بسم الله الرحمن الرحيم
شواعرَ وشعراءَ الأمة العربية من مشرقها إلى مغربها
الإخوة الأفاضل الكرام
سلام الله عليكم ورحمة منه وبركات
نلتقي، بكل ابتهاج الشعر، في يوم الشعراء العرب.
نلتقي أزمنةً، من السموِّ بالمعنى إلى جمالية المعنى، حيث الإنسانُ زمن الكتابة الشعرية.
ثمَّ إننا لنلتقي احتفاءً بأشيائنا الصغيرة التي تؤسس مشتركنا اليوميَّ والثقافي.
لابتهاج الذاتِ مُختلِفُ أشكال الإبداع الشعري في لحظة تاريخيةٍ تمارسُ عنفا على الذات.
خيمةٌ لنا كان النابغةُ يُقسطُ فيها، ولنا أسواقُ ومجالسُ ومحافلُ كان فيها الشعر سيدا.
لنا التاريخُ، في سعةٍ من القول، يسردُ مقاماتٍ وأحوالا كان الشاعر العربيُّ يمتدُّ، في رئةِ الصحراء، قصيدةً تنشدُ وارتجازا يصعدُ، وقد تكسرتِ القوافي على القوافي، فإذا، خببا خالصا، تشتدُّ الأواخي والأبنية وتتعاضدُ ليكون القولُ الشعريُّ بانيا وهاديا ورائيا.
وقفَ الشاعرُ العربيُّ على طلل، وما كان وقفَ على طلل، إنْ هيَ إلا الذاتُ تُحاورُ ذاتَها، وإنْ هيَ إلا خطى تبحثُ عن خطى لها في عوالمَ ليستْ تُرى، وإنْ هي إلا لغةٌ تكسرُ عبارتَها وتتحيزُ منْ إشارتها ما يُسعفُ في السفر إلى أقاصي تَمثُّل العالم بما هوَ يتوحَّدُ ويتعدَّدُ، وإنْ هيَ إلا رحلةٌ في هذا المكان وذاكَ تخيرا لمسكن رمزيٍّ يكونُ غماما وحماما وكلاما.
وقفَ الشاعرُ العربيُّ فكانَ تمجيدُ الشعر بالشعر. نقرأ، نحنُ، تاريخنا بالقصيدةِ، ونظمأ إلى المعرفةِ فنخلو إلى ماء القصيدةِ، ويطرأ طارئٌ فنجلو صدأً للمرايا يرينُ، ونُطلُّ من القصيدةِ. لعلَّ هذا القدرَ الجميلَ عرَفنا وعرَّفنا بأمَّةٍ للشِّعر فيها قِدْحٌ مُعلَّى في اختياراتِ البيان، وللشِّعر فيها صيغٌ ذاتُ التفاتٍ إلى ذاتِ القوافي إذا حُلَّ الكلام بالنثيرِ منه وما كان معقودا.
أثمَّةَ من يزعمُ أنَّ الغوايةَ الأولى في اقترافِ الكتابةِ لمْ تكن شعرا أم أنَّ ثمةَ منْ ليس يَقدُمُ إلى النظيم إذا احلولى المقامُ أو إذا استبدَّ القتامُ ؟ يكونُ الشعرُ غوايةً أولى لاتصاله بالإيقاع وبالتشكيل. أوَ لم تكن الرسومُ على جدران الكهوفِ أمارةَ بيان في الزمان الأول ؟ وألمْ تكن الموسيقى إعرابا عن الحال في زمن ما قبل الكلام ذاتِه ؟ نذهبُ إلى الشعر نسألُه أنْ نكونَ أو نذهبُ إليه حتى لا نكون كما لا نريد أن نكون. نُصاحبُنا إلى خارج المعنى لنُرتِّبَ ذواتنا في أفق المعنى معنى لذواتنا نأخذ به إنسانيتنا إلى أقصى أقاصيها في الاحتفال بالخير وبالجمال قيمتين عُلويتين.
ليسَ الشعرُ الحقّ إلا إنسانيا، ولا يتشربُ النصُّ حداثته إلا إذا اخترقَ جغرافية المكان وكان تاريخا للزمان، ولا يتَّسمُ بإبداعيةٍ تأتي بما يتمثلُ التلقي دون خروج إلى الجاهزية والتنميط، وليسَ الشعرُ إلا بناءَ المحتمل بالحلم؛ بذلك يتحددُ توتُّرُه وسيرورتُه للحدِّ من منطق الشبيه. لا منطقَ للشِّعر إلا ما يُرهصُ به كلُّ نصٍّ على حدةٍ حتى إذا انتهى الشاعرُ من الكتابةِ، وما كان له أنْ ينتهي، اشتعلَ النصُّ بإرهاص مُباين لما كان، واختلفتْ قراءتُه إلى بُؤر دلاليةٍ يكونُ كلٌّ منها مدخلا قرائيا جديدا.
وليس الشعرُ إلا كتابَنا المنسيَّ في ردهة العمر نأخذه أو يأخذنا إلى أسئلةٍ لسنا ملزمين، أبدا، بالإجابة عنها. لا يُقدِّمُ الشاعرُ إجابةً لكنه يوقد الدنيا أسئلةً بما هيَ أسورةٌ لمعاصمِ كينونةٍ إنسانيةٍ تختفي في الجميل المدهش لكيْ لا تكتفي بالعَرض المرئيِّ، ولكيْ تحتفي بالجوهر غير المرئيِّ إلا في حدود التماسِّ غير المعلن بينَ ماهيةِ الشعر ومائيتِه ووظيفةِ الشعر وغائيتِه.
لماذا نقولُ شعرا ؟
ولماذا لا نقولُ شعرا ؟
وماذا سوف يحدثُ إذا كفَّ القومُ عن كتابةِ الشعر؟
تلك أسئلةٌ لا يزعمُ زاعمٌ أنَّ بها جِدَّةً، فبها من القدامةِ ما بها، وعليها من المعاصرةِ ما عليها في زمن المفاضلةِ بين الأجناس الأدبيةِ؛ وما كان القدامى، شرقا وغربا، مفاضلين بين أشكال الكتابةِ وما كانوا منتصرين لهذه ومُتنكبين تلكَ؛ بل كانوا يتفاعلون وينفعلون بكلِّ سَمتٍ تعبيريٍّ معربٍ عن النشاط الإنساني، وكانوا لا يُقيمون حدودا بينَ صور انتهاكاتِ اللغةِ بالكلام الفنيِّ، ولا يُقيمون حدًّا على اختياراتٍ إذا لم تكنْ تشاركيةً فهيَ محاورةٌ ومجاورةٌ لها. كانَ القومُ، في المتقدم من العهد، أقدرَ من تصنيفاتٍ تراتُبيةٍ تهيأ لها أنَّ الروايةَ أخّاذةٌ بالزمن القرائيِّ، وأنَّ القصيدةَ نُزِّلتْ منزلتَها النخبويةِ، فالانصرافُ إليها ذو قلةٍ وندرةٍ، وأنَّ ما عداها ذو كثرةٍ ووفرةٍ.
لكنَّ العربيَّ يقولُ شعرا لأنه تراثُ ذاتِه أولا، ولأنه سِجلُّه المعرفيُّ ثانيا، ولأنه استثمارٌ لغويٌّ يُبلورُ ما اشتملتْ عليه اللغة العربية منْ جمالية أسلوبيةٍ خاصةٍ ثالثا، ولأنه، رابعا، وإنْ كتبَ نثرا يفكرُ شعرا، ولأنه، اختزالا، ليسَ في مُكنَتِه ألا يقول شعرا.
بذلك يكونُ الشاعرُ العربيُّ مؤهلا لريادة مجتمع عربيٍّ ينشُدُ عطوفا على المستقبل غيرَ مُنبتٍ عن الأصول والهُويةِ، وغيرَ مبثوثٍ فيها لإعادة إنتاجِهاِ، فما ذلك بمسعفٍ في الراهن التاريخيِّ؛ منْ حيثُ إنَّ تأملَ الذاتِ يكونُ متفاعلا مع تمثل الآخر، وبفعل أنَّ المستجدَّ التقني والمستحدثَ الرقميِّ عملا على إدناء هذا من ذاك، وخولَ للمجتمع الثقافي العربيِّ، من الماء إلى الماء، أن يتواصلَ بشكل لم يُعهدْ له مثيلٌ في تاريخ التجاذبِ الفاعل بين مشرق العروبة ومغربها.
ولذلك كان “شعراء بلا حدود” خيمةٌ تفاعليةً بين مُختلف الشعراء والشواعر، وغدا عكاظا شعريا بامتياز، وتحولتْ منتدياتُه إلى ديوان شعريٍّ عربيٍّ تنتظمُ فيه التجاربُ والحساسياتُ والاتجاهاتُ والمدارسُ، من العموديِّ إلى ما بعد قصيدةِ النثر، انتظاما بانيا لأفق شعريٍّ عَربيٍّ يجنحُ إلى المستقبل مسكنا رمزيا، وتمرحُ فيه الكتابةُ بكلِّ فتونها وشؤونها وشجونها فجنونِها، وينزحُ عنه الاطمئنانُ الباذخُ متاهةً شعريةً واحدةً، إذ الكتابة الشعرية طريقٌ إلى لغة المتاهاتِ.
هكذا يشتملُ ” تجمع شعراء بلا حدود ” على ما يعصفُ بجغرافيةِ الحلول، وعلى ما يكشفُ أنَّ المكانَ الخليقَ بالشعراء سكناه هو الكتابة الشعريةُ أكانتْ قصيدةً خليليةً أمْ نصا تفعيليا أم قصيدةَ نثر أم إبدالا شعريا ينضافُ إلى ما تقدمَ، باعتبار أنَّ تاريخ الشعر العربيِّ تاريخُ التحولاتِ في تشييد نداءِ القصيدةِ، وباعتبار أنَّ الذائقةَ عُرضةٌ لتفاعل مغاير مع ما تنحاز إليه أو مع ما تجتازُ به قولا اعتياديا إلى قول تخييليٍّ فنيٍّ ذي قدرةٍ قويةٍ على تأسيس الائتلافِ منْ السكون إلى الاختلافِ.
يسعى” تجمع شعراء بلا حدود ” إلى إنجاز وثبةٍ ثقافيةٍ / حضاريةٍ، من خلال الوسائل المتاحة له وإنْ كان طموحه قد يتجاوزُ سقفَ مؤمَّلِه؛ وثبة ثقافية/ حضارية لا يدعي الاستئثارَ بها، إذ على امتداد الوطن العربيِّ واجهاتٌ مشرعةٌ على الأهداف ذاتِها، وليسَ يزعمُ أنه وحيدٌ على شبكةٍ رقميةٍ ذاتِ سعةٍ ما كلُّ ما فيها ينخرط في هذا المشروع الثقافي الجاد الواعي بما ألمحتْ إليه عولمةٌ تستهدفُ كنسَ الهُوياتِ والخصوصياتِ وما اجترحتْ به، وما أفلحتْ، سمةً كونيةً نزّاعةً إلى التعددِ والتنوع والاختلافِ.
في ضوء هذا الوعي الحضاريِّ / الثقافيِّ يتمُّ الاحتفالُ بيوم الشعراء العرب في الخامس والعشرين من أكتوبر، الذي يتزامن وانطلاقة “شعراء بلا حدود ” احتفالا يتوخى ما يلي:
- إعادة هُوية الريادة إلى الشاعر العربيِّ في التهيئةِ لإقلاع ثقافي فاعل.
- الاقتناعُ بكون الشاعر عينا ثالثة ترى ما لا يُرى وأذنا باطنية تلتقط ما يندُّ عن الغير.
- الإيمانُ أنَّ تحولا ثقافيا شاملا لن يحدثَ إلا بانخراط كلِّ مكوناتِ المجتمع المدني.
- اعتبارُ الشعر، ومختلف أشكال الكتابة الأدبية / الفكرية، منهاجا قويما لرقي الأمة.
- تحقيقُ انتشار فعلي، بين الجمهور، بالذهاب إليه وتكسير النخبوية والانتظارية.
- الترويجُ إلى كون الفن ليس ” معرفة مرحة ” ولكنه ضرورةٌ معيشة يومية.
- الإلحاحُ على جعل الشعر شأنا يوميا يدخلُ في الاهتمامات العادية للمواطن.
شواعرَ وشعراءَ الأمة العربية من مشرقها إلى مغربها
الإخوة الأفاضل الكرام
ليسَ منْ شأن هذه الكلمةِ الحديثُ عنْ منجزاتِ ” شعراء بلا حدود “، فليسَ من رأى كمن سمع، يقول المثل العربيُّ، لذلك ندعوكم إلى زيارةِ موقعه والوقوفِ على منتدياته التي يحقُّ، في الإشارة إليها، المثلُ العربيُّ: كلُّ الصَّيد في جوف الفرا.
ندعو، أخوتكم، إلى التفضل بالزيارةِ لمعاينةِ ما قام به “تجمع شعراء بلا حدود ” على امتداد سنتينٍ لم يكلَّ فيها كاهلُه ولا ملَّ حاملُه، فالغاية نبيلةٌ وساميةٌ، ولإدراكها تُشحذُ الهمم بكلِّ الثقةِ القويةِ بمُستقبل ثقافيٍّ عربيٍّ رائدٍ، وبكلِّ الطِّمحةِ في تصْيير يوم الشعراء العربِ يوما نحياه كلما أطلتْ شمسٌ أو أهلَّ قمرٌ، ودامَ الشعرُ شأنا تعبيريا عربيا على الدوام.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
شعراء بلا حدود
25 أكتوبر2009