سيسيل سوفاج أديبة وشاعرة فرنسية، ولدت في لاروش سوريون (فينديه)، في 20 يوليو/تموز 1883 وتوفيت في باريس في 26 أغسطس/آب 1927، عن عمر يناهز الـ44 عاما.
وُلدت في منزل استُقبِل فيه مرة نابليون الأول في أغسطس عام 1808. كان والدها قبل تعيينه في بلدية دينيه (إقليم الألب البروفونس العليا)، أستاذًا للتاريخ في (فينديه). هناك هامت ابنته سيسيل «شغفاً بالجبال نجده في قصائدها». وغرس فيها ميلاً للشعر واهتماما بالحيوانات مثل اليعاسيب والنحل والدبابير، وبالضوء الطبيعي المتغير طوال اليوم. عاشت الشاعرة من عام 1888 إلى عام 1907، في بلدية دينيه لي باين، وعندما كانت طالبة في المدرسة الثانوية، أرسلت مخطوطة كتابها الشعري «الملهمات الثلاث» إلى المجلة «الفوريزية» La Revue forézienne وهي مجلة كانت تهتم بالتاريخ وعلم الآثار، يحرّرها بيير ميسيان Messiaen. كتبت قصيدة الملهمات، وكان عمرها 20 عاما فقط في ذلك الوقت، فاكتشفها فريدريك ميسترال Frédéric Mistral وهو كاتب ومعجميّ فرنسي، وشجّعها على النشر في المجلات.
تبادلت سوفاج مع المحرر ميسيان المراسلات، ثم تزوّجا. كان الزوجان متحدين وسعيدين. أهدت سيسيل مجموعتها «زهرة الربيع» لزوجها العزيز «تخليدا لذكرى خطوبتنا وزواجنا». ومن هذا الزواج ولد ابناهما آلان وأوليفييه ميسيان اللذان ربّتهما، على حد تعبير الأخير، في «عالم سحري». صار أوليفييه ميسيان مؤلفا موسيقيا معروفا فيما بعد وشاعرا، ملحنا وعازف بيانو وأرغن. وقد اختبرت سيسيل سوفاج «هذه الأمومة بشكل كثيف»: «يا بني، سأحمل رأسك بيدي، وسأقول: لقد عجنتُ هذا العالم البشري الصغير»، كتبت في مجموعتها «الروح المتبرعمة»، وهي مجموعة نشرت لدى ميركيور دو فرانس عام 1910، ومهداة لهذا الطفل الأول. بعد سنوات، ستهدي مجموعاتها «الوادي» لابنها الثاني المولود عام 1912، الشاعر أيضا آلان ميسيان، وهي مجموعة تركز على الطبيعة، ذات مناخات خفيفة وحالمة. عاشت معظم حياتها في سانت إتيان، وكانت تكتب كل يوم على طاولتها الخشبية البيضوية الصغيرة الملطخة بالحبر، التي ستتذكرها في قصائدها اللاحقة. اكتشفت الشعراء الإنكليز، ولاسيما كيتس. انتقلت إلى غرونوبل مع ابنيها، وعند ذهاب زوجها إلى جبهة الحرب العالمية الأولى، عاشت العائلة في باريس المدينة التي لم تكن تستهوي الشاعرة. وفي حالة صحية هشة ومعاناة من مرض السل، كما يقال في سيرتها الرسمية، توفيت في فندق أوتيل ديو في باريس في 26 آب 1927، بين ذراعي زوجها وابنيها. كرّس لها صديقها هنري بورا عملاً بعنوان «وقفة نوفمبر».
أعمالها المنشورة (أو المنشورة لاحقاً) هي: «بينما تدور الأرض» شعر 1910، «الروح المتبرعمة» شعر 1910، «الوادي» قصائد 1913، كآبة، دخان، زهرة الربيع، الأعمال الكاملة (وفيها «بينما تدور الأرض»؛ «الروح المتبرعمة»؛ «كآبة»، «الدخان»، «الوادي»، «زهرة الربيع»، «مقاطع: أفكار ومقتطفات من رسائل»)، مع مقدمة بقلم جان تينان، عن الناشر ميركيور دو فرانس 1929، الأعمال الكاملة، عن الناشر La Table ronde، عام 2002 ، كتابات الحب 2009. وكتب أوليفييه ميسيان (ابنها): سيسيل سوفاج، ثلاثة ألحان لصوت سوبرانو وبيانو، عام 1930.
لُقّبت سوفاج لوقت طويل في النقد الفرنسي بأنها (شاعرة الأمومة) سوى أن الصحافية كليمنس هوليفيل Clémence HOLLEVILLE من يومية «غرب فرنسا» كتبت عام 2021 تقول: «لم تكن سيسيل سوفاج مجرد «شاعرة أمومة»، كما كانت تُلقب منذ زمن طويل. الصورة المنقولة عنها غير مكتملة. كانت الأم الحنون، عاشقة شغوف أيضا بعد لقائها بالكاتب جان دو غورمون Jean de Gourmont، كاتب عمود في مجلة «ميركيور دو فرانس». التقيا في عام 1909 ومن المحتمل أنهما صارا عشيقين بعد بضع سنوات. عاشت سيسيل سوفاج في مدينة نانت، حيث تم نقل زوجها. منحت الشاعرة لعشيقها جان دي غورمون شغفا «مطلقا ومفترسا». ومن المفجع أن نتخيل هذه الشابة متزوجة وأم لطفلين، وفرنسا على شفا الحرب العالمية الأولى».
لن تتعافى سيسيل سوفاج قط من هذا الحب المحبط. تزوج جان دو غورمون عام 1920، وكانت صدمتها كبيرة جدا لدرجة أنها أصيبت بالوهن العصبيّ. بينما أطلقت قصيدة من 1750 بيتا إسكندريا بعنوان «الحب بعد الموت»، وكانت «تعمل بلا كلل، وبالكاد تأكل؛ تنام قليلاً وتحبس نفسها في غرفة مظلمة لتصاب بمرض السل الذي لم ترغب في علاجه أبدا. توفيت سيسيل سوفاج عام 1927 في باريس، بعد ستة أشهر من وفاة جان دو غورمون. من هذا الحب استمدت الشاعرة، تمضي الصحافية هوليفيل، عملاً موازياً طال إغفاله. إذ بعد وفاتها، نشر زوجها بيير ميسيان مجموعتها «زهرة الربيع» التي قام بمراجعتها بنفسه، وقد أزال كل تلميح فيها إلى هذه القضية حفاظًا على اللياقة. ظلت مخطوطات «عناق صوفيّ وصلاة Étreintes mystiques et Prière « التي اكتملت عام 1915، مخفية لسنوات عديدة، واحتفظت بها أخت سيسيل سوفاج. في عام 2009، تم نشر «كتابات الحب» من قبل ناشر فرنسي (Cerf)، وهي مجموعة «غيّرت نظرة الجمهور إليها. نكتشف امرأة تصف شغفها الجسدي قائلة: «لقد أمسكت بيدي طويلاً / كل فخر جسدك». ونكتشف قبل ذلك أن سيسيل سوفاج لم تقرر الخضوع لطبيعتها أمّاً وزوجة..
«على هذه الصفحة المنفصلة»
باحثون محليون فرنسيون آخرون، يعتقدون أن سيسيل سوفاج تركت لدى القراء انطباعا جيدا عبر رؤيتها الخاصة للكتابة. وعبر نص شعريّ معروف: «كتبتُ لك في ضوء القمر» الذي ينتهي بالبيت: «على هذه الصفحة المنفصلة»، حيث تُعرف القصيدة غالباً باسم هذا البيت نفسه، ويذهبون إلى أنها تستكشف أعماق كيانها وتعبّر عن جوهر الإبداع الأدبي. وان شعريتها تقع في الاستبطان والبحث عن المعنى والتعبير عن الجمال، من خلال الطبيعة، ففي «على هذه الصفحة المنفصلة»، تستخدم الجمال الطبيعي للعالم للتعبير عن المشاعر والأفكار. قدرة سوفاج في التقاط لحظات الحياة السريعة والعابرة، حسب هذا التحليل، هي جانب آخر لشعريتها، فقد تمكنت من التقاط ما هو سريع الزوال، وتصوير اللحظات العابرة في الوقت المناسب. وسواء تعلق الأمر برائحة زائلة لزهرة أو همهمة نهر جار، فقد سعت إلى تخليد لحظات المعيش. وكانت بهذه الوسيلة، تنقل للقراء تجربة حسية كثيفة. يُجمع المهتمون بشعرها أن الكتابة الشعرية كانت بالنسبة لسيسيل سوفاج، وسيلة للتعبير عن الذات والتحرر من قيود المجتمع والحياة اليومية. وفي «على هذه الصفحة المنفصلة»، تستكشف قوة الكلمات وقدرة الشعر على تجاوز حدود الواقع. تصف عملية الكتابة بأنها عمل من أعمال الوحي الذاتي، وتجد في الشعر شكلاً من أشكال الحرية التي تسمح لها بإعطاء صوت لمشاعرها. تطرح سيسيل سوفاج في مجمل أعمالها الشعرية الأسئلة الوجودية. قصائدها مشبعة بنوع من الاستبطان الذاتي، وهي تتناول موضوعات مثل الموت والوحدة والحب والروحانية، في سعى إلى إيجاد نوع من الحقيقة الداخلية.
قصيدة سوفاج «على هذه الصفحة المنفصلة»، تبدأ بوصف ورقة كتابة بسيطة، بيضاء وفارغة، تغدو أرضا خصبة لمخيلتها. تمثل هذه الصفحة المنفصلة مساحة لا نهائية تمكّنها من إطلاق العنان لأعمق المشاعر والسيطرة على عملية الكتابة. هذه الصفحة هي المكان الذي تشعر فيه بالحرية في التعبير دون عوائق، دون خوف من الحكم أو من النقد. وصفت بأنها قصيدة رمزية، وهي بلا شك واحدة من أشهر أعمال سيسيل سوفاج. تثير القصيدة الرغبة في التدفق الابداعي، ولكنها تثير أيضا هلع الشك وحب الفن من أجل الفن، الفكرة الطاغية في القرن التاسع عشر. القصيدة قصيرة في الحقيقة، كتبتها عام 1913 ونشرتها في مجموعة «زهرة الربيع». تتكون من مقطعين خماسية الأبيات بقافيتين، وأبيات سباعية المقاطع. البنية مُحْكَمة ودون انقطاع. تنطوي أبياتها العشرة على نوع من الحزن الذي يمكن للمرء أن يربطها بعشيقها الذي كان عليها أن تحبه سراً، ومن بعيد. لا يزال زوجها في البلاد قربها برفقة طفليهما. ولم يداهمها الحزن الطاغي اللاحق، حيث إن العشيق لم يتزوج بعد. يظهر النص قدرا معينا من التمكن العاطفي، خلافا لانطلاقها بعد عام 1920 في نص محموم مشار إليه: (الحب بعد الموت). قد تشير «كتبت لك في ضوء القمر» (أو «على هذه الصفحة المنفصلة») إلى الساعات الطويلة التي قضتها سيسيل على الطاولة البيضوية الصغيرة التي كانت تقع بالقرب من نافذة منزلها، وقد كتبت الشاعرة العديد من النصوص عن قطعة الأثاث هذه.
كتبتُ لك على ضوء القمر
على الطاولة البيضوية الصغيرة،
[كتبتُ] كتابةً شاحبة جداً،
الكلمات ترتجف، بالكاد قزحية الألوان
وترسم لك القبلات.
ذلك أني أتمنى لك القبلات
الصامتات كالظل والنور
فليكن ضوء القمر
و[ليكن] صوت الأغصان المائلة
على هذه الصفحة المنفصلة.
1913
سوفاج والفن الشعريّ
سيسيل سوفاح غير معروفة في أيامنا إلا للنخبة، ولم تقدّم «تنظريات» للشعريّة أو تأملات في طبيعة الشعر، رغم أنها بدأت مسيرتها الشعرية بالنشر لدى ميركيور دو فرانس وهي دار نشر فرنسية مرموقة أسسها راشيلد وألفريد فاليت في نهاية عام 1893 في باريس، كامتداد لمجلة ميركيور دو فرانس. وفي أغلب الظن فإن ناشرا مثله لم يكن لينشر لها إلا نظرا لقوة نصها الشعريّ أو ما كان يُحسب نصاً شعرياً متميزاً. بينما لم تنخرط هي في أي حركة شعرية أو فنية، مما كان يعج به النصف الثاني من القرن التاسع عشر والربع الأول من العشرين. لم تك تنقصها المغامرة الوجودية ولا العشقية، الروحية والحسية. هذا النسيان أو التجاهل يعمّ غالبية النساء المبدعات في العالم الأوروبي الحديث، ومثلها مثل جمهرة من الشاعرات الطالعات مع الحركة الرومانسية التي يمكن إدراجها فيها، لم تجر دراستها بروّية. إن الشرط العام لم يكن يسمح بتقديم تصورات نقدية دقيقة عن الشعرية النسوية في العشرين سنة الواقعة بين القرن التاسع عشر والعشرين. وعلى ما تذكر كامي إيسلر Camille Islert في دراستها بالفرنسية «صنع جيل التناصّات، المراجع، والتأثيرات في الأعمال الشعرية للنساء (1895-1914)»: «يُعزى هذا الاختفاء التدريجي للمرجعية الأنثوية جزئيا إلى تصلّب النقد تجاه أعمال النساء على مدار القرن. فلجعل العبقرية صفة ذكورية حصرية، فإن معظم الخطابات حول الشعر الغنائي تشجع الشاعرات على تقديم أنفسهن كاستثناءات معزولة، حتى لا يتم دمجهن في الفئة المتجانسة والثانوية من «الشعر النسائي». وفي هذه الدراسة تستشهد المؤلفة عرضا بسوفاج، وتتناول كذلك الشاعرة ناتالي بارني التي عالجناها في مناسبة سابقة.
كان هوغو مرجعا محتملاً من بين آخرين، لسيسيل سوفاج، إذ عندما توفي فيكتور هوغو في 22 مايو/أيار 1885، كانت الصدمة في فرنسا كبيرة، وكانت جنازته عظيمة. العالم الأدبي الباريسي يستيقظ. سيكون اختفاء الأب، تقول باتريسيا إزكويردو Patricia Izquierdo في دراستها «أهمية فيكتور هوغو بين بعض شعراء الزمن الجميل»، بمثابة صدمة للشعراء الشباب الذين ولدوا في سبعينيات وثمانينيات القرن التاسع عشر. وينطبق هذا بشكل خاص على عدد كبير من الشعراء الذين بدأوا النشر في القرن العشرين: آنا دو نوي Anna de Noailles التي كانت تبجّل هوغو، ولوسي ديلارو ـ ماردروس Lucie Delarue-Mardrus، وجيرارد دوفيل Gérard d’Houville، وسيسيل سوفاج، وسيسيل بيران Cécile Périn، وأميلي مورا Amélie Murat، وهيلين بيكار Helène Picard، وجان دومينيك Jean Dominique، وماري كريسينسكا Marie Krysinska التي قامت بتحويل بعض أغانيها إلى موسيقى، وحتى ناتالي بارني ورينيه فيفيان اللتين حلمتا بكتابة ملخص نقدي عن هوغو وعمله، دون أن ننسى جوديت غوتييه Judith Gautier [ابنة الكاتب تيوفيل غوتييه] التي عرفته عن كثب. إن سعيهم للحصول على الشرعية التأليفية يفسّر حاجتهم إلى الأب، ومن الواضح أن فيكتور هوغو كان يلعب هذا الدور في سياق موهبتهم ثم في عملهم الأدبي».