ما أروعَ أهل غزّة!
لقد جمعوا النارَ وألقوا بها في العتمة،
فكان الفجرُ والعيد.
***
غزّة، لا تجد في الأغاني متّسعاً،
لترداد الحروف.
***
السيدة العمياء، العدالة ما زالت عمياء.
فأشعِلوا أيّها السائرون دماءكم،
لتَقودوا الطريقَ إلى الميزان.
***
هَزَمْتَني سابقاً، والآن، لعبة جديدة،
ومختلفة.
***
انظروا من النافذة، انقلبت الدّنيا،
ولم يتغيّر شيء في غزّة!
***
كلُّ فلسطيني جثّةٌ مُحتملة.
***
زجاجة الدم، بسائلها الأسود، ما جعلك مخموراً، أيّها الجنديّ،
وينفجر، ثانيةً، قلبُ الطفلِ مثل حبّة البرقوق، من مشط الرّصاص الخارق.
قتل البريء، كيف هو الشعور؟
***
لا تحمل إنسانيّتك عبر الحدود،
ستنفجر في وجهك.
***
باقة الورد القادمة، سأقطفها من البركان.
***
إن لم نمتلِك غزّة
لن نملك أنفسَنا.
***
غزة أقواس قزح في عالم مطموس بلا ألوان.
***
من لوح الحروف في دفترغزّة، خرج المسيحُ إلى الطرقات،
فأخذه الأطفالُ إلى حارةٍ قريبة، ليرى دَمَه هناك.
***
الغيوم النّارية صهرت الجذور،وجفّفت العروق،ومحت الشواهد.
وانتصب العدم فوقها، بكامل رُعبه، يجلجل مثل تنّينٍ صاعقٍ بغيضٍ يتميّز بِغَيظه،ويضرب الأرضَ فترتجّ الآفاق..
غير أن فسيلةً نَبَتت، مثل شهقةٍ، بين حَجرين،
وراحت تمتصّ ريقَ الجَمر،
وتضرب جذورَها تحت الرماد.
***
غزّة على بالي، منذ ذرعتُ دروبها، وكان الشجرُ يمدّ يدَه مصافحاً الغريب، لم يكن غريباً تماماً، كان سلسال جلّنار على صدر ابنتها، والفجر خِمار الخجل، والزفّة في أوج الطوفان.
غزّة قنديل الدنيا المكسور، وشَعر البنات الممزّع، واللوز المحطّم مثل أسنانها الهامسة.
غزّة حريق يندلع ولا ينطفئ من السوق المغلق إلى القبّة المتهاوية، ومن الشمال الظمآن حتّى البرتقال المشروخ، ومن توتها المرضوض إلى ساحات القصف الأعمى.
غزّة مأتم كامل السواد، ومئذنة مكسورة، وجرسيّة بلا ناقوس، وهي صلابة الماء، وصليب الحلوى، وخنجر الكابوس.
***
هل تسمعهم يا ابنَ عربي،
لقد بلغوا حدّ الكشف ومقامَ النّور!
***
المُدّعي الجاهل أو المأجور وحده مَنْ لا يُراجع النصّ المُلْتَبس.
***
وَصَمتَ صديقي الشاعر، ونحن في مطعم على الشاطئ، وسَرَح، ثم عاد!
ما الذي أخذك منّا يا صاحبي؟
ردّ مستغرباً : ألم تسمع مقطوعة الصيّاد ؟
لقد رقص الشبّاك.
***
على ماذا يتشاوف هذا الطاووس؟
لقد هزمته الظلال.
***
غزّة مناديل الدّخان، وسعفة العويل، وفاحشة الجار، وبيت العزاء المبعثر في الأوحال، وأخدود السواد الكاوي، ولطمة البنت على أبيها، وتغريبة الضياع والنزوح، ورماد الحكاية، وورق المصحف، ووجه العذراء، وسقوط السقف على الرضيع، و …
غزّة جنازة الحمامة، ونعش العروس، ورمح الوثنيّ البغيض، ورقصة المذبوح على تلّة المغيب، وانتظار الطعنة، وأصيص الزّهر الذّاوي، و …
***
السلاح ينبح في كلّ البلاد؛ ولهذا
يبدو الجنونُ، جيداً، الآن.
***
“سوف نضاجع الأفعى بعد أن نمسك برأسها”؛
هذا ما كان يعلنه البدائيّون،
قبيل حربهم على الغابة،
ثمّ يتركون الأشجارَ محروقةً حتّى التراب،
أو لها ألوان الصدأ.
***
أوقفه الحاجز، كانوا مستنفرين وحانقين، وبعد أن أتمّوا حفلة الذّل والتفتيش والتنبيش عن الهواء، قالوا لامرأته أن تخلع كلّ ملابسها، فثمة وطنٌ سينفجر في بطنها، وارتفع الصراخ الوحشي المجنون، وانغلق العقل- سيعرّونها غـَصْباً-وبعد دقائق كان دمُه يشقّ جداول نحو الشجر اليابس على حافة المجنزرات، وامرأة تستلقي دون ثياب!
***
غداً ستدلّ العشبةُ الناسَ على المقبرة الغامضة،
التي دُفن فيها القتلى،
وسيكتشفون أنّ بعضهم ما زال حيّاً،
ويئنّ من جراحه المُثخنة،
وسيحكي القصّةَ من أوّلها.
***
وغزّة ما ستقوله الجدّات للمهد الفارغ، ونحيب الشيخ على أطلال العبث، وشقّ الثوب على أخبار العدم، وغّزة لبن الأطفال المسموم، وهجرة البراءة إلى الغد المُغلق،وشراب التوت المهروق على جثّة البناية، وغزّة آخر أبجديّات الخراب، وأوّل عشبة تحت الخيمة، وعناد الغروب.
***
إنّنا نكتب، والنار بين أصابعنا.
***
إفطار أول يوم في رمضان، هو مغرب القشعريرة والبكاء الذابح الغوليّ، ومساء الفُقْدان الضاري! إنه يومٌ تتجدد فيه الفجيعة، ويتذكر الأهل مَنْ كان في رمضان الفائت. ثمة نقصٌ جارح، وثمة شاهدان أو قضبان أو عيادة للمعاقين أو مَن ظلوا تحت الرّكام.. أو سفرٌ بعيد.
هنا صراخٌ مكتومٌ وحشيٌّ يكاد يهرس صدر الأب أو الأم أو الأبناء، وثمة موائد مثل المراجيح،فارغة، تتطاير كالمناديل السوداء على طرق المقابر.
ستهمد عيون الآباء، وتظلُّ الجمرة! وسيكبر الصغارُ وفي حلوقهمِ مرارةٌ مغثية، يكرهون معها الشهر والعيد ومناسبات التلاقي والثياب والحلوى.. والنسيانَ الذي يُبقيهم وحيدين دون يدٍ أو نداء.
***
الشهداء
ذهبوا حيث لا ألم ولا تفكير،
وربما استيقظوا في الهواء قبل أن يرتطموا بالرصيف.
لقد جعلنا أسماءهم مثل الموسيقا، أو مثل أنشودةٍ بيضاء لإلهٍ لطيفٍ حنون،
فَهَبَّت النارُ مرّة أخرى في الشّفاه.
***
غزّة ورشة الشيطان، وأسلاك الظلام العارية، ومطحنة الإخوة المتفرّجين على شريط المحرقة اللاينتهي …
وغزّة حَمّام الدم العالميّ، ورغوة الأيدي القذرة، وفراغ لاستطالة الفولاذ، ومكبّ للموتى والتائهين والمطمورين، وغزّة نبض يتمتم تحت أسداف الركام.
***
المُلثّمُ الجسور، اسمُه يقرعُ الجَرَس،
وشَبَحهُ قويّ،
وبعض الوَحيِ في متناول يده!
***
الطيورُ الجارحةُ الساخطةُ،
أحَلَّت الظلامَ مرّةً أخرى،
وأيقظتنا من نَوْمنا الحجريّ،
لعلّنا نخرجُ من الكهوف المعتمة.
***
رغم التربة المالحة،
سنسقي حديقةَ الحُلم
***
وغزّة خلاف الموج مع اليباب، والعقارب الراجعة إلى الصفر، وهي قارورة الخلود، وتراجيديا الحنين الضاري، وكوميديا الوعي الزائف، وغزّة دكّة غسل الموتى، ومنصّة الغاصبين، وذبول المندلينا على أمّها النجمة، وغزّة كابوس النهار، ووسوسة البهيم، وضربات عِرق الرقبة، وهي آه الضباب الحارق، ورشقة الوريد، وركوة القهوة المنسيّة، ولبن التين، وريق البتول ليلة دخلتها، ورائحة الشاش المدبّغ بجرح اللّحاء، وغزّة نداء العرائش على الراحلين، ونَحلة الدالية الشقراء، وغزّة جمرة في جيب صدري.
وغزّة لهجة المتعبين، وكتابيَ المفتوح على احتمالات الشغف أو الغرق.
***
أيّها القتلة،
ستخلعون الشوكَ، الذي غرزتموه في أقدامنا
بأسنانكم.
***
وجد نفسَه واقفاً بين الساحة والنازحين، وسأل:
هل أنا مقاتلٌ أم من المدنيّين؟
ولماذا أقف بينهما؟
هل صعدتُ من النفق لأستكمل دوري،
أم نهضتُ عن حصيرتي وذهبتُ لأقضي حاجة… وعدت؟
لا بُدّ من يدٍ ترشدني،
فما زلتُ واقفاً.
***
خلعوا عنهم ملابسهم ، وقيّدوا أيديهم، وعصبوا أعينهم، وجعلوهم يركعون على ركبهم..
أسرى غزة أم حُكّام العالَم؟
***
ستسقط دولتكم يوماً ما، حتّى لو ساعدكم الإنس والجانّ،
فلا شيء ينبت هنا بدون جذور.
***
وغزّة جليلي ورسولي الشابّ، والجلجلة المتوقّعة حتّى نضفّر تاجاً آخر من النعناع والزعتر، ونُحيل طريق الآلام ممرّاً للزّفاف، وغزّة المنادي في دلال الطفل.
***
هي لوحة كولاج أنجزها القَدرُ وأنزلها،
فكانت غزّة.
لكنّهم تاهوا في ألوانها،
وضاعوا بين مكوّناتها،
ولن يجدوا في متاهة اللوحة ما يوصلهم إلى النّوم.
***
لقد حرّرت غزّةُ العالم،
كما فتحت قضايا الظلم في كلّ القارّات،
وكلامي عن غزّة لا يحرّرها، لكنّه يحرّرني.
***
لقد ارتفعت شآبيب النار،
واحترق الليل تماماً،
ليجد القتلةُ رماداً بين أقدامهم المعفّرة
بالضياع.
***
عندما انسرب الدم الهائل، وشقّ جدولَه، ولامس الأمواجَ
صرخ البحر.
***
اليد القويّة مغرورة، وستفقد أصابعها.
***
..ومع المَقتلة الرجراجة، ما زالوا يتفوّهون بكثيرٍ من الترّهات عن السلام!
***
ستلتئم الجراح، وتنبتُ الوردةُ من غصن الحريق.
***
غزّةُ آلهةُ البأس، ولا يمكن هزيمة الآلهة.
***
هذه “الدولة” العَفِنة، دَنّسَت الدنيا!
***
أيّها العالَمُ الغابة، ستغرقُ بالأسف.
***
المُلثّمُ مليء بالمفاجآت،
وغداً العيد الكبير.
***
نعرضُ بضاعتنا الحمراء، لنشتري حريّتنا الملوّنة.
***
سنغيّر الكلمات، في هذه الأرض.
***
لن تدرك معنى الجحيم، حتّى
ترى أُمَّكَ في النار.
***
العواصفُ الفتيّة؛ تجعل سطحَ الماء الضحِل يثرثر.
***
قمتم بأعمال مُتعرّقة وسِرّيّة، في غرفة نَوْمي،
وهي لي، ليست لكم.
وهناك، بعيداً، فِراشكم الذي ينبغي النَّوم عليه،
فاذهبوا إلى الكوابيس.
***
أرِني أيّها الجندي: مَن الذي ارتعشت يداه؟
***
لقد أخرجتم الوحشَ، من خلفِ قمصانكم،
ربّما ينهشنا،
لكنّه سيأكلكم.
***
افعلوا ما تريدون،
فلم تتركوا شيئاً نخاف عليه.
***
البحرُ الساطعُ، وغرفُ القمر، وأغنياتُ ليلِ الأمواج، وحليبُ العرائسِ الساخن،
وأثرُ السجودِ على التراب، وموقدةُ شايِ النعناع، وضحكةُ الرضيعِ النائم،
ورضا الأُمّهات، والنايُ الجارح البعيد، وألوان الحقيبةِ المدرسيّة، والقُبْلةُ المخطوفة تحت الدّرج، وصباحاتُ العيد، وانفعالُ الحمائمِ على البيدر، ومقلاةُ النارِ الحريفة،
وفرحةُ النّجاحِ في الثانويّة، وضجيجُ الأعراس القريبة، والزّنكُ المشطوف بعد المطر، وعناقُ الجيران، واللّمة في شهر رمضان، والسهرُ على مصاطب الرّصيف، وشبكةُ الصيّاد الطافحة، والعرقُ البارد على ثوبِ الطين، وطقطقةُ شرر الكانون، ومرآةُ المفاتنِ في الليل، والنمائمُ البريئة، وقميصُ المناسبات الوحيد،
وشهقةُ المانجو على الأغصان، والهرولةُ وقتَ صلاة الجمعة، والرجوعُ المطمئنّ إلى الدار، و… راحت إلى غير رجعة.
ربمّا ستعود، ولكن بإيقاعٍ مكسور.
***
يقفُ الماءُ على أبوابِ المدينة، وينظر خلفَه،
ويتذكّر الغيمةَ، التي جاء منها،
والرّعدَ الذي صاحبه في النزول،
وسيدخل ديرَالبلح، ليعطيَها باقةَ البَرقِ،
التي حملها.
***
الأنفاقُ الشمسيّة تزحف كلّ يوم،
نحو الشروق.
***
إنّه الدوران في الدوّامة المتّسعة،
التي تحاولُ الوصول إلى حفل البراءة.
إنّهم يفتحون بوّابات الفوضى على العالَم.
ويطلقون المدّ الملطّخ بالدماء.
***
سترتفع الحجارةُ، وتغنّي،
ويمتلئ عشُّ الأحلام،
وستخرج الطيورُ من تحت الأنقاض.
***
ألقى جنودُ الاحتلال سيدةً من الطابق الخامس،
ثمّ أعدموها، فوراً، أمام عائلتها،
وقد لحقوا بها، دون تأخير.
***
بتروا ساقها بسكّينة مطبخ،
وضعوها على طاولة الطعام، كغرفة عمليّات،
وتناول الطبيب ليفة الأطباق والصابون،
وبدأ بفرك الجرح من أثر الردم،
ثمّ حزّ، بقوّة، ساقَها،
كانت تتمتم بآيات الله التّامّات،
القرآنُ (بنج) المصابين.
***
نزلت النارُ عليهم، واحترقت الخيمة،
كانت ابنتها بجانبها، فاحترقت وتفحّمت،
واحترق زوجها، أيضاً، وتَرمّد،
احترقوا، والخيمة تتميّز بغيظها،
ربّما خرجتْ، ولم يطفئ أحدٌ وجهَها بعد.
***
ثمة من أضاع حبيبتَه
قبل أن يفهم معنى الحُبّ.
***
عندما يخطىء البعض يدّعي أنه القدر!
***
سأل الصغيرُ أُمَّه: كيف جئتُ إلى الحياة؟
قالت: عندما سافر أبوك، وغاب لسنوات،
لم يكن أمامي غير أن أزرع المساكب بالحبَق والنعناع والبنفسج،
وكنتُ أنام عاريةً بجانبها، في ليالي الصيف، فحملتُ بك،
وفرح أبوك كثيراً حين عاد،
لكنّ القذيفة لم تمهله ليرى عينيك.
***
رصفوا الرّاجمات تباعاً،
ونصبوا المنصّة القانصة،
وبهرجوا السماء بأضواءٍ تخطف الأنظار،
وحضرت البنادق المجنونة،
ولم يُخرِجوا الأشلاء من تحت الأنقاض.
فقال صاحب البيت المقصوف:
ميّتٌ آخر لن يزعج أصحاب القبور.
***
الطائراتُ الورقيّة كانت تتراقص في السماء،
وثمّة قلبٌ كان يشدّها إليه، هو قلبيَ الطائر.
لكنّ الطائرات اليوم يحوّمن فيه.
***
منذ العدوان، تقريباً، لم يره أحدٌ من أصدقائه،
فتطوّع أحدهم ليسأل أهل بيته عنه،
وكم كانت المفاجأة،
لقد أفادت زوجته أنّه توقّف عن البكاء مؤخّراً.
ولم يجد سبيلاً لاستعادة إحساسه بالأشياء، سوى
أن يزرع حديقته المبعثرة، بالخزامى،
فبذَر الأرضَ المحروثة،
وانتظر،
وحتّى اللحظة لم تبكِ السماء.
***
بيته مقابل ساحة تجمّع الدبّابات وأرتال الجنود، وكلّما تحرّكت
يقوم الرجل بتوزيع الهدايا التي تركتها المجنزرات.
والجيران، القليلون، سعداء بهذا الرجل،
وبأكياسه المليئة بالهواء،
التي يتركها أمام بيوتهم، ويمضي.
***
الحربُ فوق القانون.
بل إنّني حتّى الآن لم أجد القوانين الأرضيّة
التي تستحقّ أن أتّبعها.
ولا أدّعي أنّني أفهم القوانين،
لكنّي وجدتُ المعنى في تحطيمها.
***
حملوا أواني الفخّار، وصحونَ الزّنك، وأوعية الزجاج،
ووصلوا مركز توزيع المؤن، حتّى وصلوا أوّله،
كانوا ينتظرون الرغيف عند اكتماله،
ليحملوه ويعودوا إلى الجائعين،
كأنّ قدورهم، وطناجرهم، وأباريقهم امتلأت بالحليب،
لكنّهم أخطأوا التوقيت،
فما زال القمر هلالاً،
والغيوم ثقيلة، وسميكة، وكثيفة،
والمركز لم يكن غير غرفةٍ صغيرة مكتظّة،
والخبزُ قد توقّف عند الحدود المغلقة،
وعادوا، كالعادة، دون حمولتهم الخفيفة المتوقّعة.
تعليق واحد
أهلا وسهلا بكم في أول مشاركاتكم.. نحييكم