حمل الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم اسم جده، كغيره الكثير من الأبناء، إذ شاع في الثقافة الشعبية العربية أن يسمي الأب أبنه على اسم والده، ليظهر بذلك شكلاً من أشكال المحبة والرضى، أو ليحيي ذكرى والده إن كان مُتوفى .
وصار اسمه بعد قصائد لقيت طريقها إلى الصحف والمجلات، أسماً له رنينٌ، إذ تكرار إبراهيم في الاسم الثلاثي أضفى مزاجاً أدبياً، فهو بذلك يتشاكل مع عدد من أعلام الثقافة العربية الذين يحملون أسماء أجدادهم، أمثال، جبرا إبراهيم جبرا، وجبران خليل جبران، وغيرهم .
ولد إبراهيم محمد إبراهيم في الثاني والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول عام ،1961 في دبي، وهناك عاش طفولة خصبة بالشقاوة والفرح، امتزج فيها البحر بالبر، وامتلأت بالركض في الزقاق، واللهو مع الصبية .
أنهى تعليمه الابتدائي والثانوي في دبي، لينتقل بعد ذلك إلى بيروت، حيث التحق بجامعة بيروت العربية التي كانت في منتصف السبعينات وحتى الثمانينات وجهة الطلبة العرب للدراسة، إذ يشترك إبراهيم بذلك مع كثيرٍ من أبناء جيله على صعيد الإمارات والبلدان العربية .
التحق بكلية الآداب في قسم اللغة العربية، ليشحذ أدواته في صناعة القصيدة، فليست الموهبة وحدها كفيلة في مَس شعرية المفردة واصطياد المعنى، فقضى سنوات دراسته مصغياً هادئاً للشعرية فيه، شاباً متمرداً على اليومي في حياته
الحياة البيروتية في أوائل الثمانينات ليست حياة تقليدية في عين شاب من أسرة محافظة في الخليج العربي، فانفتاح بيروت على الثقافة الفرانكفونية وتعدد المذهبيات فيها، يجعل منها حياة مملؤة باكتشاف الجديد وتجربة الممكن . وليس ذلك وحسب، بل الحراك الشعري الثقافي في تلك المرحلة حراك متوهج يفيض على الحالة الثقافية العربية بأسماء كبيرة من الأدباء والشعراء، وذلك بالضرورة أسهم في مزاج وشكل القصيدة عند إبراهيم .
بدأ نشر قصائده في الصحف والمجلات الإماراتية منذ عام ،1980 كما كان له في تلك المرحلة تجارب في النشر في العديد من الصحف والمجلات العربية، ورافق ذلك مشاركاته المستمرة في الأمسيات والمهرجانات الشعرية التي كانت تقيمها مختلف المؤسسات التعليمية والثقافية والجمعيات .
بعد سنوات دراسة بيروتية مملوءة بالتجريب والتعرف وصقل الأدوات، أشتغل إبراهيم محمد إبراهيم على مشروع ديوانه الأول، وظل ينحت القصيدة تلو الأخرى، إلى أن أطل عام 1990 بديوانه الأول صحوة الورق .
بدا إصدار إبراهيم وكأنه صحوة يعيشها الشاعر وينتقل فيها من مساحة القصيدة المنشورة على صفحات جريدة أو مجلة، إلى مساحة تتدثر فهيا القصيدة بدفتي كتاب، الأول يحمل عنوان صحوة الورق والثاني يحمل مقطعاً من قصيدة .
تابع إبراهيم مشوار القصيدة إلا أنه بدا متأنياً حاذقاً في صناعة شعره، لا يورّط النص في بياض الورق، بل يتركه يصوغ نفسه ويتولد في الذهن، ليولد كاملاً متوهجاً يشع في التفعيلية صوراً وإيقاعاً . فأصدر بعد سبع سنوات – 1997 – ديوانه الثاني فساد الملح .
من حياة خصبة بمشهديات البحر، واختلاط الرزقة بصفرة الرمل، كتب إبراهيم مذاق البحر وخرج من القصيدة مبللاً وكأنه استعاد البحر في يومه أو جره إلى النص بكامله، بملحه وانعكاس الضوء فيه ووحشته المظلمة، هكذا يصوغ إبراهيم قصيدته لا يحضر المفردات البعيدة فيه، بل يقترب من نفسه ومكانه ليكتب شعرية حقيقة تنقل واقعية ملموسة إلى عوالم القصيدة .
سنوات ثلاث مضت كان يسير فيها إبراهيم بين القصيدة والفعل الثقافي، فهو إلى جانب الشعر كان يرأس لجاناً وأندية ثقافية يسهم فيها بتحريك المشهد الثقافي، وفي عام 2000 أصدر ديوانه الثالث الذي حمل عنوان هذا من أنباء الطير .
واصل إبراهيم في قصيدته اشتغال الملموس حوله ونقله إلى فضاءات شعرية تتسع كلما زارها الشاعر بمخيلة حاذقة ومفردات صقيلة، فأصدر بعد هذا من أنباء الطير مجموعات شعرية منها: الطريق إلى رأس التل، وعند باب المدينة، وخروج من الحب . . دخول إلى الحب، ومس من شتاء، وغيرها، وصولاً إلى ديوانه سكر الوقت الذي نال عليه جائزة أفضل كتاب إماراتي في معرض الشارقة الدولي للكتاب عام ،2012 وأصدر بعده أربع مجموعات كان آخرها بعنوان جبل الراهبات .
شكّل سكر الوقت مرحلة فاصلة في مسيرة القصيدة عند إبراهيم فقال عنه: ما يميز هذا الكتاب الشعري أنه يتكون من قصيدة واحدة طويلة، ولم تكن هذه تجربتي الأولى في هذا المجال فقد سبقتها تجربة قصيدة: خروج من الحب . . دخول إلى الحب التي كتبتها في ماليزيا ووثقتها أيضاً في ديوان مستقل . أما قصيدة سكر الوقت فقد بدأت كتابتها في فيينا مروراً بزيلامسي في النمسا وختمتها في مدينة ميونخ في ألمانيا وقد استغرقت كتابتها 15 يوماً . هذه القصيدة تتكئ على فكرة رصد الواقعي والمرئي بأدوات رمزية فلسفية ذات أبعاد وجودية وإنسانية . السكر حيثما ورد في هذه القصيدة يرمز إلى الحلم الجميل أو التجربة الحلوة أو المرأة أو الوطن .
حصل إبراهيم على جائزة الدولة التقديرية عام 2009 في الشعر الفصيح، فكانت الجائزة أشبه بتكريم على جهد ثقافي طويل لم ينقطع، فهو إلى جانب القصيدة تولى منذ بداية الثمانينات مهام عدة في العمل الثقافي التطوعي، كان منها: رئاسة اللجنة الثقافية في نادي الشباب الثقافي الرياضي، ورئاسة اللجنة الثقافية في اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، لدورتين متتاليتين، ورئاسة اللجنة الثقافية، ثم اللجنة الأدبية بالنادي الثقافي العربي في الشارقة، إضافة إلى المهرجانات والأمسيات التي شارك فيها محلياً، وعربياً فكانت له مشاركات كثيرة مثّل خلالها الإمارات، في العديد من البلدان مثل: مصر، والعراق وسوريا والكويت وعمان والبحرين وفرنسا .