مينا لوي (Mina Loy) شاعرة إنكليزية (1882 – 1966)، ولدت مينا جيرترود لوي Mina Gertrude Lowy في 27 ديسمبر/كانون الأول 1882 في هامبستيد في لندن، وتوفيت في 25 سبتمبر/أيلول 1966 في أسبن في ولاية كولورادو الأمريكية، وهي رسّامة وناقدة فنية وشاعرة وكاتبة مسرحية وروائية بريطانية. مينا جيرترود لوي هي كبرى بنات سيغموند لوي، خيّاط لندنيّ من أصل مجريّ وديانة يهودية، ومن الذين فرّوا من التمييز المعادي للسامية في بودابست، وأمها هي جوليا برايان لوي، بروتستانتية. ظلت ظروف زواج والديها سرا عائليا. ما هو مؤكد هو أن الزيجات بين اليهود والمسيحيين في ذلك الوقت كان ينظر إليها بشكل سيئ، وإذا كان والدا الشابة مينا يحترمان سيغموند لذكائه، فإنهما لم يفعلا شيئا يُذكر لتسهيل الزواج بين سيغموند وابنتهما.
منذ سنتها العاشرة، عندما تحوّلت شقيقتها دورا إلى الاهتمام بالبيانو والغناء، طوّرت مينا ذوقها الميّال للرسم والأدب، الأمر الذي كان يزعج والدتها. ألحق الأب بنتيه في واحدة من أفضل المدارس، مدرسة سانت جون وود للفنون في لندن. والدة مينا كانت تشاكسها كثيرا خلال فترة المراهقة، ولم تعترف بصيرورة مينا امرأة، بل كانت تعاملها بصفتها «فتاة سيئة» ذاهبة أحيانا إلى حد لعنها مع والدها. كانت إهانات ولعنات الأم تغرق مينا في حالة من القلق فكانت ترى أن الملجأ من هذا الوضع، إنما هو الفن والأدب، لكن ذلك القلق ترك آثارا سلبية على ثقتها بنفسها. سيغموند لوي الأب كان يفعل ما في وسعه لتعزيز وتشجيع بنتيه، عبر اصطحابهما للمتاحف والمعارض الفنية والأمسيات الموسيقية في رغبة منه للتعويض عن هيمنة زوجته. بعد انتهاء مينا من دراساتها الثانوية، في مدرسة القديس جون وود للفنون في عام 1899، شجّعها والدها على مواصلة الفن واختياره مهنة لها. وكي تتنصل من والدتها، وتتجنب مزاجها، قرّرت مينا بدلا من مواصلة دراستها في الأكاديمية الملكية البريطانية، الانطلاق خارج البلد، وبذا رحلت إلى ميونيخ لمتابعة دراسة الفنون الجميلة في كونستليرين فرين (Kunstlerrinen Verein رابطة الفنانات الإناث) المرتبطة بأكاديمية الفنون الجميلة في ميونيخ، حيث ستغتني بشكل خاص بدورات الرسّام أنجيلو يانك. عندما تخرّجت في عام 1901، عادت إلى المملكة المتحدة وتابعت من جديد دروس الرسم مع أوغسطس جون حتى عام 1903. خلال هذه الفترة صار اسمها أكثر اختصار عما سبق: مينا لوي. في عام 1902، ذهبت إلى باريس لتتعلم الرسم في أكاديمية كولاروسي، ودرَستْ فنانين شتى ينتمون إلى مدارس مختلفة (الرمزيين، المسشرقين، آرت نوفو) أمثال رافائيل كولين Raphael Collin، جان ليون جيروم Jean-Léon Gérôme، لوي -أوغوست جيراردو Louis-Auguste Girardot، غوستاف كورتوا Gustave Courtois، ألفونس موشا Alphonse Mucha، كريستيان كروهج Christian Krohg، وتابعت كذلك دروسا في الرسم التشريحيّ في الفنون الجميلة.
ارتبطت مينا في فرنسا بأشخاص من المثقفين البريطانيين المقيمين في مونبارناس مثل أليس وودز Alice Woods وويندهام لويس Wyndham Lewis وتردّدت على المقاهي والمطاعم وغيرها من أماكن انفلات المثقفين يومذاك. في هذا السياق، تلتقي مينا بزميلها السابق في أكاديمية كولاروسي، هيو أوسكار وليام هويس Hugh Oscar William ، المعروف باسم ستيفن هويس Stephen Haweis (1878-1969)، من عائلة كاهن أنجليكانيّ لامع. غادرت مينا إلى لندن في أغسطس/آب 1903 للإعلان عن نيتها الزواج من ستيفن، لتكتشف أن شقيقتها دورا تعاني من الاكتئاب لأنها فقدت صوتها، وأنها ضحية طغيان والدتهما جوليا التي ترفض أن تهجر بنتيها كليهما الأسرة. يوافق والدا مينا على الذهاب إلى باريس لمقابلة خطيبها، وتزوجت أخيرا من ستيفن في 31 ديسمبر 1903 في قاعة بلدة الدائرة الرابعة عشرة في باريس. وبالاتفاق، قرر الزوجان الاستقرار في باريس، بدلا من العيش تحت تصرّف الأم جوليا في لندن.
عام 1920 كتب عزرا باوند إلى ماريان مور: «هل ثمة شخص في أمريكا عداك وبيل [ويليام كارلوس ويليامز] ومينا لوي من يستطيع كتابة شيء شعريّ مثير للاهتمام؟».
مقال مينا لوي «الشعر الحديث» الذي نُشر لأول مرة في مجلة غير أدبية «شارم» في أبريل/نيسان 1925، يستحق التوقف، وفيه تقول عبارة صارت مشهورة فيما بعد: «الشعرُ نثرٌ مسحورٌ، موسيقى مكوّنة من [أمرين] أفكار بصرية، وصوت لفكرة». لعل الناقدة الأمريكية إيمي لين هيس Amy Lynn Hess لخّصت في دراستها «مينا لوي – النثر المسحور» المنشورة في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2014، فحوى مقال مينا هذا خير تلخيص، وبها نستعين.
تقول إن «آراء مينا لوي حول الشعر مهمة اليوم، إن لم تكن أكثر أهمية، مما كانت عليه في عصرها. كانت لوي واحدة من أقلّ الشعراء شهرة في العصر الحديث، وقد أخذت على محمل الجد مبادئ التصويرية العَينية Imagism التي وضعها لويل Lowell وباوند كما وردت في «بيان التصويرية العينية Imagist Manifesto»، فضلا عن قناعتها بتحدي باوند أن يكون الشعر جديدا. حذت مينا حذوه وانضمّت إلى الحوار الأدبيّ الحديث بمقال خاص بها بعنوان «الشعر الحديث»، ما يجعل هذا المقال ذا صلة اليوم هو أن ما أشادت به باعتباره شعرا مكتوبا للعصر الحديث، يظل اعتبارا صحيحا في وقتنا.
يمكن تعريف بداية الشعر الحديث بظهور الشعراء الطليعيين الأمريكيين، قبل بداية الحرب العالمية الأولى مباشرة في عام 1914. ومن بين أشهر الشعراء الحديثين، وهذه القائمة محدودة بالتأكيد، عزرا باوند، وجيرترود شتاين، وت. س. إليوت، ماريان مور، ويليام كارلوس ويليامز، والاس ستيفنز، إي. إي. كومينكز E.E. Cummings ، وهارت كرين Hart Crane. هؤلاء الشعراء يُظهرون مشاعر باوند نفسها في تحديه لشعراء عصره «بجعل الشعر جديدا». لم يكتف أولئك الشعراء بتلبية هذا التحدي، بل نما تأثيرهم الشعريّ على مدار القرن الماضي حيث أثرّوا على أجيال جديدة من الشعراء. لم تحدّد مينا أشهر شعراء العصر فقط وكيف جعل هؤلاء الشعراء الشعر «جديدا»، بل شرحت الأمر في ذلك المقال.
«الشعر الحديث» مقال منشور لأول مرة في مجلة غير أدبية «شارم Charm « في أبريل 1925، وبه تبتدئ لوي بالقول» «الشعر نثر مسحور، موسيقى مكوّنة من أمرين: أفكار بصرية، وصوت لفكرة». ما يلي هذه الجملة الأولى هو تقييم من تسع نقاط لشعر العصر الحديث. تركز أغلب مقالات مينا على استخدام إيقاع طبيعيّ للموضوعات الشخصية، وللشعر السائد شعبيا، لا يقلّ اليوم حضور الشعر الحر والإيقاع والموسيقى الأكثر انتشارا شعبيا، إن لم يكن أكثر من حضوره عام 1925. أما بالنسبة لموسيقى الشعر، فما على المرء إلا أن ينظر إلى شعبية الشعر الإيقاعيّ، «الموسيقى المصنوعة من الأفكار البصرية»، لسماع عفويته ورؤية تأثيره على شعبية الشعر.
ثمة إشادة في العديد من نقاط لوي في «الشعر الحديث» بموسيقى شكل الشعر الحر الجديد آنذاك. وبهيئة العارفة بما هو آت في مستقبل الشعر الذي تنافس على مر السنين مع الموسيقى الشعبية، باعتبارها ترفيها، تبدأ مينا بالقول إن الموسيقى أسهل في الوصول إلى الناس من الشعر، لأنه في حين أن الموسيقى «من السهل التواصُل معها»، فإن الشعر يتطلب «اهتماما طوعيا». وتستمر في شرح أن الشعر يجب أن يُقرأ باعتباره «أغنية مُصوّرة». وتوقعت لوي بروح يكاد يكون نبويّا قدوم شعر الـ»سْلام» وشعر لـ»جام» slam or jam poetry شعر الجماهير والشعر الشفاهيّ المتداول، وتوضح أن الإيقاع والشعر يُستخدمان بشكل صحيح عندما يتم الوقوع عليهما عفويا، تماما كما كان الوزن المنظم في وقت ما فكرة جديدة ومبتكرة وعفوية. وتشيد بعزرا باوند باعتباره أستاذا في خلق الميزات الموسيقية في الشعر، وتمنح الكثير من الفضل لإي. إي. كومينكز. وتقول إن نجاح كومينكز يكمن في «تعاطفه الغنيّ» مع «الأشياء الشائعة»، وإيقاعاته التي خلقها من خلال الجمع بين شكل الشعر الحر و»القوافي الجديدة». ثم تقدّم لوي أمثلة على القصائد المكتملة، وتسمي أعمال هيلدا دوليتل Hilda Doolittle، وماريان مور Marianne Moore، ولورانس فايل Lawrence Vail، وويليام كارلوس ويليامز. وتشيد في النقطة الأخيرة مرة أخرى بويليامز «السامي»، وتستشهد بقدرته على خلق إيقاع جديد للشعر من خلال الجمع بين الحقيقة المجرّدة والطبيعة الشخصية .
لقد كان للشعر في العصر الحديث تأثير عميق على الشعر الذي نقرأه ونسمعه اليوم ـ سواء كان مكتوبا أو في الأغاني الشعبية. وقد ساهم الشعراء المعاصرون، المشهورون وغير المشهورين على حد سواء، في هذا التطوّر الذي طرأ على الإيقاع والوزن والصورة و»الحياة اليومية» باعتبارها موضوعات شعرية مقبولة. ومن بين الشعراء الأقل شهرة على وجه الخصوص الشاعرة مينا لوي، التي لا تزال آراؤها حول الشعر، كما شرحتها في مقالها «الشعر الحديث»، صالحة اليوم تماما كما كانت صالحة في عام 1925» انتهي الاستشهاد بالناقدة إيمي لين هيس.
التصويرية العَينية (في الأدب)؛ حركة أدبية إمامها الشاعر عزرا باوند ومقصدها تصوير الأشياء بلُغة عادية وبدِقّة في التصوير على ما هي عليه فِعلا.
شذرات مينا لوي عن الفن الشعريّ:
«الشعر نثر مسحور، موسيقى مكوّنة من أمرين، أفكار بصرية، وصوت لفكرة… فلماذا الروح الجماعية للعالم الحديث، الذي يمثل كلا الامرين انعكاسا له، تعرّفت على نفسها بالإجماع في الموسيقى الجديدة ذات الآلات غير المسبوقة، ونادرا في شعر جديد ذي الأبيات غير المسبوقة؟ ذلك لأن صوت الموسيقى الذي يجذب انتباهنا اللاإرادي من السهل جدا التواصل معه، في حين يتطلب الصوت الصامت للشعر انتباهنا الإرادي، من أجل محو الحاجز البارد للطباعة بكل «ذكاء حواسنا». وكثيرون منا ممن ليس لديهم عادة القراءة ليس فقط بالعين ولكن أيضا بالأذن، تجاهلوا جماله – خاصة عند القراءة الأولى السطحية..
كل قراءة هي استدعاء للكلام؛ الفرق إذن في مقاربتنا، إننا في قراءة قصيدة أو صحيفة هي أن موقفنا يجب أن يكون بالأحرى عند قراءة القصيدة مثل الاستماع إلى أغنية مصوّرة والنظر إليها .إن بنية كل شعر هي الحركة التي تقوم بها ذات فردية نشيطة في التعبير عن نفسها. بينما الإيقاع الشعريّ الذي كثيرا ما تحدثنا عنه جميعا، فهو الرسم البيانيّ chart للمزاج، سيمكننا التعرّف على كل عمل من أعمال الشعراء المعاصرين من خلال مسيرة ذهنيتهم».
مقتطف من مقالتها «الشعر الحديث» 1925
«جيرترود شتاين هي مدام كوري اللغة، لأنها في بحثها العميق سحقتْ آلاف الأطنان من المواد لاستخراج الراديوم من الكلمة؟».
…
«لا يوجد مكان أو زمان، فقط كثافة، والأشياء المُروّضة ليس لها اتساع».
…
« إن تدفّق الحياة يسكب جانبه الجماليّ في عينيك وأذنيك – وأنت تتجاهله لأنك تبحث عن معايير الجمال في نوع من الإطارات أو صناديق الزجاج أو التقاليد».
….
نحن المهرجون الكهنوتيون
الذين يتغذّون على الرياح والنجوم
ومراعي الفقر المطحونة
إرادتنا تشكّلتْ
عبر معارف عجيبة
تقع خلف قوانينكم».
من قصيدة مينا لوي»اعتذار العبقريّ».