يبتسم خبير الترند بثقة، ويقول لك: “سنترجم نصوصك إلى الألمانية والإنجليزية، وستنهال عليك “اللايكات” من كل حدب وصوب. فالدمغة الأجنبية ستجعلك عالمياً، حتى لو كنت تجهل فكَّ الحرف”.
أما إذا كانت الكاتبة المتواضعة جميلة، فستأتيها العالمية بقدميها، وستصبح سفيرة مهرجانات الحوار بين الشرق والغرب، عكس المبدعين “المسؤولين” الذكور، الذين فاتهم قطار العمر، ولم يهنؤوا بالحياة الدنيا.
وعلى هذا المنوال، يزفّ إلينا كتّاب وكاتبات السوشيال ميديا، بشرى ترجمة نصوصهم المتواضعة للغات العالمية، فنتساءل: هل فقد الغرب عقله حتى يترجم هذه “الكتابات”؟.
المسألة إذن، شهادة حُسن تأليفٍ وسلوك يشتريها بعض الكتاب والكاتبات، ليثبتوا أن نصوصهم ضربت آفاق ألمانيا، ووصلت إلى المياه الإقليمية لبريطانيا وفرنسا.
نقتفي أثر تلك الترجمات، فنجد أغلبها، تمّ عن طريق علاقات شخصية، فلم تنفذه جامعات أو مؤسسات ثقافية معروفة، وأحياناً يكون الكاتب هو من ترجم نصوصه عبر “غوغل”، أو الذكاء الاصطناعي.
كل شيء مستباح
المشهد يبدو مأساوياً، ليس على صعيد الترجمة المغشوشة وحسب، كما يرى الكاتب والناقد أحمد قشقارة، فالاستباحة طالت التأليف والجوائز وشهادات التقدير والمهرجانات.
ويضيف قشقارة لـ”إرم نيوز”: “صار بإمكان أي أحد أن يشتري المترجم لينقل ترّهاته إلى اللغة التي يشاء، دون أي رقيب أو حسيب. فقط كي يُشبع رغبته النرجسية في التلذّذ بشعور العظمة”.
ويرى قشقارة، أن هذا الطريق قصير على مدّعي الإبداع، فاللعبة لن تنطلي على أحد؛ لأن ترجمة النص العربي للغات الأخرى، لن تنجح بجعله فريداً.
ويقول: “مع كل هذه النظرة التشاؤمية، فالمتلقي يبقى هو الحكم الأول والأخير على قيمة العمل، ولن يتم خداعه طويلاً، مهما أُحيطت هذه الأعمال ببريق زائف سرعان ما يبهت هو وصاحبه”.
دكتور الأدب العربي، والشاعر طارق عريفي، يرى أن ظاهرة الترجمة المغشوشة، طبيعية جداً في هذا العصر الملتبس غير الحقيقي.
ويذكر لـ”إرم نيوز”: “انتشر أولئك الكتاب والكثير من معارفهم، في الدول الأوروبية، لا سيما ألمانيا وفرنسا والسويد، وقد أتقنوا لغة تلك البلدان، وأصبح من السهل عليهم ترجمة أعمالهم أو أعمال أصدقائهم وأقربائهم إلى اللغات الأجنبية، مهما كانت ساذجة”.
ترجمات مجهولة النسب
وكثيراً ما تخلو أنباء ترجمات كتب الشعر وغيرها، من الإشارة إلى مؤسسة ثقافية معروفة تبنت ترجمة النص بناء على أهميته. وأحياناً تنسب الترجمة لمؤسسات وهمية موجودة بالاسم فقط.
ويقول الدكتور عريفي: “ترجمة تلك النصوص والمجموعات، لا يتم من قبل دور نشر تتبنى هذا الكم من المنشورات؛ بل يعود إلى أشخاص حملوا على عاتقهم تنفيذ الترجمة ليحققوا الانتشار الأوسع لصديقهم الكاتب”.
في حين يشير الكاتب قشقارة، إلى الدرب الطويل والعناء الذي كان يتكبده الكاتب، حتى تصل نصوصه للغات الأجنبية، وقال قشقارة: “كانت الترجمات سابقاً، مؤشراً حقيقياً لأهمية العمل وقيمته الإبداعية، ولم تكن تتم إلا بعد أن يحظى الكتاب بالشهرة الحقيقية، وليس الشهرة الزائفة المفتعلة”.
ويشير عريفي إلى التسهيلات التي تقدمها التكنولوجيا الحديثة في ترجمة النصوص، لكنه يؤكد عجزها عن انتشال النص من هشاشته وهوانه. ويضيف: “ترجمة النصوص للغات أجنبية، لا تعني جودتها. وليست شهادة حسن تأليف لكاتبٍ له معارف في تلك البلاد، وبإمكانه ترجمة أعماله كافة وطباعتها”.
ويؤكد عريفي أن تأسيس المهاجرين للجمعيات الأدبية في أوروبا، والاكتفاء بالنشر إلكترونياً بصيغة “بي دي اف”، جعل الترجمة تنتشر على عواهنها، بناء على اعتبارات شخصية وتبادل منافع.
تمجيد البائر من الكلام
الشاعر العراقي فائز الحداد، كان قد دعا إلى مواجهة نقدية، يتولاها الشعراء أنفسهم ضد دعاة الشعر. يقول الحداد لـ”إرم نيوز”: “يجب مواجهة من حُسبوا ظلماً على الشعرية. أولئك اتخذوا الكراسي والمواقع الوظيفية، متكأ لتمتد كوارعهم على رقاب الشعراء الذين غصّوا حدّ الموت، وعانوا الأمرين من سطوة هؤلاء الدعاة”.
في حين يرى الدكتور عريفي، أن مرض الترجمة سيُشفى من تلقاء نفسه، ولا حاجة لاتخاذ إجراءات ضده. ويضيف: “لا أعتقد أنها ظاهرة تستحق المعالجة، فإذا ما تركناها للوقت، فإنه سوف يهضمها دون الحاجة إلى زجاجة مياه غازية”.
ويصف الحداد الشعر بأنه صفوة الصفوة. باعتبار أن الأدب صفوة اللغة والشعر صفوة الأدب. وبالتالي من الصعب احتمال الشوائب والأشنيات، ويضيف: “الشعر لا يقوم إلا على راشح المفرداتيّ النادر في اللغة والموضوع وفي التكوين والبناء، إنه ضمير الأمة والشرط المثالي في التعبير عن الحرية، وهو الذي صيّر الفكرة لصالح الجمال”.
ورغم أن الكاتب أحمد قشقارة لا يحبذ التفكير بعقلية المؤامرة، كما يقول، إلا أنه يشككك بنيّات الغرب من وراء تمجيد البائر من الكلمات عبر الترجمة.
ويقول: “معظم مؤسسات المجتمع الغربي، تبذل محاولات متعمدة، لتسطيح وتسفيه الأوجه الحقيقية المشرقة في الثقافة العربية، عبر تسليط الأضواء على ما هو مسطح وهزيل”.
ويطالب الحداد بكشف الافتراء على الشعر، تتولاها عمليات نقدية ضخمة، ويضيف: “نعم لنشر غسيل الشعر على حبال الحقيقة وتحديد نسله في أرحام الندرة والنادر الذي أضحى لماماً، كندرة أصائل الخيول في هذا الزمن الهجين” .
يبدو أن الترجمة المغشوشة، تتعاون مع سرقة النصوص، والتأليف بالنيابة، ومدح النصوص بما ليس فيها، على الفتك بالثقافة العربية، فيما تولد خلف الكواليس بعيداً عن الضوء، كتابة مختلفة لا تلتفت لكل ذلك!.