قليلون هم الذين يعرفونه، مع أنه رافق رواد النهضة وعاصرهم لم يلفت نظري يوماً أنه من جيلهم، حتى قرأت ما ذكره الشاعر عبد الهادي كامل عن معاصرته لرواد النهضة الشعرية (إبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود وأبي سلمى، وبعدهم علي السرطاوي ومحمد العدناني وبرهان الدين العبوشي)، وكلهم كتبنا في هذه الصفحة عنهم، إلا هو فلو قسمنا الشعراء إلى طبقات، كما كان يفعل العرب لكان هذا الشاعر من الطبقة الثانية. إلا أنه لم يحظَ بالرعاية الثقافية والإعلامية في منفاه، الذي لجأ إليه بعد النكبة، في بغداد. وقد ذكرت بعض المصادر أن له مطارحات شعرية مع شعراء عصره ومنهم: إبراهيم طوقان وخالد نصرة وراتب الشامي وعمر أبوريشة ومحمود سليم الحوت ونازك الملائكة.
فمن هو الشاعر علي السرطاوي؟
ولد الشاعر علي محمد السرطاوي في قرية سرطة قضاء نابلس، سنة 1906. توفي والده الشيخ محمد (شاعر وأديب أزهري) وتركه طفلاً، فتولى رعايته وتعليمه عمه عبد القادر، تلقى دروسه الأولية في كُتّاب القرية، اختارته مديرية المعارف العامة عام 1922 مع نفر من أمثاله من أبناء القرى بلواء نابلس للالتحاق بدار المعلمين الابتدائية في القدس ثم المدرسة الثانوية، ومكث فيها خمس سنوات حتى تخرج منها 1927، وحصل على شهادتها.
تأثر بأستاذه الرائد التربوي الكبير درويش المقدادي فانكبّ على الشعر العربي وأمهات كتب التراث العربي. اشتغل بالتدريس في المدارس الحكومية فعمل معلماً في عدد من مدن فلسطين، منها قلقيلية وخانيونس وطولكرم ونابلس، وكان آخر ما شغله مدير مدرسة جنين الثانوية، قبل أن تضطره ظروف النكبة للجوء إلى العراق.
هاجر مع عائلته إلى بغداد مع وقوع النكبة عام 1948، فعمل معلمًا للغة الإنجليزية في مدرسة المسيّب الثانوية، ثم معلماً ومحاضراً في دار المعلمين الريفية، ثم أميناً لسر غرفة بغداد التجارية عام 1954، كما عمل معلماً للإنجليزية في كلية الهندسة والصناعة عام 1963، فمساعداً لعميدها ومشرفاً على تحرير مجلة “رسالة المهندس” حتى أحيل إلى التقاعد 1970.
فُصل من وظيفته مرتين، لأسباب سياسية وكيدية. وتوفي عام 1971.
اهتم بتعليم أبنائه وتحقيق أعلى المراتب العلمية لخدمة القضية الفلسطينية، ولئن كان ابنه عصام قد جنح إلى المفاوضات مع العدو، إلا أنه في حياة والده لم يكن كذلك، بل درس الطب وتخصص في الخارج، وعاد إلى بغداد وأسس تنظيماً “لتحرير فلسطين”، ثم حلّه وانضم إلى حركة فتح ثم انحرف انحرافته المعروفة التي أدّت إلى اغتياله في مؤتمر الاشتراكية الدولية في لشبونة عام 1983.
فُجع باستشهاد ابنه الطيار عمر السرطاوي في جوية شنتها الطائرات الصهيونية على مواقعهم في وادي شعيب في محافظة السلط بالأردن في 4 آب (أغسطس) 1968. ورثاه بقصيدة جميلة ومؤثرة (راجع القصيدة أدناه).
الإنتاج الشعري:
شغلت فلسطين مساحة كبرى من همّه، وغلبت على قصائده، وجعلها نقطة انطلاقة إلى التفاعل بالإنسان والوجود من حوله. له قصائد غزلية ذات نفس رومانسي رقيق كما أنه أبدع برثاء ابنه وزوجته وربطهم بالوطن السليب.
ـ “ديوان الشاعر علي السرطاوي” الذي جمعته ابنته الدكتورة سحاب.
ـ السفينة الكبرى (ديوان شعر)
ـ السفينة الصغرى (ديوان شعر).
ـ له مسرحية “وليم تل” ترجمة عن الإنجليزية.
نماذج من شعره
قريتي سرطة
أيا جبلَ النار الذي حقدُهُ يغلي
سبقتَ جبالَ الأرض في المجد والبذلِ
لقد عشتَ في التاريخ للعز والعلا
فكيف بروحي صرتَ في الأسر والغُلّ؟
غلبتَ غُزاة الشرق والغرب في الوغى
وما عاش جارٌ في حماك على ذلّ
توارتْ وحوشُ الغاب خلف جلودِهم
ذئابُ فَلاةٍ في الشراسة والقتل
همُ صنْعُ “بلفورٍ”، وبلفورُ سُبَّةٌ
وعارُ بني الإنسان في الدمِ والنسل
ولي قريةٌ أغفى على الأمن جفنُها
فعاثَ بذاكَ الأمنِ فيها بنو الغِلّ
فتحتُ بها عينيَّ طفلاً على أبٍ
كريمٍ عطوفٍ صارعَ العيشَ من أجلي
ثراها به صحبي وذكرى طفولتي
وساعات لهْوِي والحنين إلى أهلي
شُجيْراتُ رُمّانٍ بها كم تكسَّرت
ونحن عليها عابثين بلا عقل
شقاةٌ صغارٌ نصعدُ التلَّ مرَّةً
ونهبط بعد الجريِ من قمَّة التلّ
وغاباتُ زيتونٍ وتينٍ كثيفةٌ
رداءٌ جميلٌ للجبال وللسهل
نسومُ صغار الطير وهي ضعيفةٌ
نُغير على الأعشاش للفتك والقتل
فكل مكانٍ في ثراها أتيتُه
على عَجَلٍ طورًا، وطورًا على مَهْل
غدونا شياطينَ الحمى في نشاطنا
على الشَّاةِ إما راكبين أو العِجْل
إلى عمرَ الفاروقِ تمضين في العُلا
ونسلِ عديٍّ في العراقة والأصل
من الحبِّ قد أصبحتِ تسْرين في دمي
وصار اسمُك اسمي في وفاءٍ من الطفل
رعى الله شيخًا في ثراك عرفتُه
عنيفًا مع الأطفال كالذئب والسَّخْل
رفيقٌ مع الآباء يثنون بينهم
عليه وفي الكتَّاب كالسمِّ في الصِّلّ
سلامٌ على شيخِ الحِمى كم أذاقني
من الغيظَ ألواناً من الضرْبِ والرَّكْل
عصاهُ – رعاه الله – كم ذقتُ طعمَها
ولم يلقَ في الإزعاج في عمرِهِ مثلي
عفا الله عنه قد مضى نحوَ ربّه
وآثارُه في الضرب لليوم في رِجلي
رثــــــاء ابنه الشهيد عمر
مضى، يا لقلبي كيف يحتمل النوى
وقد ترك الدنيا وليس يؤوبُ
فيا نصفَ روحي كيف غيَّبك الثرى؟
هلِ البدرُ في هذا الزمان يغيبُ؟
لقد كنتَ بالأمس القريبِ بشاشةً
تغنّي لك الدنيا وأنت طروبُ
إذا نحنُ سِرنا بالحياةِ وجدتني
غريباً عن الدنيا وأنت غريبُ
فيا لهْفَ نفسي، نصفُها في ضريحِه
نعيمٌ، ونصفٌ في الشقاء يذوبُ
ذهبتَ عن الدنيا فيا ليتَ راحلاً
يؤوب إليها والمزارُ قريب
فما أقبحَ الدنيا إذا لم يكن بها
سرورٌ وأنسٌ دائمٌ وحبيبُ
ونائحةٍ محزونةٍ قد تركتُها
بغير وداعٍ، هل تُراك تؤوب؟!
لها اللهُ إن ناداكَ في الليل صوتُها
وأنت بعيدُ الدار لستَ تُجيبُ
لقد صيَّرَتْها قسوةُ الموت شمعةً
ولوعاً على نارِ الحنينِ تذوبُ
يُجاذِبُها دمعٌ مُسِحٌّ وزفرةٌ
وروحٌ وفيٌّ في أساه كئيبُ
وباكيةٍ أخرى بروحي دموعُها
لقد كان يرويها عليك نحيبُ
عتبتُ على الدهرِ الذي قد أساءَها
وللدهرِ عندي في الفراقِ ذنوبُ
فيا رحمةَ النسيانِ طوفي بقلبِها
فإنكِ للقلبِ الحزينِ حبيبُ