الأدب واحد من التجليات الثقافية المهمة التي يشهد فيها المجتمع الأردني غزارة في الإنتاج، وتنوعاً في الحقول، ومن المهم الإشارة إلى الدور الكبير الذي يلعبه الأدب بجميع أنواعه(شعراً، ورواية،وقصة قصيرة، ومسرحاً) وغير ذلك في تشكيل ثقافة الفرد وصياغة وجدانه وتأطير وعي المجتمع،ففي العمل الأدبي يتاح للمتلقي فرصة ثمينة للحضور في عمق الفعل الأدبي والانخراط في شكل ما من أشكال الحياة،ومعايشة أشخاص ومواقف وأحداث من الصعب أن يقترب منها أو يشاهدها أو يشهد عليها الفرد في الواقع،ودخول المتلقي الحقيقي إلى النص الأدبي والالتحام به إنما يمثل رغبة واعية في تمثل القيم الأدبية لذلك العمل، تلك التي قد تسمو فوق قيم الواقع، أو تجعلها أكثر تسامحا ولينا وحيوية، وأقل تسلطاً ، ومن ثم فإن للأدب دوراً كبيراً في بناء الرؤى والتطلعات وتشكيل الوعي، لا سيما حين يتعلق المتلقي بشخصيات يحلم بها ولا يجدها في الواقع، ومن هنا تبرز أهمية الأسس التي تبنى عليها الشخصيات الأدبية في الرواية والقصة،وطبيعة الأصوات التي تطلع من رحم القصائد الشعرية، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الحدود الهلامية القائمة بين الأنواع الأدبية التي توشك أن تتقاطع في مساحات كبيرة.
ونظرا لكون الأدب قناة كفؤة وجيدة التوصيل فإن استثمارها بشكل صحيح يمكن أن يروي عطش النفوس التواقة إلى تأثيث الحياة بقيم دافئة وناعمة وعملية، مستنبتة من الحاضر، ومطلة على المستقبل، وهذا إنما يكون عبر زراعة “الآرام” التي تحدد معالم الطريق في عالم اتسعت فيه المسافات الفاصلة بين البشر فيزيائيا بعد أن أصبح قرية صغيرة إلكترونيا.
ونظرا لتلك الأهمية الكبيرة والدور المؤثر للأدب فإن استثماره لخدمة الثقافة لا يكون كميا عشوائيا وإنما من خلال توجيه نوعي لدفة الأدب ليس لصالح التخندق خلف أيديولوجيا معينة ومحاصرة الأدب بها وخنقه، ولكن لتبني القيم التي من شأنها أن تخدم الأهداف الاجتماعية المتمثلة بالعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والتكافل الاجتماعي والإنتاج، والسياسية المتمثلة بأهمية توسيع قاعدة المشاركة في الحياة السياسية، وتعظيم قيم الديمقراطية والحوار والتسامح، والاقتصادية المتمثلة بمسؤولية المجتمع عن تحقيق الاكتفاء والرفاه من خلال منع الاحتكار وعدالة توزيع الثروة، ومحاربة الفساد، ولا يعني ذلك النيل من جماليات الأدب وتحويله إلى خطاب أيديولوجي بقدر ما يعني إعادة بث الحياة في الأدب من خلال استثمار أدواته وعناصره الفنية المكونة له من شخصيات روائية وقصصية أو مسرحية أو شعرية، ودفعها للاشتباك المباشر مع المحيط الحيوي وما يمثله من قيم، وترك حرية النمو والتطور لكل من الكاتب وشخصياته للتفاعل الصادق الجريء في مساحة واسعة من الحرية، دون أن يكون الكاتب ملزما باتخاذ موقف ما يعطل الحركة الطبيعية للفكر النقدي المبدع، أويتتبع سيرورة الفعل الأدبي وتجلياته بعين التشكك والارتياب، وبمعنى آخر وضع الأدب في مساحة تسمح له بالتفاعل الطبيعي، في وسط يضمن تحييد جميع العناصر التي قد تؤثر سلباً على عملية التفاعل الطبيعي؛لذا فإن الأوعية المعدة للتفاعل في المختبرات الكيميائية تصنع من زجاج (البوروسيليكات) ويجري تنظيفها تماما من أي مخلفات عالقة على جدرانها وعندئذ ستتحد العناصرأو تتفكك للوصول إلى النتيجة المطلوبة، وكذا الأمر في الأدب.
ولتكون المقاربة أكثر دقة فإن الأنبوب الذي يجري فيه التفاعل هو الشكل الأدبي الذي تمليه طبيعة الجنس الأدبي، فلابد أن يكون أدباً محققاً للشروط الفنية والمعيارية من سلامة لغوية، وبنية أسلوبية وجمالية، وفوق ذلك متوفرا على قيم إنسانية منتجة، بعيداً عن الغزل والتكسب والنمطية، أما عناصر التفاعل فهمي القارئ والمتلقي والنص نفسه، ولعل المختبر الذي يجري فيه التفاعل هو المجتمع كله الذي لابد أن يقتنع بوظيفة الأدب في الحياة ليقبل عليه ويتأثر به؛ فهو المستهدف في نهاية المطاف، وسيظل الأدب ترفاً ما لم يصل إلى الناس ويتغلغل بين ظهرانيهم،ترفاً في مجتمع غالبيته ليست مترفة، وهنا نتكلم عن أدب يصنع شخصيات ومقولات وأفكار يعظمها الناس، وعوالم لينة تخفف من قسوة الواقع ؛ أما مقولة على الناس أن يتكيفوا مع ما يكتب فهذا قول تعوزه العملانية والدقة، وسيفضي إلى مزيد من التراكمات والخطوط المتوازية.