لقب بمجنون لهيامه الشديد بابنة عمه ليلى العامرية التي عشقها منذ الطفولة، وحين كبرا رفض أهلها زواجه منها، فقال في حبها وحرمانه منها أشعارا كثيرة، مفعمة بالهيام والوله والشوق لحبيبته التي كانت تبادله الحب.
قصته مع حبيبته ليلى:
قيس بن الملوح هو ابن عمّ ليلى، وقد نشآ معاً منذ طفولتهما، وكانا يرعيان الأغنام معا، كما كانا رفيقين في اللعب أيّام الصّبا، وهو ما ظهر في شعره حيث قال:
تعلَقت ليلى وهي ذات تمائم
ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أنّنا
إلى اليوم لم نكبر، ولم تكبر البهم
وكعادة أهل البادية، عندما كبرت ليلى حُجبت عنه، وهكذا نجد قيس وقد اشتد به الوجد يتذكّر أيّام الصّبا البريئة ويتمنّى لها أن تعود كما كانت لينعم بالحياة جوارها. وهكذا هام قيس على وجهه ينشد الأشعار المؤثرة التي خلدتها ذاكرة الأدب له في حبّ ابنة عمّه ويتغزّل بها في أشعاره، ثم تقدّم قيس لعمّه طالباً يد ليلى بعد أن جمع لها مهراً كبيراً وبذل لها خمسين ناقة حمراء، فرفض أهلها أن يزوجّوها إليه، حيث كانت العادة عند العرب تأبى تزويج من ذاع صيتهم بالحب وقد تشبّب بها (أي تغزّل بها في شعره) )، لأنّ العرب قديماً كانت ترى أنّ تزويج المحب المعلن عن حبّه بين النّاس عار وفضيحة، وهذه عادة عربية جاهلية ولا تزال هذه العادة موجودة في بعض القرى والبوادي. وقيل رُفِضَ الزّواج بسبب خلاف وقع بين والد قيس ووالد ليلى حول أموال وميراث، وأنّ والد ليلى ظنّ خطأ أنّ عائلة قيس سرقت أمواله منه ولم يبق معه شيء ليطعم أهله. وإن كان الرّأي الأول أرجح وأثبت.
في الوقت نفسه تقدّم لليلى خاطب آخر من ثقيف يدعى ورد بن محمد العُقيلي، وبذل لها عشراً من الإبل وراعيها، فاغتنم والد ليلى الفرصة وزوّجها لهذ الرجل رغماً عنها. ورحلت ليلى مع زوجها إلى الطّائف بعيداً عن حبيبها ومجنونها قيس.
ويُقال أنّه حين تقدّم لها الخطيبان قال أهلها نحن مخيّروها بينكما، فمن اختارت تزوّجته، ثم دخلوا إليها فقالوا: والله لئن لم تختارِ وردًا لنمثلنّ بك، فاختارت وردًا وتزوجته رغماً عنها. فهام قيس على وجهه في البراري والقفار ينشد الشّعر والقصيد، ويأنس بالوحوش، ويتغنّى بحبّه العذريّ، فيُرى حيناً في الشّام، وحيناً في نجد، وحيناً في أطراف الحجاز، إلى أن وُجد ملقىً بين الأحجار وهو ميّت.
أجمل أشعار قيس بن الملوح:
أَنيري مَكانَ البَدرِ إِن أَفَلَ البَدرُ
وَقومي مَقامَ الشَمسِ ما اِستَأخَرَ الفَجرُ
فَفيكِ مِنَ الشَمسِ المُنيرَةِ ضَوءُها
وَلَيسَ لَها مِنكِ التَبَسُّمُ وَالثَغرُ
بَلى لَكِ نورُ الشَمسِ وَالبَدرُ كُلُّهُ
وَلا حَمَلَت عَينَيكِ شَمسٌ وَلا بَدرُ
لَكِ الشَرقَةُ اللَألاءُ وَالبَدرُ طالِعٌ
وَلَيسَ لَها مِنكِ التَرائِبُ وَالنَحرُ
وَمِن أَينَ لِلشَمسِ المُنيرَةِ بِالضُحى
بِمَكحولَةِ العَينَينِ في طَرفِها فَترُ
وَأَنّى لَها مَن دَلَّ لَيلى إِذا اِنثَنَت
بِعَينَي مَهاةِ الرَملِ قَد مَسَّها الذُعرُ
تَبَسَّمُ لَيلى عَن ثَنايا كَأَنَّها
أَقاحٍ بِجَرعاءِ المَراضينِ أَو دُرُّ
مُنَعَّمَةٌ لَو باشَرَ الذَرُّ جِلدَها
لَآثَرَ مِنها في مَدارِجِها الذَرُّ
إِذا أَقبَلَت تَمشي تُقارِبُ خَطوَها
إِلى الأَقرَبِ الأَدنى تَقَسَّمَها البُهرُ
مَريضَةُ أَثناءَ التَعَطُّفِ إِنَّها
تَخافُ عَلى الأَردافِ يَثلُمُها الخَصرُ
فَما أُمُّ خِشفٍ بِالعَقيقَينِ تَرعَوي
إِلى رَشَأٍ طِفلٍ مَفاصِلُهُ خُدرُ
بِمُخضَلَّةٍ جادَ الرَبيعُ زُهائَها
رَهائِمَ وَسمِيٍّ سَحائِبُهُ غُزرُ
وَقَفنا عَلى أَطلالِ لَيلى عَشيَّةً
بِأَجزَعِ حَزوى وَهيَ طامِسَةٌ دُثرُ
يُجادُ بِها مُزنانِ أَسحَمُ باكِرٌ
وَآخَرُ مِعهادُ الرَواحِ لَهُ زَجرُ
وَأَوفى عَلى رَوضِ الخُزامى نَسيمُها
وَأَنوارُها وَاِخضَوضَلَ الوَرَقُ النَضرُ
رَواحاً وَقَد حَنَّت أَوائِلَ لَيلِها
رَوائِحُ لِلإِظلامِ أَلوانُها كُدرُ
تُقَلِّبُ عَينَي خازِلٍ بَينَ مُرعَوٍ
وَآثارِ آياتٍ وَقَد راحَتِ العُفرُ
بِأُحسَنَ مِن لَيلى مِعُيدَةَ نَظرَةٍ
إِلَيَّ اِلتِفاتاً حينَ وَلَّت بِها السَفرُ
مُحاذِيَةً عَيني بِدَمعٍ كَأَنَّما
تَحَلَّبُ مِن أَشفارِها دُرَرٌ غُزرُ
فَلَم أَرَ إِلّا مُقلَةً لَم أَكَد بِها
أَشيمُ رُسومَ الدارِ ما فَعَلَ الذِكرُ
رَفَعنَ بِها خوصَ العُيونِ وَجوهُها
مُلَفَّعَةٌ تُرباً وَأَعيُنُها خُزرُ
وَما زِلتُ مَحمودَ التَصَبُّرِ في الَّذي
يَنوبُ وَلَكِن في الهَوى لَيسَ لي صَبرُ
***
أَيا شِبهَ لَيلى لا تُراعي فَإِنَّني
لَكِ اليَومَ مِن بَينِ الوُحوشِ صَديقُ
وَيا شِبهَ لَيلى أَقصِرِ الخِطوَ إِنَّني
بِقُربِكِ إِن ساعَفتِني لَخَليقُ
وَيا شِبهَ لَيلى رُدَّ قَلبي فَإِنَّهُ
لَهُ خَفَقانٌ دائِمٌ وَبُروقُ
وَيا شِبهَها أَذكَرتَ مَن لَيسَ ناسِياً
وَأَشعَلتَ نيراناً لَهُنَّ حَريقُ
وَيا شِبهَ لَيلى لَو تَلَبَّثتَ ساعَةً
لَعَلَّ فُؤادي مِن جَواهُ يُفيقُ
وَيا شِبهَ لَيلى لَن تَزالَ بِرَوضَةٍ
عَلَيكَ سَحابٌ دائِمٌ وَبُروقُ
فَما أَنا إِذ أَشبَهتُها ثُمَّ لَم تَؤُب
سَليماً عَلَيها في الحَياةِ شَفيقُ
عُتِقتِ فَأَدّي شِكرَ لَيلى بِنِعمَةٍ
فَأَنتِ لِلَيلى إِن شَكَرتِ طَليقُ
فَعَيناكِ عَيناها وَجيدُكِ جيدُها
سِوى أَنَّ عَظمَ الساقِ مِنكِ دَقيقُ
وَكادَت بِلادُ اللَهِ يا أُمَّ مالِكٍ
بِما رَحُبَت مِنكُم عَلَيَّ تَضيقُ
يُذَكِّرُني لِلوَصلِ أَيّامَنا الأُلى
مَرَرنَ عَلَينا وَالزَمانُ وَريقُ
أَرُدُّ سَواءَ الطَرفِ عَنكِ وَما لَهُ
عَلى أَحَدٍ إِلّا عَلَيكِ طَريقُ
عَسى إِن حَجَجنا أَن نَرى أُمَّ مالِكٍ
وَيَجمَعَنا بِالنَخلَتَينِ مَضيقُ
تَتوقُ إِلَيكِ النَفسُ ثُمَّ أَرُدُّها
حَياءً وَمِثلي بِالحَياءِ حَقيقُ
وَلَو تَعلَمينَ الغَيبَ أَيقَنتِ أَنَّني
وَرَبِّ الهَدايا المُشعِراتِ صَديقُ
سَلي هَل قَلاني مِن عَشيرٍ صَحِبتُهُ
وَهَل ذَمَّ رَحلي في الرِفاقِ رَفيقُ
***
أَلا يا حَماماتِ الحِمى عُدنَ عَودَةً
فَإِنّي إِلى أَصواتِكُنَّ حَنونُ
فَعُدنَ فَلَمّا عُدنَ عُدنَ لِشِقوَتي
وَكِدتُ بِأَسرارٍ لَهُنَّ أُبينُ
وَعُدنَ بِقَرقارِ الهَديرِ كَأَنَّما
شَرِبنَ مُداماً أَو بِهِنَّ جُنونُ
فَلَم تَرَ عَيني مِثلَهُنَّ حَمائِماً
بَكَينَ فَلَم تَدمَع لَهُنَّ عُيونُ
وَكُنَّ حَماماتٍ جَميعاً بِعَيطَلٍ
فَأَصبَحنَ شَتّى ما لَهُنَّ قَرينُ
فَأَصبَحنَ قَد قَرقَرنَ إِلّا حَمامَةً
لَها مِثلَ نَوحِ النائِحاتِ رَنينُ
تُذَكِّرُني لَيلى عَلى بُعدِ دارِها
رَواجِفُ قَلبٍ باتَ وَهوَ حَزينُ
إِذا ما خَلا لِلنَومِ أَرَّقَ عَينَهُ
نَوائِحُ وُرقٍ فَرشُهُنَّ غُصونُ
تَداعَينَ مِن بَعدِ البُكاءِ تَأَلُّقاً
فَقَلَّبنَ أَرياشاً وَهُنَّ سُكونُ
فَيا لَيتَ لَيلى بَعضُهُنَّ وَلَيتَني
أَطيرُ وَدَهري عِندُهُنَّ رَكينُ
أَلا إِنَّما لَيلى عَصا خَيزُرانَةٍ
إِذا غَمَزوها بِالأَكُفِّ تَلينُ