عندما جن الليل و ألقى الكرى رداءه على وجه الأرض ، تركت مضجعي و سرت نحو البحر قائلا في نفسي: البحر لا ينام، وفي يقظة البحر تعزية لروح لا تنام.
بلغت الشاطئ وكان الضباب قد انحدر من أعالي الجبال، وغمر تلك النواحي مثلما يوشّي النقاب الرمادي وجه الصبية الحسناء.
فوقفت محدقا إلى جيوش الأمواج مصغيا إلى تهاليلها، مفكرا بالقوى الكامنة وراءها، تلك القوى التي تركض مع العواصف، وتثور مع البراكين، وتبتسم بثغور الورود، و تترنم مع الجداول.
وبعد هنيهة التفت فإذا بثلاثة أشباح جالسين على صخر قريب، و أغشية الضباب تسترهم ولا تسترهم، فمشيت نحوهم ببطء كأن في كيانهم جاذبا يستميلني قسر إرادتي.
ولما صرت على بضع خطوات منهم، وقفت شاخصا بهم كأن في المكان سحرا جمّد ما بي من العزم، و أيقظ ما في روحي من الخيال.
في تلك الدقيقة وقف احد الأشباح الثلاثة ، وبصوت خلته آتيا من أعماق البحر قال: الحياة بغير الحب كشجرة بغير أزهار ولا ثمار، والحب بغير الجمال كأزهار بغير عطر، وثمار بغير بذور.
وجلس في مكانه، ثم انتصب الشبح الثاني، وبصوت يماثل هدير مياه غزيرة، قال: الحياة بغير تمرد كالفصول بغير ربيع، و التمرد بغير حق كالربيع في الصحراء القاحلة الجرداء.
ثم انتصب الشبح الثالث، وبصوت كقصف الرعد، قال : الحياة بغير الحرية كجسم بغير روح، والحرية بغير الفكر كالروح المشوشة.
وحدث إذ ذاك سكوت مفعم بحفيف أجنحة غير منظورة، وارتعاش أجسام أثيرية، فأغمضت عيني مصغيا إلى صدى الأقوال التي سمعتها، ولما فتحتهما، ونظرت ثانية لم أر غير البحر متشحا بدثار الضباب، فاقتربت من الصخرة حيث كان الأشباح الثلاثة جالسين، فلم أر إلا عمودا من البخور متصاعدا نحو السماء.
تعليق واحد
أؤمن بهذا المبدع الفذ وإبداعاته المثيرة للاهتمام فهو أديب وشاعر ورسام عالمي، لكن نصه هذا لم يعجبني.