ليوم الشعراء في هذه السنة خصوصية بالغة ، لا لذاته بل لاستثارته سؤالا مركزيا بصفة خاصة؛ ما هو دور الشعر والشعراء في العموم، وما هو دورهم في اللحظات الحاسمة من التاريخ الإنساني؟
حتى ولو كانت تلك الأسئلة إشكالية منذ فجر التاريخ في الوعي الجمعي، إلا أنها الآن في وسط غبار المعارك ورائحة الدماء وصيحات التحرر، تتخذ محورا أكثر تعقيدا على مستوى الفهم، ما جدوى شعرية الكلام؟ أو على الأقل ما مدى تأثيره وأهميته؟ وتصطف في نفس المحور أسئلة أخرى على المستوى النقدي كمدى تأثير الشعر على الواقع ومدى تأثر الشعر شكلا ومضمونا بالواقع وخصوصا الأحداث الكبرى منه .
يرى الراحل الكبير محمود درويش ، أنه لو كان دوره إحضار الماء للناس في خضم المعركة؛ فهو أهم من دوره كشاعر، وهذا يحيلنا، أيضا، إلى جدلية أكثر تعقيدا على المستوى الفلسفي، وهي جدلية الكلام والفعل، وأقصد بالكلام هنا منظومة المنبى والمعنى في إطارها الشاعري وعلاقتها الجدلية تأثرا وتأثيرا مع الفعل، هل فعلا تتراجع تلك المنظومة أمام الأحداث الكبرى وتتعاظم في الإطار العادي للأحداث ؟
إن استثارة هذه الأسئلة الكبرى في هذا المقام، لا يعني بالضرورة الإجابة عنها تفصيلا هنا، وإنما مجرد طرح تلك الأسئلة يشي، في رأيي، بأهمية الشعر كمفهوم إنساني، وضرورة البحث نقديا في محاولة الإجابة الموضوعية عن تلك الإشارات الجدلية، لا شك أن شاعرية الكلام ، حتى وإن تأخر تأثيرها عن الفعل الآني، إلا أن لها أثرا واضحا في مواساة، وتحفيز، وتأريخ، وحتى فهم تعقيدات الواقع إنسانيا.. بهذا المعنى أجد أن الشعراء مدعوون للإبداع عميقا، أقصد ليس مجرد مواكبة الأحداث وصفيا، بل التعدي لطرح رؤيا أبداعية تطال العمق الإنساني بكامل متناقضاته وتجلياتها في جدلية الإنسان مع الواقع، وأكثر من ذالك، بل التأثير بتلك الجديلة كما التأثر بها، وهذا يضع الشعراء أمام تجربة بالغة الصعوبة والمسؤولية، فهي من جهة تجربة، أقصد شاعرية الكلام، لا إطار تشكيلي مخصص يؤطرها سوى إبداع الشاعر المجرّب، بمعنى آخر فإن شاعرية الكلام، بهذا المعنى، لا حدود قصوى لتشكل بنيتها بعلاقاتها المعقدة مع المعنى سوى حدود إبداع الشاعر، فمدى الإبداع يحدد مدى شاعرية الكلام، أو يحدد معنى الشعر ومفهومه المتطور أبدا ضمن هذه العلاقات الإبداعية.
ومن جهة أخرى فإن هذا الإبداع الملازم للتجربة الإنسانية في أيامها العادية أو البارزة على جبين التاريخ، يشكل جسرا للتواصل بين الإنسان على المستوى النفسي، وبين الواقع الفج، الواضح أو الغامض، الجميل أو القبيح.
إن هذا الجسر ، بطبيعة الحال ، هو مسؤولية الشاعر ودوره الإنساني المهم والمتطور إبداعيا ، الذي يجب عليه أن لا يدخر جهدا لتطويره.
أظن أن هذا يمكن أن يكون محاولة أولية للإجابة عن السؤال المركزي المطروح في أول المقال.