.. حيث أبُو الرجالِ البحرُ.. أمّهمُ.. إذن..خُذْ.. ذا نبيذٌ
داكنٌ كالبحرِ..
ذا كرْم تخمّرَ في دِنانِ الصيفِ.. في أقباءِ أوتيكا..
ـ إذنْ روّضتًهُ بالماء؟ أعني خمرنا الخمريَّ؟
ـ هل أفرطتَ في شربِ النبيذ.. تُراكَ؟
أم أخطأتَ في التوقيتِ؟ قلْ؟
***
نارٌ يحيطُ بنا سُرادِقُها.. أهذي تونسُ الخضراءُ أم إجّاصةٌ هذي مقوّرةٌ.. بنا.. تسفو
عليها الريحُ؟ قلْ..ماذا تريدُ ؟
فُسيفُساءَ محاربٍ؟ مفتاحَ رسميَ؟ لي أنا وجهان وجهُ حبيبةٍ.. وقناعُ سيّدةٍ..
إذنْ ماذا تريدُ؟ قناعَ أنثى الليلِ..
أمْ مفتاحَ صورتهَا؟
***
عبيدٌ يُدفعون إلى الحبالةِ.. كالطرائدِ.. عندَ أوْجِرةِ الضباعِ.. وكانَ صيّادونَ
ينتظرونَ..
بينَهُمُ وبين الموتِ، ما بين الإهَانِ إلى جريدِ النخلِ.. يُكشط خُوصُهُ كجلودهمْ..
في حُمْرَةٍ ذَهَبٍ..
نساءٌ في حِباكِ حظيرةٍ قَصَبٍ..
ووندالٌ على الأبوابِ ينتظرون
***
اجلسْ إلى الموتى.. وحدّثْهمْ.. هُمُ سكنوا وراء الريح.. لا موتٌ.. ولا عدمٌ.. ربيعٌ
دائمٌ.. هو وعدهمْ.. إيّاك أن تصغي المساءَ لطارداتِ الروحِ.. في أعيادنا في
البيتِ.. حيث ضجيجُنا الليليُّ عند الموتِ..إذ تمضي حوافره بعيدا.. كان يفزعهنَّ..
ـ لا وعدٌ لأمواتي.. ولا سكنٌ.. وذي:
فسيفساءُ توابيتٍ ممدّدةٍ
لا غيرَ، في المسرح الجوّال تنتظرُ
***
لا تطرقِي كلَّ هذا الطرْقِ سيّدتي
فبابُنا حَجَرٌ من فوقهِ حَجَرُ
* الدوناتي: نسبة إلى الدوناتيّة: بدعة دونا أسقف قرطاج في القرن الرابع الميلادي