ضَعْ تَحْتَ كُلِّ عِبارَةٍ سَطْراً،
وسَطْراً فَوْقَ غُصْنِ التّينِ..
جَرِّدْ مِنْ عُيونِ النَّصِّ نوناً،
للوِقايَةِ مِنْ لَظى التَّكْوينِ..
واسْتَخْرِجْ مَصادِرَ حُرَّةً مُشْتَقَّةً،
مِنْ دَمْعَةِ الزَّيْتونِ،
حَتّى إنْ عَجَزْتَ عَنِ اشْتِقاقِ المِزْهَرِيَّةِ،
والهَزارِ أَمامَها،
وعَنِ اشْتِقاقِ الزَّهْرِ واللَّيْمونِ،
فاسْتَنْبِطْ مَصادِرَ غَيْرَها،
وضَعِ القَديمَةَ بَيْنَ مَعْقوفَتَيْنِ!
إِنّي قَدْ رَأَيْتُ العُمْرَ مُنْصَرِفاً،
وعُمْرُ الشِّعْرِ مَمْنوعٌ مِنَ التَّنْوينِ..
كَمْ خَبَرٍ عَرَفْتُ،
ورُبَّ مُبْتَدَإٍ رَحَلْتُ بِهِ،
فَلَمْ أَرَ في فَمِ التِّنّينِ،
إلاّ خُبْزَةً عَرَبِيَّةً،
صيغَتْ عَجينَتُها مِنَ الزَّقّومِ
والغِسْلينِ!
مَهْلاً!
كَمْ كَلامٍ كامِلٍ حَسِبَتْهُ
مَنْقوصاً يَدي،
فَكَسَتْهُ ضَمّاتٍ مُقَدَّرَةً على
أَعْلى الجَبينِ،
كَسَتْهُ أَيْضاً بَعْضَ تَأْويلٍ،
تُخاطُ بِهِ مَعانٍ،
بَلَّلَتْها سابِقاً شَفَةُ اللُّجَيْنِ،
كَسَتْهُ بَعْدَئِذٍ مَجازاتٍ،
قَدِ امْتَزَجَتْ بِمادَّتِها
حُروفُ الطّينِ!
حَوِّلْ إلى الجَمْعِ المُذَكَّرِ،
كُلَّ فاتِنَةٍ أَكاحَ بِها رَدى نَيْرونِ،
وابْحَثْ في الوَسيطِ،
وفي المَعاجِمِ قَبْلَهُ وبُعَيْدَهُ،
عَنْ حُمْرَةِ الشَّفَتَيْنِ؛
هَلْ تَشْتَقُّ مِنْ جُرْحٍ أ
َصابَ شَقائِقَ النُّعْمانِ،
أَمْ مُشْتَقَّةٌ مِنْ مُبْدَلٍ قَدْ خانَهُ بَدَلٌ،
فَتاهَ وصارَ مُنْعَدِمَ اليَقينِ؟
وحَوِّلِ الأَسْماءَ مِنْ خَفْضٍ
إلى رَفْعٍ،
تَرَ المَعْنى مُحاطاً،
بِاليَمامَةِ والنَّدى الشَّتْوِيِّ والحَسّونِ،
والْمَسْ بِالحَواسِّ مُؤَشِّراتِ النَّصِّ:
هَذي صورَةٌ وُشِمَتْ بِحِنّاءِ اليَدَيْنِ،
وذاكَ عُنْوانٌ تُتَوِّجُهُ
بَياضاتُ الصَّحيفَةِ،
حارِساً لِعِمارَةِ المَبْنى،
وكوخِ الأَبْجَدِيَّةِ،
واخْتِلاجاتِ البَيانِ والتَّبْيينِ..
وأَقولُ لَسْتُ مُطارِداً صِفَةً،
ولا صِفَةٌ تُطارِدُني،
أُرابِضُ في عَريني،
لا مَناقيرُ النُّسورِ تُصيبُ خُبْزي،
ولا ضِباعُ القَفْرِ تَدْنو
مِنْ بَياضِ بُحَيْرَتي،
وَحْدي أَصولُ،
تُداعِبُ المَعْنى يَميني،
ثُمَّ تَحْمِلُهُ شِمالي،
مِثْلَ حُلْمٍ قَدْ تَبَلَّلَ بِانْفِجاراتِ
الحَنينِ.
أَقولُ لَسْتُ بِتارِكٍ لُغَتي،
بِقارِعَةِ الأَنينِ،
يُخيفُها ذِئْبُ البَراري أَوْ غُرابُ البَيْنِ..
مَهْلاً!
فإِنَّ المُفْرَداتِ إِذا كَشَفَتْ رِداءَها،
صارَتْ عَرائِسَ
كامِلاتِ الحُسْنِ والتَّزْيينِ..
كُلُّ عِبارَةٍ مَنْفىً قَديمٌ:
أَيْنَ قُفْلي؟
أَيْنَ مِفْتاحي؟
سَأُطْفِئُ كُلَّ شَمْسٍ في زَنازيني،
وأُطْلِقُ فَوْقَها سِرْباً
تُشَكِّلُهُ حَساسيني،
وبَعْدَئِذٍ أَقولُ لِسيبَوَيْهِ،
لَقَدْ عَبَثُّ بِمَنْطِقِ المَدْلولِ،
في نَسَقِ المُعادَلَةِ المَصونِ،
فَدُسْتُ ما غَرَسَ الخَيالُ
مِنَ الغُصونِ،
وخُنْتُ ما فَتَحَ المَجازُ
مِنَ الحُصونِ،
وبِعْتُ ما وَضَعَ
القَراصِنَةُ البَديعِيّونَ،
مِنْ ذَهَبٍ وياقوتٍ وتِبْرٍ في سَفيني،
وامْتَطَيْتُ الرّيحَ راحِلَةً،
وسِرْتُ أُسَكِّنُ النَّكِراتِ
في غُرَفِ المَعارِفِ،
والمَعارِفَ في بُيوتِ الطّينِ..
عَفْواً سيبَوَيْهِ،
لَقَدْ عَبَثُّ بِمُفْرَداتِكَ،
وانْتَفَضْتُ أُريدُ تاجَكَ،
كُنْتُ أَنْزَعُهُ مِراراً مِنْ جَبينِكَ،
ثُمَّ أَغْرِسُهُ جِهاراً في جَبيني!