أخاكَ يا شعرُ فهذا عُمَرُ
وهذه «نُعْمٌ» وتلكَ الذِّكَرُ
لوحان من فجر الصِّبا و وردهِ
غذَّاهُما قلبٌ وروّى محْجَر
يختالُ مِنْ نشوَته تحتهما
ما غرَّدا عُودُ الشَّبابِ الأخضر
فرخان في وكْرٍ تلاقى جانحٌ
وجانحٌ و منْقَرٌ و مِنقر
يختلسُ القُبلةَ من مَبسِمِها
هل تعرفُ العُصفورَ كيفَ ينقُر؟
وهْو إذا أمعَنَ في ارتشافها
علَّمنا كيفَ يذوبُ السُّكَّر
رسالةٌ مِنْ فمهِ لفَمها
كذا رسالاتُ الهوى تُختصَر
إيهٍ أبا الخطّاب ما أحلى الهوى
تَنظِمُ منْ نَوَّارهِ وتَنثُر
فَبَعضُهُ يحلُمُ في أوراقِه
وبعضُهُ على الرُّبى مُبَعثَر
ملأتَ أُفْق الحُبِّ عطراً وَ سَناً
وصُوراً للوحي فيها سُور
الجَّنةُ الزَّهراء ما ترسمُهُ
والخمرةُ العذراءُ ما تَعتصر
والنَّغمُ الخالدُ ما تُنشدُهُ
والمثلُ الشَّاردُ ما تَبتَكر
الطّربُ السَّمحُ إذا دارتْ طِلاً
أوْ سبَقٌ فالشَّاعرُ المُغَبِّر
حلِّق ولا تَحفلْ أأزرى حاسدٌ
أو انبرى لحَتفهِ شُوَيعر
عابَ على البُلبلِ ما يطرحُهُ
من ريشِهِ وهْو به يأتزر
قُل لي بنُعمٍ وبأترابٍ لها
يلعَبنَ ما شاء الصِّبا والأشَر
ليلةُ ذي دَورْانَ هل كانت كما
حَدَّثتَ أم أخيلةٌ وصُوَر
وَ«نُعمُ» هَلْ كانت كما صَوَّرتَ أم
بالغَ في تلوينها المُصَوِّر
وذلكَ «المِجَنُّ»؟ ما أوهَنَهُ
يكادُ من رِقَّتهِ يَنتَثر
يا للمنى أعنْ يَمينٍ كاعبٌ
وعَن شمالٍ كاعبٌ ومُعْصر
فَمِنْ هُنا حيثُ تندَّى الزَّهرُ
وَمِنْ هُنا حيثُ تدلَّى الثَّمَر
وأنتَ لا تألو دُعاباً في الهوى
شمٌّ وتقبيلٌ و أشْيَا أُخر
قالوا الحِجازُ مُجدِبٌ لَمَّا عمُوا
وَ«نُعمُ» فيه روضةٌ ونَهَر
إن زقَّتِ العودَ أناشيدَ الهوى
حنَّ لها العودُ وجُنَّ الوتر
أو صفَّقتْ للَّهوِ في أترابها
ماجَ لها الوادي وغنَّى الشَّجر
الحُبُّ مذبوحٌ على أقدامها
والحسنُ في ألحاظها يُكَبِّر
تعَرَّتِ الشَّمسُ على وَجْنَتها
وانشقَّ لَو تَعلمُ أينَ القمَر
العِنَبُ الأحمرُ مسفُوحٌ على
شَفَتِها، ما الأقحوانُ الأصفَرُ؟!
والوردةُ البيضاءُ أو قُلْ نَهدُها
كأنهُ مِنْ خُيَلاءٍ يَسكر
مِن ثمرِ الفِرْصاد في ذُروتِه الرْ
رَيّانةِ المعطارِ «كَبْشٌ» أحمر
أو أنَّهُ رأسُ ملاكٍ أشقرٍ
يحملُهُ صدرٌ حنونٌ أشقر
دَغدغهُ أخو هوىً فمَدَّ من
لسانِه و راحَ شَهْداً يقطُر
رِفقاً أبا الخطَّاب جاوزتَ المُنى
فهلْ ترى في الأُفق تاجاً يُضفَر
أشرِفْ من الذُّروة كم في سفحها
للطَّير مِنْ أجنحةٍ تَكسَّر
ثلاثةٌ ما عشتَ عاشت للعُلى
الحُبُّ ثُمَّ الشِّعرُ ثُمَّ المِنبر
لولاكَ والشِّعرُ الذي أبدعتَهُ
ما «نُعمُ»، ما دورانُ، إلا أثر
لولا «جميلٌ» لم تكن «بُثينةٌ»
ولم تكن عبلةُ لولا عنتر
ما الحُسنُ لولا الشِّعرُ إلا زهرةٌ
يلهو بها في لحظتين النَّظر
لكنها إن أدركتْها رقّةٌ
من شاعرٍ أو دمعةٌ تنحدر
سالت دماءُ الخُلد في أوراقها
ونام تحت قدميها القمر
فاعجبْ لِذِي حُسنٍ يُجافي شاعراً
يشقى على تخليدهِ وينفُر
والشعرُ روحُ الله في شاعِرٍ
ذلك يُوحيه وهذا يَنشُر
غذاؤُهُ الأخلاق في بُرْعُمها
وماؤُهُ ماء الحياءِ الأطهر
الحكمةُ الغرَّاء من أسمائه
و عَدْنُ من أوطانه وعبْقر
لهُ على الآفاق فتحٌ زاهرٌ
وفي عُباب الماء فتحٌ أزهر
يُمضيهما منه خيالٌ ماردٌ
أبو الفُتُوحات الذي لا يُقهر
تعلَّق العلمُ على أسبابهِ
فحلَّقَ الطَّودُ وقال الحجر
لو أنصفَ الشِّعرُ وقد فجَّرتَه
جداولاً يسطَعُ منها الشَّرر
تُجذِّفُ الأحلامُ في ألواحه
ويتعرَّى عندهُنَّ السَّحَر
لو أنصف الشِّعرُ لكنتَ قُبلةً
معسُولةً في ثَغره يا عُمر
أو أنصَفَتْ «نُعْمُ» وقد أبرزتها
للفتنةِ الكبرى مثالاً يُؤثَر
في بدعةٍ للشِّعر لم يَحلم بها
«قيسٌ» ولم ينهَدْ لها «كُثيِّر»
تداولتْها هضبةٌ فهَضبةٌ
وناوَلتها للخُلُود الأعصُر
لو أنصفَتْ لكَشَفَتْ عن صدرِها
توَّدُ لو تُطبَعُ تلكَ الأسطر
وصَفّقت «لِعُمَرٍ» قائلةً
بناظري الأسودِ هذا الأسمَر