تقديم
يندرج مشروع الدكتور سعيد علوش في إطار “الأدب المقارَن” بمفهومه الواسع والمتجدد، وذلك منذ كتابه حول “الرواية والإيديولوجيا” الصادر عام 1981، إلى كتابه الأخير “جمالية القبح” الصادر في ثلاثة أجزاء سنتي 2021 و2022، مرورا بأكثر من عشرين كتاب أُخَر، وبعشرات المقالات والبحوث المنشورة ضمن مؤلفات جماعية وفي مجلات متخصصة، بصرف النظر عن رواياته التي تندرج في إطار إبداعي آخر ذي طبيعة مختلفة([i]).
وهو يشتغل في بناء هذا المشروع بآليات بحثية عديدة تحقق له طابعا شموليا ومنحى موسوعيا واضحا.من أبرز تلك الآليات العمل البيبليوغرافي والبيوغرافي والأنطولوجي والدراسة المعجمية والترجمة والتأريخ الأدبي والنقد الأدبي ونقد النقد. وقد أشرت في دراسة سابقة إلى هذه الآليات الثمانية وحاولت إبرازَ دورها ضمن مشروع سعيد علوش([ii]).
يندرج كتاب “تنظير النظرية الأدبية؛ من الوضعية إلى الرقمية”، الصادر في الرباط سنة 2013، في إطار آلية نقد النقد الأدبي، وهو يتصل بشكل وثيق بالمؤلفات المنشورة سابقا في هذا الإطار، ومنها بصفة خاصة: كتاب “هيرمينوتيك النثر الأدبي”، الذي يعالج تصورات ونظريات عديدةً متعلقة بقضايا الفهم والتأويل؛ وكتاب “النقد الموضوعاتي”، الذي يعالج النظريات والتصورات المؤسِّسة للمنهج الموضوعاتي في النقد الأدبي؛ وكتاب “أطروحة الثقافة الخليجية في نقد النقد الأدبي العماني المعاصر”، الذي يعالج الإشكاليات الكبرى المتصلة بالمركزية الثقافية والهوية والانتماء؛ وكتاب “نظرية العماء وعولمة الأدب”، الذي يعالج مختلف التصورات المتعلقة بنظرية الكاوس (أو العماء)، من خلال نقاشات عميقة وسجالات حادة مع النقد العربي الحديث والمعاصر؛ وكتاب “نقد ثقافي أم حداثة سلفية”، الذي عالج قضايا النقد الثقافي، وناقش المنظور الشرقي للدراسات الثقافية وراديكالية النقد الثقافي وصناعة النظرية الثقافية؛ وكتاب “نقد المركزية العقائدية في نظرية الأدب الإسلامي”.
والواقع أن هذه المؤلفات تصب فيه بشكل مباشر، فتجعله كتابا ميتا نقديا تركيبيا وشاملا ومكثفا، فضلا عن طابعه الأطروحي والسجالي أيضا:
– فهو كتاب ميتا نقدي لأن موضوعَه المباشَر ليس هو الأدب وإنما نظرية الأدب. وهو حتى وإن استحضر الأدب فإنما يفعل ذلك عبر (ومن خلال) المقاربات والمنهجيات النقدية، أو يتخذه أرضية لإبراز التصورات النقدية والنظرية.
– وهو كتاب تركيبي لأنه تلتقي فيه نتائج وخلاصات المؤلفات السابقة المشار إليها، بل وتجتمع فيه معالم المشروع برمته.
– وهو كتاب شامل لأنه يستحضر النظرية الأدبية الحديثة والمعاصرة، بمختلف اتجاهاتها ومساراتها ومقارباتها؛ كما يستحضر ارتداداتها إلى التصورات النقدية التي عرفها النقد القديم غربا وشرقا.
– وهو كتاب مكثف لأنه يمتص عددا هائلا من التصورات والمفاهيم الأدبية والعلمية والفلسفية، ولا يتخذها مواضيع للدراسة فحسب، بقدر ما يستخدمها كمواد بناء وكأدوات للتفكير والتأمل أيضا.
– وهو كتاب أطروحي لأنه يقوم على دعوى فكرية ومنهجية، ويروم الإقناع بنظرة جديدة إلى الأدب ونقده، في ضوء مستجدات الفكر العالمي المعاصر.
– وهو كتاب سجالي، لأنه يحرك أكثر القضايا استعصاء في الفكر الأدبي المعاصر غربا وشرقا، ويفتح حوارات شائكة مع مختلف ضروب المقاربات والتصورات النقدية المتداولة في الساحة الثقافية.
كل هذه الخصائص تجعله ينأى – إلى حد ما- عن الاعتبارات البيداغوجية وجوانبها الديداكتيكية. وهذا أمر طبيعي تفرضه طبيعة الفروق بين مطلب توصيل المعرفة ومطلب بنائها أو تشييدها أو تقليب أرضيتها. فالكتاب يخاطب القارئ المتمكن من أدوات التحليل والتأويل، والمطلع على المعارف الضرورية في الأدب والنقد ونقد النقد، فضلا عن العلوم الإنسانية والفلسفة. ولذلك فهو يسمح بقراءات متنوعة ومتباينة، من حيث العمق ومن حيث الوِجهة المنهجية، ومنها المقاربة البيداغوجية أو المَدخلية التي تروم التيسير والتبسيط، شرط مراعاة السياقات الفكرية والمنهجية التي تحف بالمفاهيم والتصورات…
لذلك كله، فإن القراءة التي أقترحها ستنحو منحى مَدْخَليا، إذ سأحاول تقريب قضايا هذا الكتاب من القارئ المبتدئ أو المتوسط في مجال الأدب ونظريته وفي ميدان النقد ومناهجه، وذلك باعتماد إجراءات التقديم والعرض والتعليق الأولي المختصر.
1. أطروحة الكتاب ومستوياته
تكمن أطروحة الكتاب في الدعوة إلى “استلهام تصورات الإبستيمولوجيا المعاصرة بحثا عن مبادئ نظرية ونقدية وتحليلية، إحقاقا لدينامية منهجية تتوخى تشييد الظاهرة الأدبية عبر شبكة من السياقات، وتحقيق حوارية لمواجهة إمبريالية النص” (ص 13).وهي أطروحة تتحرك في مختلف فصول الكتاب، وتعبر عن نفسها في مستويات ثلاثة متراكبة ومتراتبة، تتفاعل فيما بينها أفقيا وعموديا: الأول هو المستوى الإبستمولوجي المتصل بمبحث المعرفة ومناهجها وأدواتها؛ والثاني هو المستوى الإيديولوجي المتصل بمبحث الأخلاق وتداعياتها على صعيد الممارسة التاريخية والتمثلات الفكرية؛ والثالث هو المستوى الجمالي المتصل بمبحث الجمال وامتداداته في الأدب والنقد والنظرية الأدبية.
وسأشير بعجالة إلى بعض معالم المستويين الأول والثاني، على أن يكون المستوى الثالث بدوره مدخلا للحديث عن إجراءات نقد النقد الأدبي في هذا الكتاب:
1. 1- المستوى الإبستمولوجي
يقوم هذا المستوى على التقابل بين النزعات الوضعية التي شكلت عنوان الحداثة واستراتيجيات التفكيك والعماء التي تشكل عنوان ما بعد الحداثة:
فالإبستمولوجيا الوضعية، سواء في شكلها التجريبي الموروث عن أوكيستكونط أم في شكلها المنطقي المتبلور لدى حلقة فيينا، تتميز بطابعها الاختزالي الذي لا ينتبه إلا إلى المظاهر البارزة والمطردة والمتكررة فيبني عليها القوانين والقواعد. وتصبح مهمةُ هذه الإبستمولوجيا هي تبرير تلك القوانين والدفاععنها.
أما نظرية العماء فهي عبارة عن فرضية إبستمولوجية تقوم على ملاحظة اللّا-انتظام وتوصيفِ المظاهر المنفلتة والهامشية. فهي تنفي وجود قواعد منهجية كونية يمكن الاعتماد عليها لتأكيد صلاحية النظريات العلمية. بل إن تلك القواعد تسيج النشاط العلمي وتعيق تقدم العلوم.
فقيمة النظريات العلمية- حسب بّول فِييرابَند (Feyerabend) – لا تتأتى من احترامها للتقاليد والمناهج العلمية المُتَّبَعَة، وإنما تتأتى من كون أصحابها استثمروا جميع الإجراءات الممكنة. ولذلك لا ينبغي اعتماد مبدأ المقايسة بين النظريات، لأنها ليست قائمة على نفس الأرضية.
إن تطور الأبحاث العلمية- حسب فييرابند- يخضع غالبا لإبستمولوجيا فوضوية، لا تعني التحلل من القواعد، بقدر ما تتخذ بعدا معرفيا ونقديا من النظريات ذاتها، فتفترِض مبدأَ نَقْدٍ وتَفْنيدٍ مُمْكِنَيْن لأن الحقائق مؤقتة وقابلة للتعدد. والحِقَبُ- حسب سعيد علوش- تفترض “تجديدا للأداة والدواة لمواجهة تراكم الظواهر وتمردها المستفز والمحفز”. وذلك من أجل “إنزال النظريات من بروجها العاجية”، وتحريرها من إثنيةِ المَحَلّي، ووضعها ضمن شروط تطور تاريخي ونسقي.
فنظرية العماء تجسد “عودةَ الوعي باللّانظام”، وتنزع إلى احتلال الفضاء المتداخل بين حقول المعرفة، مما يمنحها مرونة وحركية. إنها تستعيد كل ما استبعدته التجربة الإبستمولوجية الوضعية، وما اعتُبِرَ مدنسا أو هجينا أو هامشيا أو شاذا لا يستجيب للأفقية المؤسَّسَة على مبدأ الهوية.
فإذا كانت النظريات الوضعية تقول أقل مما تقوله الوقائعُ التي تقوم عليها، فإن نظرية العماء تقول أكثرَ مما تقوله تلك الوقائع، وبذلك تنتمي إلى التاريخ وتفتح أطروحاتها نحو المستقبل. فالنظرية- كما قال أنطوان كومبانيون (Compagnon)- لا نهائية لأنها تفكيرٌ وتفكير حول التفكير.
وبناء على هذه المنطلقات والتصورات يجد القارئ مفاهيم وقضايا عديدة موزعة بين فصول الكتاب، منها قضية التمييز بين النظرية والمنهج، والتمييز بين الملاحِظ والملحوظ، والتمييز بين الدارس والمدروس. ومنها مفهوم “التَّرْتيق المنهجي” بصفته ممارسة سيميائية تُنْتِج أشكالا دالة انطلاقا من عناصر متفرقة أصلا يُضفى عليها طابعٌ تاريخي جذري (Jacques Fontanille).
1. 2- المستوى الإيديولوجي
يقوم هذا المستوى في كتاب سعيد علوش على المقابلة بين الحداثة وما بعد الحداثة، وبينهما يقترح مصطلحا ثالثا هو مصطلح “الحداثة السلفية” لتوصيف حركة النكوص التي أخذت في ركابها معظمَ الإنتاجات الفكرية العربية المعاصرة.
فالانتقال من الحداثة إلى ما بعدها هو انتقال من المغلق إلى المفتوح، ومن المتماسك إلى المفكك، ومن النظام إلى الفوضى، ومن التصميم الفني إلى العبث، ومن الصوت إلى الصمت، ومن الحضور إلى الغياب، ومن المدلول إلى الدال…
ولا يتحقق هذا الانتقال طبعا إلا على أرضية مشبعة بالحداثة وقِيَمِها، ومن خلال إنسان تاريخي ينتمي إلى زمنه جسدا وفكرا. لذلك يتساءل المؤلف: “أيوجد بين ظهرانينا تيارٌ تاريخي حاسم وناشط، يشمل الفن والعلم، الثقافة العليا والدنيا، المبادئ المذكرة والمؤنثة، الأجزاء والكليات، الواحد والمتعدد… أم أن تمزيق أوصال “أورفيوس” لا يبرهن إلا عن حاجة الذهن إلى صناعة إنشاء آخر جديد، يدور حول قابليات الحياة للتغيير وقابليات الإنسان للخلود؟”([iii]).
بإمكان القارئ- في هذا المستوى- أن يتتبع تصورا فكريا ممتدا من صفحة الكتاب الأولى إلى صفحته الأخيرة، وهو تصور ينتصر إلى انتماء الإنسان إلى زمنه من خلال مراجعة جذرية لتصوراته وإعادة النظر في الإبدالات الفكرية التي تسجنه والخُطَط الإيديولوجية التي تسيجه.
فـ”الحداثة السلفية” اتجاه إيديولوجي ينسحب إلى الوراء، لكنه يبسط سيطرته في العديد من الإنتاجات الفكرية العربية الحديثة والمعاصرة، ويتخفى وراء شعارات الحداثة وما بعدها. إنه مصطلح دقيق لوصف الارتداد الذي أصاب الفكر العربي.
وفي هذا الصدد نستشف دعوة المؤلف إلى الفصل بين العلم والمؤسسات العلمية القائمة والمعتمدة، على غرار الفصل بين الدين والدولة في المجتمعات المتحضرة.فتلك المؤسسات تتعامل مع النظرية على أنها مجرد منهج وتقنية لوصفات جاهزة في مطبخ الأدب.
إن النظرية والمنهج ليسا بديلا إثنيا (عربيا) لتأكيد “سلطة النص” على غرار “سلطة السياسة” في مقاربات الحداثة السلفية…فالتنظير- يقول المؤلف- “ليس مقاولة توحيد موحدة ووحيدة، كما أن الأدب ليس مقاولةَ توحيدٍ مُوَحَّدَةً ووحيدةً”، بل هو “طريقة للتمييز بين الأنطولوجي والمعرفي، وطريقة للتحديق في عين الشمس” على حد قوله.
1. 3- المستوى الجمالي
نقصد بالمستوى الجمالي مجموع التصورات المتصلة بالأدب ونقده، في إطار نظرية الأدب وتحولاتها. وفي هذا المستوى يبني المؤلفُ تصورَه الدينامي للنظرية الأدبية المعاصرة من خلال المقابلة بين النظريات الأدبية الحديثة التي تشكل المقارباتُ الوضعيةُ ومشتقاتُها عنوانَها البارز من جهة وبين نظريات ما بعدَ الحداثة التي تشكل استراتيجياتُ التفكيك أحدَ اتجاهاتها البارزة من جهة أخرى.
فأطروحة المؤلف في هذا المستوى هي أن النصوص لا تستمد قيمتَها من ذاتها وإنما تستمدها من القُرّاء؛ وهي أطروحة تقوم على أرضية هيرمينوطيقية (تأويلية)وتتجه وِجهة تفكيكية عمائية:
– تتجلى الأرضية التأويلية في اعتبار أن النصوص هي التي “تحمل متلقيها على منحها قِيَمها”؛ لأنها “ليست مشحونة بقيم جاهزة لا تتطلب من القارئ غير فك سننها ومغلقاتها”. فنظرية القيمة لم تعد مطلقة، لارتباطها بسلطة تعريف ضعيفة؛ لذلك حلت محلها تصوراتٌنسبية تخضع لمعايير ومعارف ومصالح لحظة تاريخية قابلة للنقد ونقد النقد.
فـ”العلاقة بين الكاتب والقارئ تصبح- كما قال فرانسوا لوسي- أكثر ديموقراطية حينما يتوقف الكُتّاب عن إملاء مذهب علينا من عَل، بكل وضوحه الوهمي، بل يرغمنا على بذل الجهد ونحن نكتشف طريقنا خلال مناطق الغموض، ونصل إلى المعنى كلما تقدمنا”؛ لأنه لا وجود لطريق غير ذاك الذي يشكله مَشْيُنا، كما قال ماتشادو.
– أما الوجهة التفكيكية العمائية فهي تكمن في حضور تصورات بّول دي مان (Paul de Man)، الذي ذهب إلى أن الأدب بطبيعته ممارسةٌ تفكيكية تقوم على تشتيت المعاني الظاهرة وتشويشها، ومن ثم على هدم أطر الواقع المتعارف عليها وتوسيع حدود الدلالة. فتشويش اللغة يؤدي إلى خلخلتها وفك ارتباطها باللغة المعتمدة من قِبَل المؤسسات التسطيحية. فالعماء- بالنسبة له- فرضية أساسية تعتمد على ملاحظة اللّاانتظام في الظواهر الأدبية، عبر شروط لغوية وتخييلية معينة لتطور هذه الظواهر.
وسوف نتبين كيف تم استثمار هذه الأرضية التأويلية وكيف تم المسير نحو هذه الوجهة التفكيكية العمائية، من خلال بعض الاشتغالاتالميتانقدية داخل الكتاب.
2. نقد النقد الأدبي
في ضوء هذه المستويات الثلاثة، وبناء على الأرضية التأويلية والوجهة التفكيكية المشار إليهما، يتشكل داخل الكتاب خطابٌ ميتانقدي (Metacritique) يعالج قضايا ومواضيع، منهاتحولات النقد الأدبي من هيمنة المناهج الوضعية إلى النقد الجديد والبنيوية وما بعدها من تفكيكية وتاريخانية جديدة وغيرها. ومنها الحداثة السلفية وحركة الرجوع إلى إمبريالية النص في النقد العربي الحالي، حيث يتم الجمع مثلا بين الجرجاني و وسوسير وفوكو ودريدا في سلة واحدة.
وذلك على أساس أن نقدَ النقد أو الميتانقد- حسب المؤلف- مبحثٌ يستلهم مبادئه من الإبستمولوجية المعاصرة، بحثا عن أسس نظرية وتحليلية تجعله يعالج النصوص النقدية باعتبارها تشفيرات بلاغية تُبْنى من خلال الممارسات السيميائية، مثلها في ذلك مثل النصوص الأدبية.
فنظرية العماء- المعتمدَة هنا كوِجهة لنقد النقد- لا تقيم حاجزا بين قراءة النصوص الأدبية والاستراتيجيات التي تتطلبها اللغات النقدية، ما دامت الكتابة تمتلك وَعْيَ جَدَلِيَتِها العمياء بتفوق بصيرتها على تصنيفات الأطروحات السائدة ورفضها لنظام الأولويات التي تحكم العلاقة بين اللغتين (الإبداعية والنقدية)، أو الافتراضات المسبقة بكمال معنى لغة الإبداع. وهو ما تلمح إليه لغةE النقد ضمن استراتيجيات قراءتها.
إن ارتباط عماء الأدب بفعل الكتابة ذاتِها، يجعل خاصيةَ اللغة الأدبية ودرجةَ عمائها لا تنفصلان عن بصيرة الإبداع. فالإبداع ظاهرة منفلتة من النظام العام، وبلاغةُ دارسي العماء الأدبي والنقدي تستدعي باستمرارٍ مرجعيةَ الطابع الشعري لهذه النظرية التي تجد مجال تطبيقها في كثير من الإبداعات، وتعمل على تبرير عماء الأدب الذي لا يني عن تذكيرنا بتداعيات العوالم الحسية لذواتنا، في الوقت الذي نزاول فيه الكتابة والقراءة والحكم.
وقد اتجهت مقاربة سعيد علوش نحو البحث في عماء الخطاب النقدي للنظريات الأدبية، من خلال استقراء مظاهر مختلفة، منها الشاهد والإحالة والحوار والمزايدة والتغييب والانتقائية والترجمة والتعليق والتحليل والضبط والتوثيق والدعاية والترويج والتنوير والتحديث.
وهو يهدف من خلال ذلك إلى وضع القارئ أمام الصورة التقريبية لبعض مكونات الدرس النقدي من وِجْهَةٍ مُقارِنَة، تنزع إلى طرح إشكاليةِ عماءِ شكلٍ نقديٍّ معين، من خلال مجموعة من الأطروحات العمائية في شكل بصائر”.
وقد قدم المؤلف، في الفصل الرابع من الكتاب،دراسة مباشرة ومركزة لمتن نقدي عربي حديث، يتشكل من مقدمات الكتب النقدية والمترجمة، والمقاربات العربية للنظرية الأدبية، وحوارات النقادوبيبليوغرافيات النقد. وذلك على أساس أن هذه العناصر تمثل علامات دالة تستهدف “نقد الأفكار الأدبية”. وفي هذا الصدد استحضر أعمال حامد أبو أحمد وعبد الكريم حسن وعبد الواحد لؤلؤة وشكري عياد وصلاح فضل ومحيي الدين صبحي وعيسى بلاطة وجابر عصفور وعبد العزيز حمودة وغيرهم.
[1]- أعمال سعيد علوش الصادرة في كتب إلى حدود الأن: الرواية والإيديولوجيا في المغرب العربي (1960- 1975)، دار الكلمة، بيروت، 1981 (صدرت طبعة ثانية من هذا الكتاب عن الناشر نفسه سنة 2013، في 269ص)؛ المصطلحات الأدبية المعاصرة (عرض وتقديم وترجمة)، منشورات المكتبة الجامعية، الدار البيضاء، 1984، 160ص (صدرت طبعة أخرى من هذا الكتاب عن دار الكتاب اللبناني في بيروتسنة 1985، في 304ص)؛ هيرمينوتيك النثر الأدبي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1985، 72؛ إشكالية التيارات والتأثيرات في الوطن العربي (دراسة مقارنة)، سعيد علوش، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء- بيروت، 1986، 224ص؛ عنف المتخيل في أعمال إميل حبيبي، المؤسسة الحديثة، الدار البيضاء، 1986، 135ص (صدرت طبعة ثانية من هذا الكتاب عن مركز الإنماء القومي في بيروت سنة 1987)؛ مدارس الأدب المقارَن (دراسة منهجية)، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء- بيروت، 1987، 344ص؛ مكونات الأدب المقارَن في الأدب العالم العربي، الشركة العالمية للكتاب، بيروت (لبنان)، 1987، 830ص؛ النقد الموضوعاتي، شركة بابل، الرباط، 1989، 175ص؛ بيبليوغرافيا الدراسات الأدبية الجامعية بالمغرب، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية (جامعة محمد الخامس)، الرباط، 1990، 184ص (جمع وتقديم سعيد علوش، فهرسة ومراجعة محمد أديوان)؛ خطاب الترجمة الأدبية (من الازدواجية إلى المثاقفة) (1912-1956)، نشر مدرسة الملك فهد العليا للترجمة (جامعة عبد المالك السعدي)، طنجة، 1990، 316ص؛ شعرية الترجمات المغربية للأدبيات الفرنسية، منشورات مدرسة الملك فهد العليا للترجمة (جامعة عبد المالك السعدي)، طنجة، 1991، 409ص؛ أطروحة الثقافة الخليجية في نقد النقد الأدبي العماني، مطبعة أمبريال، الرباط، 1999، 527ص؛ نظرية العماء وعولمة الأدب (تشظيات الإبداع وتشويش النقد)، مطبعة فيد- برانت، الرباط، 2000، 242ص؛ نقد المركزية العقائدية في نظرية الأدب الإسلامي، دار أبي رقراق، الرباط، 2002؛ الفن التاسع (نهارات الحكي في شريط القصة المصورة)، مطبعة فيد- برانت، الرباط، 2000، 242ص؛ اشتغالات الحداد الأدبي، دار أبي رقراق، الرباط، 2005، 306ص؛ نقد ثقافي أم حداثة سلفية؟، دار أبي رقراق، الدار البيضاء، 2007، 269ص (صدرت طبعة أخرى من هذا الكتاب عن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة سنة 2010، في 221ص)؛ جدل الأدبي والسينمائي (مقاربة مقارنة)، منشورات دار أبي رقراق، الرباط، 2008، 216ص؛ تنظير النظرية الأدبية (من الوضعية إلى الرقمية)، مطبعة البيضاوي، الرباط، 2013، 492ص؛ معجم مصطلحات النقد الأدبي المعاصر، دار الكتاب الجديد، بيروت، 2019، 653ص؛ جمالية القبح، الرباط،، 2021- 2022 (صدر الجز أول عن دار الوطن في الرباط سنة 2021 في 353ص، وصدر الجزء الثاني عن دار القلم في الرباط سنة 2021 في 624ص، وصدر الجزء الثالث عن دار القلم في الرباط سنة 2022 في 201ص… أما الترجمات، فهي:المقاربة التداولية، تأليف فرنسوازأرمينـﯖو، ترجمة سعيد علوش، نشر مركز الإنماء القومي، بيروت، 1986، 96ص (صدرت طبعة ثانية من هذه الترجمة سنة 1987 عن المؤسسة الحديثة للنشر والتوزيع بالدار البيضاء في 127ص)؛ أزمة الأدب المقارَن، تأليف روني إيتيامبل، ترجمة سعيد علوش، نشر المؤسسة الحديثة للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، 1987، 103ص… أما أعماله الروائية فمنها: حاجز الثلــج، إميشيل، وتاسانو ملعون القارات، وسيرك عمــار، ومدن السكر، وكاميكاز.
[1]- عبد الواحد المرابط، “آليات الأدب المقارَن؛ مدخل إلى مشروع سعيد علوش”، ضمن كتاب: المقارنون العرب اليوم، تنسيق إدريس اعبيزة، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، جامعة محمد الخامس- أكدال، 2014، القسم الأول، ص 259- 272.
[1]- أورفيوسمن الأبطال الخارقين فى الأساطير اليونانية، وهبته الآلهه مواهب موسيقيه فوق العادة.