تقديم
خلقت الحاجة والرغبة اللغة، لتقوم في بادئ أمرها بالتأليف، أصلها حدث، ففيها تنشأ الأسماء التي تمثل الأشياء وصفاتها، والأسماء التي تمثل الأحوال والأدوات النحوية، إنها الحياة، خاضعة لها في تطورها الذي لا ينتهي إلى حد، ولا شيء أكثر إمتاعا من ملاحظة تنوع الوسائل، وأحيانا كثيرة، تخرق تلك الوسائل التي تترجم عن العلاقات الملتقطة في الحياة الواقعية، وعدم ثبات المفردات الذي يصل إلى حد التطرف، تلك الخاصية تجعل اللغة تنحرف دون توقف، وتنمو دون حد عند جميع أولئك الذين يتكلمونها، لذلك فتطور اللغة يعد موضوعا شاسعا، تلعب فيه الأصواتية المرضية رافدا أساسيا وضروريا، تعد من التخصصات ا لتي تعني بتقويم الإعاقة السمعية النطقية ومعالجتها، وبما أن الإعاقة السمعية والنطقية مرتبطة ارتباطا شديدا بالنظامين الأصواتي والأحرفي السائدين في النظام اللغوي، فكل معالجة للاختلالات السمعية والنطقية لابد وأن تنطلق من واقع النظامين المذكورين، ومساهمة منا، في هذا المقال المعنون بـ “في كيفية اكتساب اللغة العربية لأطفال التوحد وصفا وملاحظة وتقييما، بهدف تقديم العون في محاولة فهم طبيعة الصوت اللغوي ومختلف الكيفيات المرتبطة به، وهو ما أثار اهتمام القدماء بالجانب الصوتي النظير لعملية الفصاحة، جانبا يهم الأعضاء المزودة بالمادة الخام (النفس) التي يتشكل منها الصوت، ويهم الأعضاء الممتدة على طول القناة الصوتية المسؤولة عن التنفس أو تتفاعل معه، فتحوله إلى أصوات وإلى حروف، كما يهم الأعضاء المستقبلة للصوت، والتي تنسق مختلف العمليات الصوتية، أي الجهازالعصبي وفيه الدماغ، مما يستدعي مجموعة من العوامل المعقدة ذات طبيعة مرتبطة بالنمو، والاكتساب الذي لا يخلو من صعوبات لغوية تكشف عن اضطرابات وأمراض في النطق تصيب فئة لا يستهان بها من الأطفال، فيصبح الأمر ذا علاقة بما هو صحي، مما يفرض معه تطوير المشاريع العلاجية والإجراءات الطبية، كما يفرض تظافر جهود العديد من التخصصات الطبية الإكلنيكية والنفسية التربوية ليشكل بذلك اكتساب اللغة عند أطفال التوحد قلقا لتعقده، فقبل أن يتمكن الطفل من التحكم في نظامه الحركي كفاية، يبدأ في إبراز قدراته العالية على الاكتساب اللغوي، وهذا ما استنفذ مداد الدارسين والباحثين في مجال العلوم الإنسانية خاصة، بعد انفتاح الدراسات اللسانية والنفسية والمعرفية المهتمة باللغة على مرجعيات متطورة، مكنتها من بلورة تصورات نظرية حول طبيعة اللغة والعوامل المتحكمة في اكتسابها وإنتاجها، المرتبطة بسيرورات ذهنية وعوامل فيزيولوجية، ومؤثرات خارجية وتداولية[1] اللسانيات وعلم النفس اللساني، واللسانيات المرضية على دراسة تطور اللغة لدى الأطفال، انتهت إلى بلورة مجموعة من النظريات والمقاربات لتفسير وفهم كيفية عملية اكتساب اللغة التي يتقاسمها الآن أخصائيون في جميع المجالات، النفسي والصحي، الطبي والتعليمي، محاولين فهم الصعوبات التي يواجهها الأطفال العاديون، ناهيك عن التوحديين والاضطرابات التي تؤثر على تطورها التنشئة الاجتماعية، مما جعل فندريس يرى أن اللغة لها نفس مزايا الورق النقدي، ولكنها محفوفة مثله بالأخطار، بمعنى إن كانت خالية من الحقيقة صارت مجرد أنفاس صوتيةـ أي حياة باطلة، وأنها عنصر مهم في تنمية شخصية الطفل واندماجه ونجاحه، فاللغة هي الحياة ولاحياة من دون لغة. وحول هذا الكائن المعجز تدور رحى البحث وكيفية اكتسابه من طرف أطفال التوحد فما الاكتساب اللغوي وما آليات اكتسابه؟
- الاكتساب اللغوي
اللغة
إن اللغة تلازمنا منذ ولادتنا وكأنها جزء ولد معنا، فهي تطور بيولوجي أشبه ما يكون بالنوم والأكل والمشي وما إلى ذلك، وبالنسبة للمجتمع بمثابة القلب للجسم البشري.
جاء في لسان العرب لابن منظورأن اللغة من اللغو واللغى، السقط وما يعتريه من الكلام وغيره ولايحصل منه على فائدة ولانفع[2]، عرفت اللغة على أنها كلام لم يشترط فيه الإفادة والنفع وأضاف: اللغو النطق، يقال هذه لغتهم التي يلغون بها، أي ينطقون، ولغوى الطير أصواتها، والطير تلغى بأصواتها، أي تنغم[3] هنا اشترط الاشتراك في معرفة اللغة، أي إن اللغة تتكون من أصوات موحدة بين الأفراد يتواصلون بها، وأعطى مثالا على الطير، لها من أصوات خاصة يتواصلون بها، ونجد تعريفا آخر يقول: لغا في القول لغوا، أخطأ وقال باطلا، ويقال لغى فلان لغوا، تكلم باللغو، ولغى بذلك تكلم به [4] فاللغو باطل، أما اصطلاحا فقد عرف بن جني اللغة على أنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم[5] ابن جني ذكر أصواتا تفاهم عليها مجموعة من الناس، فأصبحت تميزهم عن غيرهم، فيعبرون بها عن حاجاتهم وأغراضهم.
أما عند المحدثين فتشومسكي يرى اللغة بأنها مرآة الفكر، بمعنى عميق ومهم في إنتاج الذكاء الإنساني[6] فهي التي تعكس الفكر وتترجم هندسته الحياتية إنها -منظومة فكرية مؤلفة من أصوات منطوقة ومكتوبة على قواعد وضوابط معينة، وهي علم من العلوم الإنسانية، تعني بعلم الألفاظ الدالة عند أمة [7]“، واكتساب اللغة في الأبعاد الزمنية كمّا وكيفا، لهذا الاكتساب الذي يعد من أهم المواضيع التي تناولتها النظرية اللسانية الحديثة، في هذا الإطار، دار نقاش بين تشومسكي والسلوكيين الذين يعتقدون أن الطفل يأتي للعالم الخارجي صفحة بيضاء، ويتعلم اللغة عن طريق التقليد، في الوقت الذي يرى تشومسكي أن الطفل يولد مزودا بمعجم وبجهاز يساعده على اكتساب اللغة النسق المعقد في ظروف وجيزة ما بين السنتين والثلاث سنوات، ولو طلبنا منه البرهنة سيقف عاجزا، لأن اختصاصه لغويٌّ والبرهنة على وجود هذا الجهازمن اختصاص البيولوجي الذي عليه إجراء فحص للبرهنة على صحة أو عدم صحة الكلام، مما يدل على أننا أمام قضية صعبة وفي غاية التعقيد، لأنها متشعبة تتقاطع مع مجموعة من العلوم، لا سيما إن كان الأمر يتعلق بطفل مصاب بالتوحد هذا الكائن الذي لديه اضطراب نمائي شامل، لا يعرف نفسه، فكيف سيعرف كيفية اكتساب لغته، وبناء على ما تم الاطلاع عليه، تبين صعوبة الموضوع، فإن كانت اللغة فطرية خاضعة للملكة اللغوية القادرة على التعامل من خلال بنائها التدريجي، عكس فكرة السلوكيين الذين يرون أن الطفل يولد صفحة بيضاء والبيئة هي من يشكله، يبدو أن موضوع الاكتساب صعب بالنسبة للعاديين، ترى فكيف يتم مع التوحدي الذي يعيش العزلة والرفض التام للتعامل الخارجي بسبب الاضطراب النمائي الشامل الذي يولد به ؟ هذا موضوع راهن وشائك، مما جعل تشومسكي في برنامجه التوليدي يطرح نواة لأسس اللسانيات البيلوجية التي يدخل اكتساب اللغة في إطارها ، أعني الشق المتعلق بحصول الملكة في الدماغ، والفرضية تقول: إذا كان هذا الاكتساب الذي يعتبر قديما جديدا وهومن حقول اللسانيات التطبيقية ورد في مفاهيم عدة، يعرفه ابن منظور في معجمه لسان العرب يقول : كسب الكسب طلب الرزق وأصله الجمع، كسب يكسب كسبا وتكسب اكتسب، قال سيبويه لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، عبرعن الحسنة بكسبت، وعن السيئة باكتسبت، لأن معنى كسب خلاف اكتسب لما فيه من الزيادة، ذلك على أن كسب الحسنة بالإضافة إلى اكتساب السيئة أمر يسير[8] ويعرفه ابن فارس في معجمه مقاييس اللغة بقوله: من كسب فالكاف والسين والباء أصل صحيح، وهو يدل على ابتغاء وطلب وإصابة، فالكسب من ذلك، ويقال كسب أهله خيرا، وكسب الرجل مالا فكسبه، وهذا مما جاء على فعلته ففعل[9]
واصطلاحا، فقد عرف اكتساب اللغة بأنه العملية الشعورية وغير الشعورية، وغير المقصودة التي يتم بها تعلم اللغة الأم، ذلك أن الفرد يكتسب اللغة الأم في مواقف طبيعية وهو غير واع بذلك، ودون أن يكون هناك تعليم مخطط له، وهذا ما يحدث للأطفال، يكتسبون لغتهم الأولى، فهم لا يتلقون دروسا منظمة في قواعد اللغة وطرائق استعمالها، وإنما يعتمدون على أنفسهم في التعليم، مستفيدين من تلك القدرة التي زودهم بها الله تعالى التي تمكنهم من اكتساب اللغة فترة قصيرة وبمستوى رفيع، فاكتساب اللغة عمل لا إرادي تلقائي من دون تخطيط مسبق.
وعرف الاكتساب بأنه االتعلم الناتج عن التعرض للغة وممارستها في ظروف لا منهجية كما هو الحال في تعلم الطفل لغته الأولى، أوتعلم الأجنبي للغة عن طريق الاستعمال والاحتكاك بالناطقين بها [10] فالاكتساب لايحتاج إلى منهجية في بدايته، لكن يحتاج إلى الممارسة الفعلية، إنه الوسيلة التي يتم عن طريقها اكتساب اللغة ، فاكتساب مفردات اللغة يساعد على إنشاء عملية التواصل والتخاطب اليومي لتحقيق غايات أبعد، فتعلم لغة، يعني إثبات الذات الإنسانية عن طريق تداولها في اللسان وإعادتها بزيادة، جراء الذي يمتلك بفضله الإنسان القدرة على التواصل بلغة سواء باعتباره باثا او مستقبلا أو الاثنين معا، ويهتم الاكتساب اللغوي بطبيعة الكفاية التواصلية التي تحصل تدريجيا عند الطفل، ومقومات اكتسابها وظهورها ومدتها ومعوقاتها، فالطفل السليم يولد مزودا بقدرة فطرية وآليات تؤهله من إجراء عملية الاكتساب.
يرى ابن خلدون11 أن الاكتساب من أهم القضايا التي وجبت في الفكر اللغوي العربي منطلقا في حديثه عن اكتساب اللغة من قاعدة، إن اللغات لما كانت ملكات كما مر، كان تعلمها ممكنا مثل سائر الملكات، فهي ميزة إنسانية تتصف بأنها تكتسب بشكل متدرج غير مقصود، وهذه القدرة فطرية، وفي هذا الإطار قدم نوعين من الاكتساب اللغوي وهما:
- الاكتساب من خلال الترعرع في البيئة وسماع لغتها.
- الاكتساب عبر التعلم بواسطة الحفظ والمران .
على حين صرح تشومسكي أن اكتساب اللغة عند الطفل يكون من خلال القدرة الفطرية عبر تعليمية مباشرة من الأم أو المحيط، فالطفل السوي يكتسب المعرفة باللغة من دون الخضوع للقواعد والدروس، وهو الشيء الذي يميز مروره بمراحل حتى يكتسب اللغة يقول:
” في حالة اللغة، ينبغي أن نشرح كيف يتمكن الفرد الذي يحصل على بيانات. فالطفل عندما يوضع في بيئة لغوية محدودة من تطوير نظام معرفي غني جدا ً ما، تكون غير تامة ومتشظية وما إلى ذلك .يسمع مجموعة من الجمل التي غالبا ـ في “بناء” أو تمثّل قواعد، وعلى الرغم من ذلك كله ينجح ـ خلال وقت قصير جدا، أولا يمكن استخلاصھا لا بالاستنباط، ولا بالتجريد مما حصل عليه من خبرة. من هنا حددت مراحل يمر منها الطفل لاكتساب اللغة، تتضافر لأجلها عوامل مساعدة قد تكون من طرف ملكة ما، أو داخلية، كالأعضاء المسؤولة عن عملية الاكتساب.
- 1 السيرورة والدورة الزمنية لاكتساب اللغة
غنيّ عن البيان أن الأجهزة الصوتية لدى الطفل تساعده على اكتساب اللغة لتكيفها فطريا على ذلك، فالاستعداد لديه لتعلم أية لغة بشرية ظاهر بصورة جلية، ويكتسب لغة المجتمع المتواجد فيه، وأنه بعد سن معين -إذا لم يكتسب لغة المجتمع المتواجد فيه- فلا يمكنه أن يكتسب لغة بشرية، ومن المحاولات التي جرت في التاريخ لعزل بعض الأطفال الصغار قبل بدئهم الكلام لمعرفة ما إذا كان باستطاعتهم خلق لغة خاصة بهم، محاولة بسماتيك “فرعون مصر” ومحاولة فرديريك الثاني في صقلية عام 1200م، ومحاولة “جيمس الرابع ” في اسكتلندا 1500م، إذ أبانت هذه المحاولات كافة، أن الأطفال الذين لم يتعلموا اللغة في صغرهم لم يخلقوا لغة خاصة بهم، وأنهم يتمكنون من تعلم اللغة من بعد ذلك، إذا كانوا في سنيهم الأولى، أما إذا تأخروا عن سنوات الطفولة الأولى، فمن المتعذر تعلمهم اللغة إلا بشكل محدود جدا[11]، وإذا كانت المحاولات الأولى قد رمت إلى عزل الأطفال من المجتمع البشري من غير أن يتأثروا بمجتمع آخر، فماذا يحدث لو أن طفلا ما، عاش بين الذئاب والقردة والغزلان؟ أجاب المستر جيسل في كتابه “طفل الذئاب وطفل الإنسان” عن هذه التساؤلات، وهو يروى قصة طفلتين عاشتا في الهند، وبعد وضعهما في ملجأ للأيتام، وإجراء تدريبات مستمرة عليهما حتى يتخلصا من سلوك الذئاب واكتساب سلوك البشر، ماتت الصغيرة وبقيت الكبيرة التي كان عمرها آنذاك ثماني سنوات، وبعد مضي ست سنوات، كان رصيدها 30 كلمة وبلغ عندما ماتت 45 كلمة وكان عمرها 17 سنة [12].
القصد، عندما يكتسب الطفل اللغة الأم، فإنه يمر في مجموعة من المراحل، يقسمها معظم الباحثين الى أربع مراحل، تكون ثابتة مهما كانت البيئة اللسانية التي ترعرع فيها الطفل، وإن كان هناك اختلافاً واضحاً بين الأطفال على مستوى اكتساب اللغة، فيمكن أن نجد مجموعة أطفال بنفس السن مع فارق في نطق كلامهم. وسرعة تطور اللغة عند الأطفال تتميز بالتباين من طفل لآخر، فغالبا ما يصل بعض الأطفال سن الثالثة ولا يتقنون سوى بضع كلمات محدودة، مقارنة مع طفل آخر في مثل سنهم، والعجيب أن حلقة الاتصال تنغلق تماما حينما يتفاعل الأطفال مع أمهاتهم، فهو يعلم تماما متى تكون أمه مهتمة به، ويفضل صغار الأطفال الإنصات للغة الأم أكثرمن الاستماع إلى لغة الكبار، فهم يعرفون أن لغة الأم موجهة إليهم، وهذا هو السبب في اختلاف القدرات لدى الأطفال، وبالرغم من ذلك إلا أنهم يمرون بنفس المراحل، وفق فرضية مطاطية للدماغ التي تطرح بوصفها تفسيرا ملائما لعملية اكتساب اللغة المبينة في الجدول أسفله[13].
العمر | مستوى التطور اللغوي | العلامات التحذيرية |
الولادة/ شهرين | البكاء بنغمات متفاونة حسب الظروف والالتفات عند سماع الأصوات -المناغاة- التجاوب مع الأم بالحركات | عدم الاستجابة للأصوات أو لمصدرها |
3-4 أشهر | إصدارالأصوات والثرثرة بشكل عشوائي | عدم إصدار الأصوات |
5-6 أشهر | محاولة جذب الانتباه والمناغاة بشكل إيقاعي | غياب أحد هذه السلوكات |
6-11 شهرا | تقليد الأصوات بالتتابع نفسه وفهم بعض الكلمات الشائعة والفهم والاستجابة | التهاب الأذن المتكرر وعدم الاستجابة |
12 شهرا | نطق جملة مؤلفة من كلمتين إلى ثلاث كلمات وتمييز الأصوات والأسماء وترديد الكلمات التي يسمعها وفهم التعليمات البسيطة | عدم القدرة على النطق والتفاعل وعدم الاستجابة للتعليمات |
18 شهرا | استخدام ونطق كلمات مفردة تتراوح بين 5-20كلمة من بينها الأسماء | عدم القدرة على النطق والتمييز |
سنة إلى سنتين | تكوين جمل تتكون الواحدة منها من كلمتين على الأقل وتطور مفردات الطفل ومحصوله اللغوي والإيمان والتلويح باليد عند توديع أحد وفهم وتقليد أصوات الحيوانات المألوفة بالنسبة له واستخدام كلمات محددة مثل أكثر او بالعامية لإبداء رغبة بالمزيد من شيء معين وفهم التعليمات وإدراك معنى كلمة لا | استخدام الإيماءات أكثر من الكلام وعدم القدرة على الكلام والفهم والاستجابة للتعليمات |
سنتان إلى ثلاث سنوات | تمييز أجزاء الجسم ، استخدام الأسماء والافعال وتطور مفردات الطفل حتى تصل إلى 450 كلمة وتكوين جملة بسيطة وقصيرة وتمييز3إلى 4ألوان والتمييز بين الحجم الصغير والكبير والرغبة بسماع نفس القصة التي تروى له مرارا وتجميع بعض الأشكال | صعوبات في الفهم والنطق وتكوين جملة تتكون من 2 إلى 3 كلمات |
3 إلى 4 سنوات | إخبارقصة وتكوين جمل تتألف الوحدات منها من 4-5 كلمات على الأقل ،وتطور مفردات الطفل حتى تصل إلى 1000، ومعرفة اسم عائلته وحفظ العديد من الأناشيد التي يدرسها في الحضانة | كلام غير مفهوم والإصابة بالإحباط عند محاولة التكلم |
5 إلى 6 سنوات | التحدث بطلاقة وتكوين جمل تتألف الواحدة منها من 5 -6 كلمات على الأقل وتطور مفردات الطفل حتى تصل إلى 2000 كلمة والقدرة على العد إلى 10 وتمييز اليد اليمنى عن اليسرى واستخدام أنواع أخرى من الجمل وسرد قصة قصيرة واستخدام الضمائر وحروف الجر | عدم استخدام الطفل للجمل والتأتأة والتلعثم وعدم القدرة على اتباع التعليمات |
وهوما يلخصه معظم الباحثين في أربع مراحل:
- مرحلة ما قبل اللغة وعبر عنها بمرحلة الصياح والصراخ
- مرحلة المناغاة وهي مرحلة تسبق اللغة
- مرحلة المحاكاة وهي مرحلة الحركات وتقليد من حوله من إيماءاتهم، وقد تكون المحاكاة تلقائية، وقد تكون عاجلة وآجلة، وقد تكون دقيقة وغير دقيقة .
- مرحلة الكلام الحقيقي وفهم اللغة ، وهي المرحلة التي بدأ فيها الطفل الكلام وفهم مدلولات الألفاظ ومعانيها[14] ويتقاطعه معهم واطسن.
وبما أن اللغة إحدى القدرات العرفانية، بل هي المركزية في الدماغ البشري، فقد بين الدكتور عبدالكريم جبل مسألة التجنيب اللغوي، وذكر ما يسمى بالمرحلة الحرجة في اكتساب اللغة التي إن لم يحدث اكتساب اللغة فيها أصبح مستحيلا بعد ذلك، وقد حددها Lennberg من عامين حتى البلوغ وخالفه آخرون، وأن اكتمال التجنيب اللغوي يتزامن مع نهاية هاته المرحلة الحرجة[15].
وتعليقي هنا، أن الأمر لا يتوقف عند المرحلة الحرجة، فالملاحظ أن السياق المعرفي ودخول الفرد فيما بعد في محيط الخبرة والتفاعل الاجتماعي، يجعل مطاطية الدماغ أمرا مستمرا بحسب أغراض التعلم وأشكاله والعوامل المتحكمة في تشكيل الوعي عموما، فلا شيء مطلق، وكل شيء نسبي أمام رغبة الفرد وتحديه، والأمر ليس متوقفا عند مرحلة ما أو فترة زمنية ما، لدينا حالات تعلم اللغة الثانية على تفاوتها في القدرات الفردية، ناهيك عن أن الاكتساب اللغوي تكاد تختلف حوله المدارس والنظريات، بين من يعزيه إلى الجانب الفطري (تشومسكي وأتباعه)، وهناك من يرجعه إلى المنبهات والتفاعل الاجتماعي، لتظل اللغة مظهرا من مظاهر النمو العقلي لأداة هامة من أدوات التفكير، وبهذا يمكن تلخيص مراحل اكتساب اللغة من خلال الجدول، إذ نلاحظ أن الطفل في الأشهر الست الأولى يحدث نوعا من التنغيم وعند الـ12 وما فوق يستخدم كلمة أوأكثر في معناها مثل، بابا وماما، التي هي في الأصل (جملة تعالي ماما)، من هنا، يمكن تصور أن وحدة الكلمة هي الجملة بالنسبة للطفل، بل العديد من جمل الكبار يعبر عنها بكلمة مع فهمه للتعليمات والأوامر، وما فوق 18 شهرا يستعمل كلمتين، ويستخدم أربع كلمات فما فوق، إذا كان عمر الطفل سنتين فما فوق، فإنه يستطيع تسمية أربعة أشياء أو خمسة مألوفة لديه. أربع سنوات فأكثر، يعرف أسماء الألوان الشائعة ويمكنه استخدام أربعة من حروف الجر، ويستعمل الكلمات الوصفية بسهولة، يعرف الأضداد الشائعة، وفي هذه الفترة تنفجر الكفاية اللغوية، وينطلق في كلامه إما معززا أومشجعا أومطبثا لكفايته اللغوية من طرف المحيط المتواجد فيه.
وبما أن اللغة من العجائب، فاكتسابها يمثل أهم الموضوعات المهمة في علم النفس، فبواسطتها يتغير عالم الطفل، إن توفرت آليات اكتساب اللغة المتمثلة في القدرة على الكلام، ويقصد به سلامة المخ؛ حيث يعمل على الفك والترميز والجهاز العصبي والحواس السؤولة عن نقل الوسائل الحسية مع نمو الباحات الخاصة بالحواس، وحسب جان روستاند، فالطفل الحديث الولادة يبدو معدما للغاية، إذ يصعب تخيله آلة معدلة وراثيا لمعالجة البيانات من العالم المادي التي تحيط به، ومع ذلك دماغه غني بالإمكانات التي تقرأ لنا وتسمح لك باكتشاف اللغة المنطوقة، إمكانات دفعته إلى أن يكون متحدثا في فترة زمنية قصيرة نسبيا للغة[16]، هذا في الوقت الذي يكون فيه منشغلا بجسمه، يتعامل مع العملية الأكثر تعقيدا، والتي يكون فيها الإنسان قادرا على اللغة التي تحاول العقول العظيمة منذ زمن أن تشرح هذه الهبة، لكن في غياب الأدوات المفاهيمية والتقنية الكافية؛ ظل المجال ضئيلا ولم يتم تميزه إلا على مر القرون من قبل البعض، وجميع الأطفال خلال عامهم الأول يتعلمون التحدث، وهو ميل طبيعي لاكتساب الكلام، غير أنJEAN Rostand يرى أن فكرة تكلم البشر كونهم تلقوا الهدية، يتطلب منا التشكيك في طبيعة هذه الهدية، متسائلا عن القدرات الخاصة هل هي فطرية؟ ويجب على الطفل معالجة أصوات الكلام لتنظيمها وإعطائها معنى؛ حتى يتمكن من إنتاجها[17]، وهو سؤال لا ينفصل عن سؤال آخر، ما الذي يتطلبه تطوير هذه الهدية؟ الجواب بسيط، يجب أن يسمع الطفل اللغة التي يتحدث بها البشر، فهو يحتاج إلى نموذج أونموذجين، وبالأحرى نموذج السلوك، ونموذج التنظيم الصوتي النحوي والمعجمي للغة، واستقبال اللغة، هو ما يتيح له الاكتساب الذي يعرف مرحلتين اثنتين ما قبل اللغة وما بعد اللغة، الأولى، وتعرف بالصراخ والصياح الذي يعد الوسيلة الوحيدة للاتصال، لتتحول إلى وسيلة يعبربها الرضيع عن احتياجاته من جوع وألم وعطش و..، وتظل الأم الكائن الأقرب إلى التمييز بين أنواع الصراخ وطوال عامه الأول، تتمثل مهمة الطفل الأولى في التعرف إلى أصوات اللغة الأم والاستعداد لإنتاجها، كونه يميز منذ ولادته جميع الأصوات؛ وإن كانت لا تنتمي لنسقه اللغوي، لتكون مهمة الرضيع بذلك ليست سهلة، فما يتم تقديمه على أنه موجة شبه مستمرة لا يوجد فيها تطابق صارم بين الإشارات الصوتية والمقاطع الصوتية، هي في الحقيقة أشياء، وعلى الطفل أن يقوم بالتقطيع ليكون قادرا على الإدراك، من هنا، فالأمر لا يقتصر على سماع الأصوات، ولكن على تقسيمها وتنظيمها والتعرف إليها، بهذا يكون التمييز والتصنيف لأصوات الكلام ولأبعادها الصوتية التي من خلالها يميز الرضيع المقاطع ومكان نطقها وطريقة التعبير عنها، فهم حساسون بشكل خاص، وهكذا فالإيقاع والتجويد هما عاملان أساسيان في التعرف إلى اللغة وتنظيمها، وقدرة الأطفال على تقسيم تدفق الكلام الذي يسمعونه، يمكّنهم من القدرة على تحديد الأشكال المنظمة للغتهم، وستسمح لهم الاقتراحات بتحديد مكان الكلمات[18].
- 2 التوحد واكتساب اللغة.
أطلق على التوحد العديد من الاصطلاحات اللغوية التي تعددت مع رؤى العلماء والباحثين في مجالات شتى، واختلط هذا الاضطراب مع بعض التخصصات، ورغم رصد سماته منذ أن اكتشفه كانر، معرفا إياه على أنه اضطراب يظهر منذ الولادة، وتتضح أعراضه بعد عمر الثانية، ومن أهم أعراضه عدم القدرة على التواصل من طرف الآخرين[19]، إلا أن هذا الاضطراب ما يزال يثير العديد من التساؤلات المحيرة، فهو كملامح الوجه في درجة الاختلاف، ومن النادر ما نجد طفلين متشابهين، وهذا يعود إلى العوامل المسببة للإعاقة[20]، يظل أهمها ما يتعلق بالاكتساب اللغوي، تساؤلات تستوجب علينا وضع تقسيم أولي له من خلال الدليل الرابع لاضطراب التوحد، واضطراب أسبرجر، أو اضطراب النمو الشامل غير المحدد في مكان آخر.
يعود التوحد إلى مجموعة من الحالات النفسية التي تصيب الأطفال تحت سن الثالثة من العمر، وتؤدي إلى قصور يشمل مجالات واسعة من التطور الاجتماعي والنفسي، وتعرف مجموع هذه الحالات النفسية – العصبية باسم (الاضطرابات النمائية العامة).
بناء على هذا التصور، فالأطفال العاديون هم الأساس، في حين تتحدد الفئة التابعة لهم كفئة عاجزة، ويمكن تصور العملية أوتمثيلها بمحرك السيارة أو لعبة البوزل التي يتم تقطيعها إلى أجزاء صغيرة وإعادة تركيبها بطريقة تابعة لصورته، ولا يتم تركيبها ما لم يتم الاطلاع عليها، وكيفية التركيب يكون متفقا عليه من طرف الجميع، والذي يتكون من (الفنولوجيك) الأصوات التي تميز كل لغة عن أخرى، والمورفولوجي الذي يمثل أصغر جزء في المعنى، ولكي نمرر المعنى، نستعمل جملا وكلمات ، وكلما وضعوا لعبة البوزل بين طفلين من أعمار متفاوتة، وجدوا أن كل واحد سيتعامل مع اللعبة بطريقته، وأنه لا يستوعب ما يفعله الآخر، مما يدل على غياب التناسق بين هؤلاء الأطفال، وأنهم لن يتفاهموا أبدا، وعليه؛ فرغم أن الاضطراب مشترك، ودرجاته مختلفة ومتفاوتة، إلا أنه مختلف تماما، وتظل المكتسبات اللغوية والتواصلية غير مستقرة، وأحيانا غائبة، مما تصعب معه عملية التنسيق والتناسق بين مختلف الوسائط اللغوية، وإلى تشوه اللغة. وفي التطور التوحدي يمكن للفرضيات المتعلقة بالاستقرار غير الطبيعي لأشكال التواصل (الإشارات -الإيماءات -الأصوات) أن تساعد على الفهم الجيد للصعوبات والمشاكل اللغوية التي يراها البعض كمحرك السيارة الذي مهمته دفع السيارة وتحريك عجلاتها من أ ــ ب، هذا هو استعمال اللغة، وإن حدث شيء بالمحرك تتعطل السيارة، وبالتالي لن تكون هناك لغة[21].
أما دراسة توم TOM، فقد أظهرت أن عملية اكتساب اللغة لدى أطفال التوحد لا تزال مجهولة، باستثناء متلازمة أسبرجر، إلا أن دراسة حديثة (HOWLIN 2003)، أظهرت أن المستوى اللغوي للبالغين المصابين بالتوحد، والذين لديهم معدل ذكاء طبيعي، لا تزال أدنى من العادي، كما أن الاكتساب اللغوي لديهم لا يتأخر، بل هومختلف في نواحي كثيرة عن الأطفال العاديين.
من هنا فحاجز اللغة يجعل التواصل بين البشر في بعض الأحيان صعبا، من دون أن ننسى الوضع العالمي للغة، الذي يتجسد في نواة الاستعدادات الجينية المشتركة بين جميع البشر، وإلا فالاكتساب اللغوي يكون مستحيلا، وهذا ما يعاني منه أطفال التوحد الذي يعرف عالمهم الكثير من المجهول. لكن الرغبة في المعرفة سحرت جان روستان كثيرا. وكان التقدم إلى فهم أكبر لهذه الغريزة “اكتساب اللغة” فكان تقدمهم أبطأ، ومستواهم اللغوي مكانه مع الاختلاف التام فيما بينهم، وباستعراض نظرية العقل التي تكون غائبة عندهم أوناقصة كما بينت دراسة توم TOM، أن الاكتساب اللغوي لدي أطفال التوحد ما يزال مجهولا، باستثناء متلازمة أسرجر، وإن كان الاكتساب اللغوي عند الأسوياء يتم عن طريق الغمر دون الحاجة إلى تعلم، فإن أطفال التوحد يحتاجون إلى تعلم معين ودعم خاص، وعدم استحواذهم على اللغة يشكل أكبر الإعاقات لديهم، ورغم ذلك فاكتساب اللغة وحسب ما قام به هالي 1885 hallé يرتكز على الخصائص القطعية التي تظل أكثر أهمية، خاصة بعد الشهر الثامن عندما يبدأ الطفل في محاولته الأولى لإنتاج كلماتة الأولى، بخلاف طفل التوحد الذي لايمكنه ولوج الكلمات الأولى سواء في الشهر 9 أو 12، وبهذا فالطفل العادي سوف يتمكن من إرساء مختلف مكونات الإنتاج اللغوي والتأقلم مع السياق اللغوي، في الوقت الذي لا يتمكن فيه الطفل التوحدي من تحقيق ذلك على المستوى الصواتي والتطريزي، السبب غياب التوافق بين ماهو سياقي وصواتي، مع ميله إلى التعقيد في تحقيق المقاطع وتطريزها بكثرة المنحنيات اللحنية المركبة غير المتوافقة مع البناء المقطعي، كما هو الشأن بالنسبة للطفل الخالي من أي انفعالات أو ، هذا أحاسيس مع مشاكل في الصوت (أنفي- أسناني)، وتفسير هذه النماذج ما يزال غامضا، يرجعه البعض إلى انعكاس لعجز اجتماعي -عاطفي، أو لا مبالاة أطفال التوحد وعدم اكثراتهم لما يقوله الآخرون، ذلك أن الدراسات في مجال تطور المعجم لدى أطفال التوحد، تبين أن هناك تفاوت وتناقض، وأن تطور المفردات هو المجال الذي يتحكم فيه الطفل التوحدي ويتقنه بشكل جيد، (جارولد وجماعته 1997 في دراسة قام بها تاجر فلوسبرغ 1992، لاحظ أن الأطفال التوحديين لا يوظفون المفردات التي تحيل على الحالات الذهنية نحو (تذكر – عرف – فكر)، حتى أن بعض الأطفال التوحديين لايفهمون المفردات العاطفية، ويجدون فيها صعوبة، نظرا لبطء نمو اللغة أو لعدم نموها على الإطلاق، واستخدامه للإشارة في بعض الأحيان استخداما متقطعا للغة، قد يمتلك معه المتوحد رصيدا كبيرا من الكلمات، لكنه لا يمتلك القدرة على استخدام هذه المفردات في محادثاث ذات معنى تكشف عن الخلل، وإذا كانت المعرفة المعجمية مصانة عامة بشكل جيد لدى أطفال التوحد، فهناك خلل في اكتساب المفردات التي تحيل على المفاهيم الذهنية، إلى جانب تفاوتاتهم وعدم استعمالهم للكلمات والجمل بشكل سليم ، فهم ينتجون جملا تتكون من كلمات متقطعة، وأخرى خاصة بهم، وإذا ما حاول أحدهم تركيب جملة، تكون عبارة عن مفردات متقطعة مثل ( بغيت …. ناكل- بغيت…..نشرب… وهناك كلمات مستحدثة من قبلهم غالبا، وأغلبهم يتحدث بلغة أجنبية عن اللغة الأم، بالإضافة إلى عدم فهمهم العديد من الكلمات ودلالاتها؛ مما يجعل المشكل أكثر صعوبة، وصعوبة استخدام اللغة في التواصل الاجتماعي، وعدم استيعابه لما يدور من حوله، وسوء فهمه الحرفي للحديث من بين المعيقات التواصلية لديه، وغالبا ما يكرر التوحديون الألفاظ والعبارات التي يسمعونها، والتحدث بنغمة مسطحة للغاية لصعوبة التفريق بين الكلمات ذات النغمة المرتفعة والهادئة، كما يطغى عليهم التركيز وعدم التفاعل وصعوبات في الفهم، بخلاف الأطفال العاديين الذين تكاد تجمع الملاحظات التي تم تسجيلها من خلال مراقبة بدء الأطفال الكلام، أنها تكون ما بين 18 و28 شهرا؛ مما يطرح العديد من الأسئلة أهمها، عن المشترك بين هؤلاء الأطفال الذي يجعلهم ينطقون في الفترة العمرية نفسها، هل اتفق الآباء أم هي حاجة الطفل للتعبير عن احتياجاته ورغباته التي ترجع أساسا إلى عملية النضج؟ تحتاج الإجابة عن هذا السؤال إلى منهج المراقبة والاستقراء، والمشاهدات ثم الاستدلال، وهذا ما دفع بلينبرغ إلى التأكد بانعدام تلقي الأطفال اللغة تلقينا واعيا، مما جعله يقترح فرضية أن الطفل يبدأ التكلم عندما تدعوه الحاجة إلى ذلك، وتلك الحاجة هي ما يعزز اللغة، كما يرى أنه من المستحيل اختبار هذا الافتراض نظرا إلى عدم الموضوعية التي تصبغ مفهوم الحاجة[22]، إذ تبين من خلاله التمييز عند الأطفال العاديين بين اكتساب المعجم الذي يظل فقيرا عن اكتساب التركيب، ويرى لينبرغ أن تطور الأطفال ذوي الإعاقات المختلفة يقدم برهانا مقنعا، على أن بداية ظهور اللغة يُنظّم من قبل عمليات النضج مع استقلالها عن نضج محرك الهيكل العظمي، كما يقترح لوك 1993 فرضية مفادها، أن النقص على مستوى المعجم ينتج صعوبات صرف تركيبية، يفسر من خلالها الفارق الزمني بين الكلمات الأولى والتراكيب الأولى لدى الأطفال المصابين بالتوحد، والذين هم مصابون بعجز لغوي خاص، من خلال الاكتساب الأبطأ للمعجم، ذلك أن اختبارات اللغة تقيم جودة التطور الموجود، لكن لا تفسر ما إذا كان الأطفال الذين يقع عليهم الاختبار قادرين على الاستفادة من المحفز الخارجي أم لا، لذا فبطء اكتساب المعجم لدي أطفال التوحد، ينتج مفردات قليلة لا تسمح بالاكتساب وتكوين تركيب في السن المعين للاكتساب، ذلك أن اكتساب المعجم يتطلب حجما كبيرا من المفردات. وفهم عملية الاكتساب اللغوي في ظل آفة أو اضطراب، كاضطراب التوحد أمر أكثر تعقيدا، ومن الصعب فهمه، فهو يشكل تحديا اجتماعيا ملحّاً، لذا فاكتشاف حجم هذا الإنجاز مرتهن بمعرفة ما يفتقر إليه الطفل التوحدي كما ونوعا من المدخلات اللغوية، سيكون له تأثير مباشر على تحديد التطور اللاحق للطفل التوحدي، وعلى مجموع برامج ومناهج عمليات التدخل المبكر التي يتم التركيز فيها على إنتاج الأصوات، مما سيحسن من زيادة تطور اللغة، والحد من المشاكل العاطفية والسلوكية والاجتماعية، وضبط السلوك، والاستعداد للتعلم لدى الطفل التوحدي، كما تمَكّن دراسة الخصائص والمميزات اللغوية والتواصلية لدى الطفل التوحدي من فهم جيد للاضطرابات المبكرة، حتى يتم إعداد ما يحتاجه أطفال التوحد من تعلم معين ودعم معين، بدل مقاربة تقوم على دراسة جوانب العجز أو تقليصها في مدى حضور أو غياب هذه القدرات التواصلية.
ونظرا للاعتبارات الكونية للغة، والاستراتيجيات الكلية لاكتسابها من طرف أطفال التوحد، ومدى اعتمادها العمليات العرفانية جميعها، تجعل من الضروري افتراض وجود طريقة فريدة للنشاط العصبي عند أولئك الأطفال، مع تشجيع الدراسات المقارنة الطولية من أجل فهم جيد للسيرورة الطبيعية للتطور اللغوي، ولأسبابه غير الطبيعية لمختلف الأنماط التواصلية لدى طفل التوحد، الذي غالبا ما يعود إلى تطلعات الوالدين غير المتطابقة في كل البلدان، مما يجعل الطفل يمتح لغته من بيئته ليتكلم من أجل من حوله، والمعجم المكتسب لديهم يترجم ما اكتسبوه ومدى اندماجهم….
الهوامش
1 – ابن جني ، الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، دار الكتب المصرية، القاهرة ،مصر، ج1، ط1ص33
2- أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري ، لسان العرب ، دار صادر ، بيروت ، مج 15، ط1 ،،ص 716مادة (ك س ب) وباب (ل غ ا ) ص250،251
3-ابن فارس،مقاييس اللغة، إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، باب الكاف، ج5، ط،2005،1، ص 176
4- ديدبيه بورو، اضطرابات اللغة، ترجمة ،أنطوان إ.الهاشم،عويدات للنشر والطباعة، بيروت- لبنان،ص7.
5- راتب قاسم عاشور محمد فؤاد العوايد، فنون الحديث، القدس، ط1، 2009
6-فاضل ناهد عون طرائق تدريس اللغة العربية وأساليب تدريسها، دار الصفاء للنشر والتوزيع، عمان ، الأردن، 2013 ،ص14
7- سعيد الفراع الطفل واكتساب اللغة بين البنائية والتوليدية، ص1
8-عبد الرحمن محمد طعمة، البناء العصبي للغة، دراسة بيولوجية تطورية في إطار اللسانيات العرفانية ، ط1، 2017، ص72
9-.عبد العزيز الكردي، في تعليمية العربية، المقاربة الإدماجية سندا نظريا، والمقطع التعليمي الإدماجي طريقة في التنفيذ، تقديم، خالد ميلاد، ط1،سبتمبر،2017، ص17
10-عبد الكريم جبل، اللغة والمخ، دراسة في علم اللغة العصبي، مجلة كلية الآداب، جامعة الإسكندرية، الاصدارة السادسة والعشرون، الملحقة بالعدد57، 2007، ص،ص89/91
12-فندريس، تعريب محمد القصاص، عبد الحميد الدواخلي،مكتبة الأنجلو مصرية،مطبعة لجن. البيان العربي، ص22
13-محمود أحمد السيد طرائق تدريس اللغة العربية، منشورات جامعة دمشق، كلية التربية، 2016/2017
14- محمود إسماعيل الصيني: اللسانيات التطبيقية في العالم العربي، تقدم اللسانيات في الأقطار العربية ،دار الغرب الإسلامي بيروت، لبنان، ط1991،1
15- مريم المقبلي/ عربية اليفرني، اللسانيات البيولوجية، الدار التونسية للكتاب، كلية الاداب والفنون الإنسانية بمنونة، ط1، 2019
16- محمود أسماعيل الصيني: اللسانيات التطبيقية في العالم العربي، تقدم اللسانيات في الأقطار العربية، دار الغرب الإسلامي بيروت، لبنان،ط،1991،1
17- محمد يحيى نبهان ، العوامل الجينية الوراثية –العصبية البيولوجية- والكيميائية البيئية المختلفة- دار البازوري العلمية للنشر والتوزيع ، 2018 books .google.com
18- مريم المقبلي/ عربية اليفرني، اللسانيات البيولوجية، الدار التونسية للكتاب، كلية الآداب والفنون الإنسانية بمنونة، ط1، 2019 ص
- الطفل واكتساب اللغة بين البنائية والتوليدية، د سعيد الفراع، ص1، لسان العرب.
- الإمام العلامة أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ، ابن منظور الإفريقي المصري، لسان العرب،المجلد الأول ، باب كسب ص 716
- مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط ، مادة (ل.غ.ا) مكتبة الشرةق الدولية، مصر ط 4 ،2004 ص 872
- أبو الفضل جمال الدين دمحم بن مكرم ابن منظور ، لسان العرب ، دار صادر ، بيروت ، مج 51، ط5 ،5992، ص 215 مادة (ل غ و(
- ابن جني، الخصائص ، تح محمد علي النجار، دار الكتب المصرية، القاهرة، مصر، ج1، ص33
- ،ص14
- راتب قاسم عاشور محمد فؤاد العوايد، فنون الحديث، القدس،ط1، 2009
- فاضل ناهد عون طرائق تدريس اللغة العربية وأساليب تدريسها ، دار الصفاء للنشر والتوزيع ا، عمان ، الأردن ، 2013 ،ص14
- ابن منظور لسان العرب ، مادة كسب ،ص،716.
- ابن فارس،مقاييس اللغة ، إحياء التراث العربي ، بيروت، لبنان، باب الكاف ، ج5، ط،2005،1،ص 176
- محمود أسماعيل الصيني: اللسانيات التطبيقية في العالم العربي ،تقدم اللسانيات في الأقطار العربية ،دار الغرب الإسلامي بيروت، لبنان،ط،1991،1، ص234
- محمود أحمد السيد طرائق تدريس اللغة العربية، منشورات جامعة دمشق ، كلية التربية ، 2016/2017
- نفس المرجع ص121/120
- محمود أحمد السيد طرائق تدريس اللغة العربية، منشورات جامعة دمشق ، كلية التربية ، 2016/2017
- نفس المرجع ص121/120
- عبد الرحمن محمد طعمة ، البناء العصبي للغة ، دراسة بيولوجية تطورية في اطار اللسانيات العرفانية ، ط1، 2017،ص72
- محمود أحمد السيد ،طرائق تدريس اللغة العربية، منشورات جامعة دمشق، كلية التربية ، 2016/2017ن ص120
- عبد الكريم جبل ،اللغة والمخ، دراسة في علم اللغة العصبي ، مجلةكلية الاداب ،جامعة الإسكندرية، الاصدارة السادسة والعشرون، الملحقة بالعدد57، 2007، ،ص،ص89/91
- Jean Rostand.Comment la parole vient aux enfants.Bénédicte de BOYSSON – BARDIES.p.4
- نفس المرجع .ص5
- نفس المرجع .ص.6
- فيصل محمد خير الزاد ، اضطراب التوحد لدى الأطفال، التشخيص والعلاج ودليل الآباء والمعلمين، دار الفكر ط1، 2014، ص،49
- العوامل الجينية الوراثية – العصبية البيولوجية- والكيميائية البيئية المختلفة
- HeléneDelage.Stéphanie/Language et cognotion dans l autisme chez l enfant./théorie et clinique.
- اللسانيات البيولوجية ،ص78