الآن أكتبها..
وأترك لي غدا؛ لقصيدة أخرى جديدة
أنشودتي نامت طويلا في الغيابِ
وبعدُ لم تعد النوارس
كي أخط على جناحيها القصيدة
وحبيبتي وجلت لأني لم أزل نهب التريثِ
لا أفيق من التردد
حين أبتهل السطور بهمة كسلى
أو حين ترتجف الأنامل في حضور الحرف
تندلق الدواة على وريقات
بها بعض السطورْ الشاحبة
لما يزل عظم القصيدة لينا رغم المشيبِ
ورغم ما قالت سمية عن يراعي:
“اكتب فأنت أبو الحروف
وأنت درويش مهيب
حين تنتصب المعاني صوب عينيك
التفت هي ذي تناديك الفراشات؛
التمس ألوانها..
ورشاقة التجوال.. رقصتها الجميلةْ
قم.. لا تنم إلا وأعددت المكان
لمسرح المعنى المنمق بالصور
الليل مسرحك المرصع بالكلام؛
فلا تنم إلا ولوحة حرفك المفتونِ
علقها الرواة على ستار الشعر
وافتضحت رؤاك مع الصباحْ
كن أنت حين تطير مزهوا
تسابق روحك الولهى بسمفونية
تغري الفراشات الجميلة بالتحلق
حول روحك من جديد”..
***
وأنا أفتش في البعيد عن المعاني
وهي في الشباك تنظر لي
وفي الأزهار حولي والشجر
تتراقص الكلمات بين أصابعي لكنها
كحجارة ملساء تخدعني القوافي والصورْ
ذي أحرفي كطحالب الشطئانِ
تزعجُ ما يقول الموجُ
لا يبتل ريق الحرف لحنا حالماً
فأنوء بالأجل المسمى للقصيدة
***
وحبيبتي ـ منذ التقينا ـ وهي تسألني بحزن
أين أنت؟
ألستَ من يحيي الحروفَ من الرميمْ؟!
هي مثلُ روحي تشبهُ الأحلامَ
لكن ليس من شَبهٍ مع الأشجار
حين يثمر حلمها
تمرا وزيتونا وتينا..
***
كم ذا تقاسمنا الرغيف
وحبة التمر الوحيدة
حين ينفد ما لدينا من طعام!
كنا كطفلين استباحا كل بعثرة
ينوء بها المكان
كنا نغني ثم نرقص ثم نبكي ثم نضحك
ثم نخرج كي نبوح لشط (حلق الواد)
أسراراً صغيرة
كنا معا والشعر يرقص بيننا
والنثر والقصص القصيرة
كنا معا والوردة الحمراء ثالثنا
وضحكات غريرة
كنا.. وكان الموج يغرينا بقافية
من الجري البريءِ؛
فننتشي وتظل قافية الكلام
وراءنا فوق الرمال
كنا نسير على مهل..
والشمس تغرب
والنسيم يفك أزرار القميص
لكي تعانقني ونجترح القبل
لكنها، والشمس تغرق
في المساء على عجل؛
سفحت دمي، وبكت عليّ ولم تزل..
كانت سمية أجمل الملكات في عيني
وأجمل باعث للضوء
في ذاك المساء المبتذل..
الماء من حولي دموع الكون
تحكي حزن قلبي
والأماني الضائعات
ولوعة الشوق المعربد في دمي
ويند عن شفة المغيب
شهيق روح لم تزل
تحكي احتضار الوقت
في بعض المعاني والجُمل
ما عدت أنتظر الحضور من الغيابْ
أفلت نجوم الليل
وانطفأ الأمل..!!