
سيروا لا تَلْتَفِتوا،
لا تَلْتَفِتوا،
وإِذا أَبْصَرْتُمْ غاراً فاقْتَحِموهُ،
مُروراً بِالبَوّابِ عَديمِ النُّبْلِ،
حَليقِ الشّارِبِ عاري الصَّدْرِ،
وُصولاً لِلْغُرَفِ المَكْشوفَةِ سَوْءَتُها،
فَصُعوداً أَدْراجاً نَحْوَ المَقْصورَةِ مَيْمَنَةً،
فَمُدَلِّكَةُ السّاقَيْنِ،
وما فَوْقَ السّاقَيْنِ،
وكَأْسٌ واحِدَةٌ فكُؤوسٌ أُخْرى،
والجُرْذانُ على جُرُفٍ هاوٍ،
ما خامَرَهُمْ شَكٌّ،
أَو نازَعَهُمْ رَيْبٌ،
فيما هُمْ فيهِ مِنَ اللَّعِبِ المَحْظورِ بِعَظْمِ اللَّيْلِ،
عُراةً يَسْتَلْقونَ على أَلْواحِ زُجاجٍ،
لَيْسَ لَهُمْ شَرَفٌ،
لِتُزَيَّنَ آنِيَةُ الأَزْهارِ بِهِ،
جُرْذانٌ في ماءِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ،
وغِرْبانٌ جَمَدوا فَوْقَ السّورِ المَلْعونِ،
وسِرْبُ بَعوضٍ فَوْقَ عِظامٍ نافِقَةٍ..
سيروا لا تَلْتَفِتوا،
لا تَلْتَفِتوا،
فالأَنْفاقُ السُّفْلِيَّةُ تَعْرِفُكُمْ،
والجُثَّةُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّيْلِ المَغْلوبِ عَلَيْهِ،
سَتُسْحَبُ مِنْهُ لِتُغْرَسَ داخِلَها أَنْيابُكُمُ الجَوْعى؛
هِيَ جُثَّةُ مَنْ ماتوا خَطَأً؛
ماتوا في الوَقْتِ المَيِّتِ،
أَوْ في الوَقْتِ القاتِلِ،
ماتوا مَعْصورينَ كأَنْفاسِ العِنَبِ المَسْقِيِّ،
وكَمْ جُثَثٍ تُمْتَصُّ،
وكَمْ جَسَدٍ يَتَشَقَّقُ،
كَمْ لُغَةٍ تَتَأَنَّثُ أَكْثَرَ مِمّا يَلْزَمُ،
تَنْزَعُ زِرَّ قَميصٍ في وَجْهِ الغُرَباءِ،
فَيَنْهَشُها ذِئْبُ الوادي وكِلابُ المَرْعى،
كَمْ جُثَثٍ سَتُمَصُّ،
وكَمْ لُغَةٍ سَتُقَصُّ،
وأَنْتُمْ في شَغَفٍ ماضونَ إِلى النَّفَقِ السُّفْلِيِّ،
جَرادا مُنْتَخَباً،
وطُفَيْلِيّاتٍ مِنْ بَقٍّ وذُبابٍ،
كُلٌّ يَمْضي مَسْحوباً بِنِهايَتِهِ..
سيروا لا تَلْتَفِتوا،
لا تَلْتَفِتوا،
وإِذا ما أَبْصَرَكُمْ قَمَرٌ يَتَسَكَّعُ فَوْقَ الأَسْطُحِ،
فانْحَرِفوا حَيْثُ الظِّلُّ المَمْدودُ بِزاوِيَةٍ،
وحَذارِ مِنَ الكاميراتِ المَزْروعَةِ في الثَّدْيَيْنِ،
وفي شَعَرِ اللَّيْلِ المَمْشوطِ بِطاقَمِ أَسْنانٍ،
وحَذارِ فَبَعْدَ قَليلٍ تُشْرِقُ شَمْسُ الصُّبْحِ،
ويُغْلَقُ غارُ اللَّيْلِ،
وتَنْتَشِرونَ بِأَقْنِعَةٍ وطَواقِمِ أَسْنانٍ في مَوْضِعِها،
ودَمٍ ما زالَ على شَفَةٍ لا يَكْشِفُهُ أَحَدٌ،
مِنْكُمْ مَنْ يَقْرَأُ شِعْراً،
مَنْ يَتْلو قُرْآناً،
مَنْ يَتَرافَعُ داخِلَ مَحْكَمَةٍ،
مَنْ يُنْشِئُ داراً للأَيْتامِ،
ومَنْ يَتَغَنّى بِالدّيمُقْراطِيَّةِ في صُحُفِ الأَحْزابِ،
ومَنْ يَتَحَلّى بِالإِحْسانِ فَيَرْفَعُ مِئْذَنَةً في البَلْدَةِ..
يَحْدُثُ هذا كُلَّ نَهارٍ،
قِدّيسينَ يَصيرُ الجُرْذانُ المُتَشَبِّثُ أَوَّلُهُمْ،
بِسَفينَةِ آخِرِهِمْ،
لِتَفادي الطّوفانِ الآتي مِنْ بابِ الشَّمْسِ،
يَصيرُ الجُرْذُ زَعيماً في حِزْبٍ،
أَوْ صاحِبَ تَنْظيرٍ في البيداغوجِيا،
أَوْ عَلَماً مِنْ أَعْلامِ الوَطنِيَّةِ،
أَوْ مِنْ شُرّاحِ الشِّعْرِ الأَمَوِيِّ،
وقَدْ يَتَوَلّى مَنْصِبَ مُفْتي الأُمَّةِ،
حَتّى يَنْبَلِجَ اللَّيْلُ المَأْلوفُ،
فَيَنْتَشِرَ الجُرْذانُ بِأَنْفاقِ الغيرانِ،
بِأَقْنِعَةٍ وطَواقِمِ أَسْنانٍ،
وعُيونٍ مِنْ خَشَبٍ،
ومَشاعِرَ مِنْ كِبْريتٍ تُضْرَمُ في جُثَثٍ أُخْرى!
سيروا لا تَلْتَفِتوا،
لا تَلْتَفِتوا،
وإِذا ما أَبْصَرَكُمْ مِصْباحُ الشّارِعِ،
فانْحَرِفوا في أَيِّ زُقاقٍ،
والتَحِموا بِضَحاياكُمْ
كسَكاكينَ التَحَمَتْ أَعْناقُ المَخْلوقاتِ بِها،
فَمُدَلِّكَةُ السّيقانِ،
وغَمْزَةُ بَوّابِ الغارِ المَحْروسِ،
وكَأْسٌ أَولى،
ثانِيَةٌ تَتْلوها،
عاشِرَةٌ في الجَوْفِ لَها لَهَبٌ،
والمَنْطِقُ في هاتيكَ اللَّيْلَةِ،
يُصْبِحُ صَدْعاً في صَخْرٍ،
أَوْ دَرّاجاتٍ تَصْعَدُ نَحْوَ سَماءٍ،
أَوْ قِطَطاً في حاوِيَةِ الأَزْبالِ تُغَرِّدُ في نَهَمٍ،
هُوَ ذا غارُ الجُرْذانِ،
فسيروا مَلْعونينَ بِما كَسَبَتْ أَيْديكُمْ،
واحْيَوْا في الغيرانِ بَعيداً عَمّا يَكْشِفُ عَوْرَتَكُمْ،
حَتّى إِنْ حَلَّ الصُّبْحُ المُشْمِسُ،
جيءَ بِأَقْنِعَةٍ،
وطَواقِمِ أَسْنانٍ،
ومَشَيْتُمْ كُلٌّ تَجْذِبُهُ غاياتٌ لا تُحْصى:
مِنْ جامِعِ مَخْطوطٍ ومُحَقِّقِ مَتْنٍ أَنْدَلُسِيٍّ،
مِنْ رَسّامِ اللَّوْحاتِ الزَّيْتِيَّةِ،
مِنْ حَلاّقِ الحورِيّاتِ،
وطَبّاخِ الغيلانِ،
وسَمْسارِ الحَرْبِ المَأْجورِ،
جَميعاً في سينارْيو،
كُلٌّ يَلْعَبُ دَوْراً للشَّرَفِ المَقْذوفِ بِهِ في حاوِيَةِ الأَزْبالِ،
فسيروا في تَجْويفِ اللَّيْلِ كما اعْتَدْتُمْ،
جُرْذاناً عُمْياناً..
سيروا لا تَلْتَفِتوا،
لا تَلْتَفِتوا،
وإِذا ما أَبْصَرَكُمْ جاسوسُ الضَّوْءِ،
وأَعْيُنُ رادارٍ بِحَواسِّ اللَّيْلِ،
فساعَتَئِذٍ قُضِيَ الأَمْرُ المُسْتَفْتى فيهِ؛
وصارَ لِزاماً إِخْراجُ الجُرْذانِ مِنَ الغيرانِ،
وتَعْبِئَتِهِمْ في حاوِيَةِ الأَزْبالِ،
ورَشِّ مَجالِسِهِمْ
ومَدارِكِهِمِ
بِمُبيداتِ الحَشَراتْ!