القصائد السومرية
هناك خمس قصص لجلجامش موجودة في شكل قصائد قديمة في اللغة السومرية. من المحتمل أن هذه القصص قد نشرت بشكل مستقل، بدلاً من أن تكون في شكل ملحمة موحدة. بعض أسماء الشخصيات الرئيسية في هذه القصائد تختلف قليلا عن الأسماء الأكدية اللاحقة؛ فعلى سبيل المثال «بلجامش» (بالإنجليزية: Bilgamesh) مكتوب بدلا من جلجامش (بالإنجليزية: Gilgamesh). كما توجد بعض الاختلافات في القصص الأساسية مثل حقيقة أن إنكيدو هو خادم جلجامش (وليس بطلا مثله أو صديقا له) في النسخة السومرية:
تتطابق قصة «رب جبل الحي و «هو هورا!» (بالإنجليزية: The lord to the Living One’s Mountain and Ho, hurrah!) مع حلقة غابة الأرز (اللوحات الطينية من الثانية للخامسة في النسخة البابلية المعيارية). يسافر جلجامش وانكيدو مع رجال آخرين إلى غابة الأرز. وهناك، يحاصران من قِبَل هوواوا، ولكن يخدعه جلجامش (بمساعدة إنكيدو في إحدى الصيغ) للتخلي عن هالته، وبالتالي فقدان قوته.
تتطابق قصة «البطل في المعركة» (بالإنجليزية: Hero in battle) مع حلقة الثور السماوي في النسخة الأكادية (أو اللوح الطيني السادس في النسخة البابلية المعيارية). وتسبب شهية الثور الكبيرة في الجفاف والمشقة في الأرض في حين يستمتع جلجامش بوليمة. يقنعه لوغالباندا بمواجهة الثور ومحاربته جنبا إلى جنب مع إنكيدو.
ليس لدى قصة «مبعوثي الملك أغا الكيشي» (بالإنجليزية: The envoys of Akka) حلقة مقابلة في الملحمة، ولكن مواضيع ما إذا وجب إظهار الرحمة للأسرى أو لا، واستشارة شيوخ المدينة تحدث أيضا في النسخة البابلية المعيارية في قصة خومبابا. وفي القصيدة، تواجه الوركاء حصارا من جيش كيش بقيادة الملك أغا الكيشي الذي يهزمه جلجامش ويغفر له حصاره للمدينة.
تعتبر قصة «في تلك الأيام، تلك الأيام البعيدة»، (بالإنجليزية: In those days, those far-off days) والمعروفة باسم «جلجامش، إنكيدو، والعالم السفلي» (بالإنجليزية: Gilgamesh, Enkidu, and the Netherworld) مصدر الترجمة الأكدية المدرجة في اللوح الثاني عشر في النسخة البابلية المعيارية. وتروي القصة رحلة إنكيدو إلى العالم السفلي. وهي أيضا المصدر الرئيسي للمعلومات حول أسطورة الخلق السومرية وقصة «إنانا وشجرة هولوبو».
قصة «الثور البرّي العظيم يستلقي»(بالإنجليزية: The great wild bull is lying down) هي قصيدة حول موت جلجامش، دفنه وتكريسه كنصف إله، والحكم ومحاسبة الموتى. بعد أن حلم كيف ستقرر الآلهة مصيره بعد الموت، يطلب جلجامش المشورة ويعد جنازته ويقدم الهدايا للآلهة. وعندما يتوفى، يُدفن تحت نهر الفرات ويُقلع عن مساره ثم يعود إليه فيما بعد.
الترجمات
نشرت أول ترجمة عربية مباشرة من اللوحات الأصلية في الستينات من قبل عالم الآثار العراقي طه باقر وذلك في كتاب «ملحمة كلكامش أوديسة العراق الخالدة» والذي ألفه في عام 1962. كما ألف الكاتب والمفكر والباحث السوري فراس السواح كتاب «كنوز الأعماق – قراءة في ملحمة جلجامش» في عام 1987. ويوجد أيضا كتاب «ملحمة جلجامش» والذي ترجمه للعربية عن الألمانية المترجم المصري عبد الغفار مكاوي وراجعها عن الأكدية الباحث المصري عوني عبد الرؤوف في سنة 2003.
الترجمة الحديثة النهائية هي عمل نقدي من مجلدين قام به أندرو ر. جورج نشرته دار نشر جامعة أكسفورد في عام 2003. ويزعم مراجعة للكتاب أجرته الباحثة إليانور روبسون من جامعة كامبريدج أن عمل جورج هو أهم عمل نقدي حول جلجامش في السنوات 70 الماضية. يناقش جورج حالة الألواح المتبقية، ويوفر تفسير دينيا لكل لوح على حدة، مع ترجمة مزدوجة للغة جانباً إلى جنب.
في عام 2004، قدم ستيفن ميتشل نسخة مثيرة للجدل تأخذ العديد من الحريات مع النص وتشمل تلميحات وتعليقات حديثة تتعلق بحرب العراق 2003.
التأثير اللاحق
العلاقة مع الكتاب المقدس
ترتبط موضوعات وعناصر الحبكة وعدة شخصيات مختلفة في الكتاب المقدس العبري بملحمة جلجامش. لا سيما مواضيع جنات عدن والنصائح في سفر الجامعة ورواية الطوفان في سفر التكوين.
جنات عدن
أقر العلماء منذ فترة طويلة أوجه التشابه بين قصتي إنكيدو/شمحات وآدم/حواء. في كلا القصتين، خُلِقَ رجل من التربة من قبل إلاه، وعاش في بيئة طبيعية بين الحيوانات. وتعرف الرجل على امرأة أغرته. في كلتا القصتين، يقبل الرجل الطعام من المرأة، ويستر عورته، ويجب أن يترك يقبل الرجل الطعام من المرأة، ويغطي عريه، ويتوجب عليهِ ترك عالمه السابق ويصبح غير قادر على العودة إليه. يعتبر وجود ثعبان يسرق نبتة الخلود من البطل لاحقاً في الملحمة نقطة تشابه أخرى. ومع ذلك، هناك فرق كبير بين القصتين وهو أنه بينما يشعر إنكيدو بالندم على إغوائه بعيدًا عن بيئته الطبيعية، فإن هذا مؤقت فقط: بعد أن واجهه الإله شمش لكونه جاحدًا، يتراجع إنكيدو ويقرر إعطاء المرأة التي أغوته البركة الأخيرة قبل أن يموت. هذا على عكس آدم، الذي تم تصوير سقوطه من بيئته إلى حد كبير على أنه مجرد عقاب لعصيان الرب.
النصيحة في سفر الجامعة
يقترح العديد من العلماء الاقتراض والنقل المباشر لنصيحة سيدوري من قبل مؤلف سفر الجامعة. أيضا يوجد مثل نادر عن قوة الحبل المثلوث في كلا القصتين: «الحَبلُ المَثلُوثُ لا يَنقَطِعُ بِسُهُولَةٍ».
طوفان نوح
يأكد أندرو ر. جورج أن رواية الطوفان في سفر التكوين تشابه نظيرتها الموجودة في جلجامش بشكل وثيق، لدرجة أنه «لا يوجد شك إلا القليل» في أنها مستمدة من رواية من بلاد الرافدين. ما يُلاحظ بشكل خاص هو الطريقة التي تتبعها قصة فيضان سفر التكوين لقصة فيضان جلجامش «نقطة بنقطة وبنفس الترتيب»، حتى عندما تسمح القصة ببدائل أخرى. في تعليق على التوراة عام 2001 صدر باسم الحركة المحافظة لليهودية، صرح العالم الحاخامي روبرت ويكسلر بأن : «الافتراض الأكثر ترجيحا الذي يمكننا افتراضه هو أن كلاً من سفر التكوين وملحمة جلجامش قد استمدا محتوياتهما من تقليد شائع عن الطوفان كان موجوداً في بلاد الرافدين. ثم اختلفت هذه القصص في روايته». يُعٔتَبر زيوسودرا وأوتنابيشتيم ونوح أبطال أساطير الفيضانات السومرية والأكدية والتوراتية في الشرق الأدنى القديم.
تشابهات إضافية مع الكتاب المقدس
يقترح ماتياس هينز أن جنون نبوخذ نصر الثاني في سفر دانيال التوراتي يستند إلى ملحمة جلجامش. ويدعي أن المؤلف يستخدم عناصر من وصف إنكيدو لرسم صورة مضحكة وساخرة لملك بابل.
لدى العديد من الشخصيات في الملحمة نظائر أسطورية في الكتاب المقدس، وأبرزها نينتي إلهة الحياة السومرية، والتي تم إنشاؤها من ضلع إنكي لشفائه بعد أن أكل الزهور المحرمة. يقترح أن هذه القصة كانت بمثابة الأساس لقصة خلق حواء من ضلع آدم في سفر التكوين. تزعم إستر ج. هاموري في كتاب «أصداء جلجامش في قصة يعقوب» أن أسطورة يعقوب وعيسو تتوازى مع مباراة المصارعة بين جلجامش وإنكيدو.
كتاب العمالقة
تم ذكر جلجامش في نسخة واحدة من كتاب العمالقة المرتبط بسفر أخنوخ. تذكر نسخة كتاب العمالقة الموجودة في خربة قمران البطل السومري جلجامش والوحش خومبابا مع المراقبين والعمالقة.
التأثير على هوميروس
لفت العديد من العلماء الانتباه إلى مواضيع وحلقات وآيات مختلفة تشير إلى أن ملحمة جلجامش كان لها تأثير كبير على القصائد الملحمية المنسوبة إلى هوميروس. تم تفصيل هذه التأثيرات بواسطة مارتن ويست في كتاب «الوجه الشرقي للهليكون: عناصر غرب آسيا في الشعر اليوناني والأسطورة». وفقًا للباحثة تزفي أبوش من جامعة برانديز، فإن القصيدة «تجمع بين قوة ومأساة الإلياذة مع تجوال وعجائب الأوديسة. إنها عمل مغامرة، ولكنها ليست أقل من تأمل في بعض القضايا الأساسية لوجود الإنسان». يخمن مارتن ويست في «الوجه الشرقي للهليكون» أنه من الممكن أن ذكرى جلجامش قد وصلت إلى الإغريق من خلال قصيدة مفقودة عن هيراكليس.
لاحظ عديد العلماء إرث ملحمة جلجامش بوضوح من خلال دراسة أوجه التشابه الموجودة بينها وبين أساطير وأدب اليونان القديمة. وأشاروا إلى ثلاثة تشابهات رئيسية: التشابه الأول: غضب إلهي يرسل الطوفان العظيم، وأما التشابه الثاني: فَقدُ الرفيق الأعز، وأما التشابه الثالث: تقديم الثور القرباني.
التأثير على الشعر العربي
أثرت ملحمة جلجامش على الشعر العربي في العصرين الأموي والعباسي. كما أثرت في العصر الحالي على جدارية الشاعر الفلسطيني محمود درويش. إذ ذكر فيها الشاعر فيها كلا من جلجامش وإنكيدو بالاسم. حيث اعتبر بعض النقاد أن جدارية محمود درويش عبارة عن ملحمة جلجامش المعاصرة في «قراءة معاصرة ومبدعة» للملحمة. إذ تحيل تسمية العمل الشعري بالجدارية إلى جدارية جلجامش حيث كان نص الملحمة على شكل ألواح وجداريات، كما يدور حوار مباشر بين البطلين في الجدارية، وحضور موضوعات التناقض الوجودي والموت والخلود. كما تم استدعى الشاعر باسم فرات في ديوانه الشعري «أهز النسيان» شخصية جلجامش وشخصية جلجامش وموتجهتهما والثور السماوي وعدة مواضيع أخرى من الملحمة.
في الثقافة الشعبية
ألهمت ملحمة جلجامش العديد من الأعمال الأدبية والفنية والموسيقى. وصلت ملحمة جلجامش إلى الجمهور المعاصر بعد الحرب العالمية الأولى، ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية في مجموعة متنوعة من الأعمال الثقافية. يشمل هذا في الأدب الرواية الأمريكية العظيمة (1973) للكاتب الأمريكي فيليب روث، جلجامش الملك (1984) وجلجامش في المناطق النائية (1986) للكاتب الأمريكي روبرت سيلفربرغ، تايموايرم: جينيسيس (1991) للكاتب البريطاني جون بيل والساحر: أسرار الخالد نيكولاس فلاميل (2009) للكاتب الأيرلندي مايكل سكوت. أما في الموسيقى الكلاسيكية فتشمل الأمثلة: الأوراتوريو ملحمة جلجامش (1955) من قبل المؤلف الموسيقي التشيكي بوهسلاف مارتينو، الأوبرا الدرامية جلجامش (1964) من ألحان التركي نيفيت كودالي، جلحجامش (1970) من تأليف التركي أحمد عدنان سايغون، جلجامش (1972) من تأليف الدنماركي بير نورغان، وجلجامش (1982) من تأليف الصربي رودولف بروكي. أما في المسرح أنعطف يسارا عند جلجامش (1990). و في الأفلام: الفيلم القصير بتقنية إيقاف الحركة ملحمة جلجامش، أو هذه المكنسة الصغيرة غير القابلة للتسمية (1985) من إخراج الإخوة كواي. أما في التلفزيون فتوجد عدة حلقات ومسلسلات تأثرت مباشرة بالملحمة. أمثلة على ذلك حلقة دارموك من المسلسل الأمريكي ستار تريك: الجيل التالي وحلقة شيطان بيد من زجاج من المسلسل الأمريكي الحدود الخارجية والأنمي الياباني برج درواغا. وقد تم اقتباس الأنمي الياباني من لعبة الفيديو اليابانية برج درواغا، والتي أنتجت في عام 1984. كما أثرت الملحمة في عدة قصص مصورة، مثال جلجامش وجلجامش الخالد وشخصية المنسي.
يؤكد الباحث العراقي إحسان الديك في ورقته البحثية «علاقة المعلقات بملحمة جلجامش» بأن ملحمة جلجامش قد أثرت بشكل مباشر وغير مباشر بالمعلقات في الشعر الجاهلي. من أوجه التأثير: تسمية القصيدة حسب مطالعها (بدايتها) وعنونتها بأول عبارة أو سطر منها، و البكاء على الأطلال، و محاكاة الغزل وشعر الرحلة، ومواضيع فلسفة الوجود والبطولة والحياة والموت، وصفات البطولة، وختم بعض المعلقات بالحديث عن السيل والطوفان، والإشارة إلى الجبل المقدس، وحضور الطيور. يشير الباحث إلى أن كل هذه المواضيع كانا من بين مظاهر العلاقة الوثيقة بين المعلقات وملحمة جلجامش.
.
ويكيبديا ومصادر أخرى