هل يمكن للخطاب الطبيعي أن يتجرد من لباسه (العادي) ويرتدي سبلا أخرى –كالاستعارة مثلا ـ ليحقق التواصل بين الأفراد ؟ ومن جهة أخرى: كيف يساهم القول الاستعاري في تحقيق عمليتي الإقناع والتأثير؟ وما هي الوسائل التي يعتمد عليها؟
التواصل عملية / صيرورة يتم بواسطتها تبادل الدلالات، وهذه العملية تقضي بخلق حالة عقلية مشتركة بين من يسعى إلى التوصيل، وبين من يتلقى الرسالة، كما تقضي بوجود علاقات سيكولوجية سابقة بينهما، (أي بين المتكلم والمتلقي ). فالتواصل عملية دينامية بين الأفراد والجماعات، ولا يمكن أن يتم إلا في إطار مشترك يجمع بينهما {المقام}[1]، فقد لا يحدث تواصل لاختلاف مستويات التأويل، وهذا راجع إلى:
ـ اختلاف مستويات الكفاية اللغوية .
ـ اختلاف المقاصد.
ويمكن القول عموما: إن التواصل عملية نقل ( أو إرسال) رسالة من مرسل إلى متلق وذلك بواسطة إشارة مرموزة. و تتحدد عناصره التي تؤدي إلى قيام تواصل ناجح في :
- قدرة المرسل على الإرسال بكيفية إرادية.
- عملية القصد: أي إن كل متكلم (صاحب نص/ خطاب ) يقصد التأثير.
- أثر السلوك على المتلقي.
- قدرة كل من المؤدي والمتلقي على إعطاء الدلالة نفسها للرمز والإشارة.
ومن أجل بلورة نموذج للتواصل ينبغي إعادة النظر في العناصر المرتبطة به:
ـ من يتواصل؟ (أهو المرسل أو المرسل إليه) ؟
ـ الأسباب والدوافع المؤدية إلى التواصل .
- أدوات التواصل .
ـ قنوات التواصل والآليات المستخدمة .
يفترض التواصل الناجح كل هذه العناصر لتحقيق هدف يكون محددا سلفا من طرف المرسل.
ويكون التواصل جماعيا أو بين فردين أو شخصين. ويمكن المقاربة بينهما بطرح الأسئلة التالية:
ـ من يتكلم / يكتب؟
ـ لمن توجه الرسالة؟
ـ ماذا يقال؟ (تحليل المحتوى أو المضمون: تحليل محتوى الخطاب)
ـ ما هي الطريقة أو القناة التي يستخدمها؟
ـ ما درجات التأثير؟
إن الهدف من الإرسال هو الإقناع من أجل فعل شيء ما أو تركه. أي حفظ وضع ما أو إبطاله. ولتحقيق ذلك ينبغي بناء خطاطة بكيفية خاصة للحرص على بلورة نقطة البداية والنهاية في الخطاب، ويتعلق الأمر بــ :
- كيفية تقديم الحجج (اللجوء إلى بعض الصور والاستعارات…)
- طريقة إلقاء الخطاب، اعتماداً على المواد اللفظية والحركية .
من هنا نتوصل إلى أسلوبي التواصل: الأسلوب اللفظي (التواصل بالعبارة )، وأسلوب التواصل غير اللفظي، و الذي يشمل ـ إلى جانب التواصل الحركي ـ التواصل بوساطة عدة أنساق سيميوطيقية، قد تكون بصرية أو سمعية أوشمية أو ذوقية، أو غيرها. وما يهمنا هنا، هو الأسلوب اللفظي.
ويمكن تمثيل الصورة في الذهن على الشكل التالي :
المرسل ــــــــــــــ الرسالة ــــــــــــــــــ المتلقي
المحور التواصل
ينبغي أن يتمثل الواقع ينبغي أن يدرك
الواقع المدلول
إن المرسل والمتلقي يتواصلان معا. ويمكن تحليل ذلك من وجهة نظر علم النفس كالآتي:
- أنا أتواصل بالفعل أو بالقوة، في حضور الآخر أو في غيابه.
- [الأنـــا] تحتاج إلى [الأنت] ، وهذا الأخير له [أناه]. ويصبح [الأنت] في الانتقال إلى الطرف الآخر هـو [الأنــا].
إن وجود [أنــا] منعزلة لا يمكن أن تتكون، لأن التميُّز والتمييز يحتاجان إلى [الأنت].
فالتواصل عملية لا يمكن إدراكها إلا داخل عالم تتفاعل فيه العلاقات البشرية وتتعقد في ميادين شتى.
ويمكن إظهار أهمية التواصل في جوانب عدة، منها:
- التطبيقات والنتائج المتعلقة بالحياة اليومية: حيث أصبح التواصل هدف المهتمين (اللغويين، علماء النفس، اللسانيين…)، حيث يمكن القول: إن التواصل حاضر في مختلف مظاهر الحياة: العادية والعملية.
- الاهتمام الحالي بميدان التواصل: و يتجلى ذلك من خلال مقارنة التواصل بمباحث أخرى
- استقطابه لعدة علوم: حيث يستفيد من النتائج التي حصلتها مجموعة من العلوم والمباحث.
ولا يمكن أن يبلغ التواصل هدفه (أي التأثير ثم الإقناع) إلا إذا كان تواصلا إيجابيا. فأثناء عملية التواصل يوجه المتكلم “معنى ثابتا إلى السامع بواسطة العبارات اللغوية المربوطة بذلك المعنى. وبحسب هذا التصور، فإنه بالإمكان، موضوعيا، أن نقول ما نعنيه فعلا. وتكون الإخفاقات في التواصل عبارة عن أخطاء ذاتية. وبما أن المعاني تمثلها (موضوعيا ) الكلمات، فإن هذه الأخطاء لا يمكن أن تأتي إلا من مصدرين: إما أنك لم تستعمل الكلمات المناسبة في قولك لما تعنيه، وإما أنك فهمت خطأ “.[2]
ويبقى السؤال: هل يمكن الحديث عن أخلاقيات وآداب تضبط عملية التواصل؟ ما هي المبادئ التي تسمح للمتكلم بصياغة تعابير تسمح للمتلقي بفهمها؟ وكيف يمكن إثبات هذه المبادئ بطريقة تكشف عما تتميز به هذه التعابير عن أنماط التعابير الأخرى التي لا يطابق فيها المعنى الذي يقصده المتكلم للمعنى الحرفي ؟
- المبادئ الحوارية : نموذج غرايس
عمل غرايس على صياغة جملة من القواعد الضمنية المنظمة لطرق المحاورة في اللغات الطبيعية، فهو يرى أن المتخاطبين يخضعون ويلتزمون أثناء ممارسة عملية التبادل الكلامي، بمجموعة من المبادئ الحوارية الفرعية، وتلك المبادئ هي:
- مبدأ الكم: ويتفرع إلى ما يلي:
ـ لتكن إفادتك المخاطب على قدر حاجته.
ـ لا تجعل إفادتك تتعدى القدر المطلوب منك.
- مبدأ الكيف:
ـ لا تقل ما تعتقده خطأ.
ـ لا تقل ما ليست لك عليه بَيِّنَة.
- مبدأ العلاقة: أي ما يرتبط بعلاقة الخبر بمقتضى الحال، و يضم مبدأ فرعيا واحدا هو:
ـ ليناسب مقالك مقامك.
- مبدأ الطريقة أو الجهة: و يتضمن عدة مبادئ فرعية هي:
ـ كن واضحا.
ـ ابتعد عن التعبير بشكل ملبس
ـ كن موجزا.
ـ كن منهجيا.
وتتوخى هذه القواعد الفعالية القصوى لتبادل المعلومات بين المتخاطبين، و مداها يتجاوز التبادل الكلامي إلى المعاملات الأخرى، نذكر منها سياقا يجمع بين شخصين: أحدهما ينتظر مساعدة، والآخر يرغب بتقديمها. ونوع المساعدة هو تقديم يد العون إلى شخص عاجز:
أ. الكم: إذا رغب شخص في أن تقدم له يد المساعدة، فإنه ينتظر إسهاما يطابق ما يحتاجه (لا أقل ولا أكثر).
ب. الكيف: إنه ينتظر مساعدة حقيقية
ج. العلاقة: إنه ينتظر مساعدة تلائم الحاجة الآنية لكل مرحلة من مراحل التعامل.
د. الصيغة: إنه ينتظر من الآخر أن يوضح له طبيعة المساعدة، كما ينتظر منه إنجازها في مدة معقولة.
ويحكم هذه المبادئ الحوارية الأربعة مبدأ عام هو ” مبدأ التعاون ” بين المتكلم والمخاطب، يقضي بتعاون المتخاطبين في تحقيق الهدف من حوارهم. و هو مبدأ يتطلبه كل تواصل لغوي جيد وجاد بين الطرفين. وصيغته كالتالي:
” لـــيكن إسهامك في الكلام مطابقا لما يفرضه عليك الاتجاه المرسوم للحوار الذي اشتركت فيه “[3]
و يهدف غرايس من خلال ” مبدأ التعاون ” وقواعده إلى إعطاء نظرة عن التواصل، والطريقة المثلى المؤدية إلى إنجاحه، وكذلك التنبيه إلى مظاهر المعنى التي لا تحكمها قواعد لغوية ( الدلالية منها خاصة)، بل يحكمها إنجاز الملفوظ في سياق معين مبني على أساس احترام بعض المبادئ العامة للتواصل.
إذاً، لــما كانــت هذه القواعد تضبط التخاطب المثالي والصريح بين المتحاورين باعتبارهما ملتزمين أبدا بــ “مبدأ التعاون” المنصوص عليه، فمتى بدا أحدهما مخلا بهذه القاعدة أو تلك، فإن ” الإفادة في المخاطبة تنتقل من ظاهرها الصريح والحقيقي إلى وجه غير صريح وغير حقيقي، فتكون المعاني المتناقلة معاني ضمنية و مجازية “[4]. وبذلك، وجب على الآخر أن يصرف كلام محاوره عن ظاهره إلى معنى خفي يقتضيه المقام. وهذا المعنى المصروف إليه يحصل بطريق الاستدلال من المعنى الظاهر ومن القرائن، وذلك بالذات ما عبر عنه بــ ” الاستلزام ” .
ولقد صاغ غرايس القاعدة الخطابية المنظمة لاستنباط الدلالة غير المباشرة من الدلالة المباشرة على الشكل التالي:
“لقد قال لي المتكلم الدلالة (ج)، ولم يقم لدي دليل على عدم احترامه لمجموع القواعد، أو على الأقل لمبدأ التعاون، ولكنني ملزم حتى أوفق بين الدلالة (ج) واحترامه لتلك القواعد أن أفترض أنه يقصد إلى الدلالة(د). و ما دام يعرف [ويعرف أني أعرف بأنه يعرف] أني سأفترض بالضرورة أنه يقصد إلى (د)، ولم يتدخل لمنعي من افتراض (د)، فإنه يريد أن أذهب إلى هذا الافتراض، أو هو يسمح لي بذلك على الأقل. إذن، فهو قد ضمن الدلالة (ج) الدلالة (د) “.
إذن، كيف يمكن للمعنى الذي يقدمه المتكلم أن يختلف عن معنى الجملة أو الكلمة؟ أو بعبارة أخرى: كيف يمكن قول شيء ونحن نقصد شيئا آخر، وننجح في تحقيق التواصل بما نريد قوله، حتى ولو كان كل من المتكلم والمتلقي يعرفان معا أن معنى الكلمات التي يتلفظ بها المتكلم لا تعبر بالضبط، ولا حرفيا، عما يريد هذا الأخير قوله؟
ففي كل حالة من هذه الحالات، فإن ما يريد المتكلم قوله ليس مطابقا لما تريد قوله الجملة أو الكلمة. لكن، كيف يمكن معرفة العلاقة بين مقصدية المتكلم، وبين المعنى الذي تقدمه الجملة أو الكلمة؟
تُعنى الاستعارة بالعلاقات بين معنى الكلمة والجملة من جهة، وبين معنى المتكلم من جهة أخرى. والكثير من الذين كتبوا في هذا الموضوع حاولوا حصر العنصر الاستعاري للتعبير في مستوى الجملة أو التعابير الملفوظة، وتخيلوا أن معنى الجملة نوعان: المعنى الحرفي والمعنى الاستعاري، في حين أن الجمل والكلمات ليس لها إلا المعنى الذي هو لها. وعندما نتكلم عن معنى استعاري لكلمة أو عبارة أو جملة، فإننا نتحدث عن أن متكلما باستطاعته القول معبرا بطريقة تبعد ما تدل عليه الكلمة أو العبارة أو الجملة حقيقة. إننا نتحدث، إذن، عن الغايات الممكنة للمتكلم[5].
ولكي يستطيع المتكلم التواصل مستعملا تعابير استعارية، وأخرى تهكمية، وأفعال إنجازية غير مباشرة، يجب أن تكون لديه مبادئ تُخوِّل له إمكانية القول أكثر، أو شيء آخر كالذي قال؛ و ينبغي أن تُفهَم هذه المبادئ من لدن المتلقي، إذ إن معرفة هذه المبادئ هي التي ستتيح له فهم ما يريد المتكلم قوله.
لكن قد تُخرق إحدى القواعد الحوارية، وذلك بانتهاكها واستغلالها، أو الاستخفاف بها، مع المحافظة على مبدأ التعاون ضمنيا. وما يلفت النظر في خرق قواعد التخاطب هو ذلك التوليد لمجموعة من “الانزياحات اللغوية” التي تُفَسَّر على أنها أوجه مجازية، أو طرق غير مباشرة للقول، تتمسك بإوالية المضمر، و تتوسل إلى التعبير غير المباشر بتعبير مباشر موجه عمدا في صلب اللغة الحوارية[6].
فلنأخذ مثلا مبدأ الكيف: لا تقل ما تعلم كذبه
ولنفترض أن متكلما ما قال لمخاطبه هذه الجملة:
- ضحكْت يا شمسُ
فإن المعنى المباشر للعبارة يدل على أن المخاطب إنسان بلحمه ودمه ( باعتبار أن الضحك من صفات الإنسان)، لكن المراد هو استعارة فعل من أفعال الإنسان لكوكب سماوي على سبيل المجاز، ويمكن أن يعني المتكلم معنى مخالفا لهذا:
- أ ـ ضحكت فتاة مشرقة الوجه
من هنا، تدل بعض التعابير ـ في سياقها التداولي ـ على نقيض ما تحمله من معان معجمية.
أما مبدأ الطريقة أو الجهة:
ـ كن واضحا
ـ ولتتجنب التعبير بشكل ملبس.
فإن القول الاستعاري لا يلتزم بقاعدتي هذا المبدأ، لأنه تعبير خفي، ويتسم بالغموض وعدم الوضوح. ففي المثال (1) لا يمكن فهم التعبير على حرفيته، بل لابد من الانتقال إلى المعنى الضمني المشتق من التعبير، وهو:
- ـ ب ـ أشرقت الشمس.
فخرق الاستعارة لهاتين القاعدتين ( الكيف والطريقة ) تؤدي إلى توليد مضمرات لغوية، تنتج طرقا تواصلية أخرى.
إن العلاقة بين المعنى الحرفي للجملة والمعنى الاستعاري لها ليست من قبيل الصدفة، ولا قرارا فرديا: إنها منهجية ( منظمة ). إن المشكل الذي تطرحه نظرية الاستعارة من وجهة نظر المتلقي هو تفسير: كيف يمكنه فهم معنى عبارة المتكلم، في حين أنه لم يسمع إلا جملة لها معنى محدد، والتي تتألف من كلمات لها معنى محدد أيضا؟. إن المشكل من وجهة نظر المتكلم هو تفسير كيف يمكنه إرادة قول بعض الأشياء غير تلك التي تدل عليها الكلمات والجملة التي تلفظ بها ؟
- البعد الحجاجي للاستعارة .
يستمد الحجاج معناه وحدوده ووظائفه من مرجعية خطابية محددة، ومن خصوصية الحقل التواصلي الذي يندمج في استراتيجياته الفردية والجماعية؛ وهو من أهم الطروحات المنبثقة مما يعرف اليوم ببحوث البلاغة المعاصرة التي ” طورها ” بيرلمان ” مع زميله ” تيتيكا “. وهي بحوث تهتم أساسا بأساليب إجراء اللغة، وتنوعات الخطاب ومقاماته، وطبائع الناس المعنيين بكل مقول معين.
فالحجاج في مفهومه العام وثيق الارتباط ب ” الفعل “. إنه تابع لمجالات وأفعال تتطلبه وتستدعيه
ويتميز الحجاج في تصور بيرلمان بخمسة ملامح رئيسية[7]:
- يتوجه إلى مستمع .
- يعبر عنه بلغة طبيعية.
- مسلماته لا تعدو أن تكون احتمالية ( افتراضية ).
- لا يفتقر تقدمه ـ تناميه ـ إلى ضرورة منطقية بمعنى الكلمة.
- ليست نتائجه ملزمة.
إنه ـ إذن ـ عبارة عن تصور معين لقراءة الواقع استنادا إلى بعض المعطيات الخاصة بكل من المحاجج والمقام الذي يخلق الخطاب، وبذلك يكون الحجاج عرضة للتغير والتحوير في بنائه وأنساقه التي يقوم عليها تبعا لتغير المقام وتغير ظروف المحاجج.
وبتفاعل الأبحاث والكتابات الحديثة مع اللغويات والمنطق والفلسفة . . . أصبح الحجاج موضوعا خاصا بها. فمن وجهة نظر بعضها نجد أن الحجاج أو التدليل يشيران إلى ذلك الخطاب الصريح أو الضمني الذي يستهدف الإقناع. و هذا المعنى هو الذي يأخذ به أبرز منظري ” نظرية الحجاج ” المعاصرة كشايم بيرلمان وميشال مايير حيث يعرف الحجاج عندهم بأنه جهد إقناعي. ويعتبر البعد الحجاجي بعدا جوهريا في اللغة، لكون كل خطاب يسعى إلى إقناع من يتوجه إليه. وهذا الإقناع يقتضي من المتحاجين الاستعانة بمجموعة من القرائن التي تحيط بعملية التلفظ، وكذا استحضار الخلفيات المعرفية المشتركة بينهم، بالإضافة إلى عوامل أخرى ثقافية، واجتماعية، وسياق الخبرة الخاصة بهم[8].
يقوم الحجاج في، نظر، مايير على ركنين أساسين: سؤال وجواب. فإذا ما طرح السؤال وجب على المخاطب أن يتساءل عن قصد المتكلم، والعلاقة بين المسند والمسند إليه، وبعدها يجيب عن السؤال بتجاوز ظاهر اللفظ، لأنه لا يفيد الحقيقة إلى المعنى المقصود.
إن عملية الــتماهي التي بين المعنى الصريح والمعنى الضمني في المجاز ( الاستعارة ) ترتبط عند مايير بنظريته الفلسفية العامة: فهو يعتبر المجاز “ممثلا للفكر في جوهر حركته الاستفهامية، وهو يتيح لكل فرد أن يضع حدا للسؤال المطروح متى شاء ذلك”[9].
يمكن القول: إن مايير يولي اهتماما كبيرا للصور المجازية من خلال نظرية المساءلة في الحجاج، حيث جعل منها مكونا أساسيا لحصول الإقناع من جهة، وإثارة الأسئلة المنتظرة من جهة أخرى. ولتحليل الظاهرة الاستعارية في الحجاج وظف مايير مفهومي: المصَّرح به والضمني. فالمصرح به هو ظاهر السؤال في القول، أما الضمني فهو كل الإمكانـــات المختلفة للإجابة عن السؤال الواحد. ومن هذه الجهة ترتبط الاستعارة بالحجاج ليتأتى لنا التأثير والإقناع.
إن تحليل مايير لظاهرة المساءلة المتصلة ببنية الوجوه البلاغية يتخلله تأكيد على ما تلعبه من دور حجاجي. وفي هذا المستوى يسير على خطى بيرلمان ويستشهد بقوله:
“تهدف الوجوه البلاغية إلى إبراز حضور ما وتوكيده أو تلطيفه كما تجلو للعيان، كما قد نفهمه أو نعتبره غير مفيد”[10].
إن الصور البلاغية ـ ونخص بالذكر الاستعارة ـ ليست زخرفا لفظيا و بيانيا، أو شكلا بلاغيا وأسلوبيا نستعمله لتزيين الكلام وتنميقه فحسب، وإنما هي فن لغوي تداولي يعطي للقول قوته الدلالية تأثيرا وانفعالا واستحسانا.
إن تقسيم الاستعارة لم يعد مقتصرا على ما جاء به النقاد واللغويون، سواء منهم القدامــى أو المحدثون، مثل تقسيمها إلى مفيدة وغير مفيدة، كما ورد عند عبد القاهر الجرجاني، بل ظهرت تقسيمات أخرى جعلت الاستعارة قسمين: الاستعارة الحجاجية والاستعارة البديعية(الشعرية أو الجمالية).
أ. الاستعارة الشعرية (أو التمثيلية):في حاجة لأن تجهر بأنها استعارة، إنها محتاجة لأن تلفت الأنظار، إنها تتملقك أكثر مما ترغمك، ويجب أن تفاجئنا بندرتها وحدتها وأصالتها[11]. إنها تخلو من الحجج والتأثير، لتنتج براعة في العبارة وتحدث خيبة الانتظار من خلال الانزياح عما هو متداول ومعروف. وهذا النوع من الاستعارة يكون مقصودا لذاته، ولا يرتبط بالمتكلمين وبمقاصدهم وأهدافهم الحجاجية؛ وإنما يوجد هذا النوع من الاستعارة في المقاربة الجمالية التي تعنى بالإبداع الفني، لتمنح النص الأدبي جمالية. إضافة إلى أنه قد حظي باهتمام بعض الفنانين والأدباء الذين يقصدون من استعماله إظهارَ مقدرتهم على التمكن من اللغة.
فلنتمعن في قول أبي ذؤيب الهذلي في هذا البيت من قصيدته المشهورة التي رثى فيها أبناءه الخمسة[12]:
إذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع
فإذا تأملنا هذا المثال نجد أن الشاعر يسند عبارة “أنشبت أظفارها” ب”المنية”. وهو في هذا لا يقصد المعنى الحقيقي، وإنما شبه المنية بحيوان مفترس، وكأنه يقول: إن المنية تشبه حيوانا مفترسا، عندما ينقض على فريسته بأظافره لا يمكن أن يتركها حتى تموت ويأكلها. وكذلك المنية: فعندما تحين وفاة أي شخص فلا يمكن التصدي لها، أو ردها. فالصورة التي رسمت للمستعار هنا، هي صورة خيالية غير محققة لا حسا ولا عقلا.
والغرض من توظيف الاستعارة الشعرية، عموما، هو تزيين اللفظ والتفنن في الأسلوب؛ أو بمعنى آخر، إظهار البراعة في استعمال الألفاظ، وليس الغرض تحقيق التواصل، والتأثير في المخاطَب.
ب. أما الاستعارة الحجاجية فهي من الوسائل اللغوية التي يستغلها المتكلم قصد توجيه خطابه، وتحقيق أهدافه الحجاجية، وهي النوع الأكثر انتشارا لارتباطها بمقاصد المتكلمين وبســياقاتهم التخاطبــية والتواصلية. فهي موجودة في اللغة اليومية وفي الكتابات الأدبية والصـــحفية، والسياسية، والعلمية، ولا تكون أنجع إلا بقدر ما تكون أشد قهرا واقتسارا. وإذا ما احتاجت الاستعارة الشعرية إلى مواطأة من القارئ ، فإن الاستعارة الحجاجية مضطرة إلى البحث عن وسائل لتستغني عن هذه المواطأة .
فالاستعارات الحجاجية مهمتها التأثير في الرأي لذلك ” ينبغي على المرء أن يهدف في خطبته إلى تجنب إثارة الألم أو اللذة، إذ العدالة تقتضي ألا تعالج القضية إلا بالوقائع وحدها “[13]. إن هذا النوع من الاستعارة هو الذي يُعرفنا أوثق معرفة بالدلالات العامة للغة. أما الاستعارات الشعرية فتطلعنا على لهجة الشاعر الخاصة أكثر مما تطلعنا على اللغة[14].
هـكذا، نجد في مقابل الغاية الجمالية للاستعارة الشعرية، مطمحا إقناعيا للاستعارة الحجاجية. لكن هذا لا يعني إن كل استعارة حجاجية خالية بطبيعتها من كل قيمة جمالية.
كما تؤدي الاستعارة الحجاجية عدة وظائف في عملية التخاطب وعمليتي الفهم والتأويل بين المرسل والمتلقي. إلا أن هذه الآلية الاستعارية ـ في القول الحجاجي ـ لاتقف عند حدود التمثيل أوالمشابهة بين فكرتين أو موضوعين، بل قد تحول البناء الحجاجي بأكمله إلى بناء استعاري يستدعي فيه المعنى الصريح معنى آخر ضمني، استنادا إلى المقومات الأساسية في العملية الحجاجية ( المتلقي، والمقام، والمقتضيات التداولية ). لكن كيف ترتبط الاستعارة بالحجاج؟ و أين تكمن حجاجيتها؟
ميز أرسطو بين ثلاثة أنواع من الخطب: الخطب المشورية، والخطب المشاجرية، والخطب البرهانية[15]. ومن خلال هذا التميز يمكن أن نتبين ثلاثة أنواع من الاستعارات هي: (1) الاستعارة التي تستعمل في التجمعات الشعبية (المشورية )، (2) الاستعارة المستخدمة في القضاء (المشاجرية )، (3) ثم الاستعارة البرهانية.
لكن لكل هذه الأنواع حججا تستند إليها:
فالقضائية تعتمد حجة الاستنباط من أجل الاتهام أو الدفاع، لأن الذين يتشاجرون إما أنهم يتهمون أو يدافعون.
والاستشارية تقوم على الحجة بالشاهد، أي الاستقراء. فالخطيب في هذه المجامع إما أن يحض على فعل الفعل، أو ينهى عنه.[15]
أما الاحتفالية فعلى حجة التفخيم ما دام فعلها ينحصر في الفعل أو الذم.
وهكذا، فإن هذه الحجج تختلف باختلاف درجاتها في الإقناع، ومواقف أصحابها و ملابساتهم. إن ما يمكن أن نطلق عليه اسم استعارة حجاجية بالمعنى المنطقي والصريح للحجاجية هي تلك التي تقوم على الاستنباط، والتي تهدف إلى الإقناع، و إلى إحداث تغيير في المواقف العاطفية أو الفكرية للمتلقي.
ومن البلاغين المتميزين الذين انبثقت عندهم بوادر حجاجية الاستعارة، البلاغي الكبير عبد القاهر الجرجاني من خلال مؤلَّفيه: “دلائل الإعجاز”و”أسرار البلاغة”. كيف ذلك ؟
من المفاهيم التي سمحت لعبد القاهر أن ينتقل بمفهوم المجاز من نظرية النقل اللغوي إلى نظرية الدلالة والأحكام المعنوية والعقل والتأويل، نجد مفهوم “الادعاء”. فالجرجاني يرى أن الصور المجازية عموما، والقول الاستعاري خصوصا، لا ينحصر في مجرد نقل اللفظ من مواضعته المشتركة (الحقيقة اللغوية) إلى مجال استعمالي خاص، بل إنه ادعاء دلالي جديد، واقتراح معنوي، وإدراكي نوعي. إن الاستعارة، كنوع مجازي نموذجي ” ليست نقل اسم من شيء إلى شيء، ولكنها ادعاء معنى الاسم لشيء. إذ لو كان نقل اسم وكان قولنا: ر”أيت أسدا”، بمعنى رأيت شبيها بالأسد، ولم يكن ادعاء أنه أسد بالحقيقة، لكان محالا أن يقال : ليس هو بإنسان و لكنه أسد … و … إذا كنت لا تطلق اسم الأسد على الرجل إلا من بعد أن ندخله في جنس الأسود … لم تكن نقلت الاسم عما وُضع له بالحقيقة … “[16].
إن الادعاء يجعل الاستعارة تُدرَك بالعقل والتأويل. و هو بهذا يحاول إتمام ما أقره سابقا من تحويل الصور المجازية من نظرية النقل اللغوي إلى نظرية التبدل الدلالي والإدراكي .
ولما كانت المقتضيات النظرية توجب علينا خرق قوانين الحقيقة وطلب قوانين المجاز، فقد اتجه الدكتور طه عبد الرحمان إلى طلب طريق يتخذ آليات تخاطبية وأدوات تداولية تأخد بهذا الخرق في تحليل الاستعارة، وقد سمى هذا الطريق ب “المقاربة التعارضية للاستعارة”. إن الوصف التعارضي الصريح للاستعارة يكشف عن آليات حوارية، وأخرى حجاجية، وثالثة عملية في بنيتها.
- حوارية الاستعارة: الحوارية هي أن تشترك ذوات خطابية متعددة في بناء الكلام. لكن إذا كان هذا هو مفهومها، فأين تكمن الذوات المشتركة في بناء القول الاستعاري، ونحن نعلم أن المخاطب في الظاهر واحد لا محاور له ؟
لما كان القول الاستعاري يتألف من مستويين: مستوى المعنى الحقيقي ومستوى المعنى المجازي، أمكن أن يُخَصَّص لكل مستوى من هذين المستويين “مقاما معينا”: المقام الخاص بالمعنى الحقيقي”، و”المقام الخاص بالمعنى المجازي”.
و بما أن المعنى الحقيقي “الظاهر غير مُراد” ( أو ظاهر مؤوَّل )، والمعنى المجازي”مضمر مراد” (أو مضمر مبلَّغ)، جاز التمييز في الحقيقي بين ” حال الإظهار” و”حال التأويل”، وفي المقام المجازي بين “حال الإضمار” و”حال التبليغ”.
يترتب عن هذا، أن الذوات الخطابية التي تشترك في بناء القول الاستعاري أربع، لــكل منها وظيفة تخاطبية متميزة: “الذات المُظهِرة”، و”الذات المؤوِّلة”، و”الذات المضمرة”، و”الذات المبلغة”.
ويتقمَّص المتكلم الواحد كل هذه الذوات كمظاهر لوجوده في القول الاستعاري، يتقلب بينها، قائما بكل أدوارها الخطابية في آنٍ واحد، دون حذف إحداها أو ترجيح بعضها على بعض، أو “تقطيبها ” بجعل الأخرى تابعة لها تدور في فلكها[17].
- 2. حجاجية الاستعارة : أمــــا عن الصفة الحجاجية للقول الاستعاري، فيكفي أن نستبين فيها وجوه تدخل آليتي “الادعاء” و”الاعتراض” اللتين تميزان الحجاج.
إن من شروط الادعاء أن يكون المدعي معتقدا صدق دعواه، وأن تكون له بينات عليها يعتقد صدق القضايا التي تتركب منها هذه البينات. كما أن له الحق في أن يطالب محاوره بأن يصدق دعواه ويقتنع بما يقيمه من أدلة عليها. ومعلوم أيضا أن من شروط المعترض أن يرد على الدعوى وأن يطالب المدعي بإثبات دعواه، وألا يسلم له إلا عند تمام اقتناعه بصحة هذا الإثبات. فأين يظهر الادعاء والاعتراض في الجملة الاستعارية؟
لقــــد مر بنا أن من ذوات المستعير: “الذات المظهرة”، وتتجلى الوظيفة الحجاجية لهذه الذات في كونها تدعي صحة المعنى الحقيقي للجملة، أي تدعي المطابقة بين المستعار لـه والمستعار منه. أما “الذات المؤوِّلة ” للمستعير، فيقوم دورها الحجاجي في الاعتراض على وجود المعنى الحقيقي للجملة، (بما أن المعنى المؤوّل هو أولى بالخفاء من المعنى المضمَر)، أي يقوم هذا الدور في إنكار المطابقة بين المستعار له و المستعار منه.
هكذا، يتضح أن المتكلم يتقلب على مستوى المعنى الحقيقي بين حالين متعارضين: حال الإظهار، وحال التأويل. فالمتكلم، إذن، ذات متعارضة في مرتبة الحقيقة.
أمــا على مستوى المعنى المجازي، فإن “الذات المضمرة” من ذوات المستعير تقتضي منها وظيفتها الحجاجية أن تدّعي وجود المعنى المجازي للجملة، أي تدّعي المباينة بين المستعار له والمستعار منه، بينما “الذات المبلِّغة” للمستعير فيقتضي منها دورها الحجاجي أن تعترض على وجود المعنى المجازي للجملة. بما أن المعنى المبلَّغ هو أولى بالظهور من المعنى الحقيقي غير المبلغ، أي أن تنكر هذه الذات المبايَنَة بين المستعار له والمستعار منه.
و هــنا أيضا تكون ذات المتكلم متعارضة تجمع بين “حال الإضمار” و”حال التبليغ”.
- فعالية الاستعارة: يتجلى الجانب العلمي للاستعارة في ارتباطها بمقام الكلام، الذي يتكون من المتكلم، والمستمع، ومن أنساقهما: المعرفية، والإدارية، والتقديرية، وعلاقتهما التفاعلية المختلفة[18].
هذه البنيات الثلاث تجعل من الاستعارة استعارة مركبة المستويات، ومتداخلة الذوات، ومتنوعة العلاقات والاستعمالات في شتى المجالات.
يمكن القول عموما: إن الاستعارة مقوم حجاجي بامتياز في المجال الإنساني. ولا يمكن توضيح دور الاستعارة إلا بربطها بالحجاج، حيث إن “أي تصور للاستعارة لا يلقي الضوء على أهميتها في الحجاج لا يمكن أن يحظى بقبولنا. إلا أننا نعتقد أن دور الاستعارة سيتضح أكثر بربطه بنظرية التناسب الحجاجي. [….] إننا لا نستطيع في هذه اللحظة وصف الاستعارة إلا بتصورها، على الأقل من وجهة نظر فيما يتعلق بالحجاج، باعتبارها تناسبا مكثفا ناتجا عن ذوبان عنصر المستعار منه في المستعار له”[19].
الهوامش
- المقام نوع من الالتقاء من الناحية المعرفية ونقصد به عموما المقام العقلي والنفسي أو ما يسمى ب “التمثلات” من وجهة نظر علم النفس . فالتمثل مجموعة منظمة من الآراء والمعتقدات والمعارف التي يكون مرجعها شيء ما , أو موقف معين , ويكون ( أي التمثل ) محددا من طرف الذات ذاتها ، والنسق الاجتماعي والإيديولوجي الذي توجد فيه تلك الذات , ويكون محددا أيضا بنوع العلاقات التي تقيمها تلك الذات مع نسقها الاجتماعي .
- جورج لايكوف ومارك جونسن : الاستعمارات التي نحيا بها , ترجمة : عبد المجيد جحفة . دار توبقال للنشر , الطبعة الأولى , 1996 . 196 .
- طه عبد الرحمان : في أصول الحوار وتجديد علم الكلام , المؤسسة الحديثة للنشر والتوزيع . الدار البيضاء 1998 . 239 .
- طه عبد الرحمان : اللسان و الميزان أو التكوثر العقلي . المركز الثقافي العربي , الطبعة 1 , الدار البيضاء 1998 . ص : 239 .
- seale : sens et expression ,etudes de théorie des actes de langage , traductin par
Joélle proust les éditions de minuit combridge , university press , 1979 ,1982 pour la traduction les édition de minuit ; paris
6 ـ بنعيسى عسو أزاريط : ” المعنى المضمر في الخطاب اللغوي العربي , أطروحة لنيل دكتوراه الدولة . 1/ 510 .
8 ـ أولفيي روبول : ” هل يمكن أن يوجد حجاج غير بلاغي ” ، ترجمة محمد العمري، مجلة علامات في النقد / المجلد السادس / الجزء 22 / ديسمبر 1996 / ص 77
9 ـ حسان الباهي : ” الحجاج المغالطي بين المفهوم والمقصود “، ضمن مجلة المنهل ( اللغة والسلطة) منشورات وزارة الثقافة و الاتصال / العددان 62. 63 / ماي 2001 ص : 119 .
10 ـ محمد علي القارحي : ” البلاغة و الحجاج من خلال نظرية المساءلة لمشيل مايير ” ضمن سلسلة آداب : أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغرابة من أرسطو إلى اليوم “، جامعة الآداب والعلوم الإنسانية /تونس 1/ منونة . مجلد XXXIX / ص: 397.
- نفسه
12- المفضل بن محمد بن يعلى الضبي” المفضليات”،تحقيق: أحمد محمد شاكر وعبد السلام محمد هارون. الطبعة 6.بيروت-لبنان. ص:422.
- ميشال لوغيرن: ” الاستعارة والحجاج “, تعريب: الطاهر وعزيز, ضمن مجلة المناظرة, السنة الثانية, العدد 4, ماي 1991. ص 89 .
- أرسطو طاليس , فن الخطابة , ترجمة : عبد الرحمان بدوي، وزارة الثقافة، بغداد 1986 . الكتاب الثالث , الفصل الأول , ص 194 .
- أرسطو , فن الخطابة , ص : 194 .
16 ـ فالمشوري إما حض أو نهي : لأن الذين يشيرون في الخواص , وأولئك الذين يخطبون في المجامع إما أن يحضوا، أو ينهوا . أما المشاجري فمنه اتهام، ومنه دفاع . لأن الذين يتشاجرون إما أنهم يتهمون، أو يدافعون. وأما البرهاني فمنه مدح ومنه ذم. انظر: فن الخطابة ص: 37
17 ـ الجرجاني عبد القاهر , دلائل الإعجاز/ تحقيق : محمد رشيد رضا/ دار المعرفة , بيروت 1987 . 280 .
18 ـ نفسه / 331. 333 .
19ـ طه عبد الرحمان : ” مراتب الحجاج و قياس التمثيل “, ضمن مجلة كلية الآداب و العلوم الإنسانية بفاس/ االعدد التاسع 1987. ص : 9 .
20 ـ طه عبد الرحمان , اللسان و الميزان , ص : 311. 312 .
*****
ثانيا : الاستعارة في الحياة اليومية .
مـــا الــذي يجعل تصورا ما استعاريا؟ كيف نبني، بواسطة الاستعارة، تصوُّرَنا لتجربتنا؟ وكيف نتحدث بها؟ وكيف نفهمها؟
الاستعارة وسيلة لتصور شيء ما من خلال شيء آخر. و تتجلى وظيفتها الأولى في الفهم والإفهام. فهي ليست مجرد أداة شعرية أو بلاغية، وليست أيضا ظاهرة لغوية صرفة. إنها تشكل جزءا من الطريقة العادية التي نمارس بها تفكيرنا و كلامنا وسلوكنا اليومي. فالتصورات الاستعارية قائمة على تجاربنا.
إن كل استعارة ” تتــيح فهمَ مظهر معين من مظاهر التصور، وتخفي المظاهر الأخرى. وإذا كان ذلك لا يتم إلا بواسطة مجموعة متلائمة من الاستعارات فقط، فمعنى ذلك أنه يتم إخفاء عدد كبير من مظاهر الواقع. و يبدو أن ” الاشتغال ” الناجح في حياتنا اليومية يتطلب تنقلا مستمرا بين الاستعارات. واستعمال عدة استعارات لا تتلاءم مع بعضها، يبدو طبيعيا بالنسبة لنا إذا كنا نريد فهم تفاصيل وجودنا اليومي”[20].
للوصول إلى فهم الطبيعة الاستعارية لسلوكاتنا، ولفهم – كذلك- كيف أن اشتغال العبارات الاستعارية في اللغة اليومية بإمكانه أن يفيدنا بخصوص الطبيعة الاستعارية للتصورات الــتي تُبَنْيِنُ سلوكاتنا اليومية، لفهم كل هذا، استغل كل من لايكوف وجونسن العبارات اللغوية الاستعارية لدراسة طبيعة التصورات الاستعارية، وفحصا التصور الاستعاري ( الأكثر تحديدا ) التالي:” الزمن مال “، وتحققه الأمثلة التالية:
ــ الوقت من ذهب.
ــ إنك تجعلني أضيع وقتي.
ــ هذه العملية ستجعلك تربح ساعات وساعات
ــ ليس لدي وقت أمنحك إياه
ــ كيف تدبر رصيدك الزمني؟
ــ كلفني إصلاح هذه العجلة ساعة كاملة
ــ لقد أخذ مني وقتا كبيرا
ــ ليس لدي وقت أخسره
ــ عليك أن توفر وقتك
ــ إن وقته ليس ملكه
ــ إنك لا تستغل وقتك
ــ أضعت وقتا طويلا عندما لازمت الفراش
ــ أشكر لك الوقت الذي منحتني إياه
يتجلى التصور الاستعاري لـــ “الزمن مال” في ثقافتنا بطرق مختلفة: “في التسعيرات التيلفونية، وأجور الساعات، وتسديد الدين الذي ندين به لمؤسسة ما، فنأخد وقتنا الكافي “[21]. وكل هذه ممارسات تُبَنيِن سلوكاتنا اليومية الأساسية.
مـــا يمثل التصورات الاستعارية في الأمثلة السابقة، التصورات التالية: الزمن مال، والزمن مورد محدود، والزمن بضاعة ثمينة. وتُعدُّ كذلك (أي استعارية) ما دمنا “نستخدم في تجربتنا اليومية المال، والموارد المحدودة، و البضائع في تصورنا للزمن … لأن المال يعد في مجتمعنا موردا محدودا، والموارد المحدودة [بدورها] بضائع ثمينة “[22].
ويبقى السؤال: لماذا تحدث هذه الانحرافات، أو هذه المجازات الأسلوبية في سلوكنا الــيومي؟ أجاب القدماء عموما أن “الغرض منها إما ردم فجوة دلالية في الشفرة المعجمية، أو لــتزيين الخطاب وجعله أكثر إشراقا. ولأن لدينا أفكارا أكثر مما لدينا من كلمات تعبر عنها، فلابد لنا أن نبسط دلالات الكلمات التي لدينا إلى ما يتخطى حدود الاستعمال اليومي. أو قد نختار، في الحالات التي تتوفر فيها كلمات مناسبة، أن نستعمل كلمة مجازية لكي ندخل السرور أو الفتنة في قلوب المستمعين إلينا “[23]. فما دامت الاستعارة من الصور البلاغية التي تؤدي وظيفة الإقناع، فإنها وسيلة للتأثير في المتلقي باستعمال وسائل خطابية، غير البرهان والعنف.
1.ـ الاستعارة والتغليط.
تنبني بعض الخطابات على إخفاء مظاهر الواقع، وذلك باستعمال أساليب مثل: التمويه، واللبس، والإيهام، والتدليس، … وغيرها من الوسائل الخطابية المغالطية بشتى تقنياتها، ” فقد يأتي الخصم بحجة مقبولة ظاهريا، لكنه في الباطن يراعي حجة أخرى وغرضا آخر بشكل يفقد الخطاب مقاصده. ومن ثم وجوب الاحتراز من استعمالات خاطئة وخاضعة للغلط أو التغليط “[24]. فهل يمكن أن يكون العنف والقمع بدلا للحجة و البرهان من أجل التأثير والإقناع ؟
والمغالطة[25] (أو التغليط) هي “إيهام بوجود منطق ومعنى، وإخفاء الانحراف عنهما”. وقد تحدث عنها أرسطو في تتبعه للمغالطات السفسطائية، وحدد لها آليات تحكمها؛ وتتمثل في[26]:
1.ـ الانزلاق من معنى إلى معنى آخر لكلمة واحدة لإيقاع الوهم بأن المعنى واحد، أو: ما يصدق على هـــــذا يـــصدق علــى ذاك.
2ــ وقد يتم الانزلاق من تركيب إلى تركيب، عبر استبدال كلمة بكلمة أخرى، أو اختلاس الكلمة الأساسية التي يؤدي تغييرها إلى تغير مسار الخطاب وقيمتة الحجاجية.
3.ـ وقد تتم المغالطة بالتشويش على المحاور ودفعه إلى الخطإ، وذلك بوضعه أمام خيارين فاسدين، كل واحد منهما يوقع في الزلل. وغالبا ما يحدث هذا في المناظرات الحية، حيث يدفع المجيب إلى الخطإ بدافع الاستعجال وضغط المقام، وبمؤثرات أخرى …
4.ـ ويعتبر البتر من أساليب إفساد الحوار، وذلك بإخراج الكلام من نسقه و سياقه. وقد دأب المتخاطبون على التنديد بهذا السلوك مذكرين بالآية القرآنية: “ويل للمصلين”، أو: “لا تقربوا الصلاة”.
- كما يستعمل التنغيم في المناقشة الحية لتمرير الكثير من الرسائل، بدءاً بـالظهور بوجه غير الوجه الحقيقي، وصولا إلى إظهار السخرية من المعاني والقيم التي يُراد التقليل من شأنها.
وتختص الأقوال المغالطة باعتماد أساليب تضليلية تقوم أساسا على الإخفاء والتعتيم؛ ومع ذلك يحاول صاحبها أن يجاريها مجرى منطقيا حتى يتمكن من خداع الخصم وجعله يأتي بفعل ذميم أو يظهر بمظهر مضحك … وهذا ما يسمى بالخطاب السوفسطائي.
فالمغالطي قد يظهر بأن مقدماته صادقة ومناسبة للصناعة التي فيها المطلوب، دون أن تكون كذلك حقيقة. هذا التحويل أوالتغير للموضع كثيرا ما يستند إلى طرق الحيل والدسائس، أي مسالك التغليط التي تسهل له عملية الوصول إلى المبتغى …. ويعتمد في خطته هذه على آليات تغليطية يضفي عليها صفة الحق أو المشهور، منها الارتكاز على ظواهر تسهل له هذه العملية، مثل: الاستعارات، والأسماء التي تقال حقيقة في موضع، ومجازا في موضع آخر ….[27]
و الخطاب المغالطي لا يُؤتي به عبثا، ولكن من أجل أغراض ومقاصد تتحدد في:
أ ــ التبكيت: وهو قياس ينتج نقيض الموضوع الأصل[28].
ب ـ إلزام الخصم الشنعة أو ما يخالف الجمهور.
ت ـ جعل الخصم في شك و حيرة
ث ـ أن يصيره إلى أن يأتي بكلام غير واضح وغير مفهوم.
ج ـ سوق المخاطَب إلى الهذر والهذيان[29]
وقد تظهر أساليب التغليط في عدة مجالات، لكننا نلمسها بشكل جلي في حقل السياسية، حيث يتم إخفاء الواقع وراء الكلمات والتعابير الفضفاضة الموهمة بالحقيقة، لاستمالة الجمهور وإثارة عواطفه، أو طلب الشفقة، حيث تنفصل الكلمات عن صورها، والألفاظ عن معانيها, فتتحول اللغة إلى لغو كارثي يرمي بالناس في دهاليز الغموض وأنفاق الظلام. ولا غرو في ذلك، ونحن نعيش عصر لغو بامتياز.
2.ـ الاستعارة فــي الحقل السياسي.
إن السلطة التي ترغب في الدوام والاستمرارية، ليست تلك التي تقوم على القوة والعنف فقط، بل هي السلطة القادرة على جعل الذوات السياسية تصادق عليها وتقبلها تلقائيا، وبذلك تكون مؤسسة قائمة على الرضى والموافقة بدل القهر والقسر، أو كما يقول جان جاك روسو: “ليس للأقوى ما يكفي من القوة ليكون دائما هو السيد إن لم يحول قوته إلى حق، وطاعته إلى واجب” [30]. إن ما يسهل التواصل بين الأفراد هو نقل الأفكار والمعاني والتصورات إلى الآخر بشكل صحيح ومقنع. فالمشروعية لا يتم اكتسابها بالـعنف المادي، وإنما من الضروري اللجوء إلى “نوع آخر من العنف، نوع أكثر لطفا وتهذيبا وخفاء، هو “العنف اللفظي” أو “العنف الرمزي”. وقد ارتبط خطاب السلطة دومــا بسلطة الخطاب، وكلمات السلطة بسلطة الكلمات. وبهذا المعنى، فالبلاغة ليست مجرد حلية ترفيه جمالية في الخطاب الإيديولوجي، بل هي براعات ذات وظيفة سياسية”[31].
و بذلك يمكن التساؤل: هل يمكن اعتبار الاستعارة عنفا خطابيا، أي تعكس عنف الخطاب؟ بمعنى آخر: هل يمكن أن يكون القول الاستعاري، أحيانا، أقوى من القول الحرفي؟
لقد فرق الناقد الأنجليزي إيفور آرمسترونج رتشاردز * في كتابه “معنى المعنى” بين استعمالين للغة:
ـــ الاستعمال “الرمزي”
ـــ والاستعمال “الانفعالي”
“والفرق بينهما أن الأول فيه تقرير القضايا، أي تسجيل “الإشارات” و تنظيمها وتوصيلها إلى الغير. والثاني مجرد استعمال الكلمات ولو بدون صور ثابتة للتعبير عن الهيجانات الانفعالية. ولا يتضمن قضايا حقيقية يمكن التحقق من صدقها بالمعايير المنطقية الدقيقة. و لا شك أن لغة السياسة يجب أن تُستعمل بالطريقة الرمزية الإشارية، لأن الغرض منها هو التواصل المعقلن في إطار الواقع، وليس التعبير عن تجربة صوفية أو وجدانية”[32]. ومن الضروري أن ترتبط القضايا السياسية بالواقع، لأن التماسك المنطقي للغة السياسة لا يضفي عليها مزية؛ لأن مزيتها الكبرى تكمن في مطابقة ما يقال لما يراه الناس ولما يسمعونه.
إن العدالة الاجتماعية، وحقوق الإنسان، والحريات العامة، والديمقراطية، والشفافية … ، وغيرها من المفاهيم المتداولة في الفكر السياسي المعاصر ترد في لغتنا السياسية بدلالات مجردة من صور تنطبق عليها في الواقع، مما يجعلها مجرد أصوات فارغة، أهم ما فيها أنها تعفي مستعملها من واجب التفكير.
واستخدام تصورات استعارية من قبيل: الديمقراطية، والحرية، والمساواة، والأمان، والاستقلال الاقتصادي … طرق مختلفة للوصول ـــ بصورة غير مباشرة ـــ إلى وجود دال ذي معنى. وهذه الطرق ضرورية في نقاش كاف حول المشاكل الاقتصادية ومشاكل الحرية. إلا أنه لا توجد إديولوجيا سياسية تواجه هذه المسألة الجوهرية وجها لوجه.
” لقد صيغت الإيديولوجيات السياسية والاقتصادية بطرق استعارية. والاستعارات السياسية والاقتصادية، شأنها شأن كل الاستعارات الأخرى، قد تخفي بعض مظاهر الواقع. إلا أن للاستعارات، في مجال السياسة والاقتصاد، أهمية قصوى قد تقيد حياتنا. فالاستعارة في النسق السياسي أو الاقتصادي قد تؤدي، بموجب ما تخفيه، إلى الحطَّ من قيمة البشر “[33]. وتوظف الاستعارة في هذين المجالين من أجل خدمة مصلحهما، وأهدافهما. كــــيف ذلـــــــك؟
لتفسير ما جاء به الباحثان و تأكيده، فإنهما أوردا المثال التالي: “الشغل مورد “؛ حيث إن أغلب النظريات الاقتصادية العالمية ـ سواء كانت رأسمالية أو اشتراكية ـ تعتبر الشغل “موردا طبيعيا، أو تَعْتَبره سلعة، شأنه في ذلك شأن الموارد الأولية. كما تـتحدث عنه باعتباره يخضع لقانون العرض والطلب. إن هذه الاستعارة تخفي طبيعة الشغل فهي لا تقيم أي فرق بين الشغل الدال (الإنساني) والشغل غير الإنساني. فبالنسبة لكل الإحصاءات حول الشغل، لا يخص أيُّ إحصاء الشغلَ الدال.
وحين نقبل باستعارة ” الشغل مورد “، ونسلم بأن ثمن الموارد يجب ألا يرتفع، فإن الشغل الرخيص يصبح شيئا جديدا، شأنه شأن النفط الرخيص مثلا. واستغلال الكائنات البشرية عبر هذه الاستعارة واضح في البلدان التي تتفاخر “بالعرض الذي لا ينضب أبدا من اليد العاملة الرخيصة”.
فهـــذا الإثبات الاقتصادي الذي يبدو محايدا يخفي حقيقة الحط من قيمة البشر. والحقيقة أن كل البلدان المصنعة، سواء منها الرأسمالية أو الاشتراكية، تستعمل هذه الاستعارة في نظرياتها الاقتصادية، وفي سياساتها.
والقبول الأعمى بهذه الاستعارة قد يخفي حقائق تحط من قيمة البشر، مثل حقيقة عدم إعطاء معنى للشغل الذي يقوم به العمال أو الموظفون في المجتمعات المتقدمة”[34].
وفي نفس الإطار (أي الشغل )، لكن من جهة القائمين به، فنحن نعلم أن قادة النقابة يجري اختيارهم بالانتخاب؛ ولكي يفوزوا، عليهم أن ينثروا الوعود أو يستشهدوا بالنتائج التي توصلوا إليها. وعليهم إذا وعدوا أن يفُوا أو أن يفتشوا عن ” أكباش فداء ” لتبرير فشلهم. والمكاسب التي تتحقق عن طريق العمل الجماعي هي وحدها التي تشكل “النتيجة” التي يستند إليها هؤلاء القادة لاجتذاب أعضاء جدد، وللاحتفاظ بالقدامى. وينتج عن هذا أن النقابة لا تأخذ بعين الاعتبار موافقة رب العمل من تلقاء نفسه على زيادة الأجور كي تخفف من حدَّة مطالبها الخاصة، و تضيف هذه المطالب إلى الأفضلية السابقة.
ويمكن القول عموما: إن النقابة نوع من الدولة يتحدد دخلها الاقتصادي دوريا بعقد تبرمه مع جار قوي. وسلاحها الأساسي هو المفاوضة: وهو جهد سلمي في كثير من الحالات، ولكنه يحتفظ ـ وراء الستارـ بفكرة إعلان الحرب (الإضراب).
إن السياسة لا تزال في نظر بعض المشتغلين بها فنا من الخداع والمراوغة، حيث يجوز فيه ما يجوز في غيره من: الكذب، والتمويه، والسفسطة، والتغليط. فالخطاب السياسي، إن لم يخرج حيز التطبيق، يبقى تهريجا رخيصا يكشف عن ضعف في الشخصية، وفساد في التربية.
الهوامش
- حسان الباهي : اللغة و المنطق : بحيث في المفارقات , الطبعة 1 , المركز الثقافي العربي , دار الأمان للنشر , الرباط 2000 . ص : 49 ـ 50 .
- نفسه .
- المقام نوع من الالتقاء من الناحية المعرفية ونقصد به عموما المقام العقلي والنفسي أو ما يسمى ب ” التمثلات ” من وجهة نظر علم النفس . فالتمثل مجموعة منظمة من الآراء والمعتقدات والمعارف التي يكون مرجعها شيء ما , أو موقف معين , ويكون ( أي التمثل ) محددا من طرف الذات ذاتها ، والتنسق الاجتماعي والإيديولوجي الذي توجد فيه تلك الذات , ويكون محددا أيضا بنوع العلاقات التي تقيمها تلك الذات مع نسقها الاجتماعي .
- جان كوهن , بنية اللغة الشعرية , ترجمة : محمد الوالي ومحمد الوالي ومحمد العمري . دار توبقال للنشر , الطبعة 1 , الدار البيضاء 1986 . ص :149
- Code ـ
- جورج لايكوف ومارك جونسن : الاستعمارات التي نحيا بها , ترجمة : عبد المجيد جحفة . دار توبقال للنشر , الطبعة الأولى , 1996 . 196 .
6 ـ طه عبد الرحمان : في أصول الحوار وتجديد علم الكلام , المؤسسة الحديثة للنشر والتوزيع . الدار البيضاء 1998 . 239 .
7 ـ طه عبد الرحمان : اللسان و الميزان أو التكوثر العقلي . المركز الثقافي العربي , الطبعة 1 , الدار البيضاء 1998 . ص : 239 .
8 ـ seale : sens et expression ,etudes de théorie des actes de langage , traductin par
Joélle proust les éditions de minuit combridge , university press , 1979 ,1982 pour la traduction les édition de minuit ; paris
9 ـ بنعيسى عسو أزاريط : ” المعنى المضمر في الخطاب اللغوي العربي , أطروحة لنيل دكتوراه الدولة . 1/ 510 .
- أولفيي روبول : ” هل يمكن أن يوجد حجاج غير بلاغي ” ، ترجمة محمد العمري، مجلة علامات في النقد / المجلد السادس / الجزء 22 / ديسمبر 1996 / ص 77
* perelman
** michel meyer
- حسان الباهي : ” الحجاج المغالطي بين المفهوم والمقصود “، ضمن مجلة المنهل ( اللغة والسلطة) منشورات وزارة الثقافة و الاتصال / العددان 62. 63 / ماي 2001 ص : 119 .
- محمد علي القارحي : ” البلاغة و الحجاج من خلال نظرية المساءلة لمشيل مايير ” ضمن سلسلة آداب : أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغرابة من أرسطو إلى اليوم “، جامعة الآداب والعلوم الإنسانية /تونس 1/ منونة . مجلد XXXIX / ص: 397.
- نفسه
15- المفضل بن محمد بن يعلى الضبي” المفضليات”،تحقيق: أحمد محمد شاكر وعبد السلام محمد هارون. الطبعة 6.بيروت-لبنان. ص:422.
16 ـ ميشال لوغيرن : ” الاستعارة والحجاج ” , تعريب : الطاهر وعزيز , ضمن مجلة المناظرة , السنة الثانية , العدد 4 , ماي 1991 . ص 89 .
17 ـ أرسطو طاليس , فن الخطابة , ترجمة : عبد الرحمان بدوي، وزارة الثقافة، بغداد 1986 . الكتاب الثالث , الفصل الأول , ص 194 .
18 ـ أرسطو , فن الخطابة , ص : 194 .
19 ـ فالمشوري إما حض أو نهي : لأن الذين يشيرون في الخواص , وأولئك الذين يخطبون في المجامع إما أن يحضوا، أو ينهوا . أما المشاجري فمنه اتهام، ومنه دفاع . لأن الذين يتشاجرون إما أنهم يتهمون، أو يدافعون . وأما البرهاني فمنه مدح ومنه ذم. انظر : فن الخطابة ص: 37 .
20 ـ الجرجاني عبد القاهر , دلائل الإعجاز/ تحقيق : محمد رشيد رضا/ دار المعرفة , بيروت 1987 . 280 .
- نفسه / 331. 333 .
- نفسه / 311 .
- طه عبد الرحمان : ” مراتب الحجاج و قياس التمثيل ” , ضمن مجلة كلية الآداب و العلوم الإنسانية بفاس / االعدد التاسع 1987 . ص : 9 .
- طه عبد الرحمان , اللسان و الميزان , ص : 311. 312 .
- PERELMAN : TRAITé DE L’argumentaion . نقلا عن : محمد الوالي: البلاغة والاستعارة في آثار أرسطو وعبد القاهر الجرجاني وشايم بيرلمان . أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الآداب، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أكدال الرباط . 1999 ـ 2000 . ص : 549 .
26 ـ نفسه ص : 209 .
27 ـ نفسه ص : 25. 26 .
28 ـ هذا التصور للزمن ليس ضروريا عند الكائنات البشرية . إنه يلائم ثقافتنا فقط , حيث إن هناك ثقافات لا يتم تصور الزمن فيها بهذه الطريقة . انظر : لايكوف وجونسون , نفس المرجع السابق , ص : 26 .
29 ـ بول ريكو نظرية التأويل : الخطاب و فائض المعنى . ترجمة : سعيد الغانمي . المركز الثقافة العربي , الطبعة 1/ الدار البيضاء 2003/ ص : 87 .
30 ـ حسان الباهي: الحجاج المغالطي بين المفهوم والمقصود/ مجلة المناهل/ العددان 62. 63 ماي 2001 . ص : 120 .
- لقد عرفت البلاغة العربية الاستمالة بالأسجاع , كما اشتهرت البلاغة اليونانية قلبها بالاستدراج و المغالطة بالألفاظ و الدلالات . انظر : محمد العمري : دائرة الحوار ومزالق العنف ( كشف أساليب الإعنات و المغالطة ـ مساهمة في تخليق الخطاب ) . أفريقيا الشرق . الدار البيضاء . بيروت 2002 ص : 25 .
- نفسه , ص : 26 ـ 30 .
33- ومثاله ما أورده الجاحظ عن فخر السودان على البيضان، حيث يعقد سلما حجاجيا تفاضليا يتدرج من النقض إلى التبكيت:
- النقض: “فقلنا لهم: بئس ما أثنيتم على السخاء والأثرة”
- التبكيت: “وقد وقفناكم على إدحاض حجتكم في ذلك بالقياس الصحيح”. وبذلك تمت مقارعة الخصوم بنفس الحجة (القياس). ويسمى هذا الحجاج: مقارعة الشخص بأقواله وأعماله. فإذا صح القياس الذي يعتبر السودان أسخياء لأنهم ضعفاء العقول، نتج عن ذلك أن أكثر الناس علما وعقلا هم الأكثر بخلا، وأقل خيرا.
34ـ حسان الباهي , الحجاج المغالطي . . . , ص : 121. 122 .
35ـ نفسه , ص : 123 .
36ـ جان جاك روسو : العقد الاجتماعي . ترجمة : ذوقان قرقوط , دار القلم بيروت 1973 . الفصل الثالث في حق الأقوى .
37ـ محمد سبيلا : ” الإيديولوجيا و البلاغة ” . ضمن مجلة المناظرة , السنة الثانية , العدد 4 , ماي 1991 .
- IVOR ARMSTRONG RICHARDS
38ـ عمر لشكر : ” أزمة الصورة في لغتنا السياسية ” . ضمن المجلة المغربية , السنة الثامنة . العدد 7 . أكتوبر ـ نونبر 1999
39ـ لايكوف وجونسن : الاستعارات التي نحيا بها . ص :