عز الدين المناصرة (وُلد في 11 أبريل 1946 في بني نعيم – تُوفي في 5 أبريل 2021 في عمان)، شاعر وناقد ومفكر وأكاديمي فلسطيني. حائز على عدة جوائز أديبا وأكاديميا.
تعرّفت إلى اسم عز الدين المناصرة، في بدايات اهتمامي بالشعر والتراث الفلسطيني، كانت أولاً عندما قرأت ديوانَي عبد الرحيم محمود وتوفيق زياد اللذيْن جمعهما وأرفق معهما دراستين عن حياتيهما. وثانياً، وهذا الأهم، حين قرأتُ قصة “جفرا” التراثية في عدد قديم من مجلة “شؤون فلسطينية” الصادرة عن مركز الأبحاث في منظمة التحرير (تحققتُ من المجلة في قناة كتب فلسطين بتطبيق تيليغرام، فوجدت أنه يقع في 25 صفحة من العدد 127 في حزيران (يونيو) 1982، أي في آخر عدد قبل اجتياح لبنان). ثم ما لبث أن أصدر هذا البحث موسّعاً في كتيّب صغير.
يومها كشف النقاب عن كنز تراثي مهمّش، في ذروة توهّج يوسف حسون وأبو عرب في إذاعة الثورة الفلسطينية في بيروت.
بحث عن أحمد عبد العزيز علي الحسن المعروف بـ “أبو علي الجفرا” والمولود في قرية “كويكات” قضاء عكا عام 1916، حتى التقاه وكتب عنه، وأعاد إشهار القصة المعروفة لصاحب الجفرا.
يُحسب للمناصرة أنه أسس لمجموعة من القيم والعناصر الأدبية والثقافية الفلسطينية، وأنه شاعر وناقد وصحفي وأكاديمي وفنان وقائد عسكري ومناضل غادر لبنان على ظهر سفينة إثر الاجتياح الإسرائيلي.
ويُحسب له أنه عاش أبحاثه وكتابته، حتى انعكست في شعره، فانتقلت من عقله إلى قلبه وأحاسيسه. فكتب عدة قصائد عن “جفرا” حتى أصبح معروفاً بأمرين: الجفرا والكنعنة (نسبة إلى الكنعانيين). ولم تثبت القصة المنتشرة عن عشقه لفتاة من نابلس اسمها “جفرا” كانت تدرس في بيروت، والتي نسج عنها بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي القصص.
أما “الكنعنة”، فقد ذهب بعيداً بها في البحث عن الجذور الفلسطينية وتعميق الهوية الفلسطينية. فاعتبر “كنعان هو الاسم الأول لفلسطين، وأن الفلسطينيين هم قبائل كنعانية”. واعتبر أن “الجذور الكنعانية تشكّل عنصراً أساسياً في الهوية الفلسطينية”، فاحتلت “الكنعنة” مساحة واسعة من شعره، حتى أنه أطلق اسم “كنعانياذا” على أحد دواوينه (تمثلاً بالإلياذا الإغريقية). كل ذلك دون أن ينفي جذوره الإسلامية في فلسطين، فهو من بني نعيم، سلالة نعيم بن أوس الداري، شقيق تميم الداري الذي أقطعه الرسول صلى الله عليه وسلم ثلثي منطقة الخليل كوقف إسلامي في فلسطين.
ترجمته
ولد عز الدين المناصرة في قرية بني نعيم، في 11 نيسان (أبريل) 1946. درس الابتدائية في مدرسة القرية، والإعدادية في مدرسة بورسعيد في وادي التفاح قضاء الخليل. أما الثانوية في مدرستي ابن رشد والحسين بن علي في مدينة الخليل. ونشر أولى قصائده حين كان طفلاً سنة 1959 في صحيفة المساء المقدسية.
انتقل إلى القاهرة عام 1964، ملتحقاً بجامعتها، وتخرج عام 1968 في اللغة العربية والعلوم الإسلامية، وخلال دراسته نشر قصائده في مجلات مثل الآداب والحرية وفلسطين في بيروت وأخبار فلسطين في غزة، وكان مراسلاً لمجلة الأفق الجديد في القدس. ونشر أيضاً في الصحف المصرية كالمساء والأخبار والأهرام والهلال والمجلة والشعر والرسالة. وفاز بجائزة الجامعات المصرية في الشعر عام 1968.
ثم حصل على الماجستير في الأدب المقارن عام 1969 من الجامعة نفسها. ومن ثم انتقل إلى الأردن وعمل مديراً للبرامج الثقافية في الإذاعة الأردنية في العام 1970 وحتى 1973. أسس في نفس الفترة رابطة الكتّاب الأردنيين مع ثلة من المفكرين والكتاب الأردنيين.
بالتوازي مع عمله في المجال الثقافي الفلسطيني تطوع عام 1965 في المقاومة الفلسطينية، فانتقل من القاهرة إلى عمان، وعاش أحداث أيلول الأسود فيها، ثم انتقل إلى بيروت عام 1973 وعمل في مجلة “فلسطين الثورة” الناطقة باسم منظمة التحرير الفلسطينية. تم انتخابه عضواً في القيادة العسكرية للقوات الفلسطينية ـ اللبنانية المشتركة في منطقة جنوب بيروت في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976. وشارك في عدة معارك، منها معركة المطاحن التي هدفت إلى تخفيف الحصار عن مخيم تل الزعتر.
وبعد عودته من بلغاريا إثر نيله شهادة الدكتوراه في الأدب المقارن عام 1981، تولى عمله سكرتير تحرير مجلة “شؤون فلسطينية” التابعة لمركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت. وأدار تحرير جريدة “المعركة” أثناء حصار بيروت عام 1982، إلى أن غادر بيروت ضمن صفوف الفدائيين كجزء من صفقة إنهاء الحصار، على ظهر سفينة “شمس المتوسط” إلى طرطوس، ومنها إلى تونس. وفي عام 1983 توجه إلى الجزائر، حيث عمل أستاذاً للأدب المقارن في جامعة قسنطينة حتى عام 1987.
كان المناصرة فعالاً في المجال الثقافي والنقابي في كل بلد أقام فيه، فكوّن صداقات مع الشعراء والأدباء في مصر، وكان عضواً في الجمعية الأدبية هناك، وأحيا عشرات الأمسيات الشعرية. وكان من قيادات الاتحاد العام لطلبة فلسطين في القاهرة.
في الأردن، كان له دور بارز في الحركة الشعرية، وأحيا عشرات الأمسيات الشعرية، وساهم بتأسيس رابطة الكتاب الأردنيين، ومنحته الرابطة عضوية الشرف فيها.
انتقل في مطلع التسعينيات إلى الأردن حيث أسس قسم اللغة العربية في جامعة القدس المفتوحة (قبل أن ينتقل مقرها إلى فلسطين) وبعدها صار مديراً لكلية العلوم التربوية التابعة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وجامعة فيلادلفيا حيث حصل على رتبة الأستاذية (بروفيسور) عام 2005. حصل على عدة جوائز في الأدب من ضمنها: جائزة الدولة الأردنية التقديرية في حقل الشعر عام 1995، وجائزة القدس عام 2011.
تُوفي المناصرة يوم الاثنين 5 أبريل 2021 ميلادياً، في عمّان إثر مضاعفات إصابته بالكورونا، عن عمر ناهز 74 عاماً.
المجموعات الشعرية
يا عنب الخليل، 1968. الخروج من البحر الميت، 1969. مذكرات البحر الميت، 1969. قمر جَرَشْ كان حزيناً، 1974. بالأخضر كفّناه، 1976. جفرا، 1981. كنعانياذا، 1981. حيزية عاشقة من رذاذ الواحات، 1990. رعويّات كنعانية، 1992. لا أثق بطائر الوقواق، 2000. لا سقف للسماء، 2009. يتوهج كنعان، 2008.
الكتب النقدية والفكرية
الفن التشكيلي الفلسطيني، 1975. السينما الإسرائيلية في القرن العشرين، 1975. إشكالات قصيدة النثر، 1998. موسوعة الفن التشكيلي الفلسطيني في القرن العشرين (في مجلّدين)، 2003. نقد الشعر في القرن العشرين، 2012. الكف الفلسطيني تناطح المخرز الأمريكي، 2013. النقد الثقافي المقارن، 2005. علم الشعريات، 2007. جمرة النص الشعري، 2007.
نماذج من شعره
جفرا
أرسلتْ لي داليةً وحجارة كريمة
مَنْ لم يعرفْ جفرا فليدفن رأْسَهْ
من لم يعشق جفرا فليشنق نَفْسَهْ
فليشرب كأس السُمِّ العاري يذوي،
يهوي ويموتْ
جفرا جاءت لزيارة بيروتْ
هل قتلوا جفرا عند الحاجز، هل صلبوها
في تابوت؟!
جفرا أخبرني البلبلُ لّما نَقَّر حبَّاتِ الرمِّانْ
لّما وَتْوَتَ في أذني القمرُ الحاني في تشرينْ
هاجتْ تحت الماء طيورُ المرجانْ
شجرٌ قمريٌّ ذهبيٌّ يتدلّى في عاصفة الألوانْ
جفرا عنبُ قلادتها ياقوتْ
هل قتلوا جفرا.. قرب الحاجز هل صلبوها
في التابوت؟؟
تتصاعدُ أُغنيتي عَبْر سُهوب زرقاءْ
تتشابه أيام المنفى، كدتُ أقول:
تتشابه غابات الذبح هنا وهناك .
تتصاعد أغنيتي خضراء وحمراءْ
الأخضر يولد بالشهداء على الأحياء
الواحةُ تولد من نزف الجرحى
الفجرُ من الصبح إذا شَهَقَتْ حبّاتُ ندى
الصبح المبحوحْ
ترسلني جفرا للموت، ومن أجلك
يا جفرا
تتصاعدُ أغنيتي الكُحليَّة.
منديلُكِ في جيبي تذكارْ
لم ارفع صاريةً إلاَّ قلتُ : فِدى جفرا
كنعان يتوهج
بطيءٌ بريدكَ يا وطني، والرسائلُ
لا تصلُ العاشقينْ
فَجهِّز جوادكَ للرعيِ في مرْجِ ذاكرةِ الغيمِ
قبلَ الحنينْ
– أحاولُ أن أمسكَ البحرَ من خصرهِ القرمزيِّ،
أراهُ كذلكَ،
لكنَّه يشتهي أن يكونَ ربيعاً،
لكي يُعجبَ الآخرينْ.
بطيءٌ بريدكَ يا وطني، والرسائلُ
لا تصلُ العاشقينْ.
وكانت تحومُ النوارسُ،
تملؤني غبطةً… والنجومْ
مُسافرةٌ قربَ شمسِ الأصيلْ.
أحاولُ يا فَرَساً حجريّاً على
التلّةِ القرمزيّةِ،
كالبحرِ، (مريمُ إفريقيا) ﻓﻲ الفضاءِ،
تَمُدُّ ذراعاً لوهرانَ، حتى حنين الطُلولْ.
أراكِ كمريمِ إفريقيا… ﻟﻢ تطابقْ
بهاءَ الأصول.
كذلك قيل: انظروا الماءَ،
قيلَ كذلك: نِدٌّ لروما بقيتِ، أما زلتِ
يا مُهْرةً
تركضين، يُتابعُ جَرْيَكِ هذا الذُهولْ.
أحاولُ،
كان المدى شجراً،
وشُجيراتُ عوسجِ هذا المدى،
عِشْرقُ البحر، لونُ السلامْ
فَجهِّزْ جوادكَ للرعي ﻓﻲ مرجِ ذاكرةِ
الغيمِ،
حيث يقيمون أندلساً ﻓﻲ الكلام.
بالأخضر كفّنّاه
بطيءٌ برؤيا أُمّي تأخذني عيناكِ
ﺇﻟﻰ أين!!!
بالأخضرِ كفنّاهْ
بالأحمرِ كفنّاهْ
بالأبيضِ كفنّاهْ
بالأسودِ كفنّاهْ
بالمُثلثِ والمستطيل ْ
بأسانا الطويلْ.
نزفَ المطرُ على شجرِ الأرزْ المتشابكِ
بينَ الأخويْنْ
وازدحمتْ ﻓﻲ الساحاتِ طيورُ البينْ
ثم حملناهُ على الأكتافْ
بكتِ المُزْنُ البيضاءُ بدمعٍ شفّافْ
دمُهُ أخضرُ (ثمّ أُغيّرُ قافيتي)،
زغردَ سربُ حمامْ
والبدويةُ تنتظرُ حبيباً،
سيزورُ الشام.
بالأخضرِ كفنّاه
بالأبيضِ كفنّاه
بالأسودِ كفنّاه:
يا أُمّي تأخذني عيناكِ ﺇﻟﻰ أينْ:
كان خليلياً من صيدونْ
حِمصياً من حبرونْ
بصرياً من عمّان.
وصعيدياً من بغدادَ،
جليلياً من حورانْ
كان رباطياً من وهران.
مطرٌ ﻓﻲ العينينِ، وتحتَ القلبِ دفنّاهْ.
عشبٌ ﻓﻲ الرمل، وفوقَ القلبِ رخامْ.
بالأخضرِ كفنّاه
بالأحمرِ كفنّاه
بالأبيضِ كفنّاه
بالأسودِ كفنّاه.
إنّي أتبعُ أحبابي، حيثُ يكونون.
لا الريحُ تُحاسِبُنا إنْ أخطأنا، لا الرملُ
الأصفرْ
لا الموجُ ينادينا،
إنْ خفقَ النومُ بأعيننا،
والوردُ احمرّ.
يا دمهُ النازفُ لا تصفَرّْ.
يا دمه…
يا دمه…
بالأخضرِ كفنّاه
بالأخضرِ كفنّاه
يتركنا، ويودعنا، ويقبّلنا بين العينين.
يا أمي، تأخذني عيناك ﺇﻟﻰ أين؟؟
ما بين النارِ وبين النارِ يموت
ما بينَ الطلقةِ والطلقة
ما بين الهمسةِ والحرفِ يموت
أثناءَ صياحِ الديكِ يموت
بعدَ طلوعِ الفجرِ يموت..