اعتنى خالد سعود الزيد (1937 – 2001) رحمه الله بتراث الأديب الشاعر خالد الفرج الذي توفي في لبنان يوم 24 ديسمبر 1954، إذ كاد ذكره ينسى لولا ما صنعه الزيد، حيث ترجم له في كتابه «أدباء الكويت في قرنين» في الجزء الأول (1967)، ثم أفرد له كتابا عنوانه «خالد الفرج حياته وآثاره» (1969)، يقول الزيد في مقدمة كتابه عن الفرج: «ما كل ما أنتجته قريحة خالد الفرج موجوداً في هذا الكتاب، غير أنه احتوى على جزء كبير من آثاره، لممت شعثها وجمعت ما تفرق منها، وضممتها على بعضها لترسم شخصية رجل عظيم».
فمنذ البداية يقر الزيد -رحمه الله- بأن الكتاب لا يحوي كل تراث الرجل، فبعد مضي خمسة عشر عاما على رحيل الفرج لم نجد من اهتم بتراثه ونشر مخطوطاته شعريا ونثريا، والفرج أديب وشاعر ومثقف تنويري تفخر به الكويت وأهلها، والحمد لله الذي جعل ابنه علياً يبادر إلى حفظ تراث والده المنشور والمخطوط بعد وفاته مباشرة.
فلم يَدَّعِ الزيد الكمال في هذا المصنف وإنما جمع فيه ما جعل الفرج حاضرا بيننا بأدبه وشعره، ثم أردف: «ولئن أفسح الله في الأجل فلست باخلا على هذه الآثار النفيسة بالملاحقة، ولسوف أتابع جمعها إن شاء لي الله ذلك في مستقبل الأيام».
وقد مدَّ الله في أجل الزيد ليكمل ما وعد به، فأصدر طبعة ثانية من كتاب الفرج في عام 1980 مضيفا إليه أول قصة قصيرة نشرت في الخليج العربي وهي قصة «منيرة» (1929)، إذ كانت القصة مجهولة مطمورة فبعثها الزيد نشرا، وبدأ تاريخ القصة القصيرة في منطقة الخليج يكتب باعتبار قصة «منيرة» القصة الرائدة لهذا الفن في المنطقة. طالع كتاب «مدخل القصة القصيرة في الكويت، الدكتور سليمان الشطي» (1993).
رسالة خالد الفرج
وقد اطلع المؤرخ أحمد البشر الرومي (1905 – 1982) على الطبعة الثانية من كتاب الزيد عن الفرج وكتب في أوراقه الخاصة بتاريخ 22 يناير 1981 يقول: «وإن من حسن حظ خالد الفرج أن يتصدى لجمع تراثه أديبنا الجليل خالد سعود الزيد متعقبا في ثنايا جرائد ومجلات أكل عليها الدهر وشرب، ليلتقط ما يجده فيها من شعره ونثره ليضم بعضه إلى بعض مخرجا منه كتابا قيما لم يُغفل شيئا مما عثرت عليه يده بما في ذلك رسالة خالد الفرج التي أسماها (علاج الأمية في تبسيط الحروف العربية)».
وفي المجلة العربية العدد (102) ابريل 1986 نشر الزيد مقالاً عنوانه: «قصيدتان أخريان لخالد الفرج» إذ نشر قصيدتين في الرثاء من شعر خالد الفرج؛ الأولى في رثاء قاضي الكويت الشيخ عبدالله الخلف الدحيان (1875 – 1931) سبق نشرها في أدباء الكويت في قرنين الجزء الأول، والثانية قصيدة «العين الباكية» في رثاء الشيخ أبي حسن علي بن حسن الخنيزي ( 1874 – 1944) من علماء القطيف المجتهدين، وهذا ما يؤكد متابعة الزيد لآثار الفرج والعناية بها وبنشرها.
دمع العين
أما قصيدة «حمادي» التي رثى بها الفرج شخصاً يدعى حمادي، فيقول خالد الفرج في توطئتها: «حمادي تلطيف اسم أحمد للصغار وهو حمادي بن مهدي بن جلال من أهل القطيف، وكان أبله أبوه مات مجنونا، وحمادي في بلهه يمثل الفطرة الإنسانية الفاضلة، وفي شخصه تتوفر الخصال التي يتخيلها الفلاسفة في أهل طوبى، مات سنة 1350 هجرية (1931) وهذا رثاؤه»:
بكيت عليك حمادي كأنك بعض أولادي
بكـــاء عينه قلبـــــي ودمع العين إنشادي
والقصيدة طويلة أثبتها الزيد في الجزء الثاني من ديوان خالد الفرج (1989).
ولما تحصل الزيد – رحمه الله – على مخطوط آثار خالد الفرج الشعرية بخط يده والتي حفظها ابنه الأصغر (عليّ)، قام في البداية بطبعها كلها على الآلة الكاتبة حينئذ، ثم قرأها كلها، واختار منها ما يستحق النشر، حيث يقول الزيد في مقدمته لديوان الفرج بجزئيه: «.. وقد وقفنا عند هذا الذي يستحق النشر والمهذب والمشذب من شعره مما كان في طريقه إلى النشر، غير متجاوزين حد الرضى.. حرصا على وصية رجل قد صار أمره اليوم غيبا. والشعراء أدرى بالذي نكتب ونبقي، وبالذي نكتب ولا نبقي، نبقي مما نكتب بعضا، ونمزق منه بعضا، ما كل الذي نبقيه يرضينا أن يكون منشورا، وما كل الذي نمزقه يرضينا أن يكون مقبورا».
الذائقة الشعرية
إن الذائقة الشعرية التي يتمتع بها الزيد شاعرا وناقدا وأديبا هي التي جعلته يخرج لنا الجزء الثاني من ديوان الفرج بما يرتضيه الفرج لو كان بيننا، وأعاد نشر الجزء الأول من الديوان كما أراد له صاحبه حين نشره في عام 1954.
إن ريادة الزيد في أعماله الأدبية عامة وفي عنايته بآثار خالد الفرج خاصة تجعلنا نُجِلّ الرجل ونقدر ما صنعه، فعناية الزيد بتاريخ الأدب في الكويت وما انجزه من مؤلفات باتت رائدة في مجالها توجب علينا انصاف الرجل والتأني في نقده أو الأخذ عليه، فالرجل بات غيبا اليوم، وريادته لا تعني الكمال بقدر ما تعني بداية البناء الذي يتطلب استكماله من الأجيال التالية.
عاصرت الزيد وجالسته وشهدته كيف يحقق ديوان الفرج، إذ إن ما استبعده من شعر الفرج ولم ينشره يوازي ضعف ما نشره وربما يزيد، وحين سألته رحمه الله لماذا استبعدت كل هذا الشعر؟ رد: أنا مؤتمن على آثار الرجل، فلو كان الفرج سيختار من شعره ما ينشره فلن يختار سوى ما اخترت، هذا فضلاً عن التزام الزيد بوصية الفرج لنجله الأكبر (محمد) التي أثبتها على أولى صفحات الجزء الأول من المخطوط والتي تتضمن ألا ينشر أو يُطلع على فلتات فكره أحدا.
مجلة الثقافة الشعبية
لقد أثارني ما كتبه أحدهم في مجلة الثقافة الشعبية العدد (57) ربيع 2022 تحت عنوان: «الزيد وحمادي… أوراق ضائعة من حياة خالد الفرج»، فالعنوان لا يخلو من مغالطة ربما تكون غير مقصودة، إذ كل ما ذكر من نصوص شعرية في المقال هي مثبتة في ديوان خالد الفرج بجزأيه والذي أصدره الزيد عام 1989، فأين هذه الأوراق الضائعة التي يشير لها صاحب المقال؟!!
وأحسب أن المقال قد نال من الرجلين الزيد والفرج رحمهما الله، إذ تجنى على الزيد عندما ذكر مجموعة من القصائد التي كتبها الفرج في بعض من رجالات القطيف مدعيا أن الزيد لم يسجلها في كتابه عن خالد الفرج المطبوع سنة 1969، إذ ربما لم يطلع صاحب المقال على الطبعة الثانية التي أصدرها الزيد في عام 1980، كما أنه ربما لم يطالع ديوان الفرج الذي فيه جميع ما استشهد به من قصائد، (أرقام الصفحات من ديوان الفرج على التوالي للقصائد التي استشهد بها كاتب المقال: ص205، ص 207، ص 212، ص215). هذا فضلا عن بعض المغالطات في المقال التي لا يسعني المقام أن أشير إليها.
أوراق ضائعة
لقد أخذ المقال على الزيد أن هناك شعرا كتبه الفرج متأثرا بسنوات إقامته في القطيف ولم يثبت في كتاب الزيد عن الفرج، فإن كانت هناك أوراق ضائعة من حياة خالد الفرج فمن الأجدر نشرها، حيث إن ذلك أفضل من نشر المنشور كقصيدة حمادي المنشورة في ديوان الفرج ص 201 وما بعدها. ولا أحسب أن الزيد كان ملزما بالإشارة إلى نشر هذه القصيدة في جريدة الرياض بتاريخ 20 يوليو 1986، إذ اعتمد الزيد في النشر على مخطوطة بخط يد الشاعر نفسه، فالمخطوطة الأم تجب كل مخطوط ومطبوع.
كما نال المقال من الفرج بالحكم على شاعريته حكما عابرا لا يستند إلى دراسة أو دراية أو عناية في حياة الرجل وشاعريته وآثاره الأدبية، وأدخله في مقارنة ظالمة حين قال: «والحق أن في المنطقة ممن عاصروا خالدا شعراء يفوقونه في الصياغة الشعرية والعمق الأدبي… إلا أن اتصال شاعرنا بالصحافة العربية في مصر والشام، وهو في القطيف جعله أكثر شهرة… ولم ينس أن يمد صحف المنطقة.. بنماذج من شعره الذي يضج ضجيجا خطابيا بالأحداث السياسية العربية، مما أثر على فنية الشعر عنده».
ورحم الله الأديبين الخالدين خالد الفرج وخالد سعود الزيد رحمة واسعة وأسكنهما فسيح جنانه.
الآراء الواردة في المقالات، لا تعبر بالضرورة عن موقف “شعراء بلا حدود”