
توفي في مثل هذا اليوم 19 نيسان/ إبريل من سنة : 1824 – جورج غوردون بايرون (George Gordon Byron)، شاعر بريطاني من رواد الشعر الرومانسي.
جورج غوردون بايرون: ولد في 22 كانون الثاني/ يناير 1788 في إنجلترا – توفي في 19 نيسان/ إبريل 1824 باليونان، عن 36 عاما.
نشأ في أسرة أرستقراطية. كان والده الكابتن “جون أنسون بايرون” ضابطا في الجيش البريطاني، ووالدته كاثرين جوردون أسكتلندية. لكنّ رغد العيش هذا لم يستمر طويلا؛ فسرعان ما أهدر الكابتن “جون” ماله وثروة زوجته وغرق في الديون، ثمّ تخلّى عن زوجته.

غادرت “كاثرين” المدمرة والمحبطة إنجلترا باتجاه مدينة “أبردين” في أسكتلندا تحمل بين ذراعيها ابنها جورج، وكان آنذاك رضيعا… لم تكن الحياة الجديدة في اسكتلندا سهلة، حيث عاشت الأم في بيوت مستأجرة بسيطة، من دخل زهيد. لكنّ الأيام كانت تخبئ لها ولابنها مفاجأة سارة. ففي سنة 1798، ورث ابنها لقب عمه ويليام «البارون الخامس» وعقاراته، ولم يكن الصبي آنذاك قد تعدّى سن العاشرة.
فتحت الثروة الجديدة للورد بايرون آفاقا جديدة، حيث عاد إلى لندن رفقة والدته بعد سنوات شاقة في أسكتلندا.
خوّلت له الثروة الجديدة حق الدراسة في أفضل المدارس. فالتحق الصبي بمدرسة “هارو” من 1801 إلى 1805، وهي إحدى أرقى المدارس في إنجلترا، وبعد ذلك في كلية الثالوث، كامبريدج من 1805 إلى 1808.
وفي إنجلترا أيضا بدأ اللورد بايرون مشواره الأدبي وعمره آنذاك لا يتجاوز 19 سنة. كان ذلك في سنة 1807 عندما نشر ديوان شعر يتألف من 39 قصيدة بعنوان “ساعات التباطؤ”. لكنّ خيبة أمله كانت كبيرة عندما نشرت صحيفة «ذي إدنبرة ريفيو» المختصة في الدراسات النقدية في 1808 منتقدة ديوانه انتقادا لاذعا؛ ممّا أثار استياءه، فردّ على ذلك بقصيدة ساخرة بعنوان “شعراء إنجليز ونقاد أسكتلنديون”، مستخدما اسما مستعارا. ومن خلال هذه القصيدة، انتقد شعراء رومانسيين كبارا في عصره، ولم يسلم من شرارة غضبه “فرانسيس جيفري” (Francis Jeffrey)، محرّر الصحيفة الأسكتلندية (ذي إدنبرة ريفيو) نفسه.
ما تعرّض له اللورد بايرون من نقد لاذع من صحيفة معروفة مختصة في النقد، في أول إصدار له، كان كافيا لتحطيم معنوياته، وتبديد آماله، وشلّ جهوده، وتوقف مشواره. لكنّ هذا الشاعر الطموح أثبت أنه أقوى من ذلك بكثير، وهو الذي كان مصرّا على النجاح في الحياة مهما كان الثمن. وقد استفاد اللورد بايرون كثيرا من تجربته الفاشلة. فهي التي أضرمت نيران طاقته، وفجّرت بركان الإبداع فيه، وأفعمت نفسه طاقة، وإثارة وإصرارا، وألهمته تقديم ما هو أفضل وأروع، بداية بقصيدة «ساعات التباطؤ» الساخرة، التي كتبها بأسلوب متين مختلف عن قصائده الأولى. وسرعان ما شدَّت أنظار الجماهير وفتحت له أبواب الشهرة.
ومن عالم السخرية والهجاء، امتدت أشعار اللورد بايرون إلى عوالم أخرى متنوعة كالسفر والترحال، على منوال قصيدة “رحلة تشايلد هارولد”، التي ألهمه كتابتها سفرُه إلى البحر المتوسط وبحر أيجه.
– حقّقت “رحلة تشايلد هارولد” نجاحا باهرا، إذ نفدت منها 500 نسخة في ظرف ثلاثة أيام فقط.
وخلال رحلاته العديدة، اكتشف المتوسط والشرق، واحتك بشعوبهما، فكان لذلك عميق الأثر في كتاباته. نلمس ذلك في أكثر من مؤلَّف، من خلال المكان المدمج في بنية القصيدة وأبطالها، على منوال قصيدة «عروس أبيدوس» سنة 1813 المستوحاة من الثقافة التركية الإسلامية، التي يلعب أدوارها شخوص شرقيون أمثال: “سليم” و”زليخة” و”الباشا”، وقد أسهمت في زيادة شهرته.
وكان لظروف نشأته الصعبة وعلاقة والديه المضطربة، أثر بارز في حياته وكتاباته. فبعد وفاة والدته في 1811، انغمس في حياة اللهو والمجون، وتورّط في علاقات غرامية مع عدد من النساء أمثال ليدي أكسفورد، والروائية الإنجليزية ليدي كارولين لامب، التي وصفته بعد أول لقاء بـ«مجنون» و«سيئ» وقالت بإنّ «التعرّف إليه خطر». لكنها بعد ذلك فتنت به، وبقيت هائمة في عشقه حتى بعدما تخلّى عنها.. وقد أثارت هذه العلاقة اهتمام الرأي العام، لا سيّما أن كارولين كانت متزوجة.
لم يتوقف شغفُ “بايرون” بالنساء عند هذا الحد، فقد بلغ به الأمر حدّ التورط في علاقة حميمة مع أخته غير الشقيقة (أوغستا) في صيف 1813، وكانت هي الأخرى متزوجة. وقد أثار انحرافه الجنسي جدلا كبيرا، فبالإضافة إلى علاقات غرامية متعددة مع حسناوات عصره، كانت له أيضا علاقات مع الذكور في مدرسة هارو”، وبعد ذلك في كلية الثالوث بكامبريدج. وقد أثارت هذه العلاقات جدلا في أوساط المجتمع وأثَّرت على سمعته.
وللخروج من هذه الدوامة والحياة المضطربة، عرض اللورد بايرون الزواج على عالمة الرياضيات “آن إيزابيلا” في 1814، وتم الزواج في شهر جانفي 1815، وأنجبت منه بنتا، هي ابنته الوحيدة الشرعية. لكن هذه العلاقة لم تستمر أكثر من سنة واحدة، حيث هجرته زوجته في جانفي 1816.
كان تعثّر هذا الزواج حتميّا، لاختلاف شخصيّتيهما. كانت إيزابيلا امرأة متديّنة ملتزمة، تعيش حياة محافظة، بينما كان هو متحررا متهورا، يعيش حياة عربدة مجرّدة من القيود.
بعد ذلك بقليل، في شهر أفريل 1816، رحل بايرون عن إنجلترا بلا رجعة. وقد اختلفت الآراء في أسباب رحيله.
والأرجح أن يكون اللورد بايرون قد غادر بمحض إرادته، لجملة من الأسباب على رأسها الشعور بالضغط النفسي والتوتر والذنب وعدم الاستقرار بعد انهيار علاقته الزوجية، حيث فقد زوجته وابنته الوحيدة.
قد يكون الضغط الاجتماعي أيضا من أسباب ذلك. فاللورد بايرون لم يكن يشعر بالراحة والأمان في الفترة الأخيرة من حياته في إنجلترا، في مجتمع منزعج من سلوكه، وفي نظام صارم تجاه مثليته، مقيّد لحريته. فربما كان الرحيل فرارا من الواقع، ورغبة في التحرر من القيود. وبلدان المتوسط التي زارها من قبل وفّرت له التحرر الجنسي، حيث استطاع أن يعيش علاقات جديدة في هذه البلدان، كان آخرها في إيطاليا مع “تيريزا”، المرأة الشابة الحسناء زوجة الكونت “ألكسندر كسيولي”.
في عام 1824، رحل اللورد بايرون متأثرا بالحمّى، بينما كان في “ميسولونغي” في غرب اليونان، يساند الكفاح اليوناني لأجل الاستقلال. وإلى يومنا هذا تبقى ملحمةُ “دون جوان” الساخرة التي شرع في نشرها سنة 1819، وتوفي بالحمّى قبل أن ينتهي من كتابتها، مؤلَّفَه الأكثر شهرة ونجاحًا.