هذا «نفمبر»، قم وحيّ المدفعا
واذكر جهادك والسنين الأربعا
واقرأ كتابك، للأنام مفصلاً
تقرأ به الدنيا الحديث الأروعا!
واصدعْ بثورتك الزمان وأهله
واقرعْ بدولتك الورى والمجمعا
واعقدْ لحقّك في الملاحم ندوةً
يقف السلاح بها خطيباً مصقعا
وقل الجزائر! واصغِ إن ذكر اسمها
تجد الجبابرَ ساجدين وركّعا
إن الجزائر في الوجود رسالةٌ
الشعب حرّرها، وربّك وقَّعا
إن الجزائر قطعٌة قدسيةٌ
في الكون لحنها الرصاص ووقّعا
وقصيدةٌ أزليةٌ، أبياتها
حمراء، كان لها «نفمبر» مطلعا
نظمت قوافيها الجماجمُ في الوغى
وسقى النجيعُ رويَّها فتدفَّعا
غنّى بها حرُّ الضمير، فأيقظت
شعبًا إلى التحرير شمَّر مسرعا
سمع الأصمُّ رنينَها فعنا لها
ورأى بها الأعمى الطريقَ الأنصعا
ودرى الألى جهلوا الجزائر أنها
قالت «أريد» فصمَّمتْ أن تلمعا
ودرى الأُلى، جحدوا الجزائر، أنها
ثارت، وحكّمت الدما والمدفعا
شقّتْ طريقَ مصيرها بسلاحها
وأبت بغير المنتهى، أن تقنعا
شعبٌ دعاه إلى الخلاص بُناتُه
فانصبَّ مذ سمع الندا وتطوَّعا
نادى به جبريلُ في سوق الفدا
فشرى وباع بنقدها وتبرَّعا
فلكم تصارع والزمان فلم يجد
فيه الزمانُ وقد توحّد مطمعا
واستقبلَ الاحداثَ منها ساخرًا
كالشّامخات تمنُّعًا وترفُّعا
وأراده المستعمرون عناصرًا
فأبى مع التاريخ أن يتصدَّعا
واستضعفوه فقرروا إذلاله
فأبت كرامته له أن يخضعا
واستدرجوه، فدبروا إدماجه
فأبت عروبته له أن يُبلعا
وعن العقيدة زوّروا تحريفه
فأبى مع الإيمان أن يتزعزعا
وتعمّدوا قطع الطريق فلم تُرِد
أسبابه بالعرب أن تتقطعا
نسبٌ بدنيا العرب زكّى غرسَه
ألمٌ، فأورقَ دوحُه وتفرَّعا
سببٌ، بأوتار القلوب، عروقه
إن رنّ هذا، رنّ ذاك، ورجّعا
إما تنهَّدَ بالجزائر موجعٌ
آسى الشآم جراحَه وتوجَّعا
واهتزَّ في أرض الكنانة خافقٌ
وأقضّ في أرض العراق المضجعا
وارتجّ في الخضراء، شعبٌ ماجدٌ
لم تثنه أرزاؤه أن يفزعا
وهوت مراكش حوله وتألمت
لبُـنان، واسْتَعْدتْ جُدَيْسَ وتُبَّعا!
تلك العروبة إن تثِر أعصابَها
وَهَنَ الزمانُ حيالها وتضعضعا!!
الضّاد، في الأجيال خَلَّدَ مجدها
والجرحُ وحَّدَ في هواها المنزعا
فتماسكت بالشرق جمهوريةً
عربيةً وجدت بمصر المرتعا
ولَـمصرُ دارٌ للعروبة، حرةٌ
تؤوي الكرامَ، وتسند المتطلِّعا
سحرت روائعها المدائن عندما
ألقى عصاه، بها الكليم فروّعا
وتحدّثُ الهرمَ الرهيبَ، مُباهيًا
بجلالها الدنيا، فأنطق يُوشعا
واللهُ سطّر لوحَها بيمينه
وبنهرها سكب الجمال فأبدعا
النيل فتّح للغريب ذراعه
والشّعب فتّح للشّقيقِ، الأضلُعا
والجيشُ، طهر بالقتال، قنالها
و«جمال» أعمل في حشاها المبضعا
والطّور أبكى من تعوّد أن يرى
في حائط المبكى يسيل الأدمعا
والسدُّ سَدَّ على اللئام منافذًا
وأزاح عن وجه الذئاب البُرقُعا
وتعلم «التاميز» عن أبنائها
«والسين» درساً في السياسة مقنعا
وتعلم المستعمرون حقيقةً
تبقى لمن جهل العروبة مرجعا
دنيا العروبة لا ترجحُ جانبًا
في الكتلتين، ولا تفضّلُ موضعا
للشّرق، في هذا الوجود رسالةٌ
عَلْماء، صدّق وحيها فتجمَّعا
يا مصرُ! يا أختَ الجزائر في الهوى!
لك في الجزائر حرمة لن تُقطعا!
هذي خواطر شاعرٍ، غنّى بها
في الثورة الكبرى فقال وأسمعا
وتشوقاتٌ، من حبيسٍ موثقٍ
ما انفكَّ صبّاً، بالكنانةً مولعا
خلُصت قصائده، فما عرف البكا
يوماً، ولا ندبَ الحِمى والمربعا
إن تدعُه الأوطانُ، كان لسانَها
أو تدعه الجلّى، أجاب وأسرعا
سمع الذبيح ببربروسَ فأيقظتْ
صرخاته، شعر الخلود فلعلعا
ورآه كبّر للصّلاة، مهللاً
في مذبح الشهدا فقام مسمِّعا
ورأى القنابلَ كالصواعق إن هوتْ
تركت حصون ذوي المطامع بلقعا
ورأى الجزائر، بعد طول عنائها
سلكت بثورتها السبيل الأنفعا
وطنٌ يعزُّ على البقاء وما انقضى
رغم البلاء، عن البلى، متمنِّعا
لم يرضَ يوماً بالوثاق، ولم يزلْ
متشامخاً مهما النكال تنوَّعا
هذي الجبالُ الشاهقات شواهدٌ
سخرت بمن مسخ الحقائق وادعى
سَلْ «جرجرا» تنبئك عن غضباتها
واستفت «شليا» لحظةً و «شلعلعا»
واخشع بـ «وارشنيس» إن ترابها
ما انفك للجند المعطر مصرعا
كسرت «تلمسان» الضليعةُ ضلعَه
ووهى «بصبرة» صبره فتوزَّعا
ودعاه «مسعود» فأدبر، عندما
لاقاه «طارق» سافراً ومقنّعا
الله فجّر خلده برمالنا
وأقام عزرائيل يحمي المنبعا!!
تلك الجزائر تصنع استقلالها
تَخِذَتْ لها، مُهَجَ الضحّايا، مصنعا
طاشت بها الطرقات، فاختصرت لها
نهج المنايا للسيادة مَهْيَعا
وامتصّها المتزعمون، فأصبحت
شِلواً، بأنياب الذئاب ممزّعا
وإذا السّياسة لم تفوّضْ أمرَها
للنار، كانت خدعةً، وتصنُّعا
إني رأيت الكونَ يسجدُ خاشعاً
للحق والرشاش، إن نطقا معا!
خبّر فرنسا، يا زمانُ بأننا
هيهات في استقلالنا أن نُخدعا
واستفتِ يا ديغولُ شعبَك، إنه
حكم الزمانُ، فما عسى أن تصنعا؟
شعبُ الجزائر قال في استفتائه
لا!! لن أبيح من الجزائر إصبعا
واختار يومَ الاقتراع نفمبراً
فمضى، وصمّم أن يثور، ويقرعا